عبوة غزة المفخخة... الدوافع والثمن

آخر ما يحتاج إليه الفلسطينيون المختلفون على سياسات اليوم... والقلقون من شظايا الغد

عبوة غزة المفخخة... الدوافع والثمن
TT

عبوة غزة المفخخة... الدوافع والثمن

عبوة غزة المفخخة... الدوافع والثمن

ما كانت المشكلة في الانفجار الذي طال أخيراً موكب رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور رامي الحمد الله، في قطاع غزة، إذ نجا الحمد الله وكل رفاقه ومساعديه وحراسه وحتى سياراته، بل كانت في شظايا عبوة الـ15 كيلوغراماً التي أدمت جسد المصالحة الفلسطينية، وحفرت أعمق في جسد الانقسام، مُنذِرة ربما بانقسامات أخرى أصغر وأصغر، ثم إن الفلسطينيين ما كانوا بحاجة إلى كمائن مفخّخة... وهم المتقاتلون حول كل شيء تقريباً، السلطة والمنظمة والانتخابات والسلام والحرب والمقاومة والأمن والقضاء والمال والمعابر والسيادة والبرنامج السياسي، وكذلك حول المستقبل.
ولكن، ربما أسوأ ما في الانفجار أنه جاء في وقت يبدو المستقبل أمام «الكل الفلسطيني» ضبابياً إلى حد كبير مع توقعات بانتهاء مرحلة وبداية أخرى، أما أكثر ما يقلق في الأمر برمته فهو أن تكون العبوة المتفجرة أسلوباً للمرحلة المنتظرة.
لم يتردد الرئيس الفلسطيني محمود عباس في وصف محاولة الاغتيال التي استهدفت في قطاع غزة رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمد الله، ورئيس جهاز المخابرات العامة ماجد فرج، بـ«جريمة منسجِمة مع كل المحاولات للتهرّب من تمكين الحكومة الفلسطينية من ممارسة عملها في قطاع غزة، وإفشال المصالحة»، وملتقية كذلك مع «الأهداف المشبوهة لتدمير المشروع الوطني وإقامة دولة مشبوهة في القطاع».
أراد عباس القول إن الجهة التي تحكم قطاع غزة، أو جهات تتحالف معها تقف بشكل أو بآخر وراء محاولة الاغتيال.
وإضافة للرئيس، لم يتردد أي مسؤول فلسطيني في منظمة التحرير والسلطة وحركة فتح في مهاجمة حماس، محملين الحركة المسؤولية الكاملة، ووحدها، عن محاولة الاغتيال، إذ دانت الرئاسة الفلسطينية بشدة «الهجوم الجبان» الذي استهدف موكب الحمد الله في قطاع غزة، وحمّلت حركة حماس المسؤولية الكاملة عن هذا العدوان. واتفقت حركة فتح مع الرئاسة على أن حماس تتحمل مسؤولية محاولة الاغتيال. ومن ثم، دعا معظم أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح، حركة حماس إلى العودة عن انقلابها. وطالبت مركزية فتح، حماس، بـ«إنهاء انقلابها الدموي وقبول الشراكة السياسية بالاحتكام لإرادة الشعب». وحمّلت حماس مسؤولية الانقلاب، وأكدت أن البراءة مرتبطة باستعداد «حماس» لنبذ العنف الداخلي والتخوين والتكفير لتبرير استمرار جريمة انقلابهم.
ولاحقاً طالب مسؤولون فلسطينيون، من كل مكان، حركة حماس بتسليم كل نتائج التحقيقات بشكل كامل إلى القيادة الفلسطينية في محاولة، كما يبدو، للتشكيك في طبيعة التحقيق.
كان هذا غيضاً من فيض الهجوم على حماس بصفتها الجهة المتحكّمة في قطاع غزة، الجهة التي ترفض تسليم الأمن للسلطة الفلسطينية. لكن ما الذي أرادته السلطة وفتح من الهجوم على حماس... وهما اللتان تعرفان - على الأغلب - أن محاولة الاغتيال تضر بحماس كذلك، وأن الحركة لا تقف خلف ذلك (على الأقل بشكل رسمي)... أولاً لأنها مسؤولة عن الأمن. وثانياً لأن المحاولة فيما لو تعمدتها كانت ستنجح على الأرجح، قياساً بالإمكانات التي تملكها الحركة في غزة.
