شلالات نياغارا... عندما يجتمع سحر الطبيعة مع عبقرية الإنسان

تصل شلالات نياغارا إلى قمة الجمال خلال الشتاء مع تجمد مياه الشلال، الأمر الذي يأسر قلوب الناس. ومع ذلك، ليس ثمة أمر جديد في المكان هذا الشتاء، ففي كل عام تعج الشلالات برقاقات الثلج وطبقة رقراقة من الجليد، لكن حتى الآن لا تزال الثلوج غير متجمدة على نحو يجعلها صلبة تماماً.
وفي الواقع، فإن كثيراً مما يبدو طبيعياً في شلالات نياغارا هو منتج صناعي، ويعني ذلك ببساطة أن أحد أكثر عجائب الطبيعة التي يجري الاحتفاء بها داخل أميركا الشمالية غير طبيعية في كثير من جوانبها، وتشكل نتاجاً لعقود من جهود التدخل البشري.
اليوم، لم تعد شلالات نياغارا تتجمد بأكملها تماماً، رغم أن الثلوج تتكون أو تتجمع بالفعل في قاعدة الشلالات، وتشكل ما يطلق عليه «جسر ثلجي». ومع ذلك، تظل المياه في حالة جريان أسفل سطح الشلالين الأساسيين في نياغارا: شلالات «هورس شو»، والشلالات الأميركية.
وحتى مطلع القرن الـ20، اعتاد أبناء المجموعتين الأساسيتين حول شلالات نياغارا، إحداهما كندية والأخرى أميركية، التجمع فوق جسر الجليد لإقامة حفلات مشتركة، بينما يتسلق الأطفال جبال الثلوج ويمرحون معاً. إلا أن هذه الاحتفالات وصلت لنهاية مأساوية في الرابع من فبراير (شباط) 1938، عندما انهارت الثلوج، ولقي 3 أشخاص مصرعهم، الأمر الذي دفع السلطات لحظر إقامة حفلات على الجسر الثلجي. وقد استمرت الثلوج في إثارة مشكلات على امتداد السنوات التالية، وظل التساؤل الذي يؤرق الجميع: كيف يمكن تطويع البيئة الجامحة التي يصعب التكهن بتقلباتها؟
ومنذ أواخر القرن الـ19، كان ثمة توتر قائم بين الجمال والقوة في شلالات نياغارا. فمن ناحية، جرى النظر إليها باعتبارها تجسيداً لجمال وسحر الطبيعة. ومن ناحية أخرى، كانت نياغارا مهد مشروع ضخم لإنتاج وتوزيع الطاقة الكهرومائية. ومع بناء المزيد من توربينات الطاقة، أصبح من الضروري تحويل مسار قدر أكبر من مياه النهر. وأبدت مجموعات متنوعة قلقها من أن تحويل مسار المياه سيضر بالبيئة المحيطة بالشلالات، علاوة على عملية التآكل التي تجري بصورة طبيعية، وتتسبب في تغيير موقع مقدمة مسار المياه في شلالات «هورس شو» بمقدار ما يقرب من 7 أقدام سنوياً.
في المقابل، أكد المعنيون بقطاع الصناعة أن تحويل مسار المياه سيحمي الشلالات، من خلال تقليص عملية التآكل. وفي النهاية، تحركت الحكومات تحت ضغط المنظمات المعنية بالحفاظ على البيئة نحو إقرار قيود قانونية على عمليات تحويل مسار التيار المائي خلال العقود الأولى من القرن الـ20. وشكلت الولايات المتحدة وكندا لجاناً هندسية لدراسة السبيل الأمثل نحو استغلال الشلالات في توليد الطاقة، دون التأثير على مظهرها أو البيئة المحيطة بها سلباً.
وقد تمخضت المحادثات الدبلوماسية بين البلدين في هذا الصدد عن معاهدة تحويل مسار نهر نياغارا عام 1950، التي نصت على أنه خلال ساعات زيارة السائحين للشلالات، سيجري تحويل مسار نصف حجم مياه النهر حول الشلالات باتجاه محطات توليد الطاقة. أما خلال باقي ساعات اليوم، أي في أثناء الليل والشتاء، فيجري تحويل مسار ثلاثة أرباع المياه. إلا أن تحويل مسار الجزء الأكبر من الماء كان سيترك تأثيراً مؤكداً على الطابع الجمالي للشلالات، الأمر الذي كان سيضر حتماً بصناعة السياحة المحلية. وكان الحل تقليص وإعادة صياغة شكل شلالات نياغارا.
أما الجزء المتبقي من شلالات هورس شو، فجري تقليصه بمقدار بضع مئات من الأقدام، وجرى التخلص من مجموعة من الجزر والأماكن الضحلة بالنهر. وفوق المسقط المائي، جرى تشييد سد مزود ببوابات متحركة عبر النهر. أما المناطق التي جرى إصلاحها على أطراف السد، فجرت زراعتها وبناء أسوار حولها، وتحولت إلى المساحة الرئيسية المخصصة للزائرين. وبذلك، جرى إدخال تغييرات كبيرة على شلالات نياغارا، لكن بهدف إضفاء طابع جمالي طبيعي عليها.
واليوم، تحولت الشلالات إلى ما يشبه الصنبور، ذلك أن محطات توليد الطاقة الكهرومائية القائمة في نياغارا قادرة على غلق الشلالات تماماً. باختصار، لقد نجح المهندسون الكنديون والأميركيون في إجراء ما يشبه جراحة تجميلية لوجه هذه الأيقونة الساحرة المتمثلة في شلالات نياغارا.
لكن من بين المخاوف التي ساورت المعنيين بتطوير المنطقة إمكانية تدخل الثلوج في مدخلات الماء المتجهة محطات توليد الطاقة. أما الحل، فتمثل في مشروع رافعة الثلوج بنهر نياغارا، الذي جرى تشييده عام 1964، وتمثلت الرافعة في بادئ الأمر في مجموعة عوارض خشبية، لكنها اليوم تتألف من بضعة مئات من الطوافات، تجري الاستعانة بها بداية من منتصف ديسمبر (كانون الأول) تقريباً.
ومع ذلك، فإنه تبعاً للظروف المناخية في فصل الشتاء، يمكن أن تغطي الثلوج شلالات نياغارا بعض الأحيان، إلا أن جسر الثلوج الذي كان قائماً فيما مضى، والتدفق الكامل للمياه عبر الشلالات، أصبحا من الماضي.
*بالاتفاق مع {بلومبيرغ}