مصر «تغازل» مستثمرين خليجيين عبر «بوابة الأمن»

مصري يتفحص مسودة مطبوعة للدستور الجديد في أحد شوارع وسط القاهرة أمس وسط زخم شعبي أغلبه يميل نحو الموافقة (أ.ب)
مصري يتفحص مسودة مطبوعة للدستور الجديد في أحد شوارع وسط القاهرة أمس وسط زخم شعبي أغلبه يميل نحو الموافقة (أ.ب)
TT

مصر «تغازل» مستثمرين خليجيين عبر «بوابة الأمن»

مصري يتفحص مسودة مطبوعة للدستور الجديد في أحد شوارع وسط القاهرة أمس وسط زخم شعبي أغلبه يميل نحو الموافقة (أ.ب)
مصري يتفحص مسودة مطبوعة للدستور الجديد في أحد شوارع وسط القاهرة أمس وسط زخم شعبي أغلبه يميل نحو الموافقة (أ.ب)

وصف الدكتور حازم الببلاوي، رئيس الوزراء المصري، الانتهاء من مشروع الدستور الجديد للبلاد بأنه نجاح كبير في تطبيق خارطة الطريق التي توافقت عليها القوى السياسية، مضيفا في تصريحات له أمس قائلا: «ذلك يزعج البعض.. وهم قلة، ولكن لن يتركوا لنا الفرصة ونحن نعرف ذلك».
وسلم عمرو موسى، رئيس لجنة «الخمسين»، مشروع الدستور الجديد إلى الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور أول من أمس تمهيدا لإصداره قرارا بالاستفتاء الشعبي عليه خلال 30 يوما، وفقا لنص الإعلان الدستوري الذي جرى وضعه عقب عزل الرئيس السابق محمد مرسي في يوليو (تموز) الماضي، على أن يعقب ذلك انتخابات برلمانية ورئاسية.
وأبدت معظم الأحزاب المدنية موافقتها على الدستور، في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين وتحالفها من الإسلاميين، الذين أعلنوا أمس رفضهم الاستفتاء لـ«عدم إعطاء شرعية للانقلاب»، على حد وصفهم. في حين يهدد الانقسام شباب الثورة، بسبب تحفظ البعض على عدة نصوص، أبرزها ما يتعلق بصلاحيات الجيش ومحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري.
وفي افتتاحه لـ«منتدى الاستثمار المصري الخليجي» بالقاهرة أمس، قال الدكتور حازم الببلاوي إن «الدولة كل يوم تزداد قوة، وهي تسير بقوة ثابتة وراسخة. ومن أهم مظاهرها أنها - ومنذ اللحظة الأولى - أكدت أنها دولة قانون تحترم القانون، وأن ما يصدر عنها سينفذ بكل قوة وبكل حسم.. ولكن بلا تعسف وبلا شراسة».
وأضاف: «أعداء هذا الوطن - وهم كثيرون - كلما نحقق نجاحا أكبر، تزداد الشراسة. ولذلك أقول، ونحن نزداد يوما بعد يوم رسوخا على الأرض وشعورا بالاطمئنان، ستزداد أعمال الإرباك.. وهذا ليس دليلا على ارتباك الأحوال، وإنما دليل على النجاح؛ لأن هناك نفرا قليلا كلما يفقد الأرض يزداد شراسة».
وأكد رئيس الوزراء أن الدولة في غاية القوة والتصميم على المضي قدما في تطبيق خارطة الطريق، ووراءها الغالبية العظمى من جموع الشعب، مشددا على أنه «كلما كسبنا قطعة أرض جديدة - سواء في المسار الدستوري وفي الاستقرار السياسي وفي الانتخابات البرلمانية والرئاسية - فإن هذا يزعج البعض.. وهم قلة؛ ولكن لن يتركوا لنا الفرصة، ونحن نعرف ذلك».
وطالب الببلاوي بفهم المشهد جيدا، معتبرا أن «ما تحقق في لجنة الخمسين يعد نجاحا كبيرا، والوثيقة التي خرجت بتوافق في اليومين الأخيرين لأعمال اللجنة، حيث جرى التصويت، جاءت بصورة مذهلة في الإحساس بالمسؤولية وفي التعبير عن الرأي والسرعة والتوافق في الحصول على نتيجة نسعد بها جميعا. ونتيجة لهذا اشتعلت المظاهرات وستشتعل، ولكن لن تنجح.. فالطريق واضح»، مؤكدا «أننا نكسب كل يوم أكثر».
وأكد الببلاوي أنه يجب على المواطن المصري أن «يدرك حين يقوم بالتصويت على الدستور الجديد أنه عمل بشري، بمعنى أنه لا يمكن أن يحوز رضا الجميع». وأضاف أن الحكومة الحالية تعمل على تهيئة الأجواء وعودة الاستقرار الأمني، وذلك من خلال رؤية شاملة للأوضاع، لافتا إلى أن الحكومة حققت نجاحات هامة وملحوظة في مجال الأمن خلال الفترة الماضية.
