عضو في «الدعوة» العراقي يتهم العلمانيين بـ«التفسخ والإلحاد»

4 جهات عازمة على مقاضاته بينها الحزب الشيوعي

أنصار الحزب الشيوعي العراقي يتظاهرون ضد الفساد في بغداد الجمعة الماضي (أ.ف.ب)
أنصار الحزب الشيوعي العراقي يتظاهرون ضد الفساد في بغداد الجمعة الماضي (أ.ف.ب)
TT

عضو في «الدعوة» العراقي يتهم العلمانيين بـ«التفسخ والإلحاد»

أنصار الحزب الشيوعي العراقي يتظاهرون ضد الفساد في بغداد الجمعة الماضي (أ.ف.ب)
أنصار الحزب الشيوعي العراقي يتظاهرون ضد الفساد في بغداد الجمعة الماضي (أ.ف.ب)

أثارت تصريحات أطلقها عضو حزب «الدعوة» الشيخ عامر الكفيشي، موجة غضب واستياء الاتجاهات العلمانية والمدنية العراقية، وأعلنت أكثر من جهة عزمها رفع دعاوى قضائية ضد ما عدّ «إرهاباً فكرياً وتحريضاً صريحاً على قتل فئات اجتماعية معينة».
وكان الكفيشي اعتبر خلال حلقة أسبوعية سابقة بثتها قناة «آفاق» الفضائية القريبة من نائب الرئيس نوري المالكي، أن مواجهة العراقيين «داعش»، «أسهل» من مواجهته أولئك «الذين يختفون في داخل الساحة العراقية ويحتلون العقول والقلوب والنفوس». ثم يشرح طبيعة هؤلاء بالقول: «هؤلاء الذين أخذوا يفسدون عقول شبابنا وبناتنا في الجامعات والمؤسسات من أصحاب الفكر العلماني المتفسخ، الذين ينشرون مبادئ الكفر والإلحاد الشيوعية الكافرة، والمبادئ القومية الشريرة والمدنية التي يتحدثون بها ليل نهار».
وهذه ليست المرة الأولى التي يطلق فيها الكفيشي تصريحات «معادية» ضد التيارات المدنية والعلمانية، وسبق أن اتهمهم قبل أشهر بـ«الفساد والسعي لإعادة الأميركيين إلى البلاد».
وعلى الرغم من «الضجة» التي أثارتها تصريحات الكفيشي، فإن حزب «الدعوة» الذي ينتمي إليه وكان أحد أعضاء قيادته في دورات سابقة لم يصدر عنه أي تعليق حول الموضوع. وأبلغ مصدر في الحزب الشيوعي العراقي، «الشرق الأوسط»، عزم الحزب رفع دعوى قضائية ضد الكفيشي، كما أعلن النائب السابق عن الكتلة الصدرية عقيل عبد الحسين التقدم بشكوى قضائية ضد الكفيشي. ويتوقع أن يقوم «تحالف المادة 38» برفع دعوى مماثلة في غضون الأيام القليلة المقبلة.
أيضاً، يعتزم الخبير الجنائي الدولي مهند نعيم، إقامة دعوى أخرى ضد الشيخ عامر الكفيشي، وكشف في حديث لـ«الشرق الأوسط» أنه ينوي «إقامة دعوى مدنية عادية، باعتبار أنني أؤمن بالدولة المدنية والأفكار العلمانية وتصريحاته سببت لي ضرراً معنوياً، كذلك أنوي مقاضاته جزائياً، باعتبار أن تصريحاته تثير الفتنة وتحرّض على العنف والكراهية».
