عودة الزخم إلى علاقة «المستقبل» و«القوات»... والترجمة في التحالفات الانتخابية

جبور: حظوظ التحالف في معظم الدوائر الأخرى مرتفعة

عشاء في معراب لحشد من فاعليات وأبناء مدينة بشري (موقع القوات اللبنانية)
عشاء في معراب لحشد من فاعليات وأبناء مدينة بشري (موقع القوات اللبنانية)
TT

عودة الزخم إلى علاقة «المستقبل» و«القوات»... والترجمة في التحالفات الانتخابية

عشاء في معراب لحشد من فاعليات وأبناء مدينة بشري (موقع القوات اللبنانية)
عشاء في معراب لحشد من فاعليات وأبناء مدينة بشري (موقع القوات اللبنانية)

تشهد العلاقة بين «تيار المستقبل» و«حزب القوات اللبنانية» زخما جديدا وجهودا للم شمل الحليفين بعد الاهتزازات التي أصابت علاقتهما في الفترة الأخيرة، وهو ما يعمل على ترجمته في التحالفات الانتخابية التي من المتوقع أن تظهر معالمها النهائية خلال الأيام المقبلة.
وبعد الاستراحة السياسية التي شهدها لبنان والمباحثات بين الحلفين نتيجة زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى المملكة العربية السعودية، استأنفت الاتصالات أمس بين الطرفين، في محاولة لحسم القرارات بشأن التحالفات التي كانت لا تزال عالقة.
ويجمع الحليفان على أن الأولوية تبقى للمحافظة على علاقتهما مع الأخذ بعين الاعتبار الضرورات الانتخابية التي قد تمايز بينهما من دون أن تبعدهما لا سياسيا ولا استراتيجيا.
وفي هذا الإطار، يقول مصدر قيادي في «تيار المستقبل» لـ«الشرق الأوسط»: «بعد انقطاع التواصل مع الحلفاء نتيجة غياب الرئيس الحريري ستنشط الاتصالات مع الجميع وفي طليعتهم القوات اللبنانية التي يبقى التحالف معها الأهم بالنسبة إلينا، مع تأكيدنا على أن الأفضلية تبقى لأن يكون القرار واحدا حيال كل التحالفات أي إما خوض المعركة سويا أو المواجهة في معظم الدوائر، مع الأخذ بعين الاعتبار بعض الاستثناءات كما بات محسوما بالنسبة إلى دائرة الشوف – عاليه، حيث يعطي المستقبل الأولية للاشتراكي الذي يتمسك بترشيح ناجي البستاني وهو ما يرفضه القوات».
ولا يختلف كلام شارل جبور، مسؤول الإعلام والتواصل في القوات، عن هذا التوّجه، موضحا لـ«الشرق الأوسط»: «حسم القرار مع المستقبل بشأن دائرتي الشوف - عاليه وبعلبك – الهرمل، عبر الافتراق في الأولى والتحالف في الثانية، بينما ستستكمل المباحثات بشأن الدوائر الأخرى». ومع إبداء القوات تفهمها لموقف المستقبل في الشوف، ترى أن حظوظ التحالف في معظم الدوائر الأخرى مرتفعة وتنطلق بالدرجة الأولى من العلاقة الاستراتيجية التي تربط الطرفين. ويوضح جبور «النقاش سيستأنف بالتحديد حول دوائر عكار وزحلة وجزين – صيدا وطرابلس إضافة إلى بيروت الأولى حيث ننتظر أن يسمي الحريري مرشحا عن المقعد الأرمني لإقفال اللائحة».
وفي ظل الحديث عن إمكانية عقد لقاء قريب يجمع الحريري ورئيس القوات سمير جعجع، نقلت «وكالة الأنباء المركزية» عن مصادر سياسية مطلعة قولها: «لا إشارة محددة في اتجاه جعجع، حتى الساعة»، لافتة في الوقت عينه إلى ترقب ما قد يصدر في هذا الاتجاه أن باتصال هاتفي بين بيت الوسط ومعراب (مقر جعجع) أو بلقاء يجمع الحريري - جعجع، يضع حدا لحقبة توتر العلاقات التي سادت بين حليفي أمس جراء أزمة استقالة الحريري في 4 نوفمبر (تشرين الثاني).
وعن مسار العلاقة بين الحلفين، يقول جبور «شهدت العلاقة بين عامي 2005 و2018 اهتزازات صغيرة بدءا من الخلاف على قانون الانتخابات الأرثوذكسي والانتخابات الرئاسية، وصولا إلى استقالة الحريري الأخيرة والعودة عنها، لكنها لم تسقط أو تصل إلى قطيعة على خلاف ما يحصل بين أطراف فريق 8 آذار». ويشدّد جبور على أهمية العلاقة بين الطرفين من دون عودة الاصطفافات السياسية المتمثلة بفريقي 8 و14 آذار بعد خلط أوراق العلاقات السياسية بين أكثر من طرف، ويقول: «المستقبل والقوات يدركان أهمية العلاقة الاستراتيجية بينهما وضرورة الحفاظ عليها انطلاقا من أنهما ركيزتان أساسيتان لمشروع الدولة، وانفصالهما سيكون خدمة لـ(حزب الله) الذي لطالما عمل على هذا الهدف للأطباق على القرار في لبنان».
ووصف جعجع أمس، الانتخابات النيابية المقبلة بـ«المصيرية» والقانون الانتخابي الجديد بـ«الدقيق جدا»، مشددا على وجوب «رص الصفوف من أجل مواجهة محاولات العزل التي تحاك ضدنا».
وحث القواتيين، خلال استقباله وفد رؤساء المراكز في منطقة زحلة، على ضرورة الالتزام الكامل والمطلق بالتعليمات التي ستصدرها ماكينة «القوات» الانتخابية، مجددا التأكيد على أن «البعض يحاول عزل (القوات) لأنها لا تناسب مشاريعهم السلطوية، إن من ناحية أنها رأس حربة في مسألة الحفاظ على حرية وسيادة واستقلال لبنان أو من ناحية كونها السد المنيع في وجه نهج الفساد السائد في الدولة اللبنانية منذ الاستقلال».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.