ريم الهاشمي.. نجمة «إكسبو 2020»

الوزيرة الإماراتية خريجة هارفارد.. طموح لا يعرف الحدود

ريم الهاشمي.. نجمة «إكسبو 2020»
TT

ريم الهاشمي.. نجمة «إكسبو 2020»

ريم الهاشمي.. نجمة «إكسبو 2020»

تعتقد الإماراتية ريم إبراهيم الهاشمي، أن معرض «إكسبو 2020» الذي فازت باستضافته مدينتها دبي، في معركة عالمية حامية الوطيس، فرصة للترويج لقيم التسامح واحترام الحضارات والثقافات الأخرى، حيث إن دبي هي مدينة تعددية بامتياز، إذ تتعايش فيها «200 جنسية»، ويفترض بحسب الهاشمي، أن «تستقطب نحو 25 مليون زائر بينهم 70% من الأشخاص الذين سيأتون من الخارج».
ريم الهاشمي التي كانت تشغل منصب المدير التنفيذي للجنة الخاصة بملف الترشيح للمعرض العالمي الكبير، وتعد إحدى نجماته اللامعة، كانت أصغر وزيرة عربية، حيث تسلمت أول حقيبة وزارية عندما أصدر الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، مرسوما يقضي بتعيينها بالسلك الدبلوماسي والقنصلي بدرجة وزير مفوض من الدرجة الأولى، وذلك في عام 2007، عندما كان عمرها آنذاك 29 عاما، كما وافق مجلس الوزراء بعد فترة قصيرة على تعيينها مساعدة لوزير الخارجية للشؤون الاقتصادية بلقب سفيرة، وهي أول امرأة تنال هذا اللقب في تاريخ الإمارات.
ولدت ريم الهاشمي في مدينة دبي وذلك في عام 1978، وأكملت دراستها الجامعية بجامعتي تافس وهارفارد في بوسطن بولاية ماساتشوستس الأميركية، حيث تخرجت بشهادة بكالوريوس في العلاقات الدولية وشهادة أخرى في اللغة الفرنسية.
عملت موظفة في المكتب التنفيذي للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في دبي، ثم شغلت منصب نائبة سفير الإمارات في واشنطن.
تتولى الهاشمي منصب رئيسة مجلس إدارة مؤسسة دبي العطاء، وهي مؤسسة خيرية مقرها دولة الإمارات العربية المتحدة، كان قد جرى إطلاقها في سبتمبر (أيلول) 2007 كمبادرة من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بهدف تأمين فرص لأطفال الدول النامية للحصول على التعليم الأساسي.
كما تتولى منصب رئيسة مجلس الإمارات للتنافسية الذي يعمل بالتعاون مع مؤسسات القطاعين الحكومي والخاص، لوضع السياسات وتنفيذ الإجراءات التي تعزز وتدعم الخطط التنافسية لدولة الإمارات العربية المتحدة وتحقيق الازدهار والنمو المستديم، وشغلت أخيرا العضو المنتدب في اللجنة العليا لاستضافة معرض «إكسبو الدولي 2020».
شاركت بشكل فعال في الكثير من القضايا التي كان لها تأثير واسع النطاق على العلاقات الثنائية بين الإمارات والولايات المتحدة، بما في ذلك قضايا الأمن والتجارة، إلى جانب القضايا الاجتماعية والاقتصادية.
شغلت منصب رئيسة المركز الوطني للإحصاء، الجهاز الحكومي الخاص بتوفير بيانات ومعلومات إحصائية حديثة ذات جودة عالية، تساهم في صنع القرارات ورسم السياسات وتقييم الأداء.
وتحاول أن تسير على خطوات وطنها الإمارات، حيث قالت في العيد الأربعين في للدولة 2011، إن الإمارات كانت دولة صغيرة محدودة الموارد، ولكنها ملكت أحلاما وطموحات لا تحدها حدود، حينها كانت دبي تلك القرية الوادعة المعتمدة على صيد الأسماك تضج بالنشاط بطريقتها الخاصة، حيث مثلت ملتقى للتجار ولطرق التجارة من دول بعيدة في قارة أفريقيا والهند.
قالت عنها الدكتورة فاطمة المزروعي الكاتبة الإماراتية في أحد مقالاتها: «لقد وقفت الوزيرة ريم الهاشمي فوقفت معها على المنصة المرأة العربية من المحيط إلى الخليج، ونجاحها في ذلك هو نجاح يضاف لرصيد المرأة العربية وليس المرأة الإماراتية فحسب، لقد كانت الوزيرة ذكية في طرحها وفي مناقشاتها، وفي تأكيدها الدائم على الاحترام والمساواة وحقوق العمال هي ريم فخر للمرأة الإماراتية، وللطموح الذي لا يعرف حدا، وهو يمضي للعلا».
