الإعلام الكردي... من «ثورية» الجبال إلى «فوضى» المدن

سيطرة حزبية شبه كاملة... ومحاولة نسائية متواضعة لتعويض غياب التخصص

استمر الإعلام الكردي بحجم متواضع حتى تشكيل حكومة إقليم كردستان عام 1992 فكثرت المنابر لكن ببصمات وسياسات حزبية بحتة... اللقطة من حلبجة عام 2005 (غيتي)
استمر الإعلام الكردي بحجم متواضع حتى تشكيل حكومة إقليم كردستان عام 1992 فكثرت المنابر لكن ببصمات وسياسات حزبية بحتة... اللقطة من حلبجة عام 2005 (غيتي)
TT

الإعلام الكردي... من «ثورية» الجبال إلى «فوضى» المدن

استمر الإعلام الكردي بحجم متواضع حتى تشكيل حكومة إقليم كردستان عام 1992 فكثرت المنابر لكن ببصمات وسياسات حزبية بحتة... اللقطة من حلبجة عام 2005 (غيتي)
استمر الإعلام الكردي بحجم متواضع حتى تشكيل حكومة إقليم كردستان عام 1992 فكثرت المنابر لكن ببصمات وسياسات حزبية بحتة... اللقطة من حلبجة عام 2005 (غيتي)