ويرى نعيم أن بإمكان الحزب الشيوعي العراقي القيام بدعوى «تتضمن اتهام الكفيشي بالتأثير على حظوظهم الانتخابية عبر مسألة تكفيرهم، لأنهم إحدى الجهات المشاركة في الانتخابات المقبلة». ويرجح نعيم إمكانية «رفع دعوى على 3 جهات، هي الشيخ الكفيشي والحزب الذي ينتمي إليه والقناة التي بثت كلامه». ويلفت إلى أن من «الأهمية بمكان إقامة دعوى على نوع كهذا من التصريحات العدائية والمحرضة حتى لو لم يتخذ القضاء قراراً حاسماً فيها، لكن المهم تسجيلها ضمن ملفات ودعاوى القضاء».
واعتبر رئيس التحالف المدني الديمقراطي الدكتور علي الرفيعي، تصريحات الكفيشي ناجمة عن «الخوف من الحراك المدني لأنهم يعلمون حجم التعاطف الداخلي معه، وذلك يعود أساساً لفشل الجماعة التي يمثلها الكفيشي». ولفت في حديث «الشرق الأوسط» إلى أن التصريحات الأخيرة «ليست جديدة، وقد دأب منذ فترة على الإدلاء بتصريحات عبر الفضائية التابعة للحزب والشخص المعروف»، في إشارة إلى حزب «الدعوة» وأمينه العام نوري المالكي. ويرى الرفيعي أن الكفيشي «يتعمد إطلاق تصريحات كهذه في هذا التوقيت القريب من الانتخابات، بهدف تضليل رجل الشارع البسيط، إنهم يعرفون أن العراقيين لم يلمسوا من أحزاب السلطة وضمنها حزبه أي تغيير، فلجأوا لهذه الأساليب البالية التي يعرفها العراقيون جيداً».
من جهتها، طالبت عضو لجنة الثقافة والإعلام النيابية سروة عبد الواحد، هيئة الإعلام والاتصالات، بـ«اتخاذ صلاحيتها في منع هذا الشيخ من الظهور الإعلامي الذي يزعزع الأمن المجتمعي». وقالت سروة عبد الواحد في بيان صحافي أصدرته، أمس: «انتشر في الآونة الأخيرة فيديو للداعية الإسلامي الشيخ عامر الكفيشي الذي يطالب بقتل المدنيين والعلمانيين عبر إحدى القنوات الفضائية، وإننا نشعر بقلق شديد من هذه التصريحات»، مضيفة: «في الوقت الذي نطالب فيه القنوات الإعلامية بالابتعاد عن كل ما يشجع على الإرهاب الفكري، نطالب هيئة الإعلام والاتصالات باتخاذ صلاحيتها في منع هذا الشيخ من الظهور الإعلامي الذي يزعزع الأمن المجتمعي من خلال فتاواه الداعية إلى القتل وتشبيه المدنيين بأنهم أسوأ من داعش».
إلى ذلك، يقول الناشط المدني وعضو الحزب الشيوعي العراقي جاسم الحلفي، إن «الشيخ عامر الكفيشي يطالب بقتلنا لأننا ضد الفساد». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «ولأننا أيضاً ضد المحاصصة والعنف والتطرف والإرهاب والكراهية، ولأننا أيضاً نريد أن يكون العراق للعراقيين، ونقف ضد التدخل الخارجي في الشأن العراقي».



