«سلسلة الرتب والرواتب» تسرق الأضواء من الاستحقاق الرئاسي.. وفشل سابع في انتخاب رئيس

مرشح الرئاسة روبير غانم لـ («الشرق الأوسط»): مقاطعة الجلسة «تقصير هائل»

رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام لدى لقائه النائب عن كتلة المستقبل زياد القادري في بيروت أمس (دالاتي ونهرا)
رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام لدى لقائه النائب عن كتلة المستقبل زياد القادري في بيروت أمس (دالاتي ونهرا)
TT

«سلسلة الرتب والرواتب» تسرق الأضواء من الاستحقاق الرئاسي.. وفشل سابع في انتخاب رئيس

رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام لدى لقائه النائب عن كتلة المستقبل زياد القادري في بيروت أمس (دالاتي ونهرا)
رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام لدى لقائه النائب عن كتلة المستقبل زياد القادري في بيروت أمس (دالاتي ونهرا)

سرقت الهموم المعيشية في لبنان، وبالتحديد «سلسلة الرتب والرواتب»، أمس، الأضواء من جلسة سابعة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. الجلسة لم يتأمن نصابها الدستوري، مما أطاح بحظوظ اللجوء إلى عملية التصويت لوضع حد للفراغ الرئاسي المتمادي منذ أكثر من 26 يوما، كنتيجة حتمية لإصرار حزب الله وتكتل «التغيير والإصلاح» الذي يرأسه النائب ميشال عون على تعطيل النصاب قبل الاتفاق على اسم مرشح واحد لرئاسة الجمهورية.
رئيس مجلس النواب نبيه بري، على الأثر، حدد موعدا لجلسة ثامنة لانتخاب رئيس جديد في الثاني من يوليو (تموز) المقبل، بعدما اقتصر عدد النواب الحاضرين على 63 معظمهم من قوى «14 آذار»، بينما المطلوب حضور 86 نائبا لاكتمال النصاب وانعقاد الجلسة. هذا، ولم تلبث جلسة انتخاب الرئيس الفاشلة أن تحولت إلى اجتماعات موسعة للبحث في مخارج لملف سلسلة الرتب والرواتب، التي من شأن إقرارها زيادة رواتب موظفي القطاع العام، والمدرسين الذين يهددون بمقاطعة عملية تصحيح الامتحانات الرسمية.
النائب روبير غانم، أحد المرشحين نظريا لرئاسة الجمهورية، رأى أن إصرار عدد من النواب على مقاطعة جلسة انتخاب الرئيس «تقصير هائل في واجباتهم المعنوية والأخلاقية على حد سواء»، مذكرا بأن النائب ينتخب للتشريع والرقابة وانتخاب رئيس للجمهورية، «وكلها واجبات دستورية يجري تجاهلها حاليا». وأسف غانم، المنضوي في صفوف «14 آذار» والذي يعد نفسه «مرشحا وفاقيا»، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، لغياب «أي معطيات في الأفق ولا حتى بصيص أمل في إمكانية انتخاب رئيس جديد قريبا»، وقال: «من طبع اللبنانيين أن يستسلموا للقضاء والقدر، وهم اليوم يتعاطون مع تعذر انتخاب رئيس على أنه قدر ينبغي التأقلم معه، وهنا تكمن الخطورة، والمسؤولية التي يتوجب أن يتحملها الزعماء المسيحيون أولا».
من جهة ثانية، أشار غانم إلى أن لا سلطة إلزامية للبطريركية المارونية تمارسها على الزعماء أو النواب المسيحيين، «وقد اتخذ البطريرك، في إطار إمكانياته المتاحة، كل ما يتوجب لانتخاب رئيس، إلا أن المشكلة هي في فرقاء ينتظرون تأمين نصابهم وآخرين تبلور ما يجري في المنطقة»، ونبه إلى خلل بات قائما بين السلطات نتيجة استمرار الفراغ في سدة الرئاسة الأولى. وفي حين شدد غانم على وجوب تحديد الفروقات بين «الرئيس القوي» و«الرئيس القطب»، وأوضح أن «الرئيس القوي قوي بشخصيته وباحترامه للمؤسسات والدستور واحترام المواطنين له، وهو ليس بالضرورة القوي بعضلاته وشعبيته»، آملا «ألا نضطر لتعديل الدستور لانتخاب رئيس، وهو ما لا أؤيده إطلاقا، وأن يعيد أي رئيس جديد اللحمة للمكونات اللبنانية وخاصة لفريقي 8 و14 آذار».
بدوره، دعا رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، مرشح قوى «14 آذار»، للبحث في حل للأزمة الرئاسية من خلال «اتفاق من لديهم صفة تمثيلية على اسمين أو ثلاثة والذهاب بهم إلى مجلس النواب»، منبها إلى أنه «يجري اللعب بالنظام والدستور ووجود الدولة، مما يشكل خطرا كبيرا على لبنان واللبنانيين». وأعرب جعجع عن جهوزيته لسحب ترشحه «إن كان ثمة خيارات تحمل بالحد الأدنى من قناعاتنا»، مشددا على أن البقاء في دوامة التعطيل «كارثة كبيرة على لبنان».
واستنفر أمس نواب تيار «المستقبل» وقوى «14 آذار» للرد على الموقف الذي أطلقه أخيرا عون والذي ربط بين عودة رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري إلى لبنان وانتخابه رئيسا للجمهورية، إذ قال في لقاء تلفزيوني: «قلت للحريري إنه إذا لم أكن في موقع المسؤولية لا يمكنني أن أحافظ على أمنك في حال عدت إلى لبنان». وكان الحريري، نجل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري الذي اغتيل في 14 فبراير (شباط) 2005، اضطر إلى مغادرة بيروت بعد إسقاط حكومته علم 2011 وتلقى تحذيرات من وجود مخططات لاغتياله، وهو يتنقل منذ ذلك الوقت بين فرنسا والمملكة العربية السعودية.
وبينما أشار عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت إلى أن «الأمن السياسي يؤمنه الشعب اللبناني»، شدد على أن «أمن الحريري مرتبط بموضوع إقليمي أكبر من عون، إلا إذا كان هو يتهم حلفاءه بالتعرض لأمن الحريري». وقال النائب عاطف مجدلاني، عضو الكتلة نفسها: «طلبنا من العماد ميشال عون تقديم برنامج رئاسي لترشحه، إلا أنه عرض حياة رئيس تيار (المستقبل) سعد الحريري مقابل رئاسة الجمهورية».
وبالتزامن مع السجال السياسي حول الاستحقاق الرئاسي، ركزت القوى السياسية اهتمامها أمس على محاولة تأمين مخارج لأزمة سلسلة الرتب والرواتب وتحديد موارد تمويل هذه السلسلة. وتعقد اليوم جلسة برلمانية بمحاولة لإقرارها، إلا أن الأجواء ظلت حتى ساعة متأخرة من بعد ظهر الأربعاء ضبابية لجهة إمكانية التوصل إلى توافق على تمريرها.
وترأس بري أمس اجتماعا موسعا ضم ممثلين عن الكتل النيابية الرئيسة، وتوقع وزير المال علي حسن خليل أن تكون جلسة اليوم «على قياس الجلسة التشريعية الماضية»، بإشارة إلى خلو الاتفاق من النضوج. وشدد خليل على أن هناك «أصولا يفترض على الجميع احترامها، ودراسة ورؤية واقعية في موضوع السلسلة أعدتها وزارة المالية، لكن في النهاية القرار يعود للهيئة العامة للمجلس النيابي، والأمر أصبح ملك المجلس».
وقال رئيس كتلة «المستقبل»، رئيس الحكومة الأسبق، فؤاد السنيورة، إن «الأمور لا تزال قيد المناقشة حول سلسلة الرتب والرواتب»، لافتا إلى أنه «من الممكن ألا يكون هناك إقرار للسلسلة في الجلسة»، بينما أعلن رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي «أن لا شيء نهائيا بعد في شأن السلسلة، والأمور لا تزال بين الأخذ والرد».
في المقابل، أكدت هيئة التنسيق النقابية أن ما يجري من عروض حول سلسلة الرتب والرواتب «لا يلزمها بشيء على الإطلاق»، محذرة من أن «أي اتفاق يحصل بين ممثلي الكتل هو على حسابنا».
وأكد رئيس الهيئة حنا غريب في مؤتمر صحافي، أمس: «التمسك الكامل بالحفاظ على الحقوق». وقال: «لن نقبل بسلسلة على حساب الفقراء وأصحاب الدخل المحدود».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.