وفي السياق ذاته، أكد الدكتور شوقي علام، مفتي مصر، أن «التعديلات الجديدة على الدستور تعبر عن كل أطياف الشعب المصري، كما أنه أعطى حقوقا كثيرة للطوائف التي كانت مهمشة».
وأضاف، خلال استقباله أمس وفدا من البرلمان الأوروبي، أن إقرار الدستور سوف يحقق الاستقرار للبلاد، مؤكدا أن الأزهر الشريف كان له دور كبير في الدستور، وإحداث حالة من التوافق بين الجميع انطلاقا من دوره الوطني الكبير.
في المقابل، أعرب «التحالف الوطني لدعم الشرعية»، الذي يضم مؤيدين للرئيس المعزول محمد مرسي، عن رفضه الاستفتاء على مسودة الدستور الجديد في البلاد. واتهم التحالف، في بيان له نشر أمس، من سماهم قادة الانقلاب العسكري بأنهم «لم يفهموا رسائل ثورة المصريين المتصاعدة والوضع الخطير الذي يدفعون إليه الوطن الغالي».
ووصف البيان «الاستفتاء المقبل بأنه نسخة طبق الأصل من استفتاءات مبارك المزورة»، قائلا إن «الانقلابيين يدعون لاستفتاء مزور معروفة نتيجته مسبقا لتجميل صورتهم وتقديم مسوغ اعتراف من الغرب الذي يتآمر معهم».
وأعرب التحالف عن رفضه المشاركة في الاستفتاء على الدستور، قائلا إنه «يرفض أي إجراء يترتب على الانقلاب العسكري، وآخره هذا العبث الذي جرى بليل في مجلس الشورى في سرية تامة، وكأن الشعب المصري شعب من الأعداء يريدون مباغتته بوثيقتهم المسمومة، بعد إفساد معالم الهوية والحريات والحقوق بالغة الوضوح في دستور 2012 الشرعي»، بحسب قولهم.
من جهة أخرى، بدا الانقسام واضحا بين القوى والحركات الثورية على تقييم المسودة النهائية للدستور، فبينما بدأت بعض الحركات وعلى رأسها «تمرد» الحشد للتصويت بـ«نعم»، أبدت أخرى رفضها للدستور اعتراضا منها على المواد الخاصة بجواز محاكمة المدنيين عسكريا، وصلاحيات الجيش، والسماح لرئيس الجمهورية بتعيين خمسة في المائة من أعضاء البرلمان.
وعبرت أميمية ماهر، القيادية بحزب الدستور، عن حيرتها ما بين الرفض والموافقة، قائلة لـ«الشرق الأوسط» إن لديها «تحفظات كثيرة على عدة مواد، أبرزها صلاحيات الجيش.. لكن في المقابل فإن رفض الدستور يصب في مصلحة الإخوان. ونحن كشباب للثورة نقف ضد الحكم العسكري والإخوان أيضا، وهذا ما يضعنا في مأزق»، مشيرة إلى أن «القيادة المركزية للحزب ستجتمع لتحدد موقفها، وفي الأغلب سيكون الاتجاه بالموافقة باعتبار أن ذلك يسرع من تجاوز المرحلة الانتقالية».
وأعلنت مجموعة «لا للمحاكمات العسكرية» تمسكها بموقفها الرافض للمسودة الحالية، والدعوة للتصويت بـ«لا». وقالت الناشطة دينا عمر لـ«الشرق الأوسط»: «طلباتنا بسيطة جدا ومن السهل تحقيقها، لكن مع ذلك هناك تجاهل عن قصد من السلطة»، مضيفة أن «الجميع يعلم رفضنا لمادة المحاكمات العسكرية، لكنهم مصرون عليها رغم ذلك، وعليهم هم أن يخشوا من عودة الإخوان وليس نحن».
ومن جانبها، قالت حركة «شباب 6 أبريل» إنها ستعقد مؤتمرا صحافيا خلال يومين لإعلان موقفها النهائي من مسودة الدستور بعد دراسة موقف الحركة من خلال لجنة تضم قانونيين وحقوقيين.
في المقابل، اعتبر محمد عبد العزيز، مسؤول الاتصال السياسي بحركة «تمرد» وأحد ممثليها في لجنة الخمسين، أن «التصويت بنعم على الدستور يعني نعم لـ30 يونيو (حزيران) و25 يناير (كانون الثاني)»، داعيا للحشد من أجل الموافقة عليه.
وقال عصام الشريف، المنسق العام للجبهة الحرة للتغيير السلمي، إن «الجبهة قررت القبول بالدستور من أجل استكمال خارطة الطريق والخروج بالبلد من عنق الزجاجة، وستسعى لتعديل المواد الخلافية من خلال طرق سلمية والتواصل مع رئاسة الجمهورية والبرلمان المقبل».
واعتبر الشريف أن تمرير الدستور هو التحدي الأكبر لثورة 30 يونيو وتحقيق أهداف 25 يناير، مشيرا إلى أن «إسقاط الدستور هو الهدف الأساسي لجماعة الإخوان والمتحالفين معهم، ويعملون من الآن على إعداد مراقبين دوليين لادعاء أن نتيجة التصويت على الدستور المقبل مزورة».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».