دائرة «الشوف ـ عالية»... ساحة مواجهة انتخابية بين أحزاب السلطة في لبنان

خطوط «القوات» مع «الاشتراكي» مفتوحة

عقدت كتلة «المستقبل» النيابية اجتماعها في «بيت الوسط» برئاسة السنيورة أمس (الوكالة الوطنية للإعلام)
عقدت كتلة «المستقبل» النيابية اجتماعها في «بيت الوسط» برئاسة السنيورة أمس (الوكالة الوطنية للإعلام)
TT

دائرة «الشوف ـ عالية»... ساحة مواجهة انتخابية بين أحزاب السلطة في لبنان

عقدت كتلة «المستقبل» النيابية اجتماعها في «بيت الوسط» برئاسة السنيورة أمس (الوكالة الوطنية للإعلام)
عقدت كتلة «المستقبل» النيابية اجتماعها في «بيت الوسط» برئاسة السنيورة أمس (الوكالة الوطنية للإعلام)

تنتظر دائرة الشوف - عالية في جبل لبنان، مواجهة انتخابية حامية بين أحزاب السلطة التي لم تستقر اتصالاتها على ائتلافات محددة، رغم أن تحالف «تيار المستقبل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» بات محسوماً، وسط توقعات بأن تتنافس 3 لوائح على الأقل تمثل أحزاب السلطة، إضافة إلى لائحة المجتمع المدني، وذلك بالتزامن مع إغلاق باب الترشيحات للانتخابات النيابية في منتصف ليل أمس.
ويمثل المرشحون المسيحيون عقبة أمام حسم التحالفات حتى الآن، حيث بات خيار انضمام حزب «القوات اللبنانية» إلى الائتلاف بين «الاشتراكي» و«المستقبل»، أكثر تعقيداً، رغم أن أبواب الحوار بينهما لا تزال مفتوحة. وتعود الصعوبة إلى اعتراض «القوات» على ترشيح المحامي ناجي البستاني على اللائحة، على ضوء قرار اتخذته «القوات» بعدم التحالف مع شخصيات في قوى «8 آذار»، في إشارة للمحامي البستاني، علما بأنه يمثل ثقلاً انتخابياً في المنطقة، وهو الاعتبار الأبرز الذي دفع جنبلاط لاعتماده على لائحته.
ويُحاط انضمام «القوات» إلى ائتلاف «المستقبل» و«الاشتراكي»، بصعوبة حتى هذا الوقت، وذلك لاعتبارين؛ أولهما اعتراض «القوات» على وجود شخصيات تتموضع في قوى «8 آذار»، والثاني مرتبط بجهود «القوات» لتكريس الشراكة المسيحية - الإسلامية في الجبل. وتتمسك «القوات» بأن يكون لها في أي تحالف مرشحان اثنان، في إشارة إلى المرشحين النائب جورج عدوان عن مقعد في الشوف، وأنيس نصار المرشح عن مقعد دائرة عالية.
ولا تنفي مصادر «القوات» أن التحالف في الجبل مرتبط بالتفاوض مع الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يعد الأكثر تأثيرا في قرار هذه الدائرة، وفي حال تم التحالف مع «الاشتراكي» فسيكون حكماً مع «المستقبل» فيها. وقالت المصادر: «الموضوع خاضع للتفاوض بين (القوات) و(الاشتراكي)، والخطوط معه لا تزال مفتوحة»، مشددة على أن «كل الاحتمالات واردة».
وعن الأنباء عن إمكانية مقايضة المرشحين بين الطرفين في قضاء الشوف وقضاء عالية، جزمت مصادر «القوات» أن المقايضة «غير مطروحة بالنسبة لنا»، مشددة على أن «تمثيلنا الطبيعي في الشوف وعالية هو مرشحانا عدوان ونصار، والمطروح أن يكونا ضمن اللائحة في حال الانضمام إليها». ويضم ائتلاف «المستقبل» و«الاشتراكي» مرشحين مسيحيين يمثلون الائتلاف؛ بينهم ناجي البستاني وغطاس خوري ونعمة طعمة، إلى جانب آخرين. وثمة معلومات ترددت عن اتصالات لانضمام «الكتائب» إلى الائتلاف كون الحزب يمثل حيثية أيضا في دائرة عالية، ويمثله الآن نائب فيها، وهو ما لم يُحسم بعد.