وأضافت: «تمسك بيديها أسرار النجاح ليصير منهج حياة ومتعة دائمة، ومن هذه الأسرار الكثيرة وأهمها الثقة بالذات وبالقدرات، لقد تجلى ذلك في صوتها وهي في العرض الأخير لـ(إكسبو)، فكان صداه يشي بثقة راسخة في الذات والقدرات، فما بالكم بالصوت نفسه، ومن الأسرار أيضا التعليم وإتقان اللغات فهي خريجة جامعة هارفارد، وهذا ليس كافيا، إلا إذا صاحبته العزيمة القوية والصبر والإخلاص في العمل، إضافة إلى أمر مهم هو أنها قد حددت هدفها منذ أن كانت طالبة على مقاعد الثانوية العامة، فهي تعلم ماذا تريد وكيف تحقق أحلامها».
عملت الهاشمي مع الجميع من وزراء وسفراء ومسؤولين خلال توليها ملف «إكسبو 2020»، الذين أسهموا معها في إيصال الصورة الحقيقة لقدرة الدولة على استضافة المعرض، وذلك لما تمتاز به من بنية تحتية واقتصاد قوي ومن انفتاح على الآخر.
وصفها الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية وزير الدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي في الإمارات، بالنجمة اللامعة، حيث تحدث عنها في جملة حديثه عن إنجاز «إكسبو 2020» بقوله: «نجاحنا في (إكسبو) جاء نتيجة لتضافر الجهود وجماعية العمل وسلامة التخطيط ويمثل نجاحنا عربيا وخليجيا تحمل رايته الإمارات، ولعبت القيادة من خلال رؤيتها دور محوريا في النجاح وقاد التنفيذ الشيخ عبد الله بن زايد والشيخ أحمد بن زايد ونجمتنا اللامعة ريم الهاشمي».
كانت خير سفيرة للتأثير على المصوتين، حيث قدمت ريم الهاشمي العضو المنتدب للجنة الوطنية العليا لـ«إكسبو 2020» في ربع الساعة الأخير من موعد التصويت للدولة التي تستضيف المعرض الدولي الكبير عرض بلادها، والذي دام 20 دقيقة أشارت فيه إلى آخر الاستعدادات التي جرت في الإمارات ومدينة دبي تحديدا المرشحة لاستضافة هذا الحدث.
وقالت جملتها المشهورة في الخطاب الأخير قبل التصويت: «سيداتي وسادتي، اعلموا أنكم حين تصوتون اليوم، فإن أصواتكم ستغير التاريخ»، وعدت هذه الجملة لافتة في خطاب وزيرة الدولة الإماراتية وممثلتها إلى عرض ملف «إكسبو 2020» في باريس، كما كانت من أكثر اللحظات تأثيرا في خطاب السيدة الإماراتية التي قدمت نفسها كنموذج للمرأة الإماراتية بشكل خاص، والعربية بشكل عام.
وأكدت الهاشمي أن الإمارات قيادة وحكومة وشعبا ومجتمعا باتت مهيأة لاستضافة هذا الحدث وتقديم أفضل ما لديها من خدمات ووسائل للراحة والأمن والأمان للمشاركين في المعرض وزواره، والذي يتوقع أن يزوره نحو 25 مليون زائر من كل أنحاء العالم بما فيها الإمارات على مدى 6 أشهر التي يقام فيها المعرض.
وتعتقد الوزيرة الهاشمي أن العناصر والمقومات التي تمتلكها دولة الإمارات ستساعدها على إنجاح الحدث على أراضيها، مشيرة في السياق إلى التناغم الإنساني والثقافي والحضاري الذي يميز مجتمع الإمارات المكون من 200 جنسية يمثلون السواد الأعظم من دول العالم يعيشون في ظل مجتمع عربي مسلم متسامح وفي ظل كرم الضيافة العربية والاحترام وحفظ حقوق الإنسان.
كما أشارت إلى البنية التحتية المتكاملة والمتميزة من مطارات وشبكات طرق وجسور وموانئ عالمية إلى جانب المواصلات والاتصالات التي تربط دولة الإمارات مع جميع دول العالم دون معوقات أو تعقيدات، هذا إلى جانب موقع المعرض المقترح الذي يقع في منطقة جبل علي في دبي على مساحة أكثر من 20 هكتارا من الأرض والمجاور إلى ميناء جبل علي العملاق ومطار آل مكتوم الدولي الحديث ويحيط به شبكة من الطرق والجسور والأنفاق المتطورة التي تسهل عملية الوصول إلى المعرض من قلب المدينة أو من كل أنحاء الإمارات بكل سلاسة وسهولة.
