المالكي يتمسك بالأغلبية {لإنقاذ العراق}

TT

المالكي يتمسك بالأغلبية {لإنقاذ العراق}

تتفق أغلبية المكونات العراقية، سواء على المستوى الشعبي أو السياسي، على أن النظام التوافقي الذي حكم العراق منذ عام 2003، وأفضى عمليا إلى نظام محاصصي يستند إلى أسس حزبية وطائفة وقومية، هو النظام المسؤول الأول تقريبا عن أكثر المشكلات التي عانت منها البلاد، ومنها الفساد والعنف وسوء الإدارة. لكن الاتفاق على عدم «جدارة» النظام السياسي الحالي لإدارة البلاد، لم تدفع القوى السياسية بمختلف انتماءاتها إلى الاتفاق على صيغة أو شكل جديد للحكم.
ومع قرب انطلاق الحملات الدعائية لمرشحي الانتخابات النيابية المقررة في مايو (أيار) المقبل، تنشط قوى سياسية لطرح رؤيتها لطبيعة نظام الحكم المقبل، وشكل التحالفات المطلوبة لإدارة البلاد، وإعادتها إلى طريق الاستقرار. وبينما يرى بعض القوى أن تحويل النظام البرلماني إلى رئاسي كفيل بحل معضلة الحكم في العراق، ترى قوى أخرى أن الاستناد إلى تحالف بين قوى وطنية من مختلف المكونات هو الكفيل بالحل، وتبرز من بين هاتين الدعوتين قضية حكومة «الأغلبية السياسية» التي يتمسك بها رئيس ائتلاف «دولة القانون» نوري المالكي.
وكان المالكي قد درج منذ أشهر طويلة على الترويج لمفهوم حكومة الأغلبية، وكرر، أول من أمس، دعوته لذلك، حين التقى وفدا من وجهاء محافظة واسط، وأكد في اللقاء على «فشل نظام المحاصصة في العراق»، مشدداً على ضرورة «العمل على إقامة مشروع الأغلبية السياسية، لكونه بات حاجة وطنية وشرعية وعقلية لكل من يريد الخير للعراق وشعبه الصابر». الأغلبية السياسية التي يبشر بها المالكي تواجه اعتراضات وعدم قبول أغلب القوى السياسية، وينظر إليها البعض ممن تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» بوصفها نوعاً من الحكم المستند إلى أغلبية حزبية أو طائفية. ويرى النائب جبار العبادي الذي ينتمي إلى ائتلاف «النصر» الذي يترأسه رئيس الوزراء حيدر العبادي، أن موضوع «الأغلبية يجب النظر إليه من جوانب مختلفة، فالعراق مؤلف من مجموعة مكونات لها ممثلون في البرلمان، والقفز على ذلك، يعني تهميش الآخرين وتعطيل المسارين التشريعي والتنفيذي للدولة». ويقول العبادي: «شعار الأغلبية طموح أغلب الكتل السياسية؛ لكن يجب وضع آليات واضحة لتطبيقه، لطمأنة الجميع وإزالة مخاوفهم»، ويتساءل: «هل نذهب إلى أغلبية سياسية دون الأكراد أو سنة العراق مثلا؟».ويلفت العبادي إلى أن «التحدث عن مفهوم الأغلبية، يؤدي بالضرورة إلى تفكير الآخرين بالتحالف الوطني الشيعي. أعتقد أن المفهوم غامض وبحاجة إلى مزيد من الإيضاح والتفكير بإمكانية تطبيقه على أرض الواقع».
بدوره، لا يقبل حسن العاقولي، رئيس حزب «الاستقامة» الذي يحظى بدعم مقتدى الصدر، بمفهوم «الأغلبية» الذي يتبناه المالكي، ويرى أن «الأغلبية ينظر إليها كوسيلة لانفراد شخص أو حزب بعينه في السلطة، والأفضل وجود كتلة برلمانية قوية تضم شخصيات وطنية من مختلف الاتجاهات، قادرة على اختيار شخصية وطنية لتشكيل الحكومة». ويعترف العاقولي بأن «حكومات التوافق التي حكمت البلاد منذ 2003، كانت ضعيفة وتستند إلى الإطار المحاصصي، ومطلوب اليوم كتلة قوية تؤمن بالمشروع الوطني لإنقاذ البلاد».
أما عباس الموسوي، المتحدث باسم ائتلاف «دولة القانون» برئاسة المالكي، فيرى أن «لا وجود لنص دستوري يشير إلى التوافقية التي حكمت البلاد منذ سنوات». ويقول: «مشروع الأغلبية السياسية لا يشترط مشاركة جميع القوى الشيعية أو الكردية أو السنية، إنما يكفي أن يتفق نصف هؤلاء لتشكيل حكومة قوية، وإذا تمكن غيرنا من عمل ذلك فليفعل». ويشير الموسوي إلى أن «الفكرة الأساسية من مشروع الأغلبية السياسية، هي أن تتحمل جهات سياسية محددة مسؤولية العمل السياسي، ومسألة الفشل والنجاح، أما ما يحدث اليوم فهو أن الجميع مشتركون في الحكومة ولا يتحملون فشلها، ولا يخرجون إلى العلن إلا في حالات النجاح». وفي رأيه فإن «الأغلبية لا تعني بأي حال من الأحوال أغلبية طائفية أو قومية أو عرقية، إنما نبحث عن جهات تتفق مع مشروعنا السياسي».
من جهته، يرى هاشم الحبوبي، مساعد الأمين العام لحركة «الوفاق» بزعامة إياد علاوي، أن «المالكي يتحدث عن موضوع ليس جديدا، وهو مطلب كثير من القوى كي تستقيم العملية السياسية بوجود جبهتي موالاة ومعارضة، وهي من الأمور المهمة لحيوية الحكم». لكن الحبوبي يستعبد إمكانية تحقيق الأغلبية السياسية «في غياب زعامة سياسية شيعية قادرة على جمع أطياف الشعب العراقي المختلفة». ويشير إلى أن «الفكرة بحد ذاتها جيدة؛ لكنها بحاجة إلى شركاء حقيقيين، وليس مجرد أسماء ممثلة لهذا المكون أو ذاك».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.