9 قتلى بتفجير انتحاري في كابل... و«داعش» يتبنى

قائد شرطة العاصمة الأفغانية: فجّر شحنته بعد التعرف عليه عند حاجز أمني

استنفار أمني في موقع التفجير الانتحاري غرب العاصمة كابل أمس (أ.ف.ب)
استنفار أمني في موقع التفجير الانتحاري غرب العاصمة كابل أمس (أ.ف.ب)
TT

9 قتلى بتفجير انتحاري في كابل... و«داعش» يتبنى

استنفار أمني في موقع التفجير الانتحاري غرب العاصمة كابل أمس (أ.ف.ب)
استنفار أمني في موقع التفجير الانتحاري غرب العاصمة كابل أمس (أ.ف.ب)

فجر انتحاري نفسه في حي شيعي في كابل أمس، ما أوقع تسعة قتلى على الأقل فيما يكثف المسلحون ضغوطهم في العاصمة الأفغانية. ويأتي هذا التفجير الانتحاري فيما تواجه حركة طالبان ضغوطا متزايدة لقبول عرض الحكومة الأفغانية إجراء محادثات سلام لإنهاء الحرب المستمرة في البلاد منذ أكثر من 16 عاما. ووقع التفجير بالقرب من تجمع في الذكرى السنوية الـ23 لمقتل الزعيم في طائفة الهزارة عبد العلي مزاري بأيدي حركة طالبان. وكان عدة سياسيين بارزين يشاركون في هذه المناسبة وبينهم رئيس السلطة التنفيذية عبد الله عبد الله ونائبه محمد محقق. وقال نصرت رحيمي نائب المتحدث باسم الخارجية الأفغانية لوكالة الصحافة الفرنسية، إن حصيلة الانفجار «تسعة قتلى» فيما أصيب 18 آخرون بجروح. وبين القتلى شرطيان والبقية من المدنيين. وقال مسؤولون إن الانتحاري كان رجلا. وتبنى تنظيم داعش التفجير الانتحاري، وأصدرت وكالة «أعماق»، الذراع الإعلامية للتنظيم الإرهابي، بيانا على حسابها على تطبيق «تليغرام» قالت فيه: «انطلق الأخ عثمان الخرساني ملتحفا سترته الناسفة نحو تجمع قرب حسينية (الزهراء) في منطقة دشت برجي بكابل»، فيما أوضح قائد شرطة كابل محمد داود أمين لقناة «تولو نيوز» التلفزيونية أن الانتحاري فجر شحنته «بعد التعرف عليه عند حاجز للشرطة»، مضيفا أنه «لم يتمكن من الدخول (في المنطقة المحمية) للمشاركة في التجمع»، وذلك في الوقت الذي تتعرض فيه السلطات للانتقاد حول عجزها عن حماية المدنيين. وقال كاظم علي الذي كان يحضر التجمع، لوكالة الصحافة الفرنسية إن قوة الانفجار أدت إلى تحطم نوافذ المسجد. وعرض الرئيس الأفغاني أشرف غني الأسبوع الماضي خطة سلام على طالبان والاعتراف بهم حزبا سياسيا، شرط اعترافهم بدستور عام 2004 الذي يحمي حقوق النساء والأقليات. وصرح ممثل الأمم المتحدة في أفغانستان تداميشي ياماموتو بأن «عرض التفاوض لا يزال على الطاولة»، وذلك خلال اجتماع أول من أمس لمجلس الأمن الدولي حول تمديد بعثة الأمم المتحدة في هذا البلد الذي يشهد نزاعات منذ أربعة عقود تقريبا.
وفي أول رد فعل على «تويتر» علقت الحركة التي تعتبر الحكومة الأفغانية «دمية» في أيدي الولايات المتحدة، أن قبول العرض يوازي «الاستسلام». وكانت حركة طالبان دعت الولايات المتحدة قبل إلى «التفاوض» مباشرة مع ممثلها في قطر بينما حضتها واشنطن على القبول بخوض محادثات السلام.
وفي الوقت الذي دعم فيه مسؤولون غربيون في أفغانستان مبادرة غني، فإنهم قالوا في الوقت نفسه لوكالة الصحافة الفرنسية إن الوقت لا يزال مبكرا لمعرفة ما ستؤدي إليه. ويأتي هجوم الجمعة بعد أسبوع على تفجير سيارة مفخخة عند مرور موكب للسفارة الأسترالية في شرق العاصمة أوقع 22 ضحية بين قتيل وجريح. وباتت العاصمة الأفغانية أحد أخطر الأماكن في البلاد إذ غالبا ما تشهد هجمات من قبل حركة طالبان وتنظيم داعش يروح ضحيتها مدنيون. ومنذ أواسط يناير (كانون الثاني)، قتل نحو 130 شخصا بهجمات لمجموعات مسلحة خصوصا على فنادق فاخرة أو عبر تفجير عربة إسعاف. ومنذ نشوء التنظيم الإرهابي في أفغانستان في 2015، غالبا ما يستهدف الأقلية الشيعية (نحو ثلاثة ملايين من أصل ثلاثين مليون نسمة). وإذا كانت حركة طالبان التي يفوق عدد عناصرها بكثير عدد مؤيدي التنظيم الإرهابي، تستهدف بشكل خاص قوات الأمن المحلية والأجنبية فإن التنظيم يستهدف الشيعة في كل أنحاء البلاد.
ويعود الاعتداء الأخير ضد هذه الأقلية وتبناه تنظيم داعش إلى أواخر ديسمبر (كانون الأول) وكان أوقع 41 قتيلا، واستهدف مركزا ثقافيا. وينتشر في البلاد 16 ألف جندي أجنبي في إطار قوات الحلف الأطلسي غالبيتهم من الأميركيين لدعم وتدريب القوات الأفغانية كما أنهم يشاركون في عمليات باسم مكافحة الإرهاب. وأصيب أكثر من عشرة آلاف مدني بجروح أو قتلوا في أفغانستان في 2017. بحسب الأمم المتحدة، وقتل نحو 2300 منهم أو أصيبوا بجروح في اعتداءات، فيما يشكل أكبر حصيلة نسبت إلى المتمردين.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