مجلس الشيوخ الأميركي يتأهب للعدول عن قواعد أوباما المصرفية

أكبر ضربة تشريعية موجهة لقانون دود ـ فرانك

من المقرر أن يجري مجلس الشيوخ تصويتا إجرائيا مبدئيا خلال أيام للمضي قدما بتدابير القانون الجديد (رويترز)
من المقرر أن يجري مجلس الشيوخ تصويتا إجرائيا مبدئيا خلال أيام للمضي قدما بتدابير القانون الجديد (رويترز)
TT

مجلس الشيوخ الأميركي يتأهب للعدول عن قواعد أوباما المصرفية

من المقرر أن يجري مجلس الشيوخ تصويتا إجرائيا مبدئيا خلال أيام للمضي قدما بتدابير القانون الجديد (رويترز)
من المقرر أن يجري مجلس الشيوخ تصويتا إجرائيا مبدئيا خلال أيام للمضي قدما بتدابير القانون الجديد (رويترز)

يستعد مجلس الشيوخ الأميركي إلى تقليص اللوائح المصرفية الشاملة التي تم إقرارها في أعقاب الأزمة المالية العالمية لعام 2008، مع أكثر من اثني عشر عضوا ديمقراطيا على أهبة الاستعداد لمنح الأعضاء الجمهوريين الأصوات التي يحتاجون إليها، بغية إضعاف أحد أكبر الإنجازات التشريعية التي حققها الرئيس السبق باراك أوباما.
وتعكس رغبة مجلس الشيوخ في سحب اللوائح المصرفية الشاملة حجم نفوذ القطاع المالي داخل العاصمة واشنطن، وليس بين أروقة الجمهوريين فحسب وإنما في أوساط الديمقراطيين أيضا. فبعد مرور ثمان سنوات على دعم كل الأعضاء الديمقراطيين في مجلس الشيوخ المجموعة الواسعة من القواعد الجديدة للمؤسسات المالية الكبيرة والصغيرة، انقسم الحزب الديمقراطي الآن على ذاته، مع مواجهة كثير من المعتدلين منافسات محتدمة في انتخابات التجديد النصفي في الكونغرس، وأصبحوا يتعاونون مع أعضاء الحزب الجمهوري المعارض.
ويعفي مشروع القانون الجديد، في جوهره، ما يقرب من اثنتي عشرة مؤسسة مالية كبيرة بأصول تتراوح بين 50 و250 مليار دولار من أعلى مستويات التدقيق والمراجعة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي). ويرى المؤيدون لمشروع القانون الجديد أن ذلك التشريع سوف يحقق التخفيف الذي تنشده المصارف المتوسطة والكبيرة منذ فترة طويلة، والتي كانت تلقى معاملة بمثل التي تلقاها المصارف الأكبر حجما وفق تشريع عام 2010 السابق والمعروف إعلاميا باسم قانون دود - فرانك.
في حين أن المعارضين يقولون إن القانون الجديد سوف يعمل على إضعاف الرقابة المطلوبة لوقف أنواع الإقراض والاستثمار الخطيرة التي سببت تقويضا في أركان الاقتصاد الأميركي خلال الفترة الماضية.
ومن المقرر أن يجري مجلس الشيوخ تصويتا إجرائيا مبدئيا خلال الأسبوع الحالي للمضي قدما بتدابير القانون الجديد، وإن أصبح قانونا معمولا به في خاتمة المطاف، فسوف يعتبر أكبر ضربة تشريعية موجهة لقانون دود - فرانك منذ إقراره.

