واشنطن واعتبار «الإخوان» جماعة إرهابية

فرص تصنيفها تتزايد بعد «حسم» و«لواء الثورة»

قادة {الإخوان} هددوا من خلف القضبان بإثارة الفوضى في ربوع مصر (غيتي)
قادة {الإخوان} هددوا من خلف القضبان بإثارة الفوضى في ربوع مصر (غيتي)
TT

واشنطن واعتبار «الإخوان» جماعة إرهابية

قادة {الإخوان} هددوا من خلف القضبان بإثارة الفوضى في ربوع مصر (غيتي)
قادة {الإخوان} هددوا من خلف القضبان بإثارة الفوضى في ربوع مصر (غيتي)

إلى أين تمضي العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين وبين الولايات المتحدة؟ علامة استفهام مثيرة للجدل، وبخاصة في ضوء العلاقة التاريخية التي باتت معروفة للقاصي والداني بين الطرفين منذ أوائل الخمسينات في القرن الماضي. في تلك الفترة استقبل الرئيس دوايت أيزنهاور في البيت الأبيض سعيد رمضان، صهر حسن البنا، ومن تلك الساعة تحركت أشرعة الأصولية الإسلامية في بحر الحياة السياسية الأميركية، ولا تزال الأشرعة مفرودة في اتجاه الرياح الدولية.
كانت رئاسة باراك أوباما مثالاً واضحاً للتعاطي البراغماتي بين واشنطن وجماعة الإخوان بنوع خاص. وبلغ التنسيق حد السماح للجماعة - للمرة الأولى في تاريخها - بالوصول إلى مقاعد الحكم في مصر، ومحاولات أقرانها الآيديولوجيين تسلق سلم السلطة في مختلف الدول التي شهدت ما عرف بـ«الربيع العربي».
غير أن «ثورة يونيو (حزيران)» في مصر، ونهاية ولاية أوباما، ودخول الرئيس دونالد ترمب البيت الأبيض، وضعت نهايات سريعة لطموحات الجماعة ولو بصورة أولية ومبدئية، وإن بقيت هناك إجراءات قد تقرر واشنطن اتخاذها، وفي مقدمة هذه الإجراءات الاعتراف بأن الإخوان المسلمين جماعة إرهابية.

تصنيف {الإخوان} منظمة إرهابية
في العاشر من يناير (كانون الثاني) الماضي قدم السناتور الجمهوري تيد كروز مشروع قانون جديداً تحت اسم «تصنيف الإخوان المسلمين منظمة إرهابية». ودعا كروز من ثم وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى إجراء تحقيق، وتقديم تقرير للكونغرس حول الأسباب التي قد تحول دون إدراج الجماعة ضمن لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية.
الجدير بالذكر أنه لا يوجد في الداخل الأميركي تنظيم رسمي يحمل اسم الإخوان المسلمين. ولكن تقريراً نشرته في أوائل فبراير (شباط) الحالي مجلة «فورين آفيرز» الأميركية، أشار إلى الطبيعية السرية لمنظمة الإخوان منذ أسست عام 1928. وذكر أن أعضاءها في الولايات المتحدة يمضون على النهج نفسه، لا سيما وأنهم قدموا إلى البلاد منذ الخمسينات والستينات. وفي هذه الفترة كونوا جماعات لها وجه الجمعيات المدنية، غير أن أهدافها السرية لا تزال قائمة وبنفس الاتفاق الفكري مع «الجماعة الأم» في مصر.
ولعل ما يزعج كثرة من الأميركيين اليوم هو أن هذه الجمعيات والمؤسسات التي أنشأها «الإخوان غير الظاهريين» داخل أميركا خلال ثلاثة أو أربعة عقود خلت، تضطلع حالياً بدور قيادي في صفوف جيل الشباب المسلمين الذين ولدوا في الولايات المتحدة. ومن هنا فإن الاحتمالات قائمة بأن يطلق هؤلاء نوعاً من الحركة الراديكالية الأصولية، لا يلبث في «لحظة التمكين» أن ينقلب إلى المواجهة الدموية. ولعل النموذج الأول لهذا النوع من الحركية الراديكالية، بحسب فرانك غافني، مساعد وزير الدفاع في إدارة الرئيس رونالد ريغان والرئيس الحالي لـ«مركز الدراسات الأمنية»، «يتمثل في إنشاء مؤسسات إسلامية كالمدارس والمراكز الاجتماعية، والقضاء على الحضارة الغربية من الداخل، والتسبب في انهيارها».
ولعل ما يجعل المخاوف تتعاظم لدى بعض الأميركيين من الإخوان المسلمين هو أنه، منذ فشل الإخوان في حكم مصر وثورة المصريين عليهم والإطاحة بمحمد مرسي، يتعزّز ميل الإخوان للعمل السري أكثر من أي وقت مضى. وهذا أمر يجعل المخاوف قائمة داخل أميركا إزاء مستقبل هذه الجماعات السرية.

