جدل في مصر حول حقوق نشر روايات نجيب محفوظ

مثقفون يطالبون بنزع احتكار {الشروق} نشر إبداعاته... والدار تنفي حجبها لأعمال الكاتب الكبير

نجيب محفوظ في مكتبه (غيتي)
نجيب محفوظ في مكتبه (غيتي)
TT

جدل في مصر حول حقوق نشر روايات نجيب محفوظ

نجيب محفوظ في مكتبه (غيتي)
نجيب محفوظ في مكتبه (غيتي)

أصدرت دار الشروق المصرية، مساء أمس الخميس، بيانا عن رئيس مجلس إدارتها إبراهيم المعلم تؤكد فيه أن جميع روايات وكتب الأديب العالمي نجيب محفوظ متاحة للقراء حول العالم العربي وأنه لا صحة لحجب عدد من أعماله عن مريديه.
وجاء البيان على إثر جدل كبير أثير في الوسط الثقافي المصري ومطالبة عدد من المثقفين ومحبي أدب نجيب محفوظ بعد بيان نشره الروائي حسن عبد الموجود يطالب فيه بنزع ملكية دار «الشروق» لحقوق نشر أعمال محفوظ بزعم احتكارها لأعماله ومنع بعضها من النشر. فيما قام المحامي سمير صبري بتقديم مذكرة بالطعن لرئيس محكمة القضاء الإداري يختصم فيها وزيرة الثقافة ودار الشروق «لاحتكار دار الشروق لأعمال عظماء الكتاب من التاريخ المصري وعلى رأسهم نجيب محفوظ فأصبحت هذه الدار تحتكر التوزيع من أجل المال» بحسب نص المذكرة.
وجاء في البيان الرسمي لدار الشروق الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه: «إن ما حققته دار الشروق من جودة وإتقان وانتشار لهذه الكتب إنجاز متميز، فقد نشرتها بكميات غير مسبوقة، وفي أكثر من طبعة من كل عنوان، بل منها عناوين تعدت طبعاتها الست عشرة طبعة، ووصل إجمالي كمياتها نحو 650 ألف نسخة، آملين أن تتعدى رقم المليون بفضل اهتمام ومتابعة – القراء الأعزاء – خلال شهور قادمة وهو ما يعتبر إنجازا متميزا في المكتبة العربية».
وأكدت أن «جميع كتبه تم التعاقد عليها معه شخصيا ابتداء من ثمانينات القرن الماضي ثم مع أسرته الكريمة وباقي الورثة المحترمين في إطار كامل من الود والتقدير والاعتزاز والشرعية القانونية والاحترام لكافة قوانين الملكية الفكرية السارية وسائر القوانين والأصول المهنية والثقافية في أرفع صورها».
من جانبه، وصف المعلم ما يتردد بأنه «إشاعات اعتدنا عليها كل فترة»، مؤكدا في اتصال لـ«الشرق الأوسط» أن: «كل مؤلفات نجيب محفوظ متاحة في مصر والعالم كله، ورقيا وإلكترونيا على ثلاث منصات عالمية؛ هي «أمازون» و«جوجل بوكس» و«فودافون كتبي». وبعض هذه الكتب تم إنتاجها في شكل «كتب صوتية» ومتاحة حاليا على منصة «اقرأ لي» وقريبا ستكون متاحة على منصات كتب صوتية أخرى جارٍ التعاقد معها».
واستدرك المعلم قائلا: «يبلغ عدد مؤلفات أديبنا الكبير 56 كتابا بالإضافة للكتب الأربعة المبسطة للناشئة. وجميع هذه المؤلفات متاحة لدى مكتبات الشروق ولدى كبرى سلاسل المكتبات في مصر والعالم العربي. وقد نفدت خلال الأسبوعين الماضيين الطبعة الرابعة من «المرايا» والسادسة من «ميرامار»، وستصدر طبعتهما الجديدتان خلال أيام. بل ونسعى لإنتاج المزيد من أعماله لتتحول لأعمال درامية».
وتابع المعلم: «كنوز أستاذنا نجيب محفوظ الذي شرفنا باختياره لنا لنشرها كلها متاحة ومنشورة في شرعية قانونية كاملة بالاتفاق مع أستاذنا محفوظ نفسه في حياته، ثم مع أسرته الكريمة وفي شرعية قانونية كاملة واتساق مع قوانين الملكية الفكرية وكافة القوانين السارية والأصول الثقافية والمهنية».
وتذكر المعلم في هذا الساق قائلا: «لا أنسى عندما تكرم بالاتصال بي - في مفاجأة من أعز وأجمل المفاجآت - متسائلا بأدبه الجم وتواضعه الفريد... إن كنّا نقبل نشرها! رغم كل ما يقال عن توقف الإقبال عليها وما يدعيه بعض النقاد عليه وعليها».
وتابع المعلم: «تحرص دار الشروق دوما على عرض جميع أعماله في جميع معارض الكتب العربية – باستثناء ما تمنعه بعض الدول من التداول في بلدها – بالإضافة لإتاحتها عن طريق موزعي الشــروق في أنحاء العالم العربي. ويسعدنا أن نرى الثمار الأولى لتجربة إصدار كافة كتب الشروق صوتيا شاملة فيما تشمل 10 كتب لنجيب محفوظ ضمن 75 كتابا كمرحلة أولى».
من جانبها، أعلنت أم كلثوم ابنة نجيب محفوظ في تصريح صحافي لأحد المواقع الإخبارية المصرية رفضها التام لموقف المثقفين الموقعين على البيان وأطلقت على تلك الدعوات «فوضى» معتبرة أن مثل هذه الدعوات اعتداء على حقوق المؤلفين والورثة بل اعتداء على قرار نجيب محفوظ نفسه الذي قرر ووافق أن تكون دار الشروق ناشر أعماله، وانتقدت كونهم نصبوا أنفسهم مكان الورثة أصحاب الحق الوحيدين في تقرير مصير أعمال محفوظ.
وانقسم الروائيون والكتاب بين معارض لنزع حقوق النشر ومطالب لإتاحة كتب كبار الأدباء بأسعار زهيدة. فقال الروائي إبراهيم عبد المجيد لـ«الشرق الأوسط» بأن الجدل المثار هو «سجال لا معنى له... لأن نجيب محفوظ لم تمضِ على وفاته خمسون سنة ليصبح تراثه ملكية عامة. والوحيد الذي له حق نقل نشر كتب نجيب محفوظ عن دار الشروق دون غيرها هم ورثته حسب العقد المبرم بين نجيب محفوظ والدار، وهذا منصوص عليه في أي تعاقد بين الناشر والمؤلف أو من ينوب عنه»، وأضاف قائلا: «يمكن انتقاد دار الشروق بالتقصير مثلا في ترويج الأعمال. هذا حق المنتقد ما دام يمتلك الأدلة. غير ذلك فالأمر بين دار الشروق والورثة وهم أحرار».
وحول اتفاقه مع مبدأ نزع حقوق النشر، أكد الروائي سعد القرش في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «الموضوع حسم من قبل ابنه نجيب محفوظ، ومنطقي جدا أن العقد شريعة المتعاقدين وطالما نحن في دولة قانون لا يحق لأحد نزع ملكية أحد دون دلائل». وأضاف: «لأنه لو تدخلت الدولة سيصبح الأمر اعتداء على القانون، ربما يجوز تدخل الدولة في حال ثبوت حجب أو منع نشر أعمال كاتب ما يجوز في تلك الحالة فقط مقاضاة الناشر، وهو ما لم يحدث في حالة نجيب محفوظ حيث تم نشر كل أعماله حتى رواية «أولاد حارتنا» وجميع إصداراته موجودة حتى على الرصيف ضمن الكتب المزورة».
أما الروائي صبحي موسى فيرى أن هناك عددا من دور النشر احتكرت أعمالا إبداعية هامة ورفعت ثمنها بما لا يجعلها متاحة إلا للمقتدرين ماديا، وكتب على حسابه على «فيسبوك»: «ليس نجيب محفوظ وحده هو المُصادر، هناك كتب يجب أن يتم تقريرها على طلاب المدارس، كتب يجب أن تسلم لهم مثلما كان يسلم أطلس الخرائط وقاموس اللغة الإنجليزية، من بينها «شخصية مصر» وموسوعة الصهيونية «ومقدمة ابن خلدون» وموسوعة مصر القديمة، وغيرها من الأعمال المؤسسة للفكر والحس الوطني يجب أن تطبع بكميات هائلة، وتوزع كمراجع على طلاب الجامعات والمدارس، ولا يعني ذلك الإضرار بمصلحة الورثة أو الناشر، فلا بد أن يتم تعويضهم لصالح عمل عام».