ردة تشريعية في ذكرى الأزمة!
وقالت السيناتور إليزابيث وارين، الديمقراطية من ولاية ماساتشوستس، في مقابلة شخصية: «في الذكرى العاشرة للأزمة المالية المروعة، لا ينبغي على الكونغرس تمرير القوانين المعنية بإضعاف قواعد الرقابة والمساءلة على مصارف وول ستريت. إذ يسمح مشروع القانون الجديد لنحو 25 من أصل 40 مصرفا كبيرا في البلاد بالفرار من التدقيق والمراجعة المكثفة، وتنظيم أعمالها كما لو كانت مصارف مجتمعية صغيرة الحجم والنطاق والتي لا يمكن أن يكون لها كبير تأثير على اقتصاد البلاد».
بينما يشير السيناتور جون تيستر، الديمقراطي من ولاية مونتانا، وهو عضو في لجنة المصارف بالكونغرس وأحد كبار مؤيدي مشروع القانون الجديد إلى أن «المصارف في ولاية الريفية إلى حد كبير قد خرجت من العمل المصرفي بصورة جزئية بسبب اللوائح التي أقرها قانون دود - فرانك من قبل».
ويضيف السيناتور تيست «إن مصارف مين ستريت، والمصارف المجتمعية إلى جانب الاتحادات الائتمانية لم تكن السبب المباشر في الأزمة المالية العالمية لعام 2008، ورغم ذلك فقد خضعت للرقابة التنظيمية بشكل كبير وصارم»، مشيرا إلى أنه ليس هناك مادة واحدة في هذا القانون تمنح وول ستريت انفراجة بأية صورة من الصور.
ويدحض النقاد مثل هذه المزاعم، مشيرين إلى أن الانقسام الظاهر في الحزب الديمقراطي بشأن اللوائح المالية التي تثير حفيظة الليبراليين مثل السيناتور وارين والسيناتور شيرود براون، الديمقراطي من ولاية أوهايو، وهو من أبرز أعضاء اللجنة المصرفية بالكونغرس، ضد الأعضاء الديمقراطيين المعتدلين بما في ذلك السيناتور تيستر، والسيناتور هايدي هايتكامب الديمقراطية من ولاية نورث داكوتا، والسيناتور جو دونلي الديمقراطي من ولاية إنديانا.
ويواجه كثير من الأعضاء المعتدلين الضغوط السياسية المتصاعدة بهدف إنشاء سجلا وسطيا للتصويت، ولا سيما في أعقاب التصويت ضد التخفيضات الضريبية التي اقترحها الحزب الجمهوري في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي. ويعتزم الأعضاء تيستر وهايتكامب ودونلي خوض انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل في الولايات التي فاز فيها الرئيس الجمهوري دونالد ترمب بهامش كبير من عدد الأصوات. ولقد ساعد الأعضاء الثلاثة المذكورون في التفاوض بشأن اللوائح المصرفية مع الراعي الجمهوري لمشروع القانون الجديد، وهو السيناتور الجمهوري البارز مايك كرابو رئيس اللجنة المصرفية بمجلس الشيوخ. ومع ذلك، فإن الائتلاف الديمقراطي المؤيد لمشروع القانون الجديد يضم أيضا المشرعين مثل تيم كاين من ولاية فيرجينيا، وكان الزميل المشارك لهيلاري كلينتون في انتخابات عام 2016 الرئاسية، وكذلك مارك وارنر من ولاية فيرجينيا، والذي كان من بين المشرعين الرئيسيين في إصلاحات وول ستريت عبر قانون دود - فرانك لعام 2010، إلى جانب مشروع حماية المستهلك، غير أنه أعرب عن قلقه حيال اللوائح المفرطة بحق المصارف صغيرة الحجم.
ويبدو أن مشروع القانون الجديد الذي يتزعمه الحزب الجمهوري يحمل مسارا واضحا صوب التحول إلى قانون نافذ المفعول. فإن مستوى الدعم الجمهوري لمشروع القانون الجديد يوحي بأن مشروع القرار سوف يحوز على الـ60 صوتا اللازمة لتمرير القانون داخل مجلس الشيوخ، والذي سوف يدخل حيز المناقشة التشريعية من خلال التصويت الإجرائي المقرر يوم الثلاثاء. مع الدعم الواسع الذي أعربت عنه إدارة الرئيس ترمب حيال التعديل المزمع إجراؤه.
ولقد أصدر مجلس النواب بالفعل تشريعا من شأنه إبطال أجزاء كبيرة من نصوص قانون دود - فرانك، وبالتالي صار أكبر التحديات المرتقبة لدى المؤيدين لمشروع القانون هو التوفيق بين نسختي مجلس النواب ومجلس الشيوخ. ويقول الديمقراطيون من مجلس الشيوخ المؤيدين لمشروع القانون أنهم سوف يقاومون أية تغييرات كبيرة.
أما زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، السيناتور تشاك شومر الديمقراطي من نيويورك، والذي يمثل «وول ستريت»، وغالبا ما يكون مدفوعا بالرغبة في حماية نواب الولايات الحمراء الضعيفة سياسيا، فإنه يعارض مشروع القانون الجديد، ولكنه اعتمد مسارا بعدم التدخل حيال المناقشات الحالية حتى الوقت الراهن.

