هل يتاحُ لكل شاعرٍ أن يصبح روائياً؟

قبل قرون كتب الجاحظ عن الذين يستسهلون التحول من جنس أدبي إلى آخر

كتابة رواية
كتابة رواية
TT

هل يتاحُ لكل شاعرٍ أن يصبح روائياً؟

كتابة رواية
كتابة رواية

لم تكن مقولة ذلك الناشر لي: «لا نريد شعرا فنحن نرحب فقط بالروايات، الشعر لم يعد له سوق، بينما السوق الرائجة أصبحت للروايات.. وأياً كانت» (لم تكن لهذه العبارة) أن تمر مرور الكرام خاصة مع النظر للحالة الأدبية في المنطقة بشكل عام.
فحين تراجعت الذائقة الشعرية مصحوبة بضعف القدرات الشعرية تحول كثيرون من الشعراء، أو ممن يطمحون ليكونوا شعراء، إلى «الشعر الحديث» الذي بات يتراجع حضوره بشكل واضح، على الرغم من ذلك نرى بعض الشعراء يتوجه نحو الكتابة السردية، وكتابة الرواية تحديداً.
فنّ القص أصبح مطلوباً وهدفاً وسبباً للشهرة الأدبية، لكن هذا لا يعني أن كل ما يكتب يصبح رواية أدبية، الفرق بين الحكواتية والروائيين هو أدبية النص المكتوب وفق أصول وعناصر وتقنيات الأدب الروائي، ومن هنا كان اعتراض «إيغلتون - Eagleton» على اعتبار الكتابات التاريخية والخطب الدينية والفلسفية أدباً، بل إنه كان شديدَ النقد لأرفع الأعمال الأدبية المسماة «آثار المؤلف» لنخبة الأدب الإنجليزي، لمخالفة بعضها معاييره النقدية، فظهرت مدارس نقدية غربية تشدد على المعايير الأدبية حماية للأدب من التشويه الفني، ومن هذه المدارس النقدية «المدرسة الذهنية stylistics»، التي اتجه أصحابها إلى اعتبار أن أدبية النص تستند على مقدرة الكاتب في كتابة العمل بأسلوب يدرك معه كيف تتم قراءته من قبل القارئ العادي.
قد نتفهم الضعف الشعري وفق أصوله التقليدية لدى بعض المنتمين إلى الشعر، لذا هربوا إلى ما يسمى الشعر الحديث حيث التخلي عن معظم الأصول الشعرية التقليدية، حتى غدا قسم من أشعار القوم ما يشبه الابتهالات أو «سوالف» ليلية بعيدة عن الأثر المصاحب للعمل أو صور الجمال الشعري، وقد نتفهم تجنب هؤلاء للنقد الأدبي حيث يتراءى لهم قول ابن الرقاع: «إنك والشعر إذ تزجي قوافيه... كمبتغي الصيد في عريسة الأسد»
لكن هل هذه الذريعة كافية لهذا الخلط في المفاهيم الأدبية والتحول غير المبرر إبداعيا بين الأجناس الأدبية؟
قد يجمع الأديب بين الشعر والنثر، وهذا ليس بمستغرب ولدينا نماذج كثيرة في إرثنا العربي لعل أبي العلاء المعري من أبرزها فقد كان شاعرا مجيداً، كيف لا وهو القائل: خفف الوطء ما أظن أديم الأرض... إلا من هذه الأجساد.
وهو أيضا صاحب المصنف رفيع الشأن «رسالة الغفران» وهو عبارة عن تأملات أدبية عالية المستوى تخيل فيها صديقه ابن القارح يدخل منازل الآخرة ويلتقي بعض الشعراء ويحاورهم في بعض ما قالوه من أشعارهم. وربما من أبرز الشعراء المعاصرين الذين أبدعوا في الكتابة الروائية غازي القصيبي. لكن هل هذا يعني أنه يتاح لكل شاعر أن يصبح روائيا؟ وهل هذا التحول من جنس أدبي إلى آخر بهذه السهولة؟ بالطبع لا فالكتابة الإبداعية ليست أمنية يحققها كل متمن ليتراقص طربا من أسماهم الجاحظ «النفاجين».
