«مبارزة الأسود» خلال مباراة للكرة في مركز ليبي للمهاجرين

فعاليات رياضية داخل المنشأة للتخفيف عن معاناة 500 مهاجر محتجز

الفريقان المشكّلان من مهاجرين كاميرونيين (برتقالي) وسنغاليين (أصفر) قبل بدء المباراة في مركز تاجورا بضواحي طرابلس (أ.ف.ب)
الفريقان المشكّلان من مهاجرين كاميرونيين (برتقالي) وسنغاليين (أصفر) قبل بدء المباراة في مركز تاجورا بضواحي طرابلس (أ.ف.ب)
TT

«مبارزة الأسود» خلال مباراة للكرة في مركز ليبي للمهاجرين

الفريقان المشكّلان من مهاجرين كاميرونيين (برتقالي) وسنغاليين (أصفر) قبل بدء المباراة في مركز تاجورا بضواحي طرابلس (أ.ف.ب)
الفريقان المشكّلان من مهاجرين كاميرونيين (برتقالي) وسنغاليين (أصفر) قبل بدء المباراة في مركز تاجورا بضواحي طرابلس (أ.ف.ب)

في مركز تاجوراء، تواجه مهاجرون من الكاميرون وآخرون من السنغال في مباراة لكرة القدم، لكن ولإبراز مواهبهما اختار الفريقان اسمي «الأسود غير المروضة» و«أسود التيرنجا»، وهما فريقان معروفان في بلديهما.
وفي حين يثير لقاء هذين الفريقين الكثير من الحماسة بين عشاق اللعبة في أفريقيا، فإن المباراة نفسها بعيدة كل البعد عن الأجواء الاحتفالية الفولكلورية التي غالباً ما تتسم بها ملاعب القارة.
دارت المباراة في إحدى ضواحي طرابلس على ملعب رملي يحيط به جدار صغير مطلي بالأبيض أمام المبنى الرئيسي الذي تحول إلى مركز احتجاز، أما الجمهور فاقتصر على حارسين، حسبما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها. ومن بين 500 مهاجر يقبعون في مركز الاحتجاز منذ أشهر، اختير 12 لاعباً من السنغال والكاميرون. تم تشكيل الفريقين على عجل، وقال أحد الحراس مبتسماً: «إنه صراع الأسود».
الهمّ الأول كان العثور على حذاء بمقاس مناسب، لكن المحظوظين قلة، أما الباقون فكان عليهم الخوض في الرمال بجواربهم. ارتدى السنغاليون فانيلات صفراء بينما كان اللون البرتقالي من نصيب الكاميرونيين. واستعد المهاجرون بجدية للبدء، وبعد التحمية وجهوا التحية إلى كل جمهورهم. دقائق من الجري المتقطع والمراوغة والاعتراضات القوية، وبدأ العرق يتصبب على الوجوه.
وسرعان ما قرر لاعب سنغالي بالكاد يلتقط أنفاسه أن يستسلم وجلس مستنداً إلى الجدار قائلاً: «لم أعد أقدر. مضى علينا عدة أشهر في السجن، ونحن لا نقوم بأي نشاط جسدي. نحن لا نتحرك داخل السجن». وأضاف: «كما أننا هواة بينما الكاميرونيون لاعبون فعليون كانوا يلعبون ضمن فرق».
استمرت المباراة من دونه والنتيجة حاسمة 4 - صفر لفريق «الأسود غير المروضة». بدا مامادو أوال (21 عاماً) فخوراً بالنصر. فقد غادر لاعب الوسط على غرار مثاله زين الدين زيدان نجم منتخب فرنسا السابق الذي أصبح مدرباً لريال مدريد، الكاميرون في سن 17 عاماً على أمل الوصول إلى أوروبا وبدء مسيرة احترافية في كرة القدم بعد بضع سنوات في مركز للتدريب في بلاده.
وقال أوال إنه قرر أن «يخوض المغامرة» إلى أوروبا استناداً إلى «ثقته بموهبته» لكن «الحظ خالفه». ففي طريقه إلى القارة العجوز، أوقف في عرض البحر المتوسط. وقال: «في ليبيا عانيت الكثير، وهذا السجن الثالث لي وفي كل مرة توقفنا البحرية الليبية خلال عبورنا».
يشاطره الحلم بتحقيق المجد في أوروبا زميله في الفريق تاكوتي ستايف الذي علق دراسته «ليكرس نفسه لكرة القدم»، ويقول: «كلما رأيتُ (نجمي كرة القدم السابقين من الكاميرون) روجيه ميلا وصامويل إيتو، أشعر بالرغبة في أن أصبح مثلهما».
تقول الأمم المتحدة إن بين 700 ألف ومليون لاجئ موجودين حالياً في ليبيا، هناك عشرات الآلاف محتجزون في ظروف غير إنسانية. وبعد أن تدرب أوكامو لوبو في مركزي إعداد وفريقين من الدرجة الثانية في الكاميرون، غادر بلدته دوالا في سن الـ16 على أمل الوصول إلى أوروبا.
وروى لوبو: «حاولتُ الانطلاق من الجزائر ثم المغرب ولم أنجح»، فتوجه عندها إلى ليبيا حيث تعرض للتوقيف مرات عدة، ورأى مهاجرين يموتون في عرض البحر. وقال إنه يحلم بأن يلعب ضمن صفوف آرسنال الإنجليزي، فريقه المفضل.
في المقابل، قال سرين ديوكانيه (22 عاما) إنه «لا علاقة له بكرة القدم. إنها فرصة فقط لي للخروج من السجن لبعض الوقت. عندما سألوا من يعرف اللعب أجبت: (أنا) على الفور».
قاطعه مسؤول في المخيم يدعى فرج الغيلوشي منادياً على المهاجرين للعودة إلى زنازينهم. وأوضح الغيلوشي: «ننظم مباريات لكرة القدم كل أسبوع في محاولة للتخفيف من معاناتهم. معظمهم أصيبوا بصدمات نفسية سواء بسبب فشلهم في العبور، أو لأنهم فقدوا شخصاً عزيزاً خلال محاولتهم». وأضاف: «هيا، في المرة المقبلة سنحاول تنظيم دورة على غرار كأس الأمم الأفريقية»، فرد أحد المهاجرين عليه بصوت منخفض: «لا، شكراً. كل ما نريده هو مغادرة هذا المكان»، قبل أن تنغلق البوابة الحديدية للسجن وراءه.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم