العشيرة في العراق تشعل التنافس الانتخابي

اتفاق بين شيوخها على الحكم على المرشحين في ضوء أدائهم السابق

اجتماع عشائري في بغداد الأربعاء الماضي (إ.ب.أ)
اجتماع عشائري في بغداد الأربعاء الماضي (إ.ب.أ)
TT

العشيرة في العراق تشعل التنافس الانتخابي

اجتماع عشائري في بغداد الأربعاء الماضي (إ.ب.أ)
اجتماع عشائري في بغداد الأربعاء الماضي (إ.ب.أ)

رغم ما يوجه للعشائر العراقية، سواء من السياسيين أو حتى المرجعيات الدينية، من انتقادات بسبب كثرة النزاعات بينها، فإن العشيرة، وحين يقترب موعد الانتخابات البرلمانية، تعود إلى الواجهة لتشعل فتيل التنافس الانتخابي.
وعلى صعيد النقد للممارسات الخاطئة للعشيرة، أكد ممثل المرجعية الشيعية في النجف خلال خطبة صلاة الجمعة في كربلاء أمس، أنه في الوقت الذي تمثل فيه العشيرة «تركيبة في المجتمع العراقي والناس تأدبت في مجالس عشائرية لأنها تتوفر على معاني الوفاء والكرم والسخاء، ولكن لدينا مشكلات عشائرية»، مبيناً أنه «عندما تتحول بعض الأشياء إلى حالة من الرعب والخوف والانتقام بلا ضابط وقتل غير القاتل بطريقة جاهلية (...) فهي مسألة لا يمكن المجاملة بها لأنها دماء، ولكن للأسف لا يسمعون الهدى».
في مقابل ذلك، وقع وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي وثيقة عهد مع شيوخ ووجهاء العشائر بعدم كتابة عبارات التهديد على الدور والمنازل، مثل «مطلوب عشائرياً» أو «مطلوب دم» أو ما يسمى في العراق «الدكة العشائرية». ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ففي مسعى من الحكومة لتفعيل قوة القانون بالضد من العشيرة، فقد أكد الأعرجي أن «لا حكومة سوف تعامل كل من يكتب عبارة تهديد على الجدران بمثابة إرهابي وتتم محاسبته وفق المادة 4 إرهاب». وفيما يعد هذا الموقف أقوى تهديد من قبل الحكومة لسلطة العشيرة، فإن رجال السياسة وزعماء الكتل، سواء كانوا من رجال الدين أو من السياسيين باتوا يتوجهون إلى مختلف المضايف العشائرية في كل المحافظات، في محاولة منهم لاستمالة العشيرة إلى جانبهم خلال الانتخابات المقبلة. ولعل الفيديو الذي أشعل مواقع التواصل الاجتماعي في العراق خلال الأيام الأخيرة حين وقف «مهوال» أمام زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم مهاجماً كل السياسيين والأحزاب في العراق، الأمر الذي عده الحكيم غير صحيح، يعطي مؤشراً على حجم الهوة التي باتت تفصل رجال السياسة بمن فيهم من يحمل مقامات دينية وعائلية كبيرة في العراق وبين الناس.
وعلى الرغم من أن «المهوال» سرعان ما اعتذر عاداً أنه لا يقصد شخص الحكيم، بل يقصد السياسيين، والحكيم رجل دين، لكن ما تم تناوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي كشف عدم وجود اتفاق ولو بالحد الأدنى بين ما يريده العراقيون من تغيير حقيقي من خلال الانتخابات، ومساعي السياسيين إلى الترويج لأنفسهم وكتلهم مرة ثانية عبر العشيرة.
