الاندماج الاجتماعي... استراتيجية واشنطن لمكافحة «التطرف الديني العنيف»

يشمل برامج تعليمية ومبادرات أهلية

منذ هجمات سبتمبر 2001 يخشى الأميركيون تزايد انخراط مواطنين ومقيمين في التطرف العنيف («الشرق الأوسط»)
منذ هجمات سبتمبر 2001 يخشى الأميركيون تزايد انخراط مواطنين ومقيمين في التطرف العنيف («الشرق الأوسط»)
TT

الاندماج الاجتماعي... استراتيجية واشنطن لمكافحة «التطرف الديني العنيف»

منذ هجمات سبتمبر 2001 يخشى الأميركيون تزايد انخراط مواطنين ومقيمين في التطرف العنيف («الشرق الأوسط»)
منذ هجمات سبتمبر 2001 يخشى الأميركيون تزايد انخراط مواطنين ومقيمين في التطرف العنيف («الشرق الأوسط»)

لا يبدو تجول طفل بثياب صومالية تقليدية في «مول أوف أميركا» بمدينة مينيابوليس، كبرى مدن ولاية مينيسوتا الأميركية، نافراً بالنسبة لهذه الولاية، حيث يعيش عشرات الآلاف من المهاجرين من الصومال. فقد تجاوز أميركيون كُثُر هنا عقدة الخوف من الآخر، والمسلم تحديداً. كذلك يحاول المهاجرون تخطي الشعور بالاختلاف عن الأميركيين، ذلك أن البرامج التي وضعتها الهيئات الحكومية، مستهدفة إصلاح البيئة الاجتماعية بمفهومي التربية وتعزيز الاندماج، بدأت تؤهل الطرفين لتخطي الحواجز النفسية والاجتماعية التي تحول دون الانخراط الاجتماعي، وهو ما انعكس على تثبيت الأمن، وسهل عمل الحكومة الأميركية لمكافحة «التشدد العنيف».
بخلاف كثير من الولايات الأميركية التي تحدث الإعلام عن أنها شهدت تأزماً في العلاقة بين المهاجرين والسكان المحليين، لا يظهر هذا التأزم في مينيابوليس، عاصمة ولاية مينيسوتا، حيث يمكن أن يطالعك مسؤول محلي بـ«الاعتذار» عن إساءات تعرض لها مهاجرون، بينما في مدينة دنفر، عاصمة ولاية كولورادو، ثبت أميركي على مدخل منزله لافتة يتوجه فيها لجيرانه المهاجرين من العراق والمكسيك: «لا يهم من أين أتيتم... نحن سعداء كونكم جيراننا».
وفي الواقع، لم تعتمد الولايات المتحدة المقاربة الأمنية بشكل أساسي لمواجهة التطرف على أراضيها، خلافاً لاستراتيجية التدخل في الخارج عبر جهود «التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب»، العامل في العراق وسوريا، إذ تتبع الحكومة برنامج «مكافحة التطرف العنيف»، المقصود به «الجهود المحلية في الولايات المتحدة لمنع تجنيد التنظيمات الراديكالية للأفراد للقيام بالعنف».
وتعتمد البرامج على استراتيجية «الاندماج الاجتماعي»، إذ تعمل على الإحاطة بملفات المشتبه بتشددهم، عبر مقاربات اجتماعية، أهمها التربية واستخدام الضغوط العائلية والصداقات في البيئة التي يتحدرون منها، وكذلك المقاربة الاقتصادية لناحية توفير ظروف العمل، فضلاً عن المقاربة الإعلامية لمكافحة الدعاية والمعلومات الخاطئة التي تبثها التنظيمات الإرهابية في العالم والدول الأجنبية.
ولعل اجتماع المقاربات الثلاث، وتكافلها في جهود متحدة، نجح إلى حد بعيد في إبعاد الجانحين إلى التطرف عن جبهات القتال، وعن الانزلاق إلى أعمال إرهابية في الداخل. وتثبت الأرقام نجاح هذه الاستراتيجية، إذ لا يتجاوز عدد الأميركيين الذين ارتادوا جبهات القتال في سوريا والعراق والصومال إلى جانب تنظيمات متشددة، العشرات.
- تدريب ضد التطرف
لا يخفي الأميركيون أن عدداً من الأفراد، من المواطنين والمقيمين، انخرط في نشاطات التطرف العنيف، واستلهموها من تنظيم القاعدة وآيديولوجيته. وقد وجدوا من المهم جداً أن تتدرب هيئات إنفاذ القانون على فهم وملاحقة السلوك الإجرامي الذي تحفزه الآيديولوجيا، والعمل مع المجتمعات المحلية والهيئات الرسمية لمكافحة التطرف العنيف في الداخل. وعليه، أنشأت وزارة الداخلية، بالشراكة مع مركز مكافحة التطرف الوطني، «مجموعة عمل أمني» لحشد أفضل التجارب للتدريب على مكافحة التطرف العنيف. وجهزت المجموعة دليلاً يستفيد منه مسؤولو هيئات إنفاذ القانون، وعلى مستوى فيدرالي ومستوى الولايات، أولئك العاملون على مكافحة التطرف العنيف، لتعزيز ثقافة التوعية والتدريب على مكافحة التطرف.
والواقع أنه قبل عام 2016، لم يكن هناك تركيز مركزي على جهود مكافحة التشدد العنيف بأسلوب الإحاطة الاجتماعية. فالاستراتيجية كانت تعتمد على جهود غير مركزية. وبعدما باتت استراتيجية عامة، ضمن سياسات عامة في البلاد، جرى تنظيمها بهدف تعزيز التوعية، بالنظر إلى أهميتها على المستوى الاجتماعي. وتقوم الاستراتيجية على 3 ركائز لمقاربة هذا الملف في داخل الولايات المتحدة: أولها تمكين المجتمع، وتعريفهم بطريقة توجيهه بغرض «مكافحة التطرف العنيف»؛ وثانيها توجيه الرسائل التي تحيط بالأسباب والموجهين لهذا السلوك العنيف، والتركيز على النظام في الولايات المتحدة ومقاربة الحكومة لمكافحة التطرف، فضلاً عن الإحاطة بالمفهوم العام لهذه الاستراتيجية.
- شركاء محليون
ولا تتسم الاستراتيجية بمفهوم ثابت، كونها تعتمد على متغيرات مرتبطة بالمجتمع وطبيعته، والبلد الذي تنطلق منه. ويؤكد المنخرطون في هذه الاستراتيجية أنها منفصلة عن الجهود المرتبطة بـ«إنفاذ القانون». ففي الولايات المتحدة، ثمة أشخاص يظهرون اهتماماً بإعادة تأهيل الجانحين للتطرف، ومنع هؤلاء من الانخراط في أعمال مشبوهة، بما يتخطى اللجوء إلى الشرطة فوراً. ويؤسس النموذج القائم لشراكة اجتماعية تساهم إلى حد كبير في قيام حواجز ضمن البيئة الاجتماعية لمنع الانجراف إلى التطرف. ووضعت عدة خطوات ونشاطات تستطيع أن تساعد في تنفيذ تلك البرامج، مثل انخراط الفئات الاجتماعية بها، كل في مدينته وبيئته. وتتم العملية وفق آليات التوعية الاجتماعية، والتمارين لتحييد الجانحين عن الانخراط في النشاطات المشبوهة، إضافة إلى ندوات، يكون القائمون عليها من قادة الرأي، كرجال الدين والمدرسين والأكاديميين والعاملين في الحقل الاجتماعي. وتتم آليات التدريب على الاستجواب لمعرفة علامات التشدد، وماذا يشاهدون، والعملية التي يمكن اتباعها، بالنظر إلى أن المشتبه بهم هم حالات حقيقية موجودة في المجتمع.
- جهود إعادة الدمج
ويمثل التدخل الاجتماعي على خط التوعية، وإعادة التوجيه والتأهيل، الحلقة الأولى والأهم في برنامج مكافحة التطرف العنيف. وقد نجحت إلى حد كبير لجهة إعادة دمج الأفراد الجانحين للتشدد في المجتمع. ولم يسجل خلال السنوات الخمس الماضية أكثر من 100 فرد، استدعت حالاتهم تدخل الشرطة، وهم اليوم في السجون الفيدرالية، ليس بتهم الانزلاق لأعمال إرهابية، بل بتهم متعلقة بتوفير دعم مادي للإرهابيين، وتمويل أعمال مفترضة.
ويقول العاملون في هذا القطاع إن الهدف حماية المسلمين الأميركيين من التأثيرات الخارجية المشجعة للتطرف، بموازاة حماية الحقوق المدنية وحرية الرأي والاعتقاد المكفولة في القانون الأميركي، مؤكدين أن «هناك رغبة عامة اجتماعية بالالتحاق بتلك البرامج، وهي أولوية بالنسبة لنا»، ويشددون على أن «تحقيق الأمن الداخلي يبدأ من الداخل، من المجتمع». وعليه، بدأت عملية بناء الحلول الاجتماعية.
ويؤكد المطلعون على هذه الاستراتيجيات أن العائلات تضطلع بأدوار مهمة جداً في إحباط محاولات الأفراد للانخراط في التنظيمات الإرهابية، فضلاً عن أن مهمة مكافحة الإرهاب تعتمد على الانخراط والتواصل الذي أوصل الرسائل التي تؤكد أن الرقابة تركز على تصرفات الأفراد، ولا تستهدف الإسلام أو المسلمين الذي يشعرون بحرية تامة في ممارسة شعائرهم الدينية، بالنظر إلى أن حرية المعتقد يكفلها الدستور، فضلاً عن أن فرص تواصلهم مع المؤسسات الحكومية متاحة. فهيئات إنفاذ القانون تربطها علاقة مع المجتمع، كذلك المنظمات الحكومية التي تعمل على المجتمعات مع مراعاة خصوصياتها، ويجري التواصل في إطار «انخراط اجتماعي». والمقصود في العملية الأخيرة هو الجهود لانخراط المهاجرين واللاجئين في المجتمع. ويقول المعنيون إن الحكومات الأميركية المتعاقبة «أثبتت فعالية في توفير انخراط فعال للأفراد في المجتمع، وتأمين كل ما يحتاجونه بهدف إنجاح المهمة»، مشددين على أنها «عملية مستمرة». وينفي هؤلاء في الوقت نفسه أن تكون قد طرأت أي تغييرات على تلك الجهود بعد وصول الرئيس دونالد ترمب إلى الرئاسة.
- مبادرات اجتماعية
وثمة كثير من المبادرات التي يقودها متطوعون من الأكاديميين والعاملين في الحقل الاجتماعي لإعادة تأهيل ذوي الميول المتشددة. وفي واشنطن، هناك مبادرة تعمل في سياق التكافل الاجتماعي لتعزيز الاندماج، بينها مبادرة لإعادة تأهيل الحياة بعد السجن. ويقول العاملون في هذا الميدان إن 8 من أصل 10 حالات أعيد تأهيلها بنجاح. وفي ما يخص الذين ارتكبوا جرائم على خلفيات آيديولوجية، يؤكد المتطوعون أن الحكومة تكفل حرية التعبير، ولا تصنف هؤلاء على أنهم ارتكبوا جرائم بسبب قناعات آيديولوجية. ويجري التأهيل بالاعتماد على القوة الاجتماعية، وتمكين المجتمعات المحلية لمكافحة هذا النمط من التفكير الآيديولوجي.
وفي إطار الرغبة في بناء نموذج تعليمي يحمي من التشدد، نظم فريق من الطلاب حملات إلكترونية في موقع «فيسبوك» لأسابيع، يظهر المقاربة الأميركية لجهود مكافحة التطرف، ويؤكد أن الشباب يمكن أن يكون جزءاً من الحل.
وعلى المنوال نفسه، نجحت مبادرات أخرى في مينيابوليس في تحقيق الاندماج، على الرغم من أن تعقيدات تحيط بالمهمة في المدينة التي تضم آلاف المهاجرين، بينهم 250 ألف صومالي تقريباً، ويعاني معظمهم من البطالة والفقر، لكن الارتباط العائلي والاجتماعي للصوماليين سهل كثيراً فرص مكافحة التطرف وفق آليات الضغط الاجتماعي لإبعاد الشباب عن التطرف. ويُعمل أيضاً على تثقيف الأمهات اللواتي يمثلن الحاضنة الأساسية وحاجز الدفاع الأول ضد التشدد عبر التربية في المنزل.
- جهود لتعزيز الحوار
وإلى جانب التعاون الذي ظهر بين هيئات إنفاذ القانون والمجتمع، ظهرت مبادرات تعليمية وتثقيفية، بينها «آفيريدج محمد» Average Mohamed، التي تنطلق في منصات إلكترونية لتعزيز الحوار، وتكريس العلاقات الإنسانية، بمعزل عن العرق والدين. والمبادرة التي أسسها محمد أمين أحمد، المهاجر من الصومال منذ أكثر من 20 سنة، تهدف إلى حث الآباء والأمهات والأطفال ورجال الدين على تعزيز الوسطية والاعتدال، لمكافحة الدعاية والخطاب المتطرف الذي يحاول المتطرفون بثه، كما يكافح خطاب العنصرية والتعصب. ويقول مؤسس الموقع إن رسالته «عالمية»، وينشر الفيديوهات التعليمية التي يشاهدها كثيرون في أوروبا وأفريقيا، ويشير إلى أن العلاج بالفيديوهات «وسيلة ناجعة، وقد أثبتت أن الكثيرين متأثرون بقيم الاعتدال، ويؤيدون نبذ الكراهية، ويدينون التشدد»، مؤكداً أن كثيراً من الجيل الجديد «يتصرفون الآن على أنهم أميركيون، وتحللوا من عصبية الانتماء للصومال».
- مبادرات دعم اقتصادي
تمثل مبادرة Community Service Officer (ضابط خدمة المجتمع) واحدة من جهود أساسية تبذلها مينيابوليس لتحقيق أفضل عملية دمج للمهاجرين، بالنظر إلى أن الولاية تضم عشرات آلاف المهاجرين الصوماليين الذين وصلوا خلال 3 موجات من الهجرة منذ مطلع التسعينات. وهي مبادرة مدعومة رسمياً لتوظيف المدنيين في المؤسسات الرسمية، بينها مؤسسات إنفاذ القانون، وتهدف إلى تعزيز الكفاءة الأهلية للقيادة. وتوفر المبادرة مساعدة ليدخل المنتسبون إلى الشرطة أيضاً، وتقدم تسهيلات ودعم وتأهيل لتحقيق خطوات الدمج، وقد نجحت في مراحلها الأولى في إدخال عدد كبير من الأميركيين من أصول أفريقية وآسيوية إلى الشرطة، بينهم ضباط، والتحق نحو 25 ألفاً بالقوى العسكرية والمدنية التابعة للحكومة.
والبرنامج جزء من عدة برامج لتحقيق الاندماج، اقتصادية واجتماعية، إذ وفرت الحكومة الفيدرالية تمويلاً لبرامج متصلة بالشباب في المجتمع الصومالي، الذي لا يزال يحتاج إلى كثير لجهة الدعم بالتعليم واللغة، وينطلق من قناعة بأن «قوة الولايات المتحدة بالمؤسسات الدستورية والتعليمية».
وفيما يبدو اللاجئون متشابهين هنا لناحية ظروفهم المادية ومعاناتهم من الفقر والبطالة والصعوبات التي يواجهونها على صعيد اللغة، تساعد المجتمعات الأهلية الحكومة على الدعم لتحقيق الاندماج. ويؤكد المعنيون في تلك البرامج أن اتصال المهاجرين بالوظائف، كما ارتباطهم بالعائلة، يقلل من فرص محاولات تجنيدهم، وهو ما نجحت المدينة به وتجاوزت تداعيات العزلة والتجنيد في صفوف الجماعات الإرهابية.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».