رحيل غابي لحود الشهابي ورجل الاستخبارات القوي

غابي لحود
غابي لحود
TT

رحيل غابي لحود الشهابي ورجل الاستخبارات القوي

غابي لحود
غابي لحود

لولا تغريدة النائب وليد جنبلاط على حسابه على موقع «تويتر» ربما لم يكن اللبنانيون ليتنبهوا إلى وفاة إحدى الشخصيات العسكرية البارزة التي رحلت وربما أخفت أكثر مما أظهرت، وطوت معها الكثير من الأسرار. فقد كتب جنبلاط ناعياً العميد الركن المتقاعد غابي لحود الذي وافته المنية عن 88 عاماً قائلاً: «صديق قديم من الماضي البعيد الجميل، ورمز من رجال الشهابية الكبار يغيب عنا اليوم،إنه العميد غابي لحود. لقد كان جزءاً من تاريخ لبنان في عهد الرئيس فؤاد شهاب باني مؤسسات لبنان الحديث، رحمه الله. نفتقدك كصديق للمختارة وكرجل دولة في المؤسسة العسكرية».
ولد غابي لحود في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1931 في بيت الدين في منطقة الشوف، وتنقل في مناصب عسكرية عدة إلى أن عينه الرئيس فؤاد شهاب رئيساً للفرع العسكري لاستخبارات الجيش، ومن ثم مساعداً لرئيس الاستخبارات أو ما عرف حينه باسم «المكتب الثاني». وبعد تولي شارل حلو رئاسة الجمهورية عام 1964، وبإيعاز من شهاب، تمت ترقية لحود إلى رئيس لـ«المكتب الثاني» حيث سيبقى في عمله هذا حتى عام 1970.
عرف عنه في فترة وجوده على رأس الاستخبارات، وفريقه الذي أحاط به، تلك السطوة التي شعر بها الناس لجهازه على حياتهم، وتدخل العسكر بالحياة السياسية. مع أن لحود بقي ينفي ذلك، ويعتبر أن كل ما كان يفعله المكتب الثاني في تلك الفترة، لم يكن نابعاً من رغبة العسكريين في التدخل بقدر ما كانت رغبة السياسيين في الاستفادة من الخبرة العسكرية لضبط الأمن، ومنع أي محاولة تخريب بعد محاولة «الحزب السوري القومي الاجتماعي» القيام بالانقلاب الوحيد الذي شهده لبنان، سنة 1962. وتحت رئاسته توسع المكتب الثاني، وصار أكثر تنظيماً ونشاطاً، ومنع تسلل فلسطينيين إلى لبنان.
وغابي لحود شاهد غاب، وفي جعبته الكثير من المعلومات حول فترة كانت فيها الدولة اللبنانية ترسي مؤسساتها بالفعل. وفي أيامه كانت الشعبة الثانية في لبنان، تقوم بدور فاعل ليس لحفظ أمنها، وإنما لتبادل المعلومات مع دول عربية كثيرة، وبينها سوريا بشكل وثيق. ويقول لحود في مقابلة مع الزميل غسان شربل: «إن الشعبة حذرت قبل 1967 من أن إسرائيل تعد لعمل عسكري واسع ضد الجانب العربي لكن الرئيس جمال عبد الناصر لم يأخذ بهذه المعلومات التي اعترف بوصولها إليه قبل الحرب. كما أن «الشعبة الثانية» توقعت أن تقصف إسرائيل مطار بيروت أو ميناءها في 1968، لكن تنفيذ إجراءات الحماية تأخر». ويتحدث لحود أيضاً في هذه المقابلة التي كانت قد نشرت في حلقات عن «نشوء الحلف الثلاثي في لبنان ويشيد بمزايا الرئيس شارل حلو، لكنه يسجل في الوقت نفسه ملاحظات على أسلوبه ونقطة الضعف التي لم تظهر يوماً في سلوك الرئيس فؤاد شهاب» الذي بقي الرجل المفضل لديه.
وقد حوكم لحود في عهد الرئيس فرنجية ومجموعة من الضباط، وغادر لبنان ثم عاد إليه عدة مرات، لا سيما حين وصل صديقه إلياس سركيس إلى رئاسة الجمهورية، وكان راغباً في الوصول إلى قيادة الجيش، لكن طموحه العسكري بقي مبتوراً. وقضى سنين عمره الأخيرة في مدريد، حيث سيوارى الثرى هناك. وقد نعته قيادة الجيش ووصفته بأنه «شخصية شهابية بارزة ولعب أدوارا عسكرية وأمنية وسياسية، طيلة سنوات»،
وجاء في نبذة عنه أنه تطوع في الجيش بتاريخ 1 / 1 / 1949، ثم تدرج في الترقية حتى رتبة عميد اعتبارا من 1 / 1 / 1978. حائز على عدة أوسمة، وحاز تنويه العماد قائد الجيش وتهنئته عدة مرات. وهو متأهل وله أربعة أولاد.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».