وما تتم ملاحظته هذه الأيام كثرة النفاجين الذين يحبون أن يُحمدوا وتطيرُ الرُكبانُ بأخبارهم بين الصحف والإعلام المرئي ووسائل التواصل الاجتماعي ليس لشيء مستحق يقدمونه وإنما على أساس علاقات شخصية ومجاملات تهدم الأسس الأدبية ولا تبنيها عند النفاجين. وكأن لسان بعض من أثبت فشله شعريا فيتحول إلى الرواية يقول ما قاله ابن خفاف في شعره الحكيم: «وإذا نبا بك منزل فتحول»، مستغلاً تراجع الساحة الأدبية في بلداننا وسط ضعف وجود نقدي ساهم بانتشار هذه الظاهرة التي ملأت عبرها دور النشر والمكتبات بمطبوعات كُتِب على غلافها «رواية». هذا الانتشار ساهم في خلط الأدب الرفيع بالغث من الكتابات.
لقد قامت الحضارة في العصرين الأموي والعباسي على أساس العلم الموسوعي فبرز علماء ومثقفون موسوعيون يجيدون عدة فنون علمية وأدبية، وهذا ما نؤمن به ونسعى لتعزيز فكرته، لكن وفق أصوله الصحيحة في عصر الحداثة وما بعدها لا كما يلاحظ الآن من تحول بلا معنى ولا مرتكزات موضوعية قادرة على بناء العمل الروائي الصحيح. وفي حين يرتعبون من النقد الأدبي ويبتعدون عنه ويبحثون عن حفنة تمجد وتطبل، نجد بعضا من هؤلاء النفاجين يصف نفسه بأوصاف عظيمة أو يصفه بعض الجوقة بها، فيطرب لتلك الأوصاف فلا تستغرب ممن قدم عملا أو عملين حين يقارن نفسه بـ«آرنست هيمنغواي» أو نجيب محفوظ مثلا، ولا تستغرب من آخر حين يعتبر نفسه خارج الجغرافيا كأنه صاحب «كانديد»، وثالث يعقد مقارنة بينه وبين فلوبير أو فيتزجيرالد، وإذا كان كذلك فلا تعجب في قادم الأيام ممن تنشر كتابا أو أكثر إذا لقبت نفسها بـ«برونتي»، أو قد يصفق لشاعرة وتوصف أنها ساحرة لأنها قالت: سأقول شعرا ساحرا، فقالت: إن سيارة نقل الموتى تقف عند إشارة المرور الحمراء!
لقد ترتب على هذا الخروج عن السياق الصحيح في ظاهرة «النفاجين» بروز أمر أشد خطورة هو التقديم ممن ليس من أهل الصنعة، فيلاحظ أن شاعرة أو مذيعا تلفزيونيا أو صحافيا يكتب تقديما أو تقريظا لرواية! ألا يستفز المهتمين بالأدب هذا التداخل المغلوط الذي يسيء للعمل أكثر مما يحسن؟!. هل في ذلك رسالة من صاحب العمل إلى القراء تفيد بعدم ثقته بعمله لذا يذهب به إلى غير أهل الفن ليمتدحه له؟ فلو ذهب بعمله هذا إلى أهل الصنعة وحاورهم حوله لصدق عليه القول:
فإنا ومن يهدي القصائد نحونا.. مستبضع تمرا إلى أهل خيبرا
نأمل أن يستمع النقاد وأهل الأدب إلى صوت ناقوس الخطر فيعملوا على تصحيح المسارات الأدبية بتعزيز ثقافة النقد الجاد والموضوعي، والاهتمام بمدارس الكتابة الإبداعية لعلنا ندرك القوم في تقدمهم في الفنون الأدبية عامة وفي الفن السردي خاصة.
* ناقد كويتي



اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)
جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)
TT

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)
جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ نجمتين عالميتين تقديراً لمسيرتيهما، هما الأميركية فيولا ديفيس، والهندية بريانكا شوبرا.

واختتم المهرجان عروضه بفيلم «مودي... 3 أيام على حافة الجنون» الذي أخرجه النجم الأميركي جوني ديب، ويروي حكاية الرسام والنحات الإيطالي أميديو موديلياني، خلال خوضه 72 ساعة من الصراع في الحرب العالمية الأولى.

واختير فيلم «الذراري الحمر» للمخرج التونسي لطفي عاشور لجائزة «اليُسر الذهبية» كأفضل فيلم روائي، أما «اليُسر الفضية» لأفضل فيلم طويل، فنالها فيلم «إلى عالم مجهول» للفلسطيني مهدي فليفل، بالإضافة إلى جائزة خاصة من لجنة التحكيم نالها فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» لخالد منصور.