ضغوط عدة لتمرير القانون
ويعد احتمال تخفيف الإجراءات التنظيمية في وول ستريت إشارة على تحسن موقف القطاع المالي داخل الكابيتول هيل - فضلا عن محاولات الضغوط الهائلة من المصارف المحلية والاتحادات الائتمانية والظاهر في كل ولاية من الولايات في الآونة الأخيرة. كما عززت المؤسسات المالية من مساهماتها الانتخابية لدى كبار الأعضاء الديمقراطيين خلال العام الماضي، مع اعتبار السيناتور هايتكامب ودونلي وتيستر من كبار أعضاء مجلس الشيوخ الحائزين على التبرعات من المصارف التجارية حتى الآن في دورة الحملة الانتخابية للعام الحالي، وذلك وفقا لمركز الاستجابات السياسية. ويرفض أعضاء مجلس الشيوخ المذكورين وجود أية صلة بين التبرعات وبين تأييدهم لمشروع إعادة صياغة قانون دود - فرانك.
وتزايدت جهود التأييد مع اقتراب دخول مشروع القانون حيز المناقشة التشريعية. وقامت الرابطة الوطنية للاتحادات الائتمانية بزيارة العاصمة واشنطن في فبراير (شباط) الماضي للاجتماع مع المشرعين. ووصل أكثر من 5 آلاف من أنصار الاتحادات الائتمانية، بمن في ذلك الموظفون والمدراء التنفيذيون من كل ولاية أميركية إلى مبنى الكابيتول هيل وهم يرتدون شارات «التصويت بالموافقة». ولقد عقدوا ما يقرب من 600 اجتماع مع مختلف المشرعين في الكونغرس. ولقد بدأت حملة المواجهات الشخصية مع اجتماع عُقد في البيت الأبيض مع الرئيس ترمب ومع غاري كوهن، مدير المجلس الاقتصادي القومي، حيث دافع أنصار الاتحادات الائتمانية خلال الاجتماع عن مشروع القانون الجديد باعتباره وسيلة من أبرز وسائل تصحيح اختصاصات قانون دود - فرانك. وقال جيم نوسل، رئيس الرابطة الوطنية للاتحادات الائتمانية خلال الاجتماع: «إننا نتفهم المخاوف من أن المصارف هي التي تسببت في الأزمة المالية السابقة، غير أن ذلك لا يعني الاتحادات الائتمانية من قريب أو بعيد».
وتقدمت المصارف الصغيرة والإقليمية بشكوى من أن قانون دود - فرانك قد وضعهم تحت ضغوط رقابية كبيرة وغير منصفة أسفرت عن معاقبتهم على خطايا وول ستريت التي لم يرتكبوها. وأعرب كثير من المشرعين من كلا الحزبين عن تعاطفهم مع هذه الادعاءات، الأمر الذي ساعد على تأييد الحزبين لصالح مشروع قانون مايك كرابو.
وفي حين أن تأثير المشروع لن يتضح بتمامه على القطاع المالي إلا بعد الموافقة عليه وتمريره، إلا أن التشريع الجديد يهدف إلى خلق منطقة وسطى بين أولئك الساعين إلى العصف بقانون دود - فرانك وأولئك الراغبين إلى عدم المساس بالقانون من الأساس - أو، على أعلى تقدير، أن تُجرى عليه بعض التعديلات والتغييرات الفنية الطفيفة.
ويتمحور التدبير الجديد حول إعفاء ما يقرب من اثنتي عشرة مؤسسة مالية من حالة الرقابة الصارمة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي. ومن شأنه رفع حد الأصول لهذه المؤسسات من 50 إلى 250 مليار دولار، وتخفيف لوائح التدقيق والمراجعة - مؤقتا على الأقل - على مصارف مثل «صن ترست» و«بي بي أند تي». وهناك أقل من 10 مصارف في الولايات المتحدة تملك أصولا تقدر بأكثر من ربع تريليون دولار، على الرغم من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سوف يحتفظ بالحق في تطبيق تدابير الفحص والمراجعة الأكثر صرامة على المصارف الصغيرة حالما اعتبر ذلك مبررا. ويقول النقاد إن أنصار إلغاء اللوائح الصارمة يشعرون بالذنب من ذكريات واهمة وشعور زائف بالأمن. فلم تحدث أية أزمات مالية منذ إقرار قانون دود - فرانك، والذي يحمل اسم رعاته وهم السيناتور الأسبق كريس دود (الديمقراطي من كونيتيكت)، وعضو الكونغرس الأسبق بارني فرانك (الديمقراطي من ماساتشوستس)، والذي تمت الموافقة عليه في عام 2010 في الكونغرس الذي كان يسيطر عليه الأعضاء الديمقراطيون، ووقع على إقرار الرئيس الأسبق باراك أوباما.
وجاء القانون المذكور كرد فعل على الأزمة المالية العالمية لعام 2008 والتي عصفت بمئات المصارف والمؤسسات المالية، وأطاحت ببعض من أكبر المؤسسات المالية الأميركية في ذلك الوقت، بما في ذلك بنك أوف أميركا وغولدمان ساكس. واضطرت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش إلى الحصول على حزمة الإنقاذ المالي بقيمة 700 مليار دولار والتي أدت إلى استقرار الاقتصاد من خلال المحافظة على صمود بعض من كبريات المؤسسات المالية في البلاد.
- خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»


مقالات ذات صلة

التضخم في أسعار الجملة الأميركية يواصل الارتفاع الطفيف خلال أكتوبر

الاقتصاد عامل يشغل آلة في مصنع «بي إم دبليو» في كارولاينا الجنوبية (أ.ب)

التضخم في أسعار الجملة الأميركية يواصل الارتفاع الطفيف خلال أكتوبر

شهدت أسعار الجملة في الولايات المتحدة زيادة طفيفة الشهر الماضي، ما يعكس بقاء الضغوط التضخمية على الرغم من استمرار انخفاضها بشكل عام.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد مطعم شيبوتل يبحث عن موظفين في ماساتشوستس (رويترز)

انخفاض طلبات البطالة الأسبوعية في الولايات المتحدة

أظهرت بيانات وزارة العمل الأميركية الصادرة، الخميس، انخفاضاً طفيفاً في عدد الطلبات الجديدة للحصول على إعانات البطالة خلال الأسبوع الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد الزعيم الصيني شي جينبينغ والرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب يحضران حفل الترحيب في «قاعة الشعب الكبرى» في بكين يوم 9 نوفمبر 2017 (أ.ف.ب)

الصين «تتسلح» لحرب تجارية محتملة مع ترمب

أعدت الصين تدابير مضادة قوية للرد على الشركات الأميركية إذا زاد الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، من اشتعال حرب تجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)

أوروبا تستعد لوصول ترمب... أسوأ كابوس اقتصادي بات حقيقة

كانت التوقعات الاقتصادية لمنطقة اليورو مصدر قلق لبعض الوقت، ولكن منذ فوز ترمب بالرئاسة ساء الوضع بشكل كبير.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد لافتة خارج مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)

مسؤولو «المركزي الأوروبي» يحذرون… أوروبا يجب أن تستعد لحرب تجارية جديدة مع أميركا

حذر مسؤولون في البنك المركزي الأوروبي يوم الثلاثاء من أن السياسات الحمائية التي تعتزم الإدارة الأميركية الجديدة تنفيذها ستعرقل النمو العالمي.

«الشرق الأوسط» (فيينا، فرانكفورت )

محافظ جنوب سيناء: نتطلع لجذب الاستثمارات عبر استراتيجية التنمية الشاملة

اللواء الدكتور خالد مبارك محافظ جنوب سيناء (الشرق الأوسط)
اللواء الدكتور خالد مبارك محافظ جنوب سيناء (الشرق الأوسط)
TT

محافظ جنوب سيناء: نتطلع لجذب الاستثمارات عبر استراتيجية التنمية الشاملة

اللواء الدكتور خالد مبارك محافظ جنوب سيناء (الشرق الأوسط)
اللواء الدكتور خالد مبارك محافظ جنوب سيناء (الشرق الأوسط)

تتطلع محافظة جنوب سيناء المصرية إلى تعزيز موقعها كمركز جذب سياحي، سواء على مستوى الاستثمارات أو تدفقات السياح من كل أنحاء العالم، وذلك من خلال تعزيز مكامن القوة التي تمتلكها، عبر استراتيجية داعمة تواكب مساعي مصر في مسيرة التنمية الشاملة.

وجاءت تلك التأكيدات بحسب ما ذكره اللواء الدكتور خالد مبارك، محافظ جنوب سيناء، الذي قال إن تلك الجهود تتماشى مع توجيهات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتعظيم إمكانات المنطقة عبر قطاعات متعددة.