ويقدّر الصوت السني في الشوف وعالية بنحو 19 في المائة من أصوات المقترعين، فيما يمثل الدروز نحو 40 في المائة من مقترعي الدائرة، ويمثل الموارنة نحو 27 في المائة، كما يمثل الكاثوليك والأرثوذكس نحو 10 في المائة، إضافة إلى كتل ناخبة صغيرة من طوائف أخرى. وفي حال فشلت الاتصالات لبلورة تحالفات، فإن هذه الدائرة الانتخابية التي تعد الأكثر تنوعاً من الناحية الطائفية، والأكثر تعقيداً لجهة الحسابات السياسية ووجود أحزاب مؤثرة انتخابية فيها، ستكون أمام 4 لوائح، 3 منها تمثل أحزاب السلطة.
ويتقاسم «المستقبل» و«الاشتراكي» المقاعد السنّية. وأكد المرشح عن «التقدمي الاشتراكي» في الدائرة بلال عبد الله أن هناك اتفاقاً محسوماً بين «المستقبل» و«التقدمي الاشتراكي» على الترشح، وأنجز التحالف الاتفاق مع المرشح ناجي البستاني، مشيراً إلى أن الثنائي «في طور ترتيب اللائحة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن جنبلاط «كان حريصاً وفق النظام الانتخابي الجديد على أن تكون مروحة الائتلافات واسعة وتضم أكبر قدر من القوى السياسية تكريساً لمصالحة الجبل»، لكنه جزم بأن هذه الائتلافات الواسعة، اصطدمت بصعوبة لتشكيلها.
وأوضح عبد الله أنه «لم نستطع حتى الساعة الوصول لنقاط مشتركة مع (التيار الوطني الحر)»، أما مع حزب «القوات»، فإن «الجو كان إيجابياً، لكنه حدث اعتراض من قبلهم على ترشيح ناجي البستاني». وقال: «رغم ذلك، فإن الأبواب لم تقفل نهائياً، وتتضاعف وتيرة التواصل الآن»، لافتاً إلى أن الاصطفافات «ستكون واضحة خلال أسبوع».
وفي حين لم يُحسم بعد احتمال انضمام «القوات» للائتلاف، بات محسوماً عدم تحالف «المستقبل والاشتراكي» مع «التيار الوطني الحر» الذي يخوض مفاوضات مع «الحزب الديمقراطي اللبناني» الذي يرأسه وزير المهجرين طلال أرسلان من جهة، ومع تيار «التوحيد العربي» الذي يرأسه النائب الأسبق وئام وهاب. وقالت مصادر مطلعة على الملف إن تحالف «الوطني الحر» مع أرسلان أكثر ترجيحاً، في حال فشل تشكيل ائتلاف قوى «8 آذار» في المنطقة، في إشارة إلى انضمام وهاب، مضيفة: «في حال فشل دخول وهاب إلى التحالف، فإن الأخير سيبلور تحالفاً آخر يضم النائب الأسبق زاهر الخطيب وشخصيات أخرى مقربة من (8 آذار)».
وتضم دائرة الشوف - عالية 13 مقعداً يتنافس عليها المرشحون، حيث يضم قضاء الشوف 3 نواب موارنة، ونائبا من الكاثوليك، ونائبين عن الدروز، ونائبين من السنّة، أما في عالية فهناك نائبان مارونيان ونائبان درزيان، وأرثوذكسي واحد. ويبلغ عدد الناخبين في هذه الدائرة 322 ألف ناخب؛ يتصدرهم الدروز، ويليهم الموارنة، ثم السنّة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.