الغوطة تشهد أول صدام بين الفصائل والأهالي لوقف القصف

«فيلق الرحمن» ينفي أي تفاوض... ويؤكد وجود عناصر «النصرة» في منازلهم

منشورات أسقطتها طائرات النظام في الغوطة الشرقية تدعو السكان للحذر (رويترز)
منشورات أسقطتها طائرات النظام في الغوطة الشرقية تدعو السكان للحذر (رويترز)
TT

الغوطة تشهد أول صدام بين الفصائل والأهالي لوقف القصف

منشورات أسقطتها طائرات النظام في الغوطة الشرقية تدعو السكان للحذر (رويترز)
منشورات أسقطتها طائرات النظام في الغوطة الشرقية تدعو السكان للحذر (رويترز)

اصطدم مدنيون بالفصائل العسكرية المعارضة في الغوطة الشرقية لدمشق، أمس، إثر خروج مظاهرات تطالب بالتوصل إلى اتفاق يضع حدا للقصف، وردت عليها الفصائل بإطلاق النار، ما أدى إلى مقتل مدني، في أول حادثة من نوعها في ظل المعركة العسكرية التي تخوضها قوات النظام في المنطقة، وتوغلت فيها إلى أكثر من نصف المناطق وقطعت أوصالها، متجاهلة النداءات الدولية لإيقاف المعركة.
وقالت مصادر معارضة في الغوطة لـ«الشرق الأوسط»، إن المدنيين «باتوا يضغطون على الفصائل للقبول بالتفاوض مع النظام، منعاً لمخطط تهجير يعدّ له النظام أسوة بمناطق أخرى»، قائلة إن المدنيين «يتخوفون من أن يضغط النظام أكثر؛ ما يضعهم أمام خيارات الموت أو التهجير». وقالت إن خيار التفاوض على بقائهم وإخراج المسلحين من الغوطة «بات خياراً مقنعاً بالنسبة للمدنيين الذين لا يريدون إخلاء منازلهم».
وباتت الغوطة تنقسم إلى 3 جزر كل منها معزولة عن الأخرى، يسيطر على الأولى الواقعة في الشمال «جيش الإسلام»، ومركزها دوما، بينما يسيطر على حرستا إلى الوسط الغربي «حركة أحرار الشام»، أما الثالثة في الجزء الجنوبي والجنوبي الغربي، فيسيطر عليها فصيل «فيلق الرحمن»، وهي المنطقة الأكثر اكتظاظاً بالسكان.
وفي حين نفذ «جيش الإسلام» في دوما اتفاقاً مع الجانب الروسي عبر الأمم المتحدة قضى بإخلاء عناصر «النصرة» المتشددين من المنطقة، وبدأ بتنفيذ المرحلة الثانية أمس، أعلن «فيلق الرحمن» أنه لا تواصل مع الروس بشكل مباشر أو غير مباشر منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وقال الناطق باسمه وائل علوان لـ«الشرق الأوسط»: «اتفقنا مع الروس في شهر أغسطس (آب) الماضي على إخراج عناصر (النصرة) من المنطقة باتجاه الشمال، وأبلغناهم في شهر نوفمبر بجهوزيتنا لذلك، لكنهم رفضوا إتمام الاتفاق وإخراج العناصر بحجة أن المكان غير مجهز»، لافتاً إلى أن الاتصال انقطع منذ ذلك الوقت. وأكد علوان أنه «لا تواصل مع الروس بشكل مباشر ولا غير مباشر الآن، ولا مفاوضات بتاتاً، وأرسلنا كتاباً إلى مجلس الأمن في ذلك الوقت لنخبره بالأمر، وأبلغنا الأمم المتحدة استعدادنا الكامل لإخراج عناصر (النصرة)، لكن لم يجبنا أحد». وقال علوان إن عناصر «النصرة» في الغوطة الشرقية، ويناهز عددهم 270، «موجودون في منازلهم، ولا يوجدون في مقراتهم ولا في الجبهات كما يُشاع».
وتحول عناصر «النصرة» إلى مشكلة بنيوية يتذرع بها النظام لإتمام سيطرته على الغوطة، وشكل رفض التفاوض على إخراجهم احتقاناً شعبياً في ظل هجوم النظام المتواصل من جهة، والأنباء التي تتحدث عن تواصل بين النظام وفعاليات مدنية وتجار في الداخل تبحث في إيجاد اتفاق لإخراج المدنيين إلى مناطق سيطرته.
لكن علوان قال إن الذين يلتقي بهم النظام «هم لجان المصالحة الموجودون في دمشق منذ انطلاق الثورة السورية»، ولم ينفِ أن هؤلاء يتواصلون مع الناس في الداخل «حيث يستغلون خوفهم وحصارهم ومعاناتهم للقول إنهم يرتبون اتفاقات مع النظام». وجزم بأن أهالي الغوطة في الداخل وفعالياتها «فوضوا المجالس المحلية التي اتخذت قراراً بالثبات والصمود في وجه النظام وحملته العسكرية».
لكن هذا الواقع، تنقضه التطورات التي حصلت أمس؛ إذ قتل مدني الاثنين جراء إطلاق فصائل معارضة النيران على مظاهرة شارك فيها المئات من سكان بلدة كفربطنا في الغوطة الشرقية المحاصرة، مطالبين بالتوصل إلى اتفاق يضع حداً للقصف، وفق ما أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان».
وكفربطنا واحدة من 4 بلدات تجري بشأنها مفاوضات بين وجهاء منها وقوات النظام تتضمن إخراج الراغبين من مدنيين ومقاتلين إلى مناطق أخرى تحت سيطرة الفصائل المقاتلة بينها إدلب شمال غربي سوريا، بحسب «المرصد».
وأوضح مدير «المرصد السوري» رامي عبد الرحمن أن «نحو 700 شخص تظاهروا الاثنين في بلدة كفربطنا مطالبين باتفاق تسوية ينهي القتال». وقال إنه أثناء المظاهرة، أقدم «مقاتلون ملثمون تابعون للفصائل كانوا منتشرين على أسطح الأبنية المجاورة على إطلاق النيران على المتظاهرين؛ ما أدى إلى مقتل مواطن وإصابة 6 آخرين بجروح». ويسيطر فصيل «فيلق الرحمن» ثاني أكبر فصائل الغوطة الشرقية، على المنطقة حيث تقع كفربطنا.
ومنذ بدء قوات النظام حملتها على المنطقة، قتل أكثر من 1160 مدنيا على الأقل، بينهم 240 طفلاً، وفق ما وثق «المرصد السوري».
وتمكنت قوات النظام قبل يومين من تقسيم الغوطة الشرقية إلى ثلاثة أجزاء: دوما ومحيطها شمالاً تحت سيطرة «جيش الإسلام»، وحرستا في الوسط الغربي حيث توجد «حركة أحرار الشام»، وبقية المدن والبلدات جنوباً ويسيطر عليها فصيل «فيلق الرحمن» مع وجود محدود لـ«هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً)».
وباتت قوات النظام تسيطر على 60 في المائة من الغوطة الشرقية.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».