نمو الاستثمارات والمبادرات الجديدة

وكشف المحافظ عن تشكيل مجموعة عمل تضم قادة السياحة وممثلي الأعمال والمجتمع المدني والجامعات، ممثلة في جامعة الملك سلمان الدولية وجامعة السويس، وشيوخ المجتمع المحلي لضمان التنفيذ الناجح لهذه الاستراتيجيات، ومن الأهداف الرئيسية دعم ريادة الأعمال بين الشباب من خلال تطوير مشاريع ناشئة في جميع أنحاء المحافظة.

ولفت الدكتور خالد مبارك إلى التركيز بشكل خاص على مدينة سانت كاترين وسط شبه جزيرة سيناء، حيث يهدف «مشروع التجلي الأعظم» إلى وضع المدينة كمركز للسياحة الدينية والتراثية والبيئية، ومن المقرر أن يكتمل هذا المشروع الوطني الذي يضم 18 مشروعاً فرعياً، بحلول نهاية عام 2024، مع التخطيط لافتتاحه رسمياً في أوائل العام المقبل خلال مناسبة وطنية.

وأضاف: «يشمل المشروع معالم شهيرة مثل وادي طوى المقدس، وجبل موسى، وجبل التجلي، بهدف جذب السياحة العالمية وجعل سانت كاترين وجهة للسياحة الثقافية والدينية والمستدامة».

وتقع محافظة جنوب سيناء في النصف الجنوبي لشبه جزيرة سيناء، وهي عبارة عن مثلث قاعدته الشمالية بئر طابا على خليج العقبة شرقاً حتى رأس مسلة على خليج السويس غرباً، وضلعاه على امتداد خليجَي العقبة والسويس حتى يلتقيا في رأس محمد جنوباً.

إحصاءات السياحة

وشهدت مصر زيادة كبيرة في أعداد السياح خلال عام 2023 وصلت إلى 15 مليون سائح، في الوقت الذي يُتوقع فيه أن يبلغ عدد السياح في مصر نحو 18 مليون سائح بختام عام 2024؛ مما يعكس نمواً واضحاً في السياحة.

ومع تحقيق تلك الارتفاعات في أعداد السياح إلى مصر، أكد اللواء الدكتور خالد مبارك أن محافظة جنوب سيناء، وخاصة مناطق شرم الشيخ وسانت كاترين وطابا ودهب ونويبع، من الوجهات الرائدة التي تساهم في هذه الزيادة رغم التحديات الإقليمية والعالمية التي أثرت على خريطة السياحة الدولية.

ولفت إلى أنه مع نمو القطاع السياحي في مصر بنسبة تتراوح بين 25 و30 في المائة سنوياً، تسهم جنوب سيناء بشكل كبير في هذه الزيادة من خلال مشاريعها السياحية الجديدة وتنوع مقاصدها وتكامل خدماتها واستقبالها لعدد متزايد من الزوار.

مركز سياحي إقليمي وعالمي

وأكد مبارك أهمية المحافظة ليس فقط للسياحة في مصر، ولكن أيضاً للمشهد السياحي الإقليمي والدولي، حيث أصبحت شرم الشيخ وجهة مفضلة للمؤتمرات والأحداث الرياضية، مستفيدة من بنيتها التحتية الحديثة، والتي تتضمن قرية شبابية كبيرة على استعداد لتصبح منشأة أولمبية، ومركز مؤتمرات دولياً قادراً على استضافة 8 آلاف شخص، بالإضافة إلى عشرات قاعات المؤتمرات القائمة على الفنادق.

وبالإضافة إلى ذلك، تواصل جنوب سيناء جذب الاهتمام الدولي، بما في ذلك من السياح الروس والأوكرانيين، وذلك على الرغم من الصراع الدائر بين بلديهما. وأكد مبارك أن الحياد السياسي لمصر في الصراعات الإقليمية ساعد في استقرار تدفقات السياحة من الأسواق الرئيسية.

مشروع «التجلي الأعظم»

تسهيل الاستثمار

وأنشأت المحافظة مكتباً للاستثمار لتبسيط العمليات وحل التحديات التي تواجه المستثمرين المحتملين، وأفاد مبارك بزيادة في مقترحات الاستثمار الأجنبي والمحلي، وخاصة في السياحة والخدمات اللوجستية والزراعة. وتماشياً مع الأولويات الوطنية، تقسم استراتيجية جنوب سيناء المحافظة إلى خمسة قطاعات تنموية، يركز كل منها على صناعات محددة لتسخير الموارد المحلية بكفاءة.