كانت الهاشمي متفائلة بفوز بلادها منذ وقت مبكر، وأجابت عن توقعاتها عندما سئلت: «إنني متفائلة جدا ونتوقع التصويت لصالح الإمارات». وزادت: «الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، زرع فينا الأمل باستضافة معرض (إكسبو الدولي 2020)، استنادا إلى الإمكانات والقدرات التي تتمتع بها دولة الإمارات وتؤهلها بجدارة للمنافسة على إقامة المعرض الأكبر من نوعه عالميا في دبي».
وكانت دبي توجت مجهوداتها في شرف استضافة معرض «إكسبو 2020» بحصد 116 صوتا من الأصوات المشاركة في الجولة النهائية لاختيار المدينة التي ستنظم الحدث العالمي، حيث صوتت 164 دولة لانتخاب المدينة الفائزة بنسبة 71% مقابل 29 لمدينة إيكاترينبرغ الروسية. واستطاعت دبي أن تكون الأبرز في عملية الترويج لقدرتها على استضافة معرض «إكسبو 2020»، وسخرت جميع إمكانياتها لاستعراض مقومات التنظيم، في الوقت الذي شكلت فيه تلك المقومات قيمة إضافية حقيقية للمعرض العالمي، منح دبي ميزة أكبر من منافسيها في السباق على الترشيح لاستضافة المعرض العالمي.
وستسهم استضافة معرض «إكسبو» بزيادة الناتج المحلي الإجمالي لدبي بما يقرب 141 مليار درهم (38.3 مليار دولار)، إلى جانب توفير 277 ألف فرصة عمل خلال السبع سنوات المقبلة.
وشاركت الهاشمي في عدد من الاجتماعات الدولية، حيث شاركت في الاجتماع الثاني لمجموعة عمل أصدقاء سوريا المعنية ببناء وتأهيل الاقتصاد السوري الذي أقيم ببرلين الألمانية، وترأست الهاشمي وفد بلادها، بهدف مناقشة آخر تطورات عمل المجموعة الاقتصادية التي تهدف إلى دعم وبناء وتأهيل الاقتصاد السوري، واستعرضت في الاجتماع دور الإمارات الداعم للشعب السوري في المجالات الاقتصادية والإنسانية.
كما عقدت الهاشمي في الاجتماع الوزاري للمكتب التنسيقي لحركة دول عدم الانحياز، والذي عقد في العاصمة الكوبية هافانا، سلسلة من اللقاءات الثنائية مع عدد من وزراء الدول المشاركين في الاجتماع.
وبحثت أوجه العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية الثنائية المشتركة بين الإمارات وتلك الدول وسبل تطويرها بما في ذلك تبادل الزيارات والخبرات وتعزيز التعاون في شتى المجالات.
وتحدثت الهاشمي عن رؤيتها للمرأة الإماراتية، وقالت: «أثبتت المرأة الإماراتية نجاحها في القطاعات الحكومية والمالية والصناعية، إضافة إلى وجود سيدات أعمال يمتلكن شركاتهن الخاصة»، مشيرة إلى أن المرأة تمثل حجر الزاوية التي ترتكز عليها عملية النهضة الوطنية في الإمارات، فهي تشارك في جميع مجالات الحياة.
وزادت: «جرى دمج المرأة الإماراتية كليا في الحياة العامة، مع بعض القيود القليلة التي تواجهها المرأة في كل مكان، حتى في الدول المتقدمة، مثل الموازنة بين الأسرة والعمل والمنافسة في مكان العمل على أساس المهارة والقدرة».
وتابعت الهاشمي: «أسهم حرص المرأة الإماراتية على اغتنام فرص التعليم في منحها فرصة المشاركة في نهضة المجتمع إلى جانب الرجل، حيث تعمل في الخدمة المدنية والتعليم والمحاماة والهندسة والطب والإعلام والرياضة والأعمال، كما تولت المرأة منصب السفيرة والقاضية وشغلت مقاعد برلمانية ووظائف في الشرطة والجيش، وتشغل المرأة أربعة مقاعد برلمانية في المجلس الوطني الاتحادي، كما تقوم الإمارات بتدريب المرأة على الإفتاء لتكون أول دولة تشهد ظهور المفتيات في العالم الإسلامي».
وأكدت الهاشمي أن دستور دولة الإمارات نص على أن المرأة تتمتع بكامل الحقوق التي يتمتع بها الرجل من حيث الحصول على الوظائف والخدمات الصحية والرعاية الأسرية، إلى جانب ضمان حقوق المرأة في الإرث.



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.