تفاهمات أردنية ـ هندية لتعزيز العلاقات التجارية

توقيع 12 اتفاقية تعاون ومذكرة تفاهم خلال زيارة العاهل الأردني لدلهي

الملك عبد الله الثاني في دلهي مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي (إ.ب.أ)
الملك عبد الله الثاني في دلهي مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي (إ.ب.أ)
TT

تفاهمات أردنية ـ هندية لتعزيز العلاقات التجارية

الملك عبد الله الثاني في دلهي مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي (إ.ب.أ)
الملك عبد الله الثاني في دلهي مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي (إ.ب.أ)

تعهدت الهند والأردن بشكل متبادل على مكافحة الإرهاب، ووقعتا خلال زيارة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني على 12 مذكرة للتفاهم تتعلق بالصناعات الدفاعية، والدراسات العسكرية، والأمن السيبراني، والخدمات الطبية العسكرية. وهذه هي الزيارة الرسمية الثانية للعاهل الأردني للهند بعد زيارته الأخيرة في عام 2006. وملك الأردن معروف على الصعيد العالمي بمبادرته العالمية لمكافحة التطرف والإرهاب. ويسعى المسؤولون الهنود إلى إقامة علاقات وثيقة مع المملكة الأردنية من أجل الاستفادة من شبكة الأمن واسعة النطاق في المنطقة، إذ يمتلك الأردن واحدا من أكثر أجهزة الاستخبارات كفاءة في المنطقة العربية. وتعتبر الهند الأردن واحة من واحات الاستقرار والانسجام في منطقة غرب آسيا المفعمة بالصراعات والحروب، كما تقول مصادر هندية مطلعة، والتي أضافت أن كلا الجانبين يتطلعان إلى وضع اللمسات الأخيرة على إطار التعاون الدفاعي المشترك بين البلدين. ووفقا إلى تي. إس. تيرومورتي، مسؤول العلاقات الاقتصادية في وزارة الشؤون الخارجية الهندية فإن العاهل الأردني قد أشاد كثيرا بالدور المهم الذي تلعبه الهند في غرب آسيا. وردا على سؤال حول تفاصيل اتفاق التعاون الدفاعي بين البلدين قال تي. إس. تيرومورتي: «إنه اتفاق إطاري يدخل البلدان بموجبه في التعاون بشأن بعض المجالات المعروفة مثل التدريب، والصناعات الدفاعية، ومكافحة الإرهاب، والدراسات العسكرية، والأمن السيبراني، والخدمات الطبية العسكرية، ومهام حفظ السلام».
في حين أن التبادلات السياسية بين الجانبين قد تكون قليلة ومتباعدة، إلا أن العلاقات الاقتصادية تتحرك على قدم وساق منذ توقيع الجانبين على الاتفاق التجاري لعام 1976. وأثمر المنتدى الهندي – الأردني عن توقيع اتفاقيات تعاون في مجالات الجمارك، والدفاع، والفوسفات، ومذكرة تفاهم مع الجامعة الأردنية لتأسيس كُرسي أستاذ اللغة الهندية، ومذكرتي تفاهم في مجالي الصحة والعلوم الطبية، والعمل. وشهد العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، حفل التوقيع، مع رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي.
