الحكومة التونسية بين سندان الاحتجاجات ومطرقة النقابات

بعد فشلها في التوصل إلى حل يرضي المعلمين والعاطلين في مناطق إنتاج الفوسفات

TT

الحكومة التونسية بين سندان الاحتجاجات ومطرقة النقابات

تواجه حكومة يوسف الشاهد في تونس تحديات اقتصادية واجتماعية، ترجمتها الاحتجاجات المتواصلة في مناطق إنتاج الفوسفات بجنوب غربي البلاد، ومناطق إنتاج النفط (جنوب شرقي)، وتصعيد النقابات، علاوة على استمرار أزمة قطاع التعليم، المتمثلة في حجب أعداد امتحانات مرحلة التعليم الأولي من السنة الدراسية الحالية، والتهديد بـ«سنة بيضاء» بالنسبة لكل تلاميذ المرحلة الثانوية.
وبينما تواصل القطاعات المحتجة في الجنوب تمسكها بمطالبها للضغط على الحكومة من أجل تنفيذ وعودها في الجنوب بشقيه الغربي والشرقي، تظهر المؤشرات الحالية أن الحكومة فشلت حتى الآن في التوصل إلى صيغة تفاهم مع نقابات التعليم، التي يقف وراءها آلاف المدرسين في سلك التعليم الثانوي.
وقبل أيام عاد المحتجون إلى الاعتصام في «الكامور» أمام مقر ولاية(محافظة) تطاوين لليوم الرابع على التوالي، قبل أن يصعدوا من حدة احتجاجهم، ليدخلوا في إضراب عن الطعام تنديدا بـ«تجاهل الحكومة لمطالبهم»، خاصة تلك المتعلقة بالتشغيل في الشركات البترولية.
ويطالب المحتجون الحكومة بالتحرك على وجه السرعة من أجل تطبيق بنود «اتفاق الكامور»، التي بقيت منذ 16 من يونيو (حزيران) 2017 حبرا على ورق، على حد تعبيرهم، وأبرزها تشغيل 1500 شاب في الشركات البترولية العاملة في الجهة، والتعجيل بتوظيف العاطلين في شركة البيئة والبستنة لمرحلتي 2017 و2018، إضافة إلى صرف ميزانية صندوق التنمية والاستثمار التي تقدر قيمتها بـ80 مليون دينار (حوالي 33 مليون دولار). وقد هدد المحتجون بالرفع من وثيرة احتجاجهم وتحركاتهم في حال واصلت الحكومة سياسة المماطلة والتسويف، على حد تعبيرهم، وحذروا من انتقال عدوى الاحتجاجات إلى كامل مناطق ولاية تطاوين.
وخلافا لما ذكره طارق الحداد، المتحدث باسم تنسيقية اعتصام «الكامور»، فقد أورد تقرير عرضته الحكومة بالمناسبة أن عدد الذين جرى توظيفهم بلغ حتى الآن 1234 من إجمالي 1642، غير أن المحتجين قالوا في المقابل إن عدد الذين شملهم التوظيف لم يتعد 81 شخصا. وفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي جمال العرفاوي لـ«الشرق الأوسط» إن «عنصر الثقة بات يؤرق كل الأطراف، بما فيها الحكومة والمحتجين ونقابة العمال»، مؤكدا أن كل الأطراف «تصطاد بعضها البعض، ولا تخوض المفاوضات بنية إيجاد حلول تدريجية، بل تسعى إلى التعطيل، ومن ثم مواصلة الاحتجاج».
واعتبر العرفاوي أن مناطق إنتاج النفط والفوسفات باتت نقمة على الحكومة التونسية، بدل أن تشكل حلولا فعالة للأزمة الاقتصادية التي تمر منها البلاد، خاصة أن الخسائر أصبحت مضاعفة بسبب توقف إنتاج الفوسفات، وهو ما نجم عنه تقلص أنشطة عدد من المؤسسات المرتبطة بمادة الفوسفات، كالمجمع الكيماوي بقابس على سبيل المثال.
وعن الحلول المقترحة لحل هذه الأزمات الاجتماعية، قال العرفاوي إن كل الأطراف، سواء في مواقع إنتاج النفط أو الفوسفات أو في نقابات التعليم، باتت اليوم مدعوة إلى تغيير نمط توجهها، والتفكير في مصلحة تونس «عوض التركيز على أهداف فردية ذات طابع أناني».
وتنضاف إلى كل هذا المشاكل ملف المحتجين داخل مناطق الحوض المنجمي، بعد أن قررت الحكومة تجميد خطط لتشغيل السكان في مناطق الحوض (جنوب غربي)، وذلك رداً على فشل المفاوضات مع المحتجين الممثلين لسكان المنطقة. وأعلنت الحكومة عن تجميد فوري لكل المقترحات المتعلقة بالتشغيل في مواقع إنتاج الفوسفات (نحو 7 آلاف توظيف)، وتجميد كل برامج التشغيل التي أعدتها شركة فوسفات قفصة، أو التي تعتزم القيام بها، مع تعليق نتائج المسابقات حتى استئناف الإنتاج ونقله بوتيرة عادية من مناطق الإنتاج إلى مناطق تصنيعية في مدينتي قابس وصفاقس. وقد أعاد هذا القرار الحكومي الملف الاجتماعي الشائك إلى نقطة البداية، وهو ما ينبئ بإشعال التوتر بين الطرفين، خاصة إذ فشل الاتحاد العام التونسي للشغل(نقابة العمال) في مساعي نزع فتيل الخلافات المتواصلة منذ سنوات.
يذكر أن الحكومة قدمت عرضاً من خلال نقابة العمال، يروم تشغيل نحو 7 آلاف شاب من أبناء الجهة داخل شركة الفوسفات والمؤسسات العمومية في الجهة وشركات البيئة، إضافة إلى إنجاز مشروعات يتكفل بها القطاع الخاص. وكان المحتجون بمناطق الحوض المنجمي، قد رفضوا نتائج المجلس الوزاري، الذي خصصته الحكومة في 23 من فبراير (شباط) الماضي لمناطق إنتاج الفوسفات في الحوض المنجمي.



الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
TT

الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)

تعليقاً على الخطبة الأخيرة لزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، والتي حاول فيها ترهيب اليمنيين من الانتفاضة ضد انقلاب جماعته على غرار ما حدث في سوريا، بشّر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني باقتراب ساعة الخلاص من طغيان الانقلابيين في بلاده، وقال إن تلك الخطبة تؤكد أن الرجل «يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، ولا يرى ما يحدث حوله».

وكان الحوثي حاول في أحدث خطبه، الخميس الماضي، أن يطمئن جماعته بأن الوضع في اليمن يختلف عن الوضع السوري، مراهناً على التسليح الإيراني، وعلى عدد المجندين الذين استقطبتهم جماعته خلال الأشهر الماضية تحت مزاعم محاربة أميركا وإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

وقال الإرياني في تصريح رسمي: «إن المدعو عبد الملك الحوثي خرج من كهفه بخطاب باهت، مرتبك ومتشنج، في محاولة بائسة لترهيب اليمنيين، وتصوير ميليشياته الإيرانية كقوة لا تُقهر».

وأضاف أن تلك الخطبة «تؤكد مرة أخرى أن زعيم الميليشيا الحوثية يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، لا يرى ما يحدث من حوله، ولا يدرك حجم الزلزال الذي ضرب المنطقة وأدى إلى سقوط المشروع التوسعي الإيراني، الذي سُخرت له على مدار أربعة عقود الإمكانات البشرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية والدينية، وارتداداته القادمة على اليمن بكل تأكيد».