وكانت «الشرق الأوسط» استطلعت رأي عدد من شيوخ العشائر العراقية في هذا الشأن. ورغم التباين في وجهات نظرهم بشأن بعض الأمور الجزئية، لكنهم بدوا متفقين في الإطار العام على كيفية التعامل مع السياسيين خلال المرحلة المقبلة بالقياس إلى ما يعدونه فشلاً واسع النطاق رافق العملية السياسية خلال السنوات الماضية.
ويقول الشيخ علي البرهان، شيخ عشائر العزة في العراق، إن «التجربة السابقة أفرزت كثيراً من الحالات التي لا بد أن نأخذها نحن كعشائر بعين الاعتبار على صعيد كيفية التمييز بين ما استغل موقعه وحتى عشيرته لصالح نفسه ومصالحه، ومن تمكن من المحافظة على العهد»، مشيراً إلى أن «العشيرة جزء من جسم المجتمع وهي تتأثر به ويتأثر بها، واليوم يعير العراقيون عن احتجاجات واسعة من خلال المظاهرات وسواها من ظواهر الاحتجاج، وهو ما يعني وجود مشكلة لا بد من الانتباه لها، وهي مسؤولية تقع في المقام الأول على عاتق السياسيين». وأوضح الشيخ البرهان أن «ما نلاحظه الآن هو عزوف عن المشاركة بالانتخابات، وهو أمر لن يستطيع شيوخ العشائر التأثير في الناخبين إلا بحدود معينة لكي يغيروا قناعاتهم ويتوجهوا إلى صناديق الانتخاب». ولفت البرهان إلى أنه «لا توجد اليوم عشيرة بمقدورها التأثير على الناخبين سلباً أو إيجاباً، لأن القناعات تغيرت بالإضافة إلى وجود قناعات مشتركة بين الشيوخ وأفراد العشيرة، بسبب أن كثيراً من السياسيين لم يؤدوا دورهم الذي كان منوطاً بهم». ورداً على سؤال بشأن مدى تأثيره على قبيلته، أكد البرهان: «إنني قادر على عشيرتي بنسبة ربما لا تتعدى 40 أو 50 في المائة، وهكذا هو الحال بالنسبة لكثير من شيوخ العشائر».
في السياق نفسه، أكد الشيخ شياع البهادلي شيخ عسيرة البهادل في العراق في حديثه، أن «التوجه الذي يحكمنا كشيوخ عشائر أو على صعيد عشيرتي هو أننا لا يمكننا بعد الآن التعامل مع الوجوه التقليدية التي أثبتت فشلها خلال المرحلة الماضية، لأننا اكتشفنا أن السياسيين يخدعوننا، لذلك اتخذنا قراراً بالمقاطعة»، مشيراً إلى «أننا قمنا بترشيح عدد من أبنائنا ممن نثق بهم وسوف ندعمهم على قاعدة التعهد بخدمة الناس، وما عدا ذلك فإن هناك سياسيين اتصلوا بنا لغرض المجيء إلى مضايفنا، لكننا اعتذرنا عن استقبالهم لأن المفروض بالسياسيين ألا تكون صلتهم بالناس وقت الانتخابات فقط».
أما الشيخ يوسف البيضاني، شيخ عشيرة البيضان، فيقول من جانبه، إن «من حق السياسي أن يتوجه إلى الناس ويعمل دعاية لنفسه، لكن العشائر من واجبها أن تعرف أين تضع ثقتها»، مبيناً أن «المضيف لا يمنع أحداً من أن يزوره، لكن في النهاية لنا خياراتنا نحن أيضاً، لأننا في حال اعتبرنا الجميع غير صالحين وفاسدين، فهذا فيه ظلم كبير، لأن هناك من حاول أن يعمل وربما هناك من نجح». وأوضح أن «شيوخ العشائر ومن خلال التجربة باتوا قادرين على التمييز بين من عمل أو حاول، ومن كان لا مبالياً أو مهتماً فقط بأموره الخاصة، ونحن ندعم الأول ولا ندعم الثاني».



