هل كان آينشتاين متديناً؟

للكاتب والأكاديمي البحريني الدكتور عبد اللطيف الصديقي، صدر كتاب جديد بعنوان: «المسألة الدينية عند آينشتاين»، وذلك بتعاون مع دار الأمان بالرباط ومنشورات الاختلاف الجزائرية ومنشورات ضفاف اللبنانية. والكتاب من الحجم الصغير، وبعدد صفحات لا يتجاوز المائة، لكنها كانت كافية لتغطية الأسئلة المحورية التي يدور حولها المؤلف، وهي: هل كان الدين مسألة أساسية ومهمة في فكر آينشتاين الفيزيائي الشامخ؟ وهل كان متديناً بالمعنى الشائع للكلمة؟ أي: هل كان ممارساً للطقوس؟
قدم المؤلف كثيراً من المعطيات التي تبرز أن آينشتاين كانت له خلفية دينية عميقة، لكن بمعنى جد خاص، فكيف ذلك؟ يقول آينشتاين: «أنا لست يهودياً بالمعنى الديني، ولكن هويتي الثقافية هي اليهودية». وحتى والديه لم يكونا من المتدينين، فوالده مثلاً كان يعتبر الطقوس اليهودية من مخلفات المعتقدات القديمة. وعلى الرغم من قناعاته هذه، فهو لم يحرم ولده آينشتاين من دروس خصوصية لتعلم الدين اليهودي، بموازاة الدروس الكاثوليكية، وهو ما سيعمل على إيقاظ شعوره الديني، إذ سيظل مدركاً طوال حياته للواجبات والقواعد بتفاصيلها، بل سيلتزم ببعضها، كرفضه مثلاً أكل لحم الخنزير، وهو ما أكدته أخته مايا في مذكراتها، كما أن تعرفه على الديانتين معاً سيفيده حين نضجه في عقد مقارنات بينهما بحثاً عن المشترك وتركاً للمختلف. وقصد إبراز ميولات آينشتاين الدينية، يستحضر المؤلف قوله: «هناك دين غرس في كل طفل عن طريق آلة التعليم التقليدي، وهكذا توصلت - على الرغم من أنني ابن لأبوين غير متدينين (اليهودية) - إلى تدين عميق مفرط».
ولكن هذا لا يعني أن آينشتاين كان يمارس الطقوس، فهو لم يؤد الصلاة في الكنيس، أو أي دار عبادة أخرى، بل كان يحضر إليها فقط للمشاركة في المناسبات الاجتماعية، ناهيك عن أنه قدم وصية بعد الممات مفادها أنه لا ينبغي أن يدفن على الطريقة اليهودية، بل يحرق وينثر رفاته، وهذا دليل آخر على لا مبالاته بالطقوس الدينية، إضافة إلى أنه حينما وصل ولداه (هانز وإدورد) سن المدرسة، طرحت مسألة تعليمهما الديني، فأجاب بوضوح: «إنني أمقت تعليم الأطفال شيئاً مناقضاً للتفكير العلمي».
إن حماسة آينشتاين الدينية، بحسب ألكسندر موسكوفسكي، وهو أول من كتب سيرته الذاتية، ازدادت عمقاً لأنه عاش في ميونيخ ببيت محاط بحديقة آسرة، جعلت آينشتاين الصبي يسحر بجمالها، وهو ما عمق أحاسيسه الدفينة، إضافة إلى ولعه بالموسيقى التي تلقى دروسه فيها وهو في عمر السادسة، والتي ستغذي عاطفته الدينية أكثر. وعموماً، كانت نفسية آينشتاين عبارة عن مزيج مركب من ولع بالموسيقى وانبهار بالطبيعة وتفكير جاد في الخالق، وهي عناصر ثلاثة بمثابة الوقود المحرك للحس الديني الذي لازمه طوال حياته.
ومن المعروف أن آينشتاين لم يكن عالماً فيزيائياً لامعاً ورياضياً بارعاً فقط، بل كان قارئاً ممتازاً للعلماء والفلاسفة، فقد كان معجباً أولاً بالفيلسوف كانط، لكن بحلول عام 1920 سينتبه إلى الفيلسوف باروخ سبينوزا، الذي سينظم فيه أبياتاً شعرية من شدة التأثر به. ومنذ أن تعرف عليه، أصبح التدين على طريقته هو سبيله وخلاصه. وفي ذلك الوقت، أعلن آينشتاين أن الدين كوني، يتجلى في القوانين السارية في الطبيعة، وأن النظام والترتيب والتناظر من سمة الكون.