وعرض ممثلون عن القطاعين العام والخاص الأردني، أمام أصحاب الأعمال والمستثمرين الهنود، الفرص الاستثمارية والتجارية المتوفرة بالبلاد في مختلف القطاعات الاقتصادية، وتم توقيع اتفاقيات ستعزز من صادرات الأردن خلال الفترة المقبلة. فقد وقعت شركة الفوسفات الأردنية ست اتفاقيات مع شركات هندية مختلفة، لتوريد مادة الفوسفات للسوق الهندية، وسيبدأ التنفيذ خلال العام الحالي. كما وقعت الشركة الأردنية اتفاقية مع إحدى الشركات الهندية لتوريد أسمدة فوسفاتية، تقدر كميتها بنحو 250 ألف طن، بالإضافة للاتفاق على مشروعات في الهند ستعتمد بشكل كامل على الفوسفات الأردني، بدأ العمل على إنجاز بنيتها التحتية. وتصدر شركة الفوسفات الأردنية ما يقرب من 60 في المائة من إنتاجها للسوق الهندية، التي تعتبر من الأسواق الرئيسية، سواء للفوسفات الخام أو الأسمدة، وستؤمن هذه الاتفاقيات سوقاً دائمة للفوسفات الأردني، خلال السنوات المقبلة.
كما تم على هامش المنتدى، توقيع مذكرة تفاهم بين شركتي البوتاس العربية و«إنديان بوتاش لمتد» الهندية، التي تعتبر من أكبر المشترين لمادة البوتاس بالهند. وبموجب مذكرة التفاهم، ستزود شركة البوتاس الشركة الهندية بنحو 375 ألف طن متري، بالإضافة لكميات اختيارية بشكل سنوي، ولمدة خمس سنوات، اعتبارا من العام الحالي.
وسيتم الاتفاق على الأسعار بشكل سنوي من قبل الطرفين، وعلى أساس المستويات العالمية السائدة، وتعكس مذكرة التفاهم استمرارية العلاقات الطويلة الأمد بين الشركتين التي بدأت قبل 25 عاما.
ووقعت شركة البوتاس مذكرة تفاهم أخرى، مع شركة «زواري أغرو كيميالز لمتد»، تقوم «البوتاس» بموجبها بتزويد الشركة الهندية، التي تعتبر من أكبر المصنعين للأسمدة بالهند، بكميات يتم الاتفاق عليها في بداية كل سنة زراعية. وسيتم الاتفاق بين الجانبين على الأسعار على أساس سنوي، وستكون مذكرة التفاهم صالحة لمدة ثلاث سنوات، وتعتبر امتداداً للعلاقات طويلة الأمد بين الشركتين، التي بدأت عام 1994.
وتأتي مذكرتا التفاهم تعزيزاً لوضع شركة البوتاس العربية بالسوق الهندية، التي تعتبر من أكبر الأسواق المستهلكة للبوتاس في العالم، ومن المتوقع أن تنمو في المستقبل جراء الزيادة السكانية بالهند، والطلب المتزايد على الغذاء. وتمثل الكميات المتوقع أن تبيعها «البوتاس العربية» للشركتين الهنديتين سنويا نحو 20 - 25 في المائة من إجمالي إنتاجها.
ويسعى الأردن لبناء شراكات تجارية واستثمارية مع الهند، القوة الاقتصادية التي تتقدم لتكون من بين «نمور الاقتصاد العالمي»، بعد أن مهد الطريق بإزالة معيقات العبور، ما دفع أصحاب الأعمال والمستثمرين الهنود للترحيب بهذه الخطوة. وخلال منتدى الأعمال الهندي - الأردني، أكد مسؤولون من القطاعين العام والخاص الأردني، وجود فرص واسعة لتعزيز التبادل التجاري، وإقامة المشروعات المشتركة بين البلدين. وقالوا خلال المنتدى، إن مجالات التعاون بين البلدين تتركز في قطاع تكنولوجيا المعلومات، والبنية التحتية، إضافة إلى السياحة واللوجيستيات والصناعة. وحسب أرقام رسمية حديثة، ارتفعت صادرات الأردن إلى الهند خلال العام الماضي بنسبة 5.7 في المائة، لتصل إلى 367 مليون دينار، مقابل 347 مليون دينار عام 2016. كما أظهرت الأرقام ارتفاع الواردات من الهند خلال العام الماضي بنسبة 7.2 في المائة، لتصل لنحو 356 مليون دينار، مقابل 332 مليون دينار خلال عام 2016.