تعود بدايات الصحافة الكردية - بحسب مؤرخين ومختصين - إلى 22 أبريل (نيسان) 1898، مع صدور أول صحيفة كردية باسم «كردستان» في القاهرة، على يد الصحافي مقداد مدحت بدرخان، المتحدر من الأسرة البدرخانية الشهيرة في المناطق الكردية من تركيا.
ومنذ ذلك الوقت، مرت الصحافة الكردية، التي اقتصرت في بدايات مشوارها على بعض الجرائد والمجلات الأهلية أحياناً والحزبية غالباً، بموجات من المد والجزر، ازدهرت حيناً، وتراجعت إلى حد التلاشي في أحيان كثيرة، بفعل سياسات الأنظمة والحكومات في الدول التي تتقاسم وجود الأكراد.
وعلى امتداد عقود طويلة، ظلت الصحافة الكردية الحرة مدرجة ضمن خانة المحظورات، لا سيما في تركيا التي ظلت حتى بداية العقد الماضي تتنكر لوجود الأكراد فيها، وتصفهم بأتراك الجبال المتمردين. وكذلك الحال في سوريا. أما إيران فعمدت دوماً - ولا تزال - إلى خلق صحافة كردية تابعة لها، فأطلقت منذ أواسط القرن الماضي إذاعات وقنوات كردية مملوكة للدولة، كنوع من سياسة ترويض الأكراد، واستقطابهم سياسياً.
وفي إقليم كردستان العراق، يختلف المشهد كلياً، إذ شهدت المدن الكردية منذ مطلع القرن المنصرم - وتحديداً السليمانية التي تعتبر «عاصمة الثقافة الكردية» - صدور كثير من الصحف والمجلات السياسية والأدبية، في مراحل مختلفة ولمدد متفاوتة، تعرضت كلها للإغلاق والحظر فيما بعد، إثر تغير سياسات الأنظمة التي توالت على سدة الحكم في بغداد.
حاول نظام «البعث» منذ استحواذه على الحكم في يونيو (حزيران) 1968، استنساخ النموذج الإيراني في التعاطي مع الأكراد، فأطلق قناة تلفزيونية بالكردية، كانت تبث من كركوك، حتى سقوط النظام في 2003، وإذاعة كردية تبث من بغداد، مع إصدار جريدة باسم «هاوكاري» أو «التعاون» في بغداد أيضاً.
بيد أن الإعلام الكردي «المعارض»، إذا جاز التعبير، ظهر بجلاء مطلع السبعينات من القرن المنصرم، مع إبرام «اتفاقية آذار» بين الحكومة العراقية والقيادة الكردية. وصدرت صحف مثل «خبات» أو «النضال» التي كانت لسان حال الحزب الكردي الوحيد وقتذاك «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، بزعامة الراحل مصطفى بارزاني، وظهرت إذاعة «صوت كردستان العراق» التي سرعان ما عادت إلى جبال كردستان، بعد انهيار الاتفاقية المذكورة، واندلاع الثورة الكردية التي أخمدت في 1975، لتنتهي معها مرحلة أخرى من مشوار الإعلام الكردي.
والتقط الإعلام أنفاسه مجدداً بعد أشهر قليلة، إثر بدء جولة أخرى من «الثورة الكردية» وانبثاق حزب جديد هو «الاتحاد الوطني الكردستاني»، بزعامة الراحل جلال طالباني، فانطلقت معها إذاعة «صوت شعب كردستان» التي ظلت الوحيدة في الساحة حتى «انتفاضة الأكراد» في مارس (آذار) 1991، إلى جانب صحيفتين شهريتين، هما «الشرارة» باللغة العربية، وكانت لسان حال الحزب، و«ريبازي نوى» (النهج الجديد) بالكردية.
ويتذكر فرهاد رسول (58 عاماً)، أحد المذيعين الأوائل في «صوت شعب كردستان» أن قدرة بث الإذاعة لم تتجاوز الكيلوواط؛ لكنه يضيف لـ«الشرق الأوسط» أنه «رغم ذلك كانت الإذاعة ذات تأثير بالغ في الشارع الكردي، واستقطبت حينها جمهوراً غفيراً، إثر خطابها الثوري والتزامها المطلق بالمعايير المهنية الرصينة، وقواعد اللغة الكردية النقية».
لكن مع تشكيل حكومة إقليم كردستان في 1992، بدأت مرحلة جديدة من مسيرة الإعلام الكردي، فكثرت الإذاعات والقنوات التلفزيونية والصحف والمجلات الكردية في عموم مدن الإقليم، ولكن ببصمات وسياسات حزبية بحتة.
ومع بداية الألفية الجديدة، وانتشار التكنولوجيا الحديثة، ازدهر الإعلام الكردي على نحو لافت، فأصبح الإقليم يحتضن أكثر من 1300 قناة تلفزيونية وإذاعية فضائية وأرضية، إضافة إلى عشرات المطبوعات والمنشورات والصحف، غالبيتها العظمى حزبية أو ممولة من قوى سياسية، من دون وجود قناة رسمية ناطقة باسم سلطات الإقليم.
ويشير رسول إلى ذلك بقوله: «هناك فوضى عارمة في الساحة الإعلامية، فهذا الكم الكبير من القنوات لا ينسجم إطلاقاً مع حجم الإقليم وقدراته المالية، إضافة إلى افتقارها الشديد إلى المعايير المهنية، وقواعد اللغة الكردية، فضلاً عن هزال خطابها السياسي القائم على تعرية الآخر وفضحه، ونشر ثقافة الكراهية والضغينة، بدل الألفة والمودة والتسامح».
ولفت إلى أن معظم الصحافيين «بات يبحث فقط عن الشهرة، ولا يهتم بالتثقيف الذاتي، كما كان الوضع بالنسبة للصحافي الثوري في الجبال»، مشدداً على «ضرورة أن تعيد السلطات النظر في هذه الطائفة الكبيرة من المؤسسات الإعلامية، وتعمل على دمجها في إطار محدد، أو على الأقل فرض قواعد لنهج عملها».
ورغم انتشار الأكاديميات الإعلامية في الإقليم، فإن معايير الكفاءة والمهنية لا تزال غائبة، بسبب تفضيل غالبية المؤسسات الإعلامية الانتماء الحزبي على الاعتبارات الأخرى، وهو ما يعتبره هزار صديق (48 عاماً) الذي عمل مذيعاً ومحرراً لثمانية عشر عاماً، من أخطر التهديدات والتحديات التي تواجه الإعلام الكردي، الذي «بات رديفاً لشبكات التواصل الاجتماعي».
وأوضح صديق لـ«الشرق الأوسط» أن «الإعلام تطور كثيراً من حيث الكم والأجهزة والتقنيات الحديثة؛ لكنه تراجع كثيراً من حيث المضمون ورداءة خطابه السياسي والاجتماعي». وأضاف أن «السبيل الأمثل للقضاء على هذه الفوضى الإعلامية، وأسباب الإجحاف في حقوق الصحافي الكردي، هو خصخصة قطاع الإعلام، وإخراجه من ربقة الأحزاب، وإلا فإن مستقبلاً مظلماً ينتظر ماكينة الإعلام الكردي».
اللافت أن الساحة الإعلامية المكتظة في إقليم كردستان تكاد تخلو من أي موقع خاص بالمرأة، باستثناء إذاعة محلية متواضعة، تديرها أربع فتيات يحاولن جاهدات إبراز قضايا المرأة الكردية وحقوقها. وتقول مديرة الإذاعة نرمين السندي، إن «الإعلام الكردي رغم تطوره التقني والعددي، لم يتعاط مع قضايا المرأة الكردية كما ينبغي، فكل القنوات منهمكة بالسياسة، في حين أن مجتمعنا بحاجة إلى إعلام تخصصي، وأن تكون للمرأة قناة تلفزيونية تهتم بقضاياها وحقوقها، التي لا تزال قيد المداولة والتمحيص».
وتؤكد السندي لـ«الشرق الأوسط» ضرورة وجود قنوات كردية ناطقة بالعربية وبعض اللغات الحية «لتتولى نقل خطاب الشعب الكردي وقضاياه ومطالبه إلى العالم الخارجي». وتقول: «لست متفائلة حيال مستقبل الإعلام الكردي وإمكانية تحسن مستواه، في ظل غياب المعايير المهنية، لا سيما في ظل العقليات التي تدير الماكينة الإعلامية في الإقليم».
وبحسب شهادات كثير من أصحاب المهنة، فإن المستوى المعيشي للصحافيين الأكراد سيئ للغاية، فرواتب معظمهم لا تلبي أبسط مستلزمات الحياة، باستثناء عدد قليل ممن يعملون في قنوات مدعومة.



ما تأثير تراجع استخدام «الهاشتاغ» على التفاعل في منصات «التواصل»؟

ما تأثير تراجع استخدام «الهاشتاغ» على التفاعل في منصات «التواصل»؟
TT

ما تأثير تراجع استخدام «الهاشتاغ» على التفاعل في منصات «التواصل»؟

ما تأثير تراجع استخدام «الهاشتاغ» على التفاعل في منصات «التواصل»؟

يبدو أن الفترة المقبلة ستشهد تراجعاً في استراتيجية تسويق الأخبار عبر «الهاشتاغ» التي كانت فعالة لسنوات، وذلك عقب إعلان «ميتا» تراجع الاعتماد على «الهاشتاغ» لتحقيق التفاعل والوصول، وتحديداً على «إنستغرام»، التي هي المنصة الأكثر استخداماً للهاشتاغات منذ إطلاقها. وتبع هذه الخطوة إعلان تطبيق «إكس» (تويتر سابقاً) عبر مالكه إيلون ماسك «انعدام جدوى استخدام الهاشتاغ (الكلمات المفتاحية) في العام الجديد»، مما أثار تساؤلات حول تأثير تراجع استخدام «الهاشتاغ» على التفاعل بمنصات التواصل الاجتماعي.

للتذكير، «الهاشتاغ» هو كلمة أو عبارة مسبوقة برمز #، تُستخدم على وسائل التواصل الاجتماعي لتصنيف المحتوى، مما يسهل على المستخدمين العثور على المنشورات المتعلقة بموضوع معين. لسنوات عديدة كان لـ«الهاشتاغ» دور بارز في تحقيق معدلات الوصول والتفاعل مع المنشورات، ومنها الأخبار. ووفق بيانات صدرت عن «شبكة موارد التعلم بكاليفورنيا» (CLRN) في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، «لا يزال نحو 95 في المائة من مستخدمي (إنستغرام) يعتمدون على الهاشتاغات لاكتشاف محتوى جديد».

الدكتور حسن مصطفى، خبير التسويق الرقمي والإعلام الجديد في الإمارات العربية المتحدة، قال لـ«الشرق الأوسط» معلقاً إن «الهاشتاغ كان في السابق أداة قوية لتنظيم المحتوى وجذب الجمهور المستهدف. ولكن مع تراجع دعمه من قبل منصات مثل (إنستغرام) و(إكس) من المتوقع أن ينخفض دوره كعامل رئيس في زيادة الوصول». وذكر أن السبب يكمن في «تغيير خوارزميات هذه المنصات التي تركز بشكل أكبر على جودة المحتوى وتفاعله بدلاً من الاعتماد على الكلمات المفتاحية أو الهاشتاغات».

مصطفى توقع أيضاً أن «يظل الهاشتاغ أداة ثانوية لتنظيم المحتوى بدلاً من كونه محركاً رئيساً للوصول، مع استمرار أهميته في بعض المنصات مثل (تيك توك) و(لينكد إن)، حيث لا يزال يشكل جزءاً أساسياً من استراتيجية الاستكشاف». وأضاف أن «التسويق بالمحتوى الجيّد يعتبر من أفضل طرق الوصول والتفاعل المستدام، وما زالت عبارة المحتوى هو الملك Content is The King تشكل حقيقة ماثلة». ومن ثم، نَصَح الناشرين «بضرورة الاعتماد في الوصول للجمهور المستهدف على تحسين جودة المحتوى، من خلال تلبية احتياجات الجمهور، ليضمن بذلك تفاعلاً، كما أنه سيحصل على أولوية في الخوارزميات».

مصطفى لفت أيضاً إلى أهمية التوجه نحو الفيديوهات القصيرة والمحتوى التفاعلي، موضحاً أن «(تيك توك) و(ريلز إنستغرام) أثبتا فعالية الفيديوهات القصيرة في الوصول لجمهور أوسع». ولضمان استمرارية معدلات الوصول للأخبار، رأى أن على الناشرين الاهتمام بـ«تحسين استراتيجيات تحسين محركات البحث (SEO)، وكذلك التعاون مع المؤثرين، فضلاً عن تفعيل أداة الإعلانات المدفوعة... التي هي من العوامل المهمة في الوصول بشكل أسرع وأكثر استهدافاً».

جدير بالذكر أن منصات مثل «تيك توك» لا تزال تولي أهمية لـ«الهاشتاغ». ووفقاً لبيانات صدرت عن «جمعية التسويق الأميركية» (American Marketing Association)، في أغسطس (آب) الماضي، فإن المنشورات التي تحتوي على 3 - 5 علامات تصنيف على الأقل إلى تحقيق انتشار أكبر. وأردفت أن «استخدام هاشتاغ مثل #fyp (صفحة For You) جمع ما يقرب من 35 تريليون مشاهدة... ثم إن استخدام الهاشتاغ على «فيسبوك» أقل أهمية، وقد يحمل آثاراً تفاعلية متفاوتة مما يستلزم اتباع نهج حذر واستراتيجي».

من جهته، في لقاء لـ«الشرق الأوسط» مع معتز نادي، الصحافي المصري والمدرب المتخصص في الإعلام الرقمي، قال نادي إن «ثمة تغييرات حثيثة تطغى على سوق الإعلام الرقمي وفضاء التواصل الاجتماعي، من ثم على الناشرين سرعة مجاراة التحديثات، لأن هذا من الأمور الحيوية التي يجب أن يلم بها الناشرون لضمان فعالية وصول المحتوى الذي يقدمونه إلى الجمهور المستهدف».

وعدّ نادي تحقيق التفاعل والوصول للأخبار مهمة تتطلب التكيف والتطوير، مضيفاً أنه «يجب أن يولي الناشرون أهمية لتطوير القوالب التي تضمن الانتشار مثل الفيديو على (تيك توك)، واتجاه الفئات الأصغر سناً إليه للبحث عن المعلومة وفقاً لتقارير معهد رويترز للصحافة قبل نحو سنتين، مما يعني أنه على وسائل الإعلام ومديري المحتوى على المنصات إدراك أهمية تلك المنصات بالتطور الدائم دون التوقف عند فكرة الهاشتاغات».

وأشار نادي إلى إمكانية تحسين معدلات الوصول من خلال «فن اختيار الكلمات في العناوين بما يتناسب مع العبارات المتداولة لضمان الوصول لأكبر قدر ممكن من الجمهور عند البحث عنها عبر مواقع التواصل الاجتماعي». ومن ثم شدد على أهمية «الاستفادة من الذكاء الاصطناعي والتطبيقات التي باتت المنصات تعتمد عليها، مثل (فيسبوك) و(واتساب) و(إكس)، لا سيما أن هذا الاتجاه سيشكل لغة خوارزميات المستقبل في نشر المحتوى».