«حسم» و«لواء الثورة»
من ناحية أخرى، يتفق معظم العاملين في شؤون التاريخ والتحليل والسرد للجماعات الأصولية الإسلاموية على أن الإخوان المسلمين كانوا وما زالوا المعين الأصولي الأكبر الذي تفرعت عنه مختلف الجماعات المسلحة التي انتهجت العنف طريقاً لها. وهذا، بصرف النظر عن أسمائها، سواء كانت «جماعة الجهاد»، أو «الجماعة الإسلامية»، ولاحقاً «القاعدة»، وصولاً إلى التفريخ الأكثر توحشاً المعروف بـ«داعش»، وما انبثق عنه من جماعات متباينة الاتجاهات والتوجهات شكلياً.
في مصر، تحديداً، ظهرت جماعات عنف مسلح من بينها «حسم» و«لواء الثورة». ولقد أعلنتا أكثر من مرة مسؤوليتهما عن أعمال عنف وإرهاب داخل مصر، مما دعا السلطات الأميركية في 31 يناير الماضي لإعلانهما منظمتين إرهابيتين. ويرى الصحافي والكاتب الأميركي إيلي لايك هذا القرار من وزارة الخارجية الأميركية أنه تصرف حكيم من إدارة ترمب، في مواجهة الأذرع التابعة لجماعة الإخوان المسلمين.
القرار المذكور يؤدي بداية إلى منع الجماعتين من التعامل عبر النظام المالي الأميركي، وتالياً وضعهما تحت الرقابة المشددة للأجهزة الأمنية والاستخباراتية الأميركية. وكان من الطبيعي أن ترحب مصر بقرار واشنطن، معتبرة إياه «تطوراً إيجابياً في إدراك شركاء مصر الدوليين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، أهمية حظر تنظيم الإخوان الإرهابي والجماعات والتنظيمات المنبثقة عنه على أمن واستقرار مصر وشعبها».
كان من الواضح جداً منذ الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية أننا أمام إدارة إن لم تكن تمثل أقصى اليمين الأميركي، فإنها على الأقل تتشكل من جماعات يمينية. وفي الحالتين يمكن القطع بأنهما من الأضداد الطبيعيين للتيارات الإسلاموية، بل وللإسلام والمسلمين دون مواربة، ولقد وعد ترمب بمجابهة تلك التيارات بنوع خاص.
قبل سنة تقريباً كان ترمب قد وعد بتقويض عمل جماعة الإخوان وإدراجها على قوائم المنظمات الإرهابية مثل تنظيم «القاعدة». ولاحقاً قال أكثر من مسؤول بارز في إدارة ترمب إن الرئيس الجمهوري لا يخطط بحال من الأحوال - بعكس سلفه الديمقراطي باراك أوباما - لإيجاد أرضية مشتركة للتعامل مع الإخوان، وبالأخص، بعد تزايد العنف والعدوانية في تعاملاتها مع الداخل المصري بنوع خاص. وفي منتصف يناير الماضي صرح مسؤول في الحزب الجمهوري الأميركي لصحيفة «إزفستيا» الروسية بأن إدارة ترمب قد تدرج الإخوان على قائمة المنظمات الإرهابية، وإن ثمة عدداً كبيراً من أركان الإدارة يدعمون الرئيس في هذا الطرح. وإن واشنطن ترى أن الإخوان جماعة براغماتية تحاول تحقيق أهدافها عبر أجنحتها العسكرية.
أحد أبرز الذين اطلعوا على مشروع قانون السناتور كروز حول الإخوان، المحلل السياسي الأميركي ثيودور كاراسيك في موقع «غلف ستيت آناليتيك» في واشنطن، ولقد أشار حقاً إلى نية وضع الإخوان على لائحة الإرهاب. وعند كاراسيك أن الإخوان «تنظيم لا يحرض على العنف فقط، بل ويشدد على أنه البنية التي أدت إلى نشوء تنظيمي القاعدة وداعش. وإضافة لذلك، يقف تنظيم الإخوان المسلمين وراء الهجمات على ممثلي السلطات في كثير من دول الشرق الأوسط. في الوقت نفسه يوجد لهذا التنظيم مكاتب تمثيلية في كثير من دول الغرب بأميركا وأوروبا، الأمر الذي يثير قلق الإدارة الأميركية الحالية.