ويرتبط الأردن مع الهند بكثير من الاتفاقيات، أبرزها اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي، ومنع التهرب من الضرائب، ولا سيما فيما يتعلق بالضرائب على الدخل والنقل البحري والخدمات الجوية، وأخرى تجارية واقتصادية، إلى جانب برنامج تعاون تربوي.
وقال وزير الدولة لشؤون الاستثمار الأردني، مهند شحادة، إن الأردن لديه فرص عدة في قطاعات مختلفة، لتعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري مع الهند، أولها في مجال تكنولوجيا المعلومات، وخاصة في مجال تعريب المحتوى، كما يمكن أن يكون مركز خدمات إقليمياً. وأكد على وجود إمكانات وفرص متاحة لزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى أكثر من 1.2 مليار دينار، وهو ما يتطلب تنويع القاعدة التصديرية لتشمل سلعاً جديدة.
وأوضح شحادة أن قرار رفع القيود عن الجنسية الهندية لدخول الأردن، سيساهم في زيادة أعداد السياح الهنود وخاصة القادمين للسياحة الدينية، إلى جانب الأثر الإيجابي المتوقع لقرارات أخيرة تتعلق بالسياحة العلاجية. إلى ذلك، أكد وزير الصناعة والتجارة والتموين الأردني، يعرب القضاة، على أن العلاقات السياسية بين الأردن والهند قوية وتاريخية، وكذلك على مستوى رجال الأعمال، لافتاً إلى أن حجم الاستثمارات الهندية بالمملكة يبلغ حالياً نحو 1.5 مليار دولار. وأشار إلى التحديات التي تواجه الأردن بفعل الظروف غير المستقرة التي تعيشها المنطقة، ما دفع البلاد للتوجه نحو إصلاحات اقتصادية لمواجهة الضغوط التي خلفتها هذه التحديات، وأثرت سلباً على حركة التجارة.
ومن أبرز ما تم خلال الزيارة الملكية الأردنية كانت المحاضرة التي ألقاها العاهل الأردني حول قضية «التراث الإسلامي: وتعزيز التفاهم والاعتدال». ووصف المسؤولون الهنود الملك عبد الله الثاني بأنه يقف في طليعة جهود مكافحة التطرف والإرهاب. وقال العاهل الأردني في المحاضرة، بحضور رئيس الوزراء الهندي وجمع من المثقفين وعلماء الإسلام: «لا بد أن ننزع خدمات البث والإنترنت عن أولئك الذين ينشرون الكراهية ويسلبون الناس أرواحهم ليس فقط بطريق القنابل وإنما بنشر دعاوى الجهل والتضليل». وشدد العاهل الأردني على أن الحرب العالمية ضد الإرهاب اليوم ليست معركة قائمة بين مختلف الديانات. بل إنها معركة بين المعتدلين والمتطرفين والأفكار الراديكالية. ومن أجل زيادة الجذب السياحي الهندي قامت المملكة الأردنية بتبسيط إجراءات الحصول على التأشيرة لدى وصول الرعايا الهنود إلى البلاد. كما تتطلع المملكة الأردنية في حرص إلى جذب صناعة الأفلام الهندية إلى تصوير مختلف الأعمال الفنية في المواقع التاريخية والسياحية الجميلة في البلاد.