خفوت هجمات الحوثيين خلال أسبوع من الضربات الإسرائيلية

الحرائق لا زالت مستمرة في مستودعات الوقود في ميناء الحديدة اليمني رغم مُضيّ أكثر من أسبوع (رويترز)
الحرائق لا زالت مستمرة في مستودعات الوقود في ميناء الحديدة اليمني رغم مُضيّ أكثر من أسبوع (رويترز)
TT

خفوت هجمات الحوثيين خلال أسبوع من الضربات الإسرائيلية

الحرائق لا زالت مستمرة في مستودعات الوقود في ميناء الحديدة اليمني رغم مُضيّ أكثر من أسبوع (رويترز)
الحرائق لا زالت مستمرة في مستودعات الوقود في ميناء الحديدة اليمني رغم مُضيّ أكثر من أسبوع (رويترز)

خفتت هجمات الجماعة الحوثية ضد السفن، خلال أسبوع من الضربات الإسرائيلية على ميناء الحديدة اليمني، الخاضع للجماعة، فيما واصل الجيش الأميركي عملياته الاستباقية الدفاعية؛ للحدِّ من قدرة الجماعة العسكرية.

وعلى الرغم من تهديد زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي بالرد على قصف إسرائيل مستودعات الوقود في ميناء الحديدة، والاستمرار في مهاجمة السفن، فإن الأسبوع الأخير لم يشهد تسجيل أي هجمات مؤثرة، سواء باتجاه إسرائيل، أو ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

حريق ضخم في ميناء الحديدة اليمني إثر ضربات إسرائيلية استهدفت خزانات الوقود (أ.ف.ب)

ومع انطفاء الحريق الذي أتى على نحو ثلثَي القدرة التخزينية للوقود في ميناء الحديدة، جرّاء الضربات الإسرائيلية، تجدّدت، السبت، الحرائق مع انفجار أحد الخزانات بفعل الحرارة التي انتقلت إليه من الخزانات المجاورة، وسط إفادة مصادر محلية بسقوط 6 مصابين من العمال.

وكانت إسرائيل نفّذت في 20 يوليو (تموز) ضربات انتقامية ضد الحوثيين استهدفت خزانات الوقود والكهرباء في الحديدة، رداً على طائرة مسيّرة استهدفت تل أبيب في 19 يوليو، تبنّت الجماعة الموالية لإيران في اليمن إطلاقها، وأدّت إلى مقتل شخص وإصابة آخرين.

في غضون ذلك، أوضحت القيادة المركزية الأميركية، السبت، أن قواتها نجحت خلال 24 ساعة في تدمير 6 طائرات بدون طيار تابعة للحوثيين المدعومين من إيران، في منطقة تسيطر عليها الجماعة، دون تحديد للمكان.

وبشكل منفصل، أفاد البيان بأن القوات الأميركية دمّرت 3 زوارق حوثية مسيَّرة قبالة سواحل اليمن، مشيراً إلى أن هذه الأسلحة كانت تمثل تهديدًا وشيكًا للولايات المتحدة وقوات التحالف، والسفن التجارية في المنطقة، وأنه تم اتخاذ الإجراءات لحماية حرية الملاحة، وجعل المياه الدولية أكثر أمانًا.

وكانت وسائل إعلام الجماعة الحوثية أقرّت، الجمعة، بالضربات التي وصفتها بـ«الأميركية والبريطانية»، وقالت إن 4 غارات استهدفت مطار الحديدة، وهو مطار جنوب المدينة خارج عن الخدمة منذ سنوات، في حين استهدفت 4 غارات أخرى مواقع في جزيرة كمران قبالة الحديدة.

وأقرّت الجماعة بتلقّي أكثر من 580 غارة منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي، وسقوط 57 قتيلاً و87 جريحاً جرّاء الضربات التي تشنّها واشنطن تحت ما سمّته تحالُف «حارس الازدهار».

وتشنّ الجماعة الحوثية الموالية لإيران منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي هجماتها في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي؛ إذ تدّعي أنها تحاول منع ملاحة السفن المرتبطة بإسرائيل، بغضّ النظر عن جنسيتها، وكذا السفن الأميركية والبريطانية.

صورة وزّعها الحوثيون للطائرة المسيّرة التي استهدفت تل أبيب (أ.ف.ب)

كما تزعم الجماعة أنها تقوم بهجمات في البحر المتوسط وموانئ إسرائيلية، بالاشتراك مع فصائل عراقية مسلّحة موالية لإيران، ضمن عمليات الإسناد للفلسطينيين في غزة، وهو الأمر الذي تقول الحكومة اليمنية إنه يأتي هروباً من استحقاقات السلام، وخدمةً لأجندة طهران في المنطقة.