ماذا سيخسر الإخوان؟
هناك مآلات قد تقضي على آمال الإخوان في العودة مجدداً للسلطة في العالم العربي والإسلامي، ولكن التصدي لها في الولايات المتحدة سيحرم الجماعة من الملجأ والملاذ الأخير المحتمل.
هذا، بدايةً، سيعني حظر دخول أي مواطن غير أميركي ينتمي للجماعة أو على صلة بها إلى الأراضي الأميركية، الأمر الذي يقطع أوصال الجماعة لوجيستياً، وبصورة غير مسبوقة حول العالم.
والأمر الثاني، الذي لا يقل أهمية عن سابقه، يتصل بالدعم المالي للإخوان، وفي هذه الحالة سيخضع ممولو الإخوان لقانون العقوبات الأميركي إن هم أقدموا على تقديم تبرعات لجماعة إرهابية، سواء كان هذا الدعم في صورة أموال مباشرة أو خدمات لوجيستية أخرى.
أما الأمر الثالث، في حال اتخاذ قرار على هذا النحو فإن كل أصول وموجودات الجماعة على الأراضي الأميركية ستصادر وتؤول إلى الخزانة الأميركية، مما يعني فقدان كل المكتسبات المالية التي عملت الجماعة من أجلها طوال خمسة عقود أو أكثر. ولن يتوقف الضرر عند المؤسسات التابعة للإخوان فحسب، بل سيمتد حكماً إلى جميع المنظمات والهيئات المرتبطة بعلاقات تفاعلية مع منظمات الجماعة، مما يجعلها عرضة بدورها لأن تصبغ بصبغة «غير قانونية». غير أن الكارثة الأكبر التي يمكن أن تحل بالجماعة في أميركا بعد إدراجها على قوائم المنظمات الإرهابية... إمكانية الملاحقات القضائية بأثر رجعي وفتح ملفات كثيرة، ضدها. وهنا فإن كثيرين في اليمين الأميركي متشوقون لمحاسبة إدارة أوباما، بنوع خاص. ولعل إدراج الإخوان منظمة إرهابية سيعطي فرصة ذهبية لإدارة ترمب للمضي قدماً في طريق ترحيل المئات، وربما الآلاف من المسلمين الذين تحوم من حولهم شبهات التعاطي مع الإخوان أو الاتصال والتواصل معهم في أنحاء الولايات الواسعة، بما في ذلك من اللاجئين والمهاجرين الذين لا يود ترمب رؤيتهم في طول البلاد وعرضها مرة ثانية.
يبدو واضحاً أن القرار ليس يسيراً، لا سيما في ضوء علاقات أميركا الخارجية مع دول بعينها، أو في سياق أضابيرها الاستخباراتية السرية، وبخاصة، ما يتعلق بعلاقة الإخوان مع الاستخبارات المركزية «سي آي إيه» طوال عقود بدأت في الخمسينات ولم تنقطع حتى اليوم.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».