- مسؤولية... لا تنفيذ
مسؤول مكتب الإعلام في حركة فتح منير الجاغوب الذي حاورته «الشرق الأوسط» قال موضحاً: «لم نتهم حماس. لا أحد اتهمهم بتنفيذ العملية، لكن حماس مسؤولة بالتأكيد... لماذا؟ لأنها تحكم قطاع غزة وترفض تسليم الأمن للسلطة الفلسطينية. إذن هناك فشل في منظومة حماس الأمنية في القطاع وهي المنظومة التي سمحت لجماعات إرهابية ومتطرفة وقاتلة بالنمو والعمل».
وأضاف الجاغوب: «ثانياً من حقنا أن نسأل ونعرف كيف استطاع منفذو العملية زرع العبوات خلال ليلة واحدة في مربع أمني مراقَب جيداً. الإعلان للناس عن زيارة رئيس الوزراء كانت قبل ليلة أو حتى ساعات من وصوله. فمَن الذي تمكن من زرع العبوات بهذه السرعة؟ أم أن جهات في غزة مطلعة مسبقاً على تفاصيل الزيارة سرّبت معلومات؟... هناك أسئلة كثيرة وكبيرة تحتاج إلى إجابات».
من ناحية أخرى، أكد الجاغوب أن فتح لا تتهم أحداً بعينه، بانتظار نتائج التحقيق، لكنها «تريد من حماس معلومات كاملة بما في ذلك رفع أي غطاء عن أي جماعات تعمل في قطاع غزة». وفي حين لم يُشِر الجاغوب إلى جماعات محدّدة، فإن ماجد الفتياني، أمين سر المجلس الثوري لحركة فتح، لمح إلى «متحالفين مع حماس معارضين لعباس». وطالب الفتياني حركة حماس بـ«ألا تحرف الأنظار عما جرى» في غزة. ثم دعا قادة حركة حماس لـ«إثبات أنهم يدعمون تحقيق الوحدة من خلال تقديم الحقيقة». وبحسب الفتياني، فإن «التحقيقات الأولية تؤكد بوضوح تام أن هناك أطرافاً في قطاع غزة تعمل بوجود غطاء داخلي من حماس يدعم تحركاتها أو يغض النظر عن وجودهم وعملهم وأنشطة تسلحهم».
وعملياً، يشير المسؤول في المجلس الثوري لفتح إلى معارضين معروفين لعباس، وهذه فرضية إذا صحّت، فستعني بالتأكيد مزيداً من الانقسامات الداخلية والخارجية كذلك. فهل ستجرؤ حماس على إعلان النتيجة كيفما جاءت؟
- الفرضيات... البداية والنهاية
في منطقة مثل غزة، التي تُعدّ «ملعباً» جيداً لكثير من التنظيمات والجماعات المسلّحة المرتبطة بجهات داخلية وخارجية كذلك، توجد فصائل... كما يوجد منشقون عن فصائل، ومتشدّدون ومنشقون عن متشددين، وجماعات مسلحة صغيرة تلقى دعماً من الداخل والخارج. ويبدو أن الكل متهم مع أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.
وكما سبقت الإشارة، يستبعد كثيرون من المراقبين أن تكون حماس تقف خلف العملية، لأنها ببساطة لو أرادت فعلها لكانت نجحت في ذلك بنسبة تصل إلى 100 في المائة، قياساً بالإمكانات الهائلة التي تتمتع بها الحركة على أرض تسيطر عليها. فبالإضافة إلى الآلاف من رجال الأمن التابعين للحركة، فإنها تملك جناحاً مسلحاً يعدّ القوة الرئيسة الأولى في القطاع بلا منافس. وهي قوة مهيبة إلى حد كبير وتملك إمكانات استثنائية.
