وزير الخارجية الفرنسي في طهران اليوم لبحث ملفات بالغة التعقيد

مصادر فرنسية: سنقول للإيرانيين «ما حاجتكم لصواريخ مداها 5000 كلم؟»

جان إيف لو دريان
جان إيف لو دريان
TT

وزير الخارجية الفرنسي في طهران اليوم لبحث ملفات بالغة التعقيد

جان إيف لو دريان
جان إيف لو دريان

السؤال المركزي الذي تطرحه زيارة الـ24 ساعة لوزير الخارجية الفرنسي إلى طهران، الأولى من نوعها منذ وصوله إلى هذا المنصب في الربيع الماضي، هو: ما الذي ستعطيه السلطات الإيرانية لجان إيف لو دريان من «تنازلات» تتيح لفرنسا أن تسعى لإقناع الولايات المتحدة بعدم نقض الاتفاق النووي مع طهران الموقع في يوليو (تموز) من عام 2015؟
لا شك أن الوزير الفرنسي يعي أن هامش المناورة المطروح أمامه ضيق للغاية. إذ بين ما يطلبه الرئيس الأميركي الذي أمهل الأوروبيين والكونغرس حتى 12 مايو (أيار) المقبل لتعديل الاتفاق و«فرملة» برنامج إيران الصاروخي الباليستي، بالإضافة إلى «لجم» سياستها الإقليمية التي تعتبرها باريس كما واشنطن وعواصم غربية أخرى «مزعزعة للاستقرار» و«الرفض» الإيراني، تبدو مهمة لو دريان صعبة إن لم تكن مستحيلة. وما يزيد من صعوبتها أن باريس التي تتمسك بالاتفاق النووي، اقتربت كثيراً من المواقف الأميركية بخصوص الملفات الأخرى.
وفي الأسابيع الماضية، «توترت» العلاقات بين باريس وطهران، بسبب ما اعتبرته إيران مواقف «معادية» عبر عنها كبار المسؤولين الفرنسيين، وخصوصاً الرئيس ماكرون ولو دريان نفسه، وأحدثها عندما زار الأخير موسكو في 27 الشهر الماضي.
ففي مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره سيرغي لافروف، أعلن لو دريان أن باريس تعتبر «الطموحات الإيرانية مصدر قلق كبيراً وتخالف مضمون القرار الدولي رقم 2231» الذي صوت عليه مجلس الأمن الدولي بعد إبرام الاتفاق النووي. وأضاف لو دريان أنه «سيحمل هذا الموقف للسلطات الإيرانية» غداً (الاثنين).
وبحسب مصادر فرنسية رسمية، فإن رسالة باريس ستكون كالتالي: «نحن نتفهم حاجتكم للأمن، لكن لا نرى معنى لامتلاككم صواريخ يبلغ مداها 5000 كلم، وبالتالي هناك تطويرات لبرنامجكم الباليستي لا تتوافق مع حاجاتكم الدفاعية».
بموازاة ذلك، فإن التشدد الذي تعكسه هذه التصريحات ينسحب أيضاً على مواقف باريس من سياسة إيران الإقليمية التي سبق أن وصفها الوزير الفرنسي بـ«التوسعية»، رافضاً طموحات طهران بأن تفرض هيمنتها على قوس «يمتد من طهران إلى البحر المتوسط».
وبكلام آخر، فإن باريس التي تؤكد بمناسبة وبغير مناسبة أنها راغبة في «تطوير» علاقاتها مع طهران، ترى أن «عسكرة دبلوماسيتها تهز استقرار المنطقة»، بإشارة إلى سوريا والعراق واليمن ولبنان وأمن الخليج.
وأخيراً، دعمت باريس مشروع قرار في مجلس الأمن يدين طهران لـ«فشلها» في منع حصول الحوثيين على أسلحة صاروخية مصدرها إيران، وفق تقرير أممي بهذا الشأن. وسبق لمسؤولين فرنسيين أن ذكروا باستعدادهم للسير في عقوبات ضد إيران إذا لم تلقَ طلباتهم آذاناً صاغية في طهران.
بيد أن باريس، بموازاة التشدد المشار إليه، تبدي تمسكاً مطلقاً بالاتفاق النووي، لا بل تدعم الرؤية التي تفصل بين الملفات، رغم أن القرار الدولي 2231 يربط بين النووي والباليستي.
ويماهي الموقف الفرنسي بهذا الخصوص مع الموقف الأوروبي، وبالطبع مع ما تراه موسكو وبكين، وهما الطرفان الأخيران الموقعان على الاتفاق. وتجدر الإشارة هنا إلى أن باريس سبق لها أن تحدثت عن «اتفاق تكميلي» للاتفاق النووي، لكنها لم تعد تشير إلى هذا الاحتمال. وبالمقابل، فإنها تبرز تقارير الوكالة الدولية للطاقة النووية التي تؤكد أن طهران تنفذ مضمون الاتفاق. وآخر الحجج الفرنسية هي التساؤل عما سيفضي إليه الوضع إذا خرجت واشنطن منه، ما سيعيد المنطقة إلى ما قبل عام 2015 والتهديدات المرافقة باندلاع حرب إقليمية.