مقالات ذات صلة

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

يوميات الشرق ذاكرة إسطنبول المعاصرة ورواية أورهان باموك الشهيرة في متحف واحد في إسطنبول (الشرق الأوسط)

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

لعلّه المتحف الوحيد الذي تُعرض فيه عيدان كبريت، وبطاقات يانصيب، وأعقاب سجائر... لكن، على غرابتها وبساطتها، تروي تفاصيل "متحف البراءة" إحدى أجمل حكايات إسطنبول.

كريستين حبيب (إسطنبول)
كتب فرويد

كبار العلماء في رسائلهم الشخصية

ما أول شيء يتبادر إلى ذهنك إذا ذكر اسم عالم الطبيعة والرياضيات الألماني ألبرت آينشتاين؟ نظرية النسبية، بلا شك، ومعادلته التي كانت أساساً لصنع القنبلة الذرية

د. ماهر شفيق فريد
كتب ناثان هيل

«الرفاهية»... تشريح للمجتمع الأميركي في زمن الرقميات

فلنفرض أن روميو وجولييت تزوَّجا، بعد مرور عشرين سنة سنكتشف أن روميو ليس أباً مثالياً لأبنائه، وأن جولييت تشعر بالملل في حياتها وفي عملها.

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

صدر حديثاً عن دار نوفل - هاشيت أنطوان كتاب «دليل الإنسايية» للكاتبة والمخرجة الآيسلندية رند غنستاينردوتر، وذلك ضمن سلسلة «إشراقات».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
ثقافة وفنون «شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

عن دار «بيت الياسمين» للنشر بالقاهرة، صدرتْ المجموعة القصصية «شجرة الصفصاف» للكاتب محمد المليجي، التي تتناول عدداً من الموضوعات المتنوعة مثل علاقة الأب بأبنائه

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».