وأوضح مبارك قائلاً: «جنوب سيناء لديها كل ما يلزم لتكون وجهة سياحية واستثمارية عالمية. طموحاتنا وأحلامنا لا حدود لها»، مسلطاً الضوء على النمو الأخير في الاستثمارات المحلية، بعد اعتماد استراتيجية التنمية الشاملة.

وأضاف: «نتطلع لجذب الاستثمارات العالمية، وبالتحديد الخليجية والسعودية بشكل خاص؛ إذ تتمتع مصر ودول الخليج بتقارب كبير في شتى المجالات، في الوقت الذي نتطلع لتقديم فرص استثمارية فريدة من نوعها والاستفادة مما تقدمه تلك الفرص من عوائد متنوعة».

التعاون الاستثماري السعودي - المصري

وأكد اللواء خالد مبارك عمق العلاقات المصرية - السعودية، منوهاً بالزيارة الأخيرة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى مصر، والتي تعكس عمق الروابط التاريخية والعلاقات الاستراتيجية التي تجمع بين البلدين، والتي تمتد لعقود طويلة من التعاون والتنسيق المشترك.

وقال مبارك: «هذه العلاقات تمثل حجر الزاوية في استقرار المنطقة العربية وتعزيز التضامن العربي؛ إذ يجتمع البلدان على تعزيز الرؤية المشتركة التي تهدف إلى الحفاظ على الأمن الإقليمي والتصدي للتحديات في المنطقة. ومن خلال استمرار التواصل والزيارات المتبادلة على أعلى المستويات، يتم تعزيز هذه الروابط بما يخدم مصلحة الشعبين ويدعم الاستقرار في المنطقة».

وتابع: «على صعيد آخر، تأتي هذه الزيارة ضمن جهود تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري بين مصر والسعودية؛ إذ تلعب الاستثمارات السعودية في مصر دوراً محورياً في دعم الاقتصاد المصري، وخاصة في قطاعات السياحة والطاقة والبنية التحتية. وفي المقابل، تسهم الاستثمارات المصرية في السعودية في دعم تحقيق أهداف (رؤية 2030)؛ مما يعكس التزام البلدين بتطوير شراكة اقتصادية قوية ومتكاملة تحقق المصالح المشتركة، وتسهم في تعزيز التنمية المستدامة لكلا الشعبين».

وأكد أن العلاقات السعودية - المصرية تشهد تطوراً مستمراً؛ إذ تمتد هذه العلاقات لعقود من التعاون الوثيق في مختلف الأصعدة. وتُعَد العلاقات بين البلدين من أكثر العلاقات قوةً واستقراراً في العالم العربي، مستندةً إلى علاقات استراتيجية تعززها مصالح سياسية واقتصادية، وتعد السعودية ثاني أكبر شريك تجاري لمصر؛ إذ يبلغ ‏حجم التبادل التجاري بين السعودية ومصر 12.8 مليار دولار في 2023.

تأمين الاستقرار لنمو السياحة

وشدد اللواء خالد مبارك محافظ جنوب سيناء على أن موقع جنوب سيناء كوجهة للسياحة الدينية والبيئية والترفيهية، إلى جانب الاستثمارات في البنية التحتية المستدامة، يضعها في طليعة نهضة السياحة في مصر، لافتاً إلى أن المحافظة مهيأة بشكل جيد لجذب المزيد من الزوار والاستثمارات؛ مما يعزز مكانتها كواحدة من أبرز مواقع السياحة في العالم العربي وخارجه.

سانت كاترين

اليونان وتطوير جنوب سيناء

وضمن مساعيه لتطوير منطقة سانت كاترين كوجهة عالمية، بحث محافظ جنوب سيناء اللواء خالد مبارك، مع مطران دير سانت كاترين، ديمتريوس ديميانيوس، بحضور السفير المصري في أثينا، تعزيز التعاون لحماية التراث الديني والثقافي للدير، كما ناقش محافظ جنوب سيناء مع رئيس مجموعة «غولدن بورت» التعاون في السياحة البحرية وتطوير البنية التحتية في شرم الشيخ، ونويبع، وطابا.

إضافةً إلى ذلك، اجتمع مع مارك هاميلتون، مدير الغرفة التجارية المصرية - البريطانية، لبحث فرص الاستثمار التجاري واللوجستي في ميناء نويبع، وجذب الاستثمارات البريطانية لشرم الشيخ ودهب.