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى أن الحوثي بدلاً من الاعتراف بأخطائه وخطاياه، والاعتذار والبحث عن مخرج له ولعصاباته، خرج ليهدد اليمنيين مجدداً بسفك دمائهم، مُكرراً مفردات التهديد والتخويف التي سبق أن استخدمها حسن نصر الله زعيم «حزب الله» ضد اللبنانيين والقوى السياسية اللبنانية.

وتساءل الإرياني بالقول: «ألم يردد حسن نصر الله، زعيم ميليشيا (حزب الله)، نفس الكلمات والوعيد؟ أين هو اليوم؟ وأين تلك (القوة العظيمة) التي وعد بها؟».

خطاب بائس

تحدث وزير الإعلام اليمني عن اقتراب ساعة الخلاص من الانقلاب، ووصف الخطاب الحوثي بـ«البائس»، وقال إنه يعكس واقعاً متجذراً في عقلية التطرف والعنف التي يُروج لها محور طهران، ويُظهر مدى تماهي الحوثي مع المشروع الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار في المنطقة، وأضاف: «إن ما يمر به الحوثي اليوم هو مجرد صدى لما مر به نصر الله وغيره من زعماء الميليشيات المدعومة من إيران».

مسلح حوثي خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

ونوّه الإرياني إلى أن البعض كان ينتظر من زعيم الميليشيا الحوثية، بعد سقوط المحور الفارسي والهزيمة المُذلة لإيران في سوريا، التي كانت تمثل العمود الفقري لمشروعها التوسعي في المنطقة، و«حزب الله» خط دفاعها الأول، أن يخرج بخطاب عقلاني يعتذر فيه لليمنيين عن الانقلاب الذي أشعل نار الحرب، وعن نهر الدماء والدمار والخراب الذي خلّفه، وعن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحقهم على مدى السنوات الماضية.

وتابع الوزير اليمني بالقول: «على عبد الملك الحوثي أن يعلم أن ساعة الخلاص قد اقتربت، فقد بات اليمنيون الذين عانوا الويلات منذ عقد من الزمان، وسُفكت دماؤهم ونهبت أموالهم، وهُتكت أعراضهم، وشهدوا بأم أعينهم أسوأ أنواع التعذيب والانتهاكات في المعتقلات السرية، أكثر إصراراً من أي وقت مضى على تحرير وطنهم من قبضة ميليشياته الفاشية، ولن يفوتوا هذه اللحظة التاريخية، وسيبذلون الغالي والنفيس لتحرير وطنهم والحفاظ على هويتهم الوطنية والعربية».

مفاجآت سارة

أكد الإرياني أن المستقبل يحمل النصر لليمنيين، وأن الأيام «حبلى بالمفاجآت السارة» - وفق تعبيره - وأن مصير الميليشيات الحوثية لن يكون مختلفاً عن باقي الميليشيات الإيرانية في المنطقة. وشدد الوزير على أن اليمن لن يكون إلا جزءاً من محيطه العربي، وسيظل يقاوم ويواجه الظلم والطغيان والتسلط حتى يستعيد حريته وسيادته، مهما كلف ذلك من تضحيات.

اليمنيون يأملون سقوطاً قريباً لانقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران (إ.ب.أ)

وأضاف الوزير بالقول: «الشعب اليمني، الذي دفع ولا يزال أثماناً باهظة في معركة البقاء، لن يتوانى عن دفع المزيد من التضحيات لإعادة وطنه حراً مستقلاً خالياً من النفوذ الإيراني التخريبي، وتحقيق النصر والتحرر والكرامة».

يشار إلى أن الأحداث المتسارعة في سوريا التي قادت إلى سقوط نظام بشار الأسد فتحت باب التطلّعات في اليمن نحو سيناريو مشابه يقود إلى إنهاء انقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران بأقل التكاليف، خصوصاً بعد الضربات التي تلقتها طهران في لبنان، وصولاً إلى طي صفحة هيمنتها على دمشق.