ثم أن حماس نفت رسمياً التهمة، كما رفضت أي تلميحات. وقال زعيم الحركة إسماعيل هنية إن الحركة «تفرّق بين الخصومة السياسية والأعمال المدانة». ووصف الحمد الله بأنه «ضيف على أهل القطاع». وتعهد هنية أيضاً بأن أمن غزة سيلاحق الفاعلين. لكن إذا لم تكن حماس تقف خلف ذلك، فما هي السيناريوهات الممكنة؟
ثمة نقاش عالٍ النبرة في الشارع الفلسطيني حول الجهة التي نفذت... ودوافعها.
- أصابع إسرائيلية؟
يعتقد كثيرون أن إسرائيل مستفيدة بطريقة مباشرة، وأن عملاء تابعين لها قد يقفون خلف الأمر. أما الهدف فقد يكون خلط الأوراق من جديد، وتخريب المصالحة لإدامة أمد الانقسام الذي يُعدّ أكبر هدية قدمها الفلسطينيون لإسرائيل طيلة سنوات الصراع.
حتى اللحظة، لم يتهم أحد إسرائيل مباشرة. ولم يعقّب مسؤولون إسرائيليون على الحادث. غير أن الإعلام الإسرائيلي ركّز على أن الحادثة «قد تكون إشارة إلى ما يمكن أن يكون عليه الأمر في مرحلة ما بعد عباس».
أيضاً، هناك مَن يذهب باتجاه اتهام «جماعات متشدّدة» داخل القطاع قد يكون هدفها إحراج حماس وضرب علاقتها أكثر بالسلطة، بالنظر إلى العلاقة المتوترة بين هذه الجماعات وحماس نفسها. ويعتقد أن هذه الجماعات حاولت في مرات سابقة اغتيال توفيق أبو نعيم، مسؤول قوى الأمن في غزة، عبر عبوة مفخخة تحت سيارته كذلك. وذهب آخرون إلى القول إن جهات ما، أو تيارات ما، داخل حماس... أرادت إرسال رسائل لعباس من دون علم قيادة حماس.
كذلك هناك آخرون لا يستبعدون أن يكون معارضون داخل فتح - الحركة التي يتزعمها عباس - ربما أرادوا إرسال رسائل له، وهذه النظرية يلمّح لها مسؤولو فتح أنفسهم، وإن كان بطريقة غير مباشرة. وبخلاف هذه النظريات التي تؤشر إلى «متهمين محدّدين»، فضّل بعض الذين يؤمنون بـ«نظرية المؤامرة» تبني فكرة أنها مسرحية معدة سلفاً، وليست من تنفيذ جهات معارضة للسلطة.
على أي حال، لا يتوقع أن تأخذ حماس وقتاً طويلاً قبل إعلان نتائج التحقيقات، لا سيما أنها تُعد من المتضررين من المحاولة، وبالتالي لنفي اتهامات لها بالمسؤولية، ومن أجل إثبات قدراتها الأمنية في القطاع. وبطبيعة الحال من غير المعروف كيف ستتعامل الحركة إذا ما ثبت أن جهات متحالفة مع حماس أو تابعة لها تقف خلف المحاولة.
الكاتب والمحلل السياسي أكرم عطا الله، يتساءل في هذا الصدد: «لماذا لم تتشكل لجنة تحقيق مشتركة؟ وهل الفصائل والجانب المصري على اطلاع على مجريات التحقيق؟ وكيف لنا أن نضمن عدالة التحقيق؟ وكيف سنثق بأن النتائج الصحيحة ستكون بين يدي المواطن؟».
ثم يتابع: «ماذا لو توصل التحقيق إلى نتائج صادمة... هل سيصار إلى إعلانها بشفافية؟ أم يجري البحث عن كبش فداء مثل المتشددين أو غيرهم. أغلب الظن أن هذا خطأ كبير إن حصل. إذ لا يجوز التستر على جريمة بهذا الحجم مهما كلف الثمن، ومهما كانت المصلحة... التستر في القانون هو مشاركة في الجريمة، ومن حقنا أن نعرف من الذي استهدفنا جميعاً إلى هذا الحد»؟
وبغض النظر عن كل هذه التساؤلات، تواصل حماس التحقيق في محاولة الاغتيال متعهِّدة بكشف الجناة.
- طرف خيط في ساحة بنادق
أثبت التحقيقات حتى الآن، بحسب بلاغ رسمي تسلمه الحمد الله من مسؤول قوى الأمن الداخلي في غزة اللواء توفيق أبو نعيم أن «المنفذين زرعوا عبوتين زنة كل منهما نحو 15 كلغ، وهما محليتا الصنع ومعدتان للتفجير عن بُعد». وبحسب البلاغ المقدَّم من غزة، نجح تفجير العبوة الأولى بينما أدى خلل فني لتعذر انفجار العبوة الثانية التي زُرِعت على بعد 37 متراً عن الأولى. وعن العملية، قال وكيل وزارة الداخلية اللواء محمد منصور إن «العمل كان مُدبَّراً بشكل جيد ونُفِّذ بدقة». وأردف أن «الانفجار الذي أصاب سيارة مصفحة من بين 3 سيارات كان يستهدف الحمد الله على فرض أنه موجود بداخلها»
وبينما تحقق قوى الأمن التابعة لحماس الآن بكيفية تمكن الجناة من الوصول إلى منطقة يُفترض أنها خاضعة لرقابة متواصلة وتعدّ مربعاً أمنياً بالنسبة للفلسطينيين والإسرائيليين، أعلن أبو نعيم أن الأجهزة الأمنية «توصلت لطرف خيط قوي».
وأكد أبو نعيم شنّ قوى الأمن عدة عمليات اعتقال ومداهمة. كما أبلغت مصادر مطلعة «الشرق الأوسط» أن الأجهزة الأمنية توصلت إلى أرقام الجوّالات التي نفذت عملية التفجير من خلالها، وذلك عبر العبوة التي لم تنفجر. وأضافت المصادر: «الأرقام لم تكن مسجَّلَة باسم أي شخص، ولذا بدأ البحث في دائرة تجار وبائعي أرقام غير مسجلة، وتم اعتقال بعضهم واستجوابهم حول الأرقام وعلاقتهم بها ولمن بيعت».
وبحسب المصادر، فإن كل الذين اعتقلتهم الأجهزة الأمنية مشتبه بهم، وليسوا متهمين. وتابعت: «كل مشتبه به أو تعتقد الأجهزة أنه يملك معلومات تم استجوابه».
أيضاً اقتحمت الأجهزة الأمنية بيوت لعناصر أمن سابقين، من دون أن يتضح ما إذا كانت لهم علاقة بالعملية أو بسبب امتلاكهم معلومات. وذكرت المصادر أنه «لا يمكن اتهام أحد حتى الآن. بسبب أنه حتى مع وصول المنفذين فقد لا يكونون تلقوا تعليمات رسمية».
وأكدت المصادر أن طبيعة العبوات المستخدمة والتقنية كذلك متوفرة لدى كل الجماعات والفصائل في غزة، ثم أوضحت أن «الولاءات بالنسبة للبعض متغيرة أو متعددة في غزة، وهذه إحدى المشكلات».
- أسباب ودوافع..
يرى الدكتور صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أن محاولة اغتيال الحمد الله وفرج ليست عملاً فردياً «وإنما جريمة خُطط لها لزرع ثقافة الإجرام والفوضى والفلتان في ذهن شعبنا الذي يقاوم الاحتلال ويبني الدولة». وأضاف أن «الجهة التي قامت بمحاولة الاغتيال تسعى من وراء جريمتها لشقِّ الصف الوطني من جهة، وللالتفاف على القيادة الفلسطينية وإيجاد قيادة بديلة».
وطالب عريقات، من ثم، حركة حماس بإنهاء الانقلاب والانقسام بشكل فوري، مؤكداً أنه لا عذر لها بعد هذه الجريمة. وجاءت إشارة عريقات إلى العلاقة بين العملية وخلق «قيادة بديلة»، بينما السلطة الفلسطينية الولايات المتحدة، وربما جهات إقليمية، بالعمل على خلق هذه «القيادة»، بعدما رفض عباس «صفقة القرن» الأميركية.
فهل يحاول عريقات الإشارة إلى تورط جهات خارجية؟ يستبعد المحلل السياسي طلال عوكل ذلك، ويرى فقط أن المحاولة «كانت رسالة داخلية لم يرد منها حتى الاغتيال بمعنى القتل».
