الأكراد عاتبون في الذكرى الـ30 لـ مذبحة {الكيماوي} في حلبجة

العبادي يعد كردستان بمفاجأة سارة قبل أعياد النوروز

TT

الأكراد عاتبون في الذكرى الـ30 لـ مذبحة {الكيماوي} في حلبجة

ارتدوا ملابسهم السوداء وحملوا صور أبنائهم وشاركوا في إحياء الذكرى الثلاثين لمقتل نحو 5 آلاف كردي عراقي، معظمهم من النساء والأطفال في هجوم كيماوي على مدينة حلبجة، القريبة من الحدود مع إيران.
حمل الآلاف صور نساء وأطفال قتلوا في 16 مارس (آذار) 1988، بقنابل الغاز التي ألقتها طائرات عراقية بأمر من نظام صدام حسين، فيما يعد أسوأ هجوم كيماوي يستهدف مدنيين في التاريخ.
ثلاثة عقود مرت على مجزرة «حلبجة» الفريدة من نوعها؛ إذ كانت المرة الأولى التي يستخدم فيها نظام حكم الأسلحة الكيماوية المحظورة دولياً، بحق العزل من أبناء شعبه، دون رحمة أو شفقة.
فقبل 30 عاماً، ومع اقتراب نهاية الحرب العراقية – الإيرانية، شنت أسراب من طائرات مقاتلة تابعة لسلاح الجو العراقي، غارات مكثفة، على بلدة حلبجة، 83 كلم جنوب شرقي محافظة السلمانية، مستخدمة غازات الخردل والسيانيد السامة، بذريعة طرد القوات الإيرانية التي كانت قد احتلت البلدة قبل وقوع الفاجعة بثلاثة أيام فقط، بالتعاون مع إحدى الفصائل الكردية المعارضة، للنظام العراقي وقتذاك؛ ما أسفر- حسب إحصاءات رسمية لدى السلطات الكردية، وبعض المنظمات الدولية - عن سقوط خمسة آلاف قتيل، وعشرة آلاف جريح.
ومنذ عام 1992 وتشكيل حكومة إقليم كردستان، يحيي في الإقليم وخارجه بحزن وألم، ذكرى تلك الحادثة المروعة عند النصب التذكاري الذي أقيم عند مدخل البلدة، مقروناً بمتحف كبير يضم مجسمات لعدد من أبرز الضحايا، وفي مقدمتهم «عمر خاور» الذي ملأت صوره معظم صحف العالم آنذاك، وهو يحتضن طفله الرضيع صريعاً، عند بوابة منزله أثناء محاولته النجاة عبثاً من آفة الغازات القاتلة، فضلاً عن أسماء الضحايا والمفقودين، ومن بينهم عائلات فقدت عشرة أو أكثر من أبنائها في تلك الحادثة التي يصفها الأكراد بـ«هولوكوست الكرد».
وجرياً على المعتاد، أقيمت أمس (الجمعة) مراسم إحياء الذكرى الثلاثين، لتلك الفاجعة الإنسانية المؤلمة بحضور «مهدي العلاق» أمين عام مجلس الوزراء العراقي، ممثلاً عن رئيس الحكومة حيدر العبادي، الذي قال في كلمة له «إن الحكومة العراقية ستجعل من كارثة حلبجة أساساً للتعايش المشترك في البلاد»، مؤكداً أن حكومته ستزف لسكان الإقليم بشائر سارة قبل حلول أعياد النوروز لهذا العام».
فاطمة محمد، التي كانت في السابعة عشرة حينها، وتنشقت غاز الخردل، تقول في تصريحات صحافية: «أعاني من ضيق التنفس. ما زلت حتى اليوم أعاني من الألم وأتناول الأدوية». شاركت فاطمة في إحياء ذكرى الضحايا، أمس، مع غالبية سكان حلبجة الواقعة ضمن إقليم كردستان العراق، وعددهم نحو 200 ألف نسمة. وسار المشاركون في المراسم الحزينة من ناجين وأقارب للضحايا ومسؤولين عراقيين، عرب وأكراد، ودبلوماسيين أجانب على سجادة حمراء باتجاه نصب تذكاري، حيث وضعوا أكاليل الزهور.
بعدها، توجهت عائلات الضحايا لزيارة المقبرة الكبيرة المخصصة لضحايا الهجوم المروع، حيث وضع على شواهد القبور علم إقليم كردستان المميز بألوانه الأحمر والأخضر والأبيض والأصفر. وأحيت أربيل عاصمة إقليم كردستان الذكرى بالوقوف دقيقة صمت توقفت خلالها الحركة في الشوارع.
وقال لقمان عبد القادر، مدير منظمة ضحايا كارثة حلبجة: «لقد وجهنا اليوم خطاباً شديد اللهجة إلى الحكومة العراقية، التي كنا نأمل أن تعمل بعد زوال النظام السابق، إلى تضميد جراحاتنا وتتعامل مع سكان حلبجة بالأسلوب الذي يتناسب وتضحياتهم وآلامهم، لكن ما حصل للأسف الشديد هو مجرد تغيير في الوجوه والأسماء؛ إذ صارت سياسات بغداد بحق مدينتنا أشد وأقسى من سياسات النظام السابق».
وتابع لـ«الشرق الأوسط»: «خطابنا للمجتمع الدولي، عبارة عن عتب وملام بسبب الصمت المطبق الذي يتخذه العالم، حيال تلك المجزرة المروعة، ويتجاهل عن عمد معاناة الضحايا الذين ما زال العشرات منهم يعانون من آثار ومضاعفات تلك الغازات السامة»، موضحاً أن اللوم والمسؤولية الأكبر تقع على عاتق حكومة إقليم كردستان، التي تجاهلت هذا العام أسر الضحايا، وكذلك الجرحى والمصابين أكثر من عام مضى.
وقال: «توفي من المصابين اثنان آخران منذ مطلع العام الحالي متأثرَين بجراحهما ليرتفع العدد الكلي للضحايا من الجرحى الذين ماتوا بسبب إصاباتهم، إلى مائة وأربعة أشخاص». وأشار عبد القادر إلى عزم الحكومة المحلية في حلبجة، تحريك دعاوى قضائية ضد خمس وعشرين شركة أوروبية، متهمة بتزويد النظام العراقي السابق بتكنولوجيا صناعة الأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً، لكننا في حاجة إلى دعم مادي ومعنوي لتحريك هذه الدعاوى.
وشدد محمد الحاج محمود، سكرتير الحزب الاشتراكي الديمقراطي الكردستاني، على ضرورة أن تؤدي الحكومة الاتحادية، مسؤولياتها الأخلاقية حيال ضحايا حلبجة. وقال في تصريحات صحافية بالمناسبة: «للأسف، لم تبادر الحكومة العراقية الحالية، التي تعتبر وريثة النظام، السابق إلى تقديم حتى الاعتذار لسكان حلبجة»، موضحاً أن بغداد خلطت أوراق الصراعات السياسية، مع ملف حلبجة الكارثي، ولم تتعاط مع حلبجة بصفتها محافظة عراقية في مسألة الموازنة السنوية.
وأكد محمود الحاج صالح، وزير شؤون أسر الشهداء والضحايا، في كلمة بالمناسبة أن المادة 132 من الدستور العراقي تحتم على الحكومة الاتحادية رعاية ضحايا كارثة حلبجة وأسرهم، لكن بغداد تتجاهل تلك المادة الدستورية ولا تعمل بها.
وكانت السلطات العراقية قد تعهدت عام 2010، وفي ذكرى السنوية للحادث، بتحويل بلدة حلبجة إلى المحافظة التاسعة عشرة، وجرت المصادقة على ذلك من قبل مجلس النواب العراقي عام 2015، وأعلنت سلطات الإقليم ذلك رسمياً، لتغدو المحافظة الرابعة في إقليم كردستان، إلا أنها ما زالت لا تحظى كما تقول إداراتها المحلية بصفة المحافظة، سواء على صعيد الإقليم أو العراق.
ودعت حكومة إقليم كردستان في بيان الحكومة العراقية لتعويض الضحايا وإعادة إعمار حلبجة، وناشدت العالم بأن «لا يسمح بتكرار ارتكاب مثل هذه الجرائم مرة أخرى في أي بقعة من الكرة الأرضية».
في يناير (كانون الثاني) 2010، أعدم الفريق علي حسن المجيد، ابن عم صدام حسين المعروف بلقب «علي الكيماوي» شنقاً. وهو لم يبد أي ندم على ما فعله بعد إدانته والحكم عليه بالإعدام أربع مرات، بل قال إنه تصرف بدافع من حرصه على أمن العراق.
وفي سنة 2012، سلمت الحكومة العراقية بلدية حلبجة الحبل الذي استخدم لشنقه. وأعدم صدام حسين في 2006 بعد إدانته في مجزرة الدجيل الشيعية التي قتل فيها 148 شخصاً. وانتهت بذلك الملاحقات ضده فيما يعرف بقضية الأنفال، حيث كان يحاكم بتهمة الإبادة بحق الأكراد.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».