الحوثيون يصعّدون اقتصادياً ضد الحكومة اليمنية

مسلحون حوثيون يسيرون في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
مسلحون حوثيون يسيرون في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يصعّدون اقتصادياً ضد الحكومة اليمنية

مسلحون حوثيون يسيرون في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
مسلحون حوثيون يسيرون في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)

في تصعيد جديد للحرب الاقتصادية، تواصل الجماعة الحوثية فرض قيود مشددة على حركة الاستيراد في اليمن، عبر منع دخول البضائع القادمة من المنافذ البحرية والبرية الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وإجبار التجار والمستوردين على تحويل شحناتهم إلى مواني الحديدة الخاضعة لسيطرتها.

وتأتي هذه الخطوة، في وقت تعاني تلك المواني تراجعاً حاداً في قدرتها التشغيلية؛ نتيجة الضربات الأميركية والإسرائيلية التي لحقت بها خلال الأشهر الماضية.

وتؤكد مصادر تجارية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن الجماعة تحتجز منذ أسابيع عشرات الشاحنات في المنافذ الجمركية التي استحدثتها على خطوط التماس؛ بذريعة مخالفة التعليمات الجديدة التي تُلزم المستوردين بإدخال بضائعهم عبر مواني الحديدة فقط.

عشرات الشاحنات محتجزة في المنافذ الجمركية التي استحدثها الحوثيون (إعلام محلي)

وتشير المعلومات، إلى أن هذه الإجراءات تستهدف بالدرجة الأولى تعظيم الموارد المالية للجماعة، بعد أن فقدت نحو 75 في المائة من العائدات الجمركية التي كانت تحصل عليها من البضائع الداخلة عبر المواني الخاضعة للحكومة.

وحسب المصادر، فإن من بين أبرز السلع التي طالتها القيود الحوثية، شحنات الأخشاب المستوردة، التي جرى منع دخولها رغم عدم شمولها بقرارات وزارتي المالية والتجارة التابعتين للجماعة بشأن المواد المحظورة.

ابتزاز منظم

وتوضح المصادر، أن الحوثيين يحاولون عقد صفقات مع التجار، تسمح بدخول الشحنات المحتجزة مقابل تعهدات خطية بعدم الاستيراد مستقبلاً عبر المنافذ الحكومية، في خطوة وُصفت بأنها «ابتزاز اقتصادي منظم».

وتشير إلى أن هذه السياسة تتزامن مع تراجع كبير في كفاءة ميناء الحديدة، الذي تضررت معظم أرصفته ورافعاته، إضافة إلى الأضرار التي لحقت بـ«ميناء رأس عيسى» المخصص لاستقبال الوقود.

تراجع القدرة التشغيلية لميناء الحديدة بعد الضربات الأميركية والإسرائيلية (إعلام محلي)

وعلى الرغم من فشل الجماعة في إعادة تشغيل الميناء بطاقته السابقة، فإنها لجأت إلى توجيه السفن نحو «ميناء الصليف» الأقل تضرراً، مع تقديم حوافز مالية وإدارية للمستوردين، مقابل تمرير بضائعهم عبر هذه المواني وتسويقها حتى في مناطق سيطرة الحكومة.

وفي هذا السياق، يؤكد الجانب الحكومي، أن الحوثيين لا يكتفون بتقديم الإغراءات، بل يمارسون ضغوطاً مباشرة على المستوردين لتحويل مسار شحناتهم.

وتشمل هذه الضغوط، تسهيلات تتجاوز خفض سعر الدولار الجمركي، لتصل إلى السماح بدخول سلع مخالفة للمواصفات الخليجية المعتمدة في اليمن؛ ما يشكل تهديداً مباشراً للسوق المحلية وصحة المستهلكين، مستغلين رفض الحكومة استحداث نقاط رقابة في مناطق التماس، على غرار ما قامت به الجماعة.

احتكار القمح

لم تقتصر سياسات الجماعة الحوثية على السلع المستوردة، بل امتدت إلى المواد الغذائية الأساسية، وفي مقدمتها القمح والطحين. إذ منعت استيراد الطحين بحجة قدرتها على توفيره محلياً عبر المطاحن الموجودة في الحديدة، بعد أن قامت باستئجار «مطاحن البحر الأحمر» من مالكيها. غير أن مصادر تجارية تؤكد، أن الطاقة الإنتاجية لهذه المطاحن لا تغطي حتى نصف احتياجات السكان، وهو ما ينطبق أيضاً على إنتاج القمح المحلي.

وتوضح البيانات، أن المساحات المزروعة بالقمح في محافظة الجوف لا تنتج سوى أقل من 5 في المائة من احتياجات السوق، ومع ذلك يُباع القمح المحلي بأسعار تفوق المستورَد بشكل كبير، حيث يبلغ سعر كيس القمح (50 كيلوغراماً) نحو 20 ألف ريال يمني، مقارنة بنحو 12 ألف ريال للقمح المستورَد؛ ما يجعله غير قادر على المنافسة في السوق الحرة. (الدولار نحو 535 ريالاً يمنياً في مناطق سيطرة الحوثيين).

