«سبيتالفيلدز» أقدم سوق لأجدد أكل

بعد 350 عاماً يعود إلى الواجهة ليرسم خريطة الطعام في لندن

TT

«سبيتالفيلدز» أقدم سوق لأجدد أكل

أجمل ما في لندن أنها لا تزال محافظة على تراثها وتقاليدها، وكانت ذكية لأنها جعلت أشهر معالمها التراثية تركب موجة العصرية دون التخلي عن العراقة.
أبرز مثال على روعة معالم لندن القديمة سوق «سبيتالفيلدز» Spitalfields الواقعة إلى الشرق من العاصمة التي تعتبر أقدم سوق لبيع المأكولات في العاصمة.
جاءت التسمية تيمنا بمستشفى سانت ماريز سبيتيل الذي أنشئ عام 1197. وبالقرب من المستشفى كانت توجد حقول شاسعة تحولت إلى سوق مفتوحة في القرن الثالث عشر.
نجاح السوق شجع الناس على الإقامة في المنطقة ومحيطها المعروفة اليوم بالـ«إيست إند»، وفي عام 1685 بدأ الفرنسيون البروتستانت بالتوافد من فرنسا جالبين معهم مهارات حياكة الحرير. ولا تزال بيوتهم موجودة في تلك المنطقة ويستخدمها في يومنا هذا الفنانون لإقامة معارضهم.
وبعد الفرنسيين جاء النساجون الآيرلنديون في منتصف القرن السابع عشر بعد تراجع صناعة الأقمشة في آيرلندا، وجاء من بعدهم اليهود من أوروبا الشرقية.
وعلى مدى السنين تبدل مشهد التنوع العرقي في المنطقة المحيطة بالسوق شرق لندن، فبين عامي 1880 و1970 شهدت سبيتافيلدز أكبر تجمع يهودي وكان يوجد بها أكثر من 40 كنيساً يهودياً.
وفي بداية السبعينات بدأ البنغلاديشيون بالتوافد إلى المنطقة جالبين معهم ثقافة مختلفة وأنواعا مختلفة للحرف والتجارة، وانتعش بذلك شارع «بريك لاين» الذي اشتهر بكثرة المطاعم فيه.
سبيتافيلدز اليوم
ومن سوق متواضعة في بداية القرن السابع عشر ومن عربات وأكشاك صغيرة إلى عنوان أنيق يتهافت الذواقة والسياح من كل أصقاع العالم على زيارته.
وبعد أن كانت سوق سبيتالفيلدز تفتح أبوابها يوم الأحد فقط، أصبحت اليوم متاحة طيلة أيام الأسبوع، وبدأت عملية تجديدها عام 2005 وبعد 18 عاما من العمل المستمر أثمر ذلك الجهد ساحتين جميلتين هما «بيشوبس سكوير» و«كريسبين بلايس» وتم اختيار المطاعم والمعروضات في السوق بتأن تام.
وإذا كنت تبحث عن مأكولات الشارع Street Food ستجدها في السوق ولكن بشكل عصري وجميل وحتى العربات فهي أنيقة ومنمقة، وهناك تنوع جميل ليرضي جميع الأذواق، فإلى جانب المعروضات الفنية والمصوغات، تنتشر عربات الأكل مثل تلك المتخصصة بالأكل التركي واليوناني والحمص والفلافل والمأكولات الشعبية المكسيكية، ومن الأكشاك المميزة «ذا داك تراك» The Duck Truck المتخصص بتقديم البط المسحب، وسبب نجاح هذه العربة نوعية البط بحيث يقوم صاحب الفكرة ويدعى إيد Ed بشراء البط من أهم المزارع في بريطانيا، فهو مولع بالبط لدرجة أنه كان حيوانه الأليف الأول في صغره بطة. بالإضافة إلى أكشاك القهوة والحلوى.
المميز في السوق هو أن المأكولات الشعبية التي يمكن تصنيفها بمأكولات الشارع لأنها تباع في الهواء الطلق يقوم بتحضيرها طهاة مختصون ومتدربون على أيدي أهم الطباخين العالميين.
ومن الأكشاك المميزة الأخرى «سموكولوكو» المختص بتدخين اللحوم في العربة نفسها ما يجعل الساندويتشات واللحوم طازجة ومليئة بالنكهة الرائعة. وتقدم اللحوم المدخنة في شريحة من الخبز الطازج بعد نقعها في خشب الكرز والأعشاب لأكثر من ست ساعات.
الجميل في سوق سبيتالفيلدز هو مزجها ما بين القديم والتقليدي والحديث، كما أنها مسقوفة وفيها الكثير من الأماكن التي تمكن الزائر من الجلوس فيها في أجواء دافئة بغض النظر عن انخفاض درجات الحرارة الخارجية.
ويوجد أيضا في السوق الكثير من المطاعم التي تفتح أبوابها حتى ساعة متأخرة من الليل مع جلسات خارجية مريحة، ومن الأماكن المميزة «أندرويه» الفرنسي الذي يأخذك في رحلة إلى جبال الألب من خلال أطباقه التي تركز على الأجبان الفرنسية.
طعام لكل ذائقة
ستقف حائرا أمام الكم الهائل من العربات والمطاعم والتسوق في بوتيكات أنيقة تحمل أسماء أهم المصممين. فعلى عكس شهرة سبيتافيلدز في الماضي كونها سوقا قديمة وبالية فها هي اليوم تجذب أهل البلد والسياح لاكتشاف ما يزخر بها من أماكن مميزة وبوتيكات فريدة من نوعها كذلك البوتيك المتخصص بأزياء حقبة الخمسينات والستينات من القرن الماضي فتدخل إليه لتشعر وكأنك في عصر مختلف تماما عن عصرنا الحالي.
ساعات قليلة لا تكفي
هذا العنوان يناسب العائلات لوفرة الأماكن الجميلة فيه، ويمكن الوصول إليه عبر مترو الأنفاق والأقرب إليه هي محطة «ليفربول ستريت» وأقرب محطتي قطار هما في «شورديتش هاي ستريت» و«ليفربول ستريت». يمكن تمضية اليوم بالكامل فيه لكثرة ما يحويه من أماكن جميلة. وعلى مسافة قريبة جدا منه يمكن الولوج إلى الأسواق الأخرى مثل سوق «بروري» و«بريك لاين» الذي يضم أشهر مقهى يقدم البيغل مع الـ«سولت بيف» ويفتح على مدى الساعات اليوم.