اليمن بين إمكانية التعافي واستمرار اقتصاد الحرب

استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
TT

اليمن بين إمكانية التعافي واستمرار اقتصاد الحرب

استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)

تتوالى التأثيرات السلبية على الاقتصاد اليمني، إذ يرجح غالبية المراقبين أن استمرار الصراع سيظل عائقاً أمام إمكانية السماح بالتعافي واستعادة نمو الأنشطة الاقتصادية واستقرار الأسعار وثبات سعر صرف العملة المحلية وتحسين مستوى معيشة السكان.

وتشهد العملة المحلية (الريال اليمني) انهياراً غير مسبوق بعد أن وصل سعر الدولار الواحد خلال الأيام الأخيرة إلى 1890 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، في حين لا تزال أسعار العملات الأجنبية ثابتة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بقرار انقلابي، كما يقول خبراء الاقتصاد الذين يصفون تلك الأسعار بالوهمية.

الانقسام المصرفي في اليمن يفاقم الأعباء الاقتصادية على المجتمع (رويترز)

وتتواصل معاناة اليمنيين في مختلف المناطق من أزمات معيشية متتالية؛ حيث ترتفع أسعار المواد الأساسية، وتهدد التطورات العسكرية والسياسية، وآخرها الضربات الإسرائيلية لميناء الحديدة، بالمزيد من تفاقم الأوضاع، في حين يتم التعويل على أن يؤدي خفض التصعيد الاقتصادي، الذي جرى الاتفاق حوله أخيراً، إلى التخفيف من تلك المعاناة وتحسين المعيشة.

ويعدّد يوسف المقطري، الأكاديمي والباحث في اقتصاد الحرب، أربعة أسباب أدت إلى اندلاع الحرب في اليمن من منظور اقتصادي، وهي ضعف مستوى دخل الفرد، وضعف هيكل نمو دخل الفرد، وهشاشة الدولة وعدم احتكارها العنف، وعندما تفقد الدولة القدرة على الردع، تبدأ الأطراف المسلحة بالصعود للحصول على الموارد الاقتصادية.

ويوضح المقطري لـ«الشرق الأوسط» أنه عندما لا يتم تداول السلطة من جميع القوى الاجتماعية والسياسية في البلد، تنشأ جهات انقلابية ومتمردة للحصول على السلطة والثروة والحماية، وإذا غابت الدولة المؤسساتية الواضحة، ينشأ الصراع على السلطة والثروة، والحرب تنشأ عادة في الدول الفقيرة.

طلاب يمنيون يتلقون التعليم في مدرسة دمرتها الحرب (البنك الدولي)

ويضيف أن اقتصاد الحرب يتمثل باستمرار الاقتصاد بوسائل بديلة لوسائل الدولة، وهو اقتصاد يتم باستخدام العنف في تسيير الاقتصاد وتعبئة الموارد وتخصيصها لصالح المجهود الحربي الذي يعني غياب التوزيع الذي تستمر الدولة في الحفاظ على استمراريته، بينما يعتاش المتمردون على إيقافه.

إمكانات بلا استقرار

أجمع باحثون اقتصاديون يمنيون في ندوة انعقدت أخيراً على أن استمرار الصراع وعدم التوصل إلى اتفاق سلام أو تحييد المؤسسات والأنشطة الاقتصادية سيجر الاقتصاد إلى مآلات خطيرة على معيشة السكان واستقرار البلاد.

وفي الندوة التي عقدها المركز اليمني المستقل للدراسات الاستراتيجية، عدّت الباحثة الاقتصادية رائدة الذبحاني اليمن بلداً يتمتع بالكثير من الإمكانات والمقدرات الاقتصادية التي تتمثل بالثروات النفطية والغاز والمعادن الثمينة والأحياء البحرية والزراعة وموقعها الاستراتيجي على ممرات طرق الملاحة الدولية، غير أن إمكانية حدوث الاستقرار مرهون بعوامل عدة، على رأسها الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني.

وترى الذبحاني ضرورة تكثيف الاستثمارات الاقتصادية وتشجيع القطاع الخاص بالدعم والتسهيلات لتشجيعه على الاستثمار في مشاريع صديقة للبيئة، مشددة على مشاركة المرأة في السياسات الاقتصادية لتحقيق التنمية الاقتصادية، وعدم إهدار طاقاتها الفاعلة في صنع القرار وإيجاد الحلول المبتكرة، وزيادة أعداد القوى العاملة، إذ يمكن أن تضيف المرأة ما نسبته 26 في المائة من الإنتاج المحلي.

سوق شعبية قديمة وبوابة أثرية في مدينة تعز اليمنية المحاصرة من الحوثيين طوال سنوات الحرب (رويترز)

وفي جانب الإصلاح المصرفي يشترط الباحث رشيد الآنسي إعادة هيكلة البنك المركزي ودعم إدارة السياسة النقدية، وتطوير أنظمة المدفوعات وأنظمة البنك المركزي والربط الشبكي بين البنوك باستثمارات بنكية وتحديث القوانين واللوائح والتعليمات المصرفية، وفقاً لمتطلبات المرحلة، وتقليص أعداد منشآت وشركات الصرافة وتشجيع تحويلها إلى بنوك عبر دمجها.