تحوّل مَزارع القمح في الجوف مصدرَ ثراء لقيادات حوثية (إعلام محلي)

وتتهم المصادر مسؤولي وزارة الصناعة والتجارة، ومصلحة الجمارك التابعة للجماعة الحوثية، بتعمد خلق اختناقات تموينية؛ بهدف تصريف مخزون القمح المحلي المكدس نتيجة ضعف الإقبال عليه.

كما كشفت عن دور ما يُعرف بـ«الحارس القضائي» في مصادرة مساحات واسعة من أراضي زراعة القمح في الجوف؛ بحجة ملكيتها لشخصيات مؤيدة للحكومة، قبل منحها لقيادات حوثية تستثمرها مقابل توريد نسب محددة من العائدات إلى حسابات خاصة بالجماعة.

ولم يتوقف العبث عند هذا الحد؛ إذ جرى - حسب المصادر - تأجير معظم مزارع القمح من الباطن لتجار نافذين، يحصلون على أموال طائلة من المال العام والمساعدات، تحت غطاء دعم الإنتاج الزراعي. وأسهمت هذه الممارسات، إلى جانب غياب الإرشاد الزراعي، في فشل مشاريع القمح المحلية، وفاقمت الأزمات التموينية وارتفاع الأسعار بين الحين والآخر.

وتكشف معلومات، من القطاع التجاري عن صراع متصاعد بين مستوردي القمح والمستثمرين المرتبطين بالجماعة؛ نتيجة إجبار المستوردين على شراء القمح المحلي مرتفع السعر، محمّلين هذه السياسات، مسؤولية تكرار الأزمات التموينية، وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين في مناطق سيطرة الحوثيين وخارجها.


لماذا يرى الحوثيون اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال» تهديداً مباشراً؟

أشخاص متجمعون أمام لوحة إعلانية رقمية في صنعاء تحمل صورة زعيم الحوثيين (إ.ب.أ)
أشخاص متجمعون أمام لوحة إعلانية رقمية في صنعاء تحمل صورة زعيم الحوثيين (إ.ب.أ)
TT

لماذا يرى الحوثيون اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال» تهديداً مباشراً؟

أشخاص متجمعون أمام لوحة إعلانية رقمية في صنعاء تحمل صورة زعيم الحوثيين (إ.ب.أ)
أشخاص متجمعون أمام لوحة إعلانية رقمية في صنعاء تحمل صورة زعيم الحوثيين (إ.ب.أ)

في تصعيد جديد يربط بين الجبهات الإقليمية المفتوحة، أدخل الحوثيون ملف «أرض الصومال» على خط المواجهة مع إسرائيل، محذرين من أن أي وجود إسرائيلي في الإقليم الانفصالي سيكون «هدفاً عسكرياً».

التحذير جاء بعد إعلان إسرائيل الاعتراف بـ«أرض الصومال»، في خطوة أثارت ردود فعل واسعة في أفريقيا والعالمين العربي والإسلامي، وأعادت خلط أوراق الصراع الممتد من غزة إلى البحر الأحمر وخليج عدن.

وقال زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، في بيان نقله إعلام الجماعة، إن الاعتراف الإسرائيلي يمثل «عدواناً على الصومال واليمن وأمن المنطقة»، معتبراً أن تل أبيب «تسعى إلى إيجاد موطئ قدم عسكري واستخباراتي» عند أحد أهم الممرات البحرية في العالم. وذهب أبعد من ذلك، حين لوَّح باعتبار «أي وجود إسرائيلي في الإقليم هدفاً مشروعاً» لقوات جماعته.

وتتمتع «أرض الصومال» التي أعلنت انفصالها من جانب واحد عن جمهورية الصومال عام 1991، بموقع استراتيجي بالغ الحساسية عند مدخل خليج عدن، وبالقرب من مضيق باب المندب، أحد أكثر طرق التجارة الدولية ازدحاماً. وعلى الرغم من استقرارها النسبي مقارنة ببقية الصومال، فإنها ظلت لعقود بلا اعتراف دولي رسمي، ما أبقاها في عزلة سياسية واقتصادية.

ترجيحات بأن يستثمر الحوثيون الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» لحشد مزيد من المقاتلين (أ.ب)

ويرى محللون أن أي اعتراف إسرائيلي بالإقليم يمنح تل أبيب نافذة مباشرة على البحر الأحمر، ويعزز قدرتها على مراقبة خطوط الملاحة، وربما تنفيذ عمليات عسكرية أو استخباراتية ضد خصومها، وعلى رأسهم الحوثيون في اليمن.

ويأتي ذلك في سياق مواجهة مفتوحة منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، حين شن الحوثيون هجمات بالصواريخ والطائرات المُسيَّرة على أهداف إسرائيلية، وعلى سفن مرتبطة بها، قبل أن تتراجع وتيرة الهجمات مع الهدنة الهشة في غزة.

سبب هلع الحوثيين

مصادر سياسية ترى أن مخاوف الحوثيين لا تتعلق فقط بالبعد «الرمزي» للقضية الفلسطينية؛ بل بحسابات أمنية مباشرة. فوجود إسرائيلي محتمل في أرض الصومال يعني -من وجهة نظرهم- تطويقاً استراتيجياً لهم من الجنوب الغربي، بعد أن باتت إسرائيل حاضرة عسكرياً واستخباراتياً في مساحات متعددة من البحر الأحمر.

كما يخشى الحوثيون أن يتحول الإقليم إلى منصة دعم لعمليات إسرائيلية تستهدف مواقعهم في اليمن، بخاصة في ظل الغارات الإسرائيلية المتكررة التي نُفذت خلال الأشهر الماضية، وأدت إلى قتل كثير من قادتهم العسكريين والسياسيين.

الحوثيون أقروا بمقتل قائد طيرانهم المسيَّر بعد تكتم دام 9 أشهر (إ.ب.أ)

ويعزز هذه المخاوف الحديث في تقارير إعلامية عن إمكانية استخدام «أرض الصومال» ضمن ترتيبات إقليمية أوسع، شملت سابقاً تسريبات عن تهجير محتمل لفلسطينيين من غزة، وهو ما تعتبره الجماعة جزءاً من «مشروع تفتيت» تقوده إسرائيل في المنطقة.

في المقابل، صعَّد مجلس الحكم الانقلابي الحوثي (المجلس السياسي الأعلى) من لهجته، محذراً من أن أي نشاط إسرائيلي في الأراضي الصومالية «لن يُنظر إليه كأمر واقع»، ومؤكداً أن أمن الصومال «جزء لا يتجزأ» من أمن الجماعة، ودعا الدول المطلة على البحر الأحمر إلى اتخاذ خطوات عملية لمنع ما وصفه بـ«الاختراق الإسرائيلي».


اقتصاد اليمن: تعافٍ هش وأزمات تعززها الحرب والانقسامات

مخاوف اليمنيين من تردي الأحوال تزداد في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي (البنك الدولي)
مخاوف اليمنيين من تردي الأحوال تزداد في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي (البنك الدولي)
TT

اقتصاد اليمن: تعافٍ هش وأزمات تعززها الحرب والانقسامات

مخاوف اليمنيين من تردي الأحوال تزداد في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي (البنك الدولي)
مخاوف اليمنيين من تردي الأحوال تزداد في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي (البنك الدولي)

يواجه الاقتصاد اليمني مرحلة بالغة الهشاشة، في ظل استمرار الصراع، والانقسام المؤسسي، وتراجع مصادر الدخل العامة، حيث تشير التقارير الدولية إلى استمرار الانكماش والنمو الضعيف، وارتفاع معدلات التضخم، وتدهور العملة المحلية، ما يفاقم الضغوط المعيشية على السكان، إلا أنها تتجاهل، وفق خبراء، اقتصاد الظل والقدرة على التكيف.