إزاء المواقف والمطالب «الأميركية» والفرنسية، تبدو مواقف إيران كما نقلتها مصادر دبلوماسية متأرجحة بين التشدد وإبراز بعض الليونة. ففيما خص الملف النووي، ترفض طهران المس بهز إعادة التفاوض بشأنه، كما أنها ترفض وجود صلة بينه وبين القرار 2231 الذي يمنع إيران من تطوير صواريخ يمكن أن تركب عليها قدرات نووية، وحجتها الرئيسية أنها «لا تملك سلاحاً نووياً»، وبالتالي فإن قرار مجلس الأمن لا ينطبق على برنامجها الباليستي.
أما في حال خروج واشنطن من الاتفاق، فهذا لا يعني نقضاً فورياً إيرانياً له. وبحسب المصادر المشار إليها، فإن إيران «يمكن أن تبقى ملتزمة به إذا استمر الأوروبيون ملتزمين به وعملوا على تنفيذ متطلباته»، (أي التطبيع الاقتصادي والتجاري والاستثماري وعدم الالتزام بالعقوبات الأميركية)، التي لا بد أن تفرض إذا قرر ترمب في 12 مايو تمزيق الاتفاق. وفي أي حال، فإن طهران تقول إنه «ما دام وجدت مصلحة وطنية بالسير في الاتفاق فإنها مستمرة به». ولذا، يبدو أن تنازلاً إيرانياً في موضوع الاتفاق بالغ الصعوبة.
ويبدي المسؤولون الإيرانيون في الجلسات المغلقة «انفتاحاً» بشأن الملف الصاروخي الباليستي، ويؤكدون أنهم مستعدون لمناقشته رغم الخطب الرنانة لمسؤوليهم الرافضين «المساس» بهذه البرامج.
وتقول طهران التي تؤكد أن صواريخها دفاعية وهي تطورها لمواجهة إسرائيل، إنها «جاهزة» لفتح الملف الصاروخي، ولكن في إطار «إقليمي»، لأنها «ليست الوحيدة» التي تملك صواريخ بعيدة المدى، وبالتالي «لا معنى» للتركيز عليها وحدها. وتطالب طهران بأن تؤخذ «هواجسها في الحسبان». لكن باريس ترى أن عليها أن تقدم ضمانات لجيرانها الذين يتوجسون من هذه البرامج، فضلاً عن كثير من الأطراف في الأسرة الدولية. ولا شك أن الموضوع سيثار بين الرئيس ماكرون والرئيس ترمب بمناسبة زيارة الدولة التي سيقوم بها الأول إلى واشنطن من 23 إلى 25 أبريل (نيسان) المقبل، أي قبل الموعد الفصل في مايو. كذلك ستكون الملفات نفسها موضوع تباحث مع الرئيس بوتين في موسكو يومي 25 و26 مايو.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر واسعة الاطلاع في باريس أن عدة جلسات نقاش حصلت في الأسابيع الأخيرة بين موظفين فرنسيين وإيرانيين، لبحث هذه المسائل. وبالمقابل، تشكلت مجموعات عمل أميركية أوروبية للنظر فيما يمكن أن يحصل عليه الأوروبيون ويكون من شأنه إرضاء الطرف الأميركي لحمله على البقاء في الاتفاق، أو على الأقل الامتناع عن نقضه في المستقبل القريب وتأجيل اتخاذ قرار نهائي لوقت لاحق.
قد يكون قبول طهران مناقشة سياستها في اليمن أولى بواكير «التنازلات» التي هي بصدد تقديمها للأوروبيين، حيث جرت أولى جولاتها على هامش مؤتمر الأمن في ميونيخ أواخر الشهر الماضي.
وبحسب مصادر واسعة الاطلاع، فإنها «متواصلة» باعتبار أن الفترة الفاصلة عن القرار الأميركي ليست طويلة. وفي أي حال، فإن لو دريان عازم على محاولة لعب دور الوسيط بين الأميركيين والإيرانيين وورقته «الرابحة» أن باريس تعي حاجة طهران إليها وللأوروبيين.
لكن المسائل في إيران بالغة التعقيد لكون هذه الملفات الحساسة موضع تجاذب داخل هرم السلطة الإيراني. ويعول لو دريان على لقاءاته مع نظيره ظريف ومع الرئيس روحاني ومسؤولين آخرين للعودة بشيء ما في جعبته يستطيع «تسليفه» للجانب الأميركي.



أميركا تطلب من تركيا الضغط على «حماس» للقبول بوقف النار في غزة

فيدان وبلينكن في تصريحات للصحافيين عقب انتهاء مباحثاتهما في أنقرة (الخارجية التركية)
فيدان وبلينكن في تصريحات للصحافيين عقب انتهاء مباحثاتهما في أنقرة (الخارجية التركية)
TT

أميركا تطلب من تركيا الضغط على «حماس» للقبول بوقف النار في غزة

فيدان وبلينكن في تصريحات للصحافيين عقب انتهاء مباحثاتهما في أنقرة (الخارجية التركية)
فيدان وبلينكن في تصريحات للصحافيين عقب انتهاء مباحثاتهما في أنقرة (الخارجية التركية)

طالبت الولايات المتحدة تركيا باستخدام نفوذها لجعل حركة «حماس» الفلسطينية تقبل مقترحاً لوقف إطلاق النار في غزة. وأكد البلدان اتفاقهما بشأن ضرورة العمل على تحقيق وقف إطلاق النار في أسرع وقت ممكن.

وقال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، خلال مؤتمر صحافي مشترك قصير مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، عقب ختام مباحثاتهما في أنقرة (الجمعة): «اتفقنا على تحقيق وقف إطلاق النار بغزة في أسرع وقت ممكن»، لافتاً إلى الجهود التي تبذلها تركيا والولايات المتحدة والشركاء الآخرون في المنطقة من أجل وقف إطلاق النار.

وأضاف فيدان أن «إسرائيل تواصل قتل المدنيين في غزة، وتعمل على استمرار دوامة العنف في المنطقة، وقد اتفقنا على أن تعمل تركيا وأميركا جنباً إلى جنب مع الشركاء الآخرين للحد من العنف».

وتابع أن العنف المستمر في غزة، أسفر عن سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين. وأعربت كل من تركيا وأميركا عن قلقهما إزاء الوضع.

جانب من مباحثات فيدان وبلينكن في أنقرة الجمعة (الخارجية التركية)

بدوره، قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إنه رأى خلال الفترة الأخيرة «مؤشرات مشجّعة» على التقدّم نحو وقف لإطلاق النار في قطاع غزة.

وأضاف: «ناقشنا الوضع في غزة، والفرصة التي أراها للتوصّل إلى وقف لإطلاق النار. وما رأيناه خلال الأسبوعين الماضيين هو مزيد من المؤشرات المشجّعة».

وطالب بلينكن تركيا باستخدام نفوذها كي ترد حركة «حماس» بالإيجاب على مقترح لوقف إطلاق النار، مضيفاً: «تحدثنا عن ضرورة أن ترد (حماس) بالإيجاب على اتفاق ممكن لوقف إطلاق النار؛ للمساهمة في إنهاء هذا الوضع، ونُقدِّر جداً الدور الذي تستطيع تركيا أن تلعبه من خلال استخدام صوتها لدى (حماس) في محاولة لإنجاز ذلك».

وكان بلينكن وصل إلى أنقرة، مساء الخميس، والتقى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، في مطار إسنبوغا بالعاصمة التركية، قبل أن يجري مباحثات مع نظيره هاكان فيدان استغرقت أكثر من ساعة بمقر وزارة الخارجية التركية، حيث ركّزت مباحثاته بشكل أساسي على الوضع في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، والوضع في المنطقة وبشكل خاص التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة.

جانب من لقاء إردوغان وبلينكن بمطار إسنبوغا في أنقرة مساء الخميس (الرئاسة التركية)

وجاءت زيارة بلينكن لتركيا بعدما زار الأردن، الخميس، لإجراء مباحثات تتعلق بسوريا والوضع في غزة أيضاً.

وتبدي أميركا قلقاً من أن تؤدي التطورات الجديدة إلى مخاطر على أمن إسرائيل، وأن تجد جماعات إرهابية فرصة في التغيير الحادث بسوريا من أجل تهديد إسرائيل، التي سارعت إلى التوغل في الأراضي السورية (في الجولان المحتل) في انتهاك لاتفاقية فض الاشتباك الموقّعة عام 1974، وهو ما أدانته تركيا، في الوقت الذي عدّت فيه أميركا أن من حق إسرائيل اتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمين نفسها ضد التهديدات المحتملة من سوريا.