وركز الآنسي، في ورقته حول إعادة ھندسة البیئة المصرفیة الیمنیة بوصفها ركيزة حیویة لبناء اقتصاد حديث، على ضرورة إلزام شركات الصرافة بإيداع كامل أموال المودعين لديها والحوالات غير المطالب بها كوسيلة للتحكم بالعرض النقدي، ورفع الحد الأدنى من رأسمال البنوك إلى مستويات عالية بما لا يقل عن 100 مليون دولار، وعلى فترات قصيرة لتشجيع وإجبار البنوك على الدمج.

كما دعا إلى إلزام البنوك بتخصيص جزء من أسهمها للاكتتاب العام وإنشاء سوق أوراق مالية خاصة لبيع وشراء أسهم البنوك والحوكمة الحقيقية لها.

انكماش شامل

توقّع البنك الدولي، أواخر الشهر الماضي، انكماش إجمالي الناتج المحلي في اليمن بنسبة واحد في المائة خلال العام الحالي 2024، بعد أن شهد انكماشاً بنسبة 2 في المائة في العام الماضي، ونمواً متواضعاً بواقع 1.5 في المائة في العام الذي يسبقه.

يمنيون ينقلون المياه على ظهور الحمير إذ أدى الصراع إلى تدهور سبل المعيشة (أ.ف.ب)

وبيّن البنك أنه في الفترة ما بين عامي 2015 و2023، شهد اليمن انخفاضاً بنسبة 54 في المائة في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، ما يترك أغلب اليمنيين في دائرة الفقر، بينما يؤثر انعدام الأمن الغذائي على نصف السكان.

ويذهب الباحث الاقتصادي عبد الحميد المساجدي إلى أن السياسة والفعل السياسي لم يخدما الاقتصاد اليمني أو يعملا على تحييده لتجنيب السكان الكوارث الإنسانية، بل بالعكس من ذلك، سعى الحوثيون إلى ترسيخ نظام اقتصادي قائم على الاختلال في توزيع الثروة وتركزها بيد قلة من قياداتهم، مقابل تجويع القاعدة العريضة من المجتمع.

وأشار المساجدي، في مداخلته خلال الندوة، إلى أن هناك ملفات أخرى تؤكد استغلال الحوثيين الملف الاقتصادي لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية، كإنشاء منافذ جمركية مستحدثة، ووقف استيراد الغاز من المناطق المحررة، وإجبار التجار على استيراد بضائعهم عبر ميناء الحديدة، وغير ذلك الكثير.

منشأة نفطية يمنية حيث يعد إنتاج وتصدير النفط أحد أهم موارد الاقتصاد الهش (أرشيفية - غيتي)

وتحدث الباحث الاقتصادي فارس النجار حول القطاع الخدمي الذي يعاني بسبب الحرب وآثارها، مشيراً إلى تضرر شبكة الطرق والنقل، وتراجع إجمالي المسافة التي تنبسط عليها من أكثر من 70 ألف كيلومتر قبل الانقلاب، إلى أقل من 40 ألف كيلومتر حالياً، بعد تعرض الكثير منها للإغلاق والتخريب، وتحولها إلى مواقع عسكرية.

وتعرض النجار إلى ما أصاب قطاع النقل من أضرار كبيرة بفعل الحرب، تضاعفت أخيراً بسبب الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، وهو ما ألحق أضراراً بالغة بمعيشة السكان، في حين وضعت الجماعة الحوثية يدها، عبر ما يعرف بالحارس القضائي، على شركات الاتصالات، لتتسبب في تراجع أعداد مستخدمي الهواتف المحمولة من 14 مليوناً إلى 8 ملايين، بحسب إحصائيات البنك الدولي.