وتؤكد المؤسسات الدولية، مثل «البنك الدولي»، و«صندوق النقد الدولي»، أنّ تعطل صادرات النفط، وتعدد السلطات النقدية، وضعف الإيرادات الحكومية، أسهمت في إطالة أمد الأزمة الاقتصادية، وتقويض قدرة الدولة على تقديم الخدمات الأساسية، في ظل اعتماد متزايد على المساعدات الخارجية والتحويلات المالية.

وتُحذر التقارير من أن أي تحسن اقتصادي مستدام، بعد التحسن الذي شهدته العملة المحلية، سيظل مرهوناً بالاستقرار السياسي والأمني، ونجاح الإصلاحات المالية والاقتصادية الشاملة.

إلا أن تقارير ودراسات الجهات والمنظمات الدولية والأممية تعاني قصوراً في فهم واقع الاقتصاد والحياة الاقتصادية باليمن، وفق يوسف شمسان، الباحث اليمني في «الاقتصاد السياسي للحرب»؛ كونها «تبحث في القيمة المضافة للاقتصاد الكلي الرسمي، وتتجاهل القيمة المضافة للاقتصاد غير الرسمي، خصوصاً في زمن الحروب».

يمني يعدّ ما بحوزته من أوراق نقدية قبل التوجه إلى السوق (أ.ف.ب-أرشيفية)

ويوضح شمسان، لـ«الشرق الأوسط»، أن الاقتصاد غير الرسمي في أوقات الحرب يتنوع بين الجبايات والتهريب وريع العقود الحكومية والمساعدات الإنسانية، والتي يمكن الحصول على الناتج الفعلي بإضافتها إلى الاقتصاد الرسمي.

ويستغرب «عدم إدخال الحياة الاقتصادية العامة في حسابات مُعِدّي التقارير حول الاقتصاد اليمني لدى تلك الجهات، وهذه الحياة تتمثل بإعادة الإنتاج والتكيف مع الأوضاع التي فرضتها الحرب، والحصول على وسائل إنتاج جديدة».

ويلفت إلى أن نسبة «اقتصاد الظل» في اليمن وصلت إلى أكثر من 35 في المائة حالياً، وتتمثل الأنشطة الجديدة لهذا الاقتصاد في اللوجستيات الحربية والنقل والإمداد العسكري والقطاعات العسكرية غير الرسمية، والعمل لدى المنظمات الإغاثية، وغير ذلك مما لا يظهر في الناتج القومي للاقتصاد الرسمي.

شروط التعافي

ويكشف «صندوق النقد الدولي»، الذي استأنف زياراته للبلاد بعد أكثر من 11 عاماً من الانقطاع وأصدر بياناً ختامياً لمشاوراته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عن انخفاض حاد في الإيرادات الحكومية من 22.5 في المائة من الناتج في 2014، إلى أقل من 12 في المائة العام الماضي.

رغم إشارات التطمين بعد تعافي العملة اليمنية لم تتحسن القدرة الشرائية للسكان بشكل كافٍ (رويترز)

ووفقاً للصندوق، ارتفع الدَّين العام إلى أكثر من 100 في المائة من الناتج المحلي، مع استمرار الانكماش الاقتصادي والتضخم، ومع توقعات بنمو متواضع يبدأ العام المقبل، ثم يتسارع تدريجياً حتى 2030 إذا استمرت الإصلاحات التي اتبعتها الحكومة خلال هذا العام.

ويؤكد «البنك الدولي» أن الاستقرار السياسي والأمني هو مفتاح تعافي اليمن اقتصادياً، ومِن دونه ستظل الضغوط الاقتصادية الوطنية، مثل التضخم، وفقدان الوظائف، وانكماش الناتج، تتفاقم أكثر. ويشير إلى أن ارتفاع أسعار السلع الأساسية والغذائية يجعل الحياة اليومية أكثر صعوبة.