مقالات ذات صلة

البطاطا الحلوة... وصفات جديدة لمواجهة برودة الطقس

مذاقات غلاش محشو بالبطاطا الحلوة من الشيف أميرة حسن (الشرق الأوسط)

البطاطا الحلوة... وصفات جديدة لمواجهة برودة الطقس

البطاطا الحلوة بلونها البرتقالي، تُمثِّل إضافةً حقيقيةً لأي وصفة، لا سيما في المناسبات المختلفة. إذ يمكنك الاستمتاع بهذا الطبق في جميع الأوقات

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات برغر دجاج لشيف أحمد إسماعيل (الشرق الأوسط)

كيف تحصل على برغر صحي ولذيذ في المنزل؟

عندما نفكر في الوجبات السريعة، تكون تلك الشريحة اللذيذة من اللحم التي تضمّها قطعتان من الخبز، والممتزجة بالقليل من الخضراوات والصلصات، أول ما يتبادر إلى أذهاننا

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات فطور مصري (إنستغرام)

«ألذ»... أكل بيت مصري في مطعم

ألذ الأطباق هي تلك التي تذكرك بمذاق الأكل المنزلي، فهناك إجماع على أن النَفَس في الطهي بالمنزل يزيد من نكهة الطبق

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات 
شوكولاته مع الفراولة (الشرق الأوسط)

ودّع العام بوصفات مبتكرة للشوكولاته البيضاء

تُعرف الشوكولاته البيضاء بقوامها الحريري الكريمي، ونكهتها الحلوة، وعلى الرغم من أن البعض يُطلِق عليها اسم الشوكولاته «المزيفة»

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات طاولة العيد مزينة بالشموع (إنستغرام)

5 أفكار لأطباق جديدة وسريعة لرأس السنة

تحتار ربّات المنزل ماذا يحضّرن من أطباق بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة؛ فهي مائدة يجب أن تتفوّق بأفكارها وكيفية تقديمها عن بقية أيام السنة.

فيفيان حداد (بيروت)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».