وبعيداً عن كل ذلك يعتقد فوزي برهوم، الناطق باسم حماس، أن العملية ليست سوى «مسرحية»، إذ قال: «مسرحية تفجير موكب الحمد الله وفرج استهدفت الأمل الفلسطيني في تحقيق المصالحة، وهروب واضح من تحمل استحقاقاتها. وفي الوقت نفسه كشفت مواقف حركة فتح الحقيقية منها. وانعكس ذلك من خلال الحملة الإعلامية المبرمجة على حركة حماس المتشبّعة بثقافة الحقد والإقصاء».
أما الحمد الله نفسه فتعهد بالرد على محاولة قتله بالإصرار على المصالحة وطلب تسلم الأمن. وقال إن التفجير لن يخيفه لكن «لا يمكن للحكومة أن توجَد في غزة دون أمن فعلي». وأضاف: «كيف لحكومة أن تتسلَّم غزة ولا تقوم بتحمل مسؤولية الأمن، نطالب حماس بتمكين الحكومة وتسليم الأمن الداخلي، نريد سلاحاً واحداً وشرعية واحدة».
كالعادة يختلف الفلسطينيون حول قراءة الدوافع والأسباب. ويبدو الاختلاف منسجماً مع الخلاف السياسي والعقائدي والحياتي كذلك. وأغلب الظن أنه سيستمرّ، وربما يتعمّق، بعدما وضعت في طريق المصالحة المترّنحة عبوتان، واحدة انفجرت والثانية تعطلت... لكنها قد تنفجر في طريق آخر في يوم آخر وبأشخاص آخرين.
- الحمد الله... الأكاديمي الذي تجاوز ألغام السياسة
> ولد رامي الحمد الله يوم 10 أغسطس (آب) 1958 في بلدة عنبتا القريبة من مدينة طولكرم بغرب الضفة الغربية، وهو ابن عائلة عريقة وكبيرة في قضاء طولكرم، وكان جده نائباً في البرلمان الأردني.
أمضى الحمد الله الفتى والشابّ والرجل جل حياته في التعلم والتعليم، قبل أن يدخل إلى عالم السياسة من أوسع الأبواب. وتخرج بدرجة بكالوريوس آداب في الجامعة الأردنية، وبعدها تابع دراسته العليا في بريطانيا حيث حاز الماجستير من جامعة مانشستر، والدكتوراه من جامعة لانكاستر في اللغويات التطبيقية.
عينه الرئيس الراحل ياسر عرفات رئيسا لجامعة النجاح الوطنية - نابلس عام 1998، وما زال، وهو عضو هيئة التدريس فيها بقسم اللغة الإنجليزية، إضافة إلى كونه الأمين العام للجنة المركزية للانتخابات منذ 2002. وشغل منصب نائب رئيس جامعة النجاح للشؤون الأكاديمية والكليات الإنسانية، في الفترة بين سنتي 1995 و1998، وعميد كلية الآداب، بالجامعة نفسها في الفترة بين 1992 و1995. ورئيس قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب، من 1988 و1992 وكان مدرساً في القسم نفسه من 1982 و1985.
وخارج الجامعة، فإن الحمد الله عضو في اللجنة التوجيهية لصندوق إقراض الطلبة بمؤسسات التعليم العالي، وعضو في اللجنة التوجيهية المشرفة على إدارة برنامج دعم الجامعات والمؤسسات التعليمية بفلسطين لدى الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي. ويشغل أيضاً مناصب لا حصر لها في كثير من المؤسسات الحكومية والأهلية المحلية والإقليمية والدولية.
كلفه الرئيس الفلسطيني محمود عباس في 3 يونيو (حزيران) 2013 تشكيل حكومة فلسطينية جديدة خلفاً للدكتور سلام فياض. قيل وقتها إن الأكاديمي المرموق سيتورط في حقل الألغام السياسية، لكنه أثبت قدرة على السير في هذا الحقل المفخخ، وفي 29 مايو (أيار) 2014 كُلِّف بتوافق بين فتح وحماس تشكيلَ حكومة الوفاق الفلسطينية، واستمر في تجاوز الأفخاخ بما في ذلك العبوة التي وُضِعت له هذا الأسبوع في طريقه إلى غزة.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.