وكان «مجلس القيادة الرئاسي» قد أصدر، نهاية أكتوبر الماضي، قرارات بشأن الإصلاحات الاقتصادية، مِن بينها توحيد تحصيل الإيرادات وتحرير الدولار الجمركي؛ بغرض تمكين الدولة من السيطرة على مواردها السيادية، وضبط الاختلالات الناتجة عن تعدد مراكز التحصيل.

البنك الدولي يتوقع انكماش الناتج المحلي الإجمالي باليمن وارتفاع أسعار الغذاء (أ.ف.ب)

وفي الأشهر السابقة، اتخذ «البنك المركزي اليمني»، في العاصمة المؤقتة عدن، إجراءات وقرارات مكّنته من السيطرة على سوق العملات النقدية، وأدت إلى ارتفاع سعر العملة المحلية وتعافيها بما يقارب 45 في المائة.

استمرار المخاوف

استعاد الريال اليمني بعض قيمته، هذا العام، بعد مسيرة تدهور شهدتها الأعوام الماضية، وتسارع بشدة خلال منتصف العام الحالي، ليصل إلى قرابة 3 آلاف ريال مقابل الدولار، قبل أن يتمكن «البنك المركزي» بإجراءاته الرقابية والمالية، من العودة به إلى 1630 ريالاً لكل دولار.

ويشدد محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في «جامعة تعز»، على ضرورة حصول «البنك المركزي اليمني» على كامل الاستقلالية في إدارة القطاع المصرفي ومواجهة الانقسام وفي سعر صرف العملة المحلية، بمواصلة السياسات النقدية والسياسات المعززة لها.

«البنك المركزي اليمني» تمكّن من تحسين وضع العملة المحلية بعد إجراءات مشددة (رويترز)

ويتمثل ذلك، وفق حديثه لـ«الشرق الأوسط»، في تفعيل التشريعات الخاصة بالإنفاق العام بما يتناسب مع ظروف مواجهة الحرب وآثارها الجانبية، وترشيد نفقات مسؤولي السلطات المحلية، وإلغاء المخصصات المالية الممنوحة مركزياً، وتحويل نفقاتها إلى مصادر الإيرادات المحلية والمشتركة.

وإلى جانب ذلك، يرى أهمية كبرى لتفعيل الوحدات الاقتصادية المملوكة للدولة، لتؤدي دورها في مواجهة الغلاء وتشجيع الاستيراد المباشر عوضاً عن الاستيراد عبر دول وسيطة، ومنع استيراد السلع المستهلكة ومنتهية الصلاحية، والتي تتسبب بأضرار كبيرة على الاقتصاد المحلي والمستهلكين.

وينوه «البنك الدولي» بتلقّي اليمن دعماً خارجياً من السعودية وصل إلى بضعة مليارات خلال العامين الماضيين، ما أسهم في منع الانهيار، إلا أنه لم يعالج جذور الأزمة الاقتصادية التي تعود أسبابها إلى «الصراع واستمرار انقسام البلاد تحت نظامين نقديين».

تحذيرات من زيادة الفقر والبطالة وارتفاع أسعار الغذاء وتدهور القوة الشرائية باليمن (البنك الدولي)

وتُواجه الحكومة اليمنية المعترَف بها دولياً كثيراً من الصعوبات، وتفتقر إلى الموارد، وتعجز عن الحصول على إيرادات تصديرية، خصوصاً في قطاع النفط والغاز بسبب العمليات العدائية للجماعة الحوثية.

ويتوقّع «البنك الدولي»، في آخر إصدارته حول اليمن، انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنحو 1.5 في المائة، مع ارتفاع أسعار الغذاء وتدهور القوة الشرائية، وتراجع الثقة في الاقتصاد الوطني بفعل انخفاض الإيرادات الحكومية وزيادة معدلات الفقر والبطالة، وهو ما سيؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي.