واشنطن واعتبار «الإخوان» جماعة إرهابية

فرص تصنيفها تتزايد بعد «حسم» و«لواء الثورة»

قادة {الإخوان} هددوا من خلف القضبان بإثارة الفوضى في ربوع مصر (غيتي)
قادة {الإخوان} هددوا من خلف القضبان بإثارة الفوضى في ربوع مصر (غيتي)
TT

واشنطن واعتبار «الإخوان» جماعة إرهابية

قادة {الإخوان} هددوا من خلف القضبان بإثارة الفوضى في ربوع مصر (غيتي)
قادة {الإخوان} هددوا من خلف القضبان بإثارة الفوضى في ربوع مصر (غيتي)

إلى أين تمضي العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين وبين الولايات المتحدة؟ علامة استفهام مثيرة للجدل، وبخاصة في ضوء العلاقة التاريخية التي باتت معروفة للقاصي والداني بين الطرفين منذ أوائل الخمسينات في القرن الماضي. في تلك الفترة استقبل الرئيس دوايت أيزنهاور في البيت الأبيض سعيد رمضان، صهر حسن البنا، ومن تلك الساعة تحركت أشرعة الأصولية الإسلامية في بحر الحياة السياسية الأميركية، ولا تزال الأشرعة مفرودة في اتجاه الرياح الدولية.
كانت رئاسة باراك أوباما مثالاً واضحاً للتعاطي البراغماتي بين واشنطن وجماعة الإخوان بنوع خاص. وبلغ التنسيق حد السماح للجماعة - للمرة الأولى في تاريخها - بالوصول إلى مقاعد الحكم في مصر، ومحاولات أقرانها الآيديولوجيين تسلق سلم السلطة في مختلف الدول التي شهدت ما عرف بـ«الربيع العربي».
غير أن «ثورة يونيو (حزيران)» في مصر، ونهاية ولاية أوباما، ودخول الرئيس دونالد ترمب البيت الأبيض، وضعت نهايات سريعة لطموحات الجماعة ولو بصورة أولية ومبدئية، وإن بقيت هناك إجراءات قد تقرر واشنطن اتخاذها، وفي مقدمة هذه الإجراءات الاعتراف بأن الإخوان المسلمين جماعة إرهابية.

تصنيف {الإخوان} منظمة إرهابية
في العاشر من يناير (كانون الثاني) الماضي قدم السناتور الجمهوري تيد كروز مشروع قانون جديداً تحت اسم «تصنيف الإخوان المسلمين منظمة إرهابية». ودعا كروز من ثم وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى إجراء تحقيق، وتقديم تقرير للكونغرس حول الأسباب التي قد تحول دون إدراج الجماعة ضمن لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية.
الجدير بالذكر أنه لا يوجد في الداخل الأميركي تنظيم رسمي يحمل اسم الإخوان المسلمين. ولكن تقريراً نشرته في أوائل فبراير (شباط) الحالي مجلة «فورين آفيرز» الأميركية، أشار إلى الطبيعية السرية لمنظمة الإخوان منذ أسست عام 1928. وذكر أن أعضاءها في الولايات المتحدة يمضون على النهج نفسه، لا سيما وأنهم قدموا إلى البلاد منذ الخمسينات والستينات. وفي هذه الفترة كونوا جماعات لها وجه الجمعيات المدنية، غير أن أهدافها السرية لا تزال قائمة وبنفس الاتفاق الفكري مع «الجماعة الأم» في مصر.
ولعل ما يزعج كثرة من الأميركيين اليوم هو أن هذه الجمعيات والمؤسسات التي أنشأها «الإخوان غير الظاهريين» داخل أميركا خلال ثلاثة أو أربعة عقود خلت، تضطلع حالياً بدور قيادي في صفوف جيل الشباب المسلمين الذين ولدوا في الولايات المتحدة. ومن هنا فإن الاحتمالات قائمة بأن يطلق هؤلاء نوعاً من الحركة الراديكالية الأصولية، لا يلبث في «لحظة التمكين» أن ينقلب إلى المواجهة الدموية. ولعل النموذج الأول لهذا النوع من الحركية الراديكالية، بحسب فرانك غافني، مساعد وزير الدفاع في إدارة الرئيس رونالد ريغان والرئيس الحالي لـ«مركز الدراسات الأمنية»، «يتمثل في إنشاء مؤسسات إسلامية كالمدارس والمراكز الاجتماعية، والقضاء على الحضارة الغربية من الداخل، والتسبب في انهيارها».
ولعل ما يجعل المخاوف تتعاظم لدى بعض الأميركيين من الإخوان المسلمين هو أنه، منذ فشل الإخوان في حكم مصر وثورة المصريين عليهم والإطاحة بمحمد مرسي، يتعزّز ميل الإخوان للعمل السري أكثر من أي وقت مضى. وهذا أمر يجعل المخاوف قائمة داخل أميركا إزاء مستقبل هذه الجماعات السرية.

«حسم» و«لواء الثورة»
من ناحية أخرى، يتفق معظم العاملين في شؤون التاريخ والتحليل والسرد للجماعات الأصولية الإسلاموية على أن الإخوان المسلمين كانوا وما زالوا المعين الأصولي الأكبر الذي تفرعت عنه مختلف الجماعات المسلحة التي انتهجت العنف طريقاً لها. وهذا، بصرف النظر عن أسمائها، سواء كانت «جماعة الجهاد»، أو «الجماعة الإسلامية»، ولاحقاً «القاعدة»، وصولاً إلى التفريخ الأكثر توحشاً المعروف بـ«داعش»، وما انبثق عنه من جماعات متباينة الاتجاهات والتوجهات شكلياً.
في مصر، تحديداً، ظهرت جماعات عنف مسلح من بينها «حسم» و«لواء الثورة». ولقد أعلنتا أكثر من مرة مسؤوليتهما عن أعمال عنف وإرهاب داخل مصر، مما دعا السلطات الأميركية في 31 يناير الماضي لإعلانهما منظمتين إرهابيتين. ويرى الصحافي والكاتب الأميركي إيلي لايك هذا القرار من وزارة الخارجية الأميركية أنه تصرف حكيم من إدارة ترمب، في مواجهة الأذرع التابعة لجماعة الإخوان المسلمين.
القرار المذكور يؤدي بداية إلى منع الجماعتين من التعامل عبر النظام المالي الأميركي، وتالياً وضعهما تحت الرقابة المشددة للأجهزة الأمنية والاستخباراتية الأميركية. وكان من الطبيعي أن ترحب مصر بقرار واشنطن، معتبرة إياه «تطوراً إيجابياً في إدراك شركاء مصر الدوليين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، أهمية حظر تنظيم الإخوان الإرهابي والجماعات والتنظيمات المنبثقة عنه على أمن واستقرار مصر وشعبها».
كان من الواضح جداً منذ الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية أننا أمام إدارة إن لم تكن تمثل أقصى اليمين الأميركي، فإنها على الأقل تتشكل من جماعات يمينية. وفي الحالتين يمكن القطع بأنهما من الأضداد الطبيعيين للتيارات الإسلاموية، بل وللإسلام والمسلمين دون مواربة، ولقد وعد ترمب بمجابهة تلك التيارات بنوع خاص.
قبل سنة تقريباً كان ترمب قد وعد بتقويض عمل جماعة الإخوان وإدراجها على قوائم المنظمات الإرهابية مثل تنظيم «القاعدة». ولاحقاً قال أكثر من مسؤول بارز في إدارة ترمب إن الرئيس الجمهوري لا يخطط بحال من الأحوال - بعكس سلفه الديمقراطي باراك أوباما - لإيجاد أرضية مشتركة للتعامل مع الإخوان، وبالأخص، بعد تزايد العنف والعدوانية في تعاملاتها مع الداخل المصري بنوع خاص. وفي منتصف يناير الماضي صرح مسؤول في الحزب الجمهوري الأميركي لصحيفة «إزفستيا» الروسية بأن إدارة ترمب قد تدرج الإخوان على قائمة المنظمات الإرهابية، وإن ثمة عدداً كبيراً من أركان الإدارة يدعمون الرئيس في هذا الطرح. وإن واشنطن ترى أن الإخوان جماعة براغماتية تحاول تحقيق أهدافها عبر أجنحتها العسكرية.
أحد أبرز الذين اطلعوا على مشروع قانون السناتور كروز حول الإخوان، المحلل السياسي الأميركي ثيودور كاراسيك في موقع «غلف ستيت آناليتيك» في واشنطن، ولقد أشار حقاً إلى نية وضع الإخوان على لائحة الإرهاب. وعند كاراسيك أن الإخوان «تنظيم لا يحرض على العنف فقط، بل ويشدد على أنه البنية التي أدت إلى نشوء تنظيمي القاعدة وداعش. وإضافة لذلك، يقف تنظيم الإخوان المسلمين وراء الهجمات على ممثلي السلطات في كثير من دول الشرق الأوسط. في الوقت نفسه يوجد لهذا التنظيم مكاتب تمثيلية في كثير من دول الغرب بأميركا وأوروبا، الأمر الذي يثير قلق الإدارة الأميركية الحالية.

ماذا سيخسر الإخوان؟
هناك مآلات قد تقضي على آمال الإخوان في العودة مجدداً للسلطة في العالم العربي والإسلامي، ولكن التصدي لها في الولايات المتحدة سيحرم الجماعة من الملجأ والملاذ الأخير المحتمل.
هذا، بدايةً، سيعني حظر دخول أي مواطن غير أميركي ينتمي للجماعة أو على صلة بها إلى الأراضي الأميركية، الأمر الذي يقطع أوصال الجماعة لوجيستياً، وبصورة غير مسبوقة حول العالم.
والأمر الثاني، الذي لا يقل أهمية عن سابقه، يتصل بالدعم المالي للإخوان، وفي هذه الحالة سيخضع ممولو الإخوان لقانون العقوبات الأميركي إن هم أقدموا على تقديم تبرعات لجماعة إرهابية، سواء كان هذا الدعم في صورة أموال مباشرة أو خدمات لوجيستية أخرى.
أما الأمر الثالث، في حال اتخاذ قرار على هذا النحو فإن كل أصول وموجودات الجماعة على الأراضي الأميركية ستصادر وتؤول إلى الخزانة الأميركية، مما يعني فقدان كل المكتسبات المالية التي عملت الجماعة من أجلها طوال خمسة عقود أو أكثر. ولن يتوقف الضرر عند المؤسسات التابعة للإخوان فحسب، بل سيمتد حكماً إلى جميع المنظمات والهيئات المرتبطة بعلاقات تفاعلية مع منظمات الجماعة، مما يجعلها عرضة بدورها لأن تصبغ بصبغة «غير قانونية». غير أن الكارثة الأكبر التي يمكن أن تحل بالجماعة في أميركا بعد إدراجها على قوائم المنظمات الإرهابية... إمكانية الملاحقات القضائية بأثر رجعي وفتح ملفات كثيرة، ضدها. وهنا فإن كثيرين في اليمين الأميركي متشوقون لمحاسبة إدارة أوباما، بنوع خاص. ولعل إدراج الإخوان منظمة إرهابية سيعطي فرصة ذهبية لإدارة ترمب للمضي قدماً في طريق ترحيل المئات، وربما الآلاف من المسلمين الذين تحوم من حولهم شبهات التعاطي مع الإخوان أو الاتصال والتواصل معهم في أنحاء الولايات الواسعة، بما في ذلك من اللاجئين والمهاجرين الذين لا يود ترمب رؤيتهم في طول البلاد وعرضها مرة ثانية.
يبدو واضحاً أن القرار ليس يسيراً، لا سيما في ضوء علاقات أميركا الخارجية مع دول بعينها، أو في سياق أضابيرها الاستخباراتية السرية، وبخاصة، ما يتعلق بعلاقة الإخوان مع الاستخبارات المركزية «سي آي إيه» طوال عقود بدأت في الخمسينات ولم تنقطع حتى اليوم.



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