تهديد مستمر

كان زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي عبّر عن سعادة جماعته بالمواجهة المباشرة مع إسرائيل وأميركا وبريطانيا، وتوعّد باستمرار التصعيد البحري ضد السفن ومهاجمة إسرائيل، وأعلن أن الهجوم بالطائرة المسيّرة على تل أبيب هو بداية المرحلة الخامسة من التصعيد.

وهوَّن زعيم الجماعة الانقلابية في اليمن من أهمية الضربة الإسرائيلية على ميناء الحديدة، وقال إن جماعته ستواصل عملياتها، وإن أي ضربات أخرى لن يكون لها أي تأثير على قدراتها العسكرية، مشدّداً على أن الجماعة لن «تتراجع عن موقفها».

وتبنّت الجماعة الحوثية منذ نوفمبر الماضي كثيراً من الهجمات ضد إسرائيل، دون أي تأثير يُذكر، باستثناء هجوم المسيّرة الأخير على تل أبيب، كما تبنّت مهاجمة أكثر من 170 سفينة في البحرين الأحمر والعربي، تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

عناصر حوثيون ضمن تجمّع للجماعة في صنعاء تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة (رويترز)

وأصابت الهجمات الحوثية، حتى الآن، نحو 30 سفينة منذ بدء التصعيد، غرقت منها اثنتان؛ إذ أدى هجوم في 18 فبراير (شباط) إلى غرق السفينة البريطانية «روبيمار» في البحر الأحمر، قبل غرق السفينة اليونانية «توتور»، التي استُهدفت في 12 يونيو (حزيران) الماضي.

كما أدى هجوم صاروخي في 6 مارس (آذار) الماضي إلى مقتل 3 بحّارة، وإصابة 4 آخرين، بعد أن استهدف في خليج عدن سفينة «ترو كونفيدنس» الليبيرية.

وإلى جانب الإصابات التي لحقت بالسفن، لا تزال الجماعة تحتجز السفينة «غالاكسي ليدر» التي قرصنتها في 19 نوفمبر الماضي، واقتادتها مع طاقمها إلى ميناء الصليف، شمال الحديدة، وحوّلتها مزاراً لأتباعها.

مساعٍ أُمَمية

قاد التصعيد الحوثي ضد السفن إلى تجميد عملية السلام في اليمن، بعد أن كانت خريطة الطريق التي تم التوصل إليها بوساطة سعودية وعُمانية، وأعلنها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ نهاية العام الماضي، على وشك أن ترى النور.

وإذ يكافح المبعوث لإنجاز ما يمكن على صعيد التهدئة وخفض التصعيد في اليمن، أفاد في بيان، السبت، أنه اختتم زيارة إلى واشنطن، حيث التقى مسؤولين أميركيين كباراً لمناقشة التطورات في اليمن، واستكشاف سبل دعم عملية سياسية جامعة لحل النزاع.

المبعوث الأُممي إلى اليمن هانس غروندبرغ يكافح لإنجاز اختراق في مسار السلام (د.ب.أ)

وأضاف أنه التقى مع القائم بأعمال وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية، جون باس، ومساعدة وزير الخارجية لشؤون المنظمات الدولية، ميشيل سيسون، ومساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، ومنسق مجلس الأمن القومي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بريت ماكغورك، والمبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينغ.

وأوضح غروندبرغ أنه استعرض خلال اجتماعاته التحديات التي تُعيق جهود الوساطة في اليمن، بما في ذلك التطورات الإقليمية، ومسار التصعيد المُقلِق في اليمن منذ بداية العام.

وشدّد المبعوث على ضرورة منح الأولوية مسار السلام والحوار والتهدئة في اليمن. كما أكّد على أهمية الدعم الإقليمي والدولي المتضافر لتحقيق هذا الهدف.