انتخابات لبنان: سباق نحو «الثلث المعطل» والقوة لأصحاب المال

التقديرات تساوي بين حظوظ «الآذاريين... 8 و14» بالحصول على 43 مقعداً من أصل 128

انتخابات لبنان: سباق نحو «الثلث المعطل» والقوة لأصحاب المال
TT

انتخابات لبنان: سباق نحو «الثلث المعطل» والقوة لأصحاب المال

انتخابات لبنان: سباق نحو «الثلث المعطل» والقوة لأصحاب المال

تشكّل الانتخابات النيابية المقبلة في لبنان امتحاناً فعلياً لمختلف القوى السياسية، التي تخوض هذا الاستحقاق لأول مرة منذ تسع سنوات بعد الاتفاق على قانون جديد يعتمد على النسبية وإن كانت غير الكاملة، بحيث يرى المراقبون أن نتائجها لن تختلف كثيرا عن مفاعيل «الأكثري».
هذا الامتحان يضع مختلف الأفرقاء اللبنانيين أمام تحدٍّ يتمثل بشكل أساسي في معرفة قوّة التمثيل الشعبي بعد التغيرات التي أصابت الواقع اللبناني، وأهمها انفراط عقد الاصطفافات المتمثلة بفريقي «8 آذار» و«14 آذار». وهو ما يجعل كل القوى المعنية تبذل جهوداً مضاعفة؛ تحضيراً للاستحقاق والسعي للحصول على «الثلث المعطل»، وإن كانت النتائج في صورتها العامة، تبدو إلى الآن لصالح «الثنائي الشيعي» (حزب الله وحركة أمل) بالدرجة الأولى وعلى حساب «تيار المستقبل» بالدرجة الثانية. ويبقى هناك هامش أساسي يرتبط بالتحالفات السياسية التي تتضح خريطتها أكثر في نهاية شهر مارس (آذار) الحالي، ومدى قدرة المعارضة الشيعية والمجتمع المدني على التوحّد رغم الصعوبة السياسية والمادية التي فرضها القانون العتيد.
لا تعوّل الجمعيات المعنية بمراقبة الانتخابات العامة المقررة في لبنان خلال مايو (أيار) المقبل على تغيير نيابي فعلي في البرلمان اللبناني، ما لم تُسجّل نسبة اقتراع مرتفعة من المحتجين والناقمين على كل الطبقة السياسية، بجانب توحّد الأطراف المعارضة والمجتمع المدني.
هذا الواقع جاء نتيجة القانون الجديد، الذي وإن كان يحمل عنوان «النسبية»، فإن مفاعيله ستكون «أكثرية» بالنظر إلى توزيع الدوائر الـ15، إضافة إلى الصوت التفضيلي، وهو ما أشارت إليه بشكل واضح «الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات» (لادي)، معتبرة أن القانون «يشوّه النسبية ويحوّلها إلى نظام أكثري يضعف دينامية التغيير بحدها الأدنى؛ وذلك بسبب اعتماد الدوائر الصغيرة والمتوسطة واعتماد العتبة الانتخابية المرتفعة، إضافة إلى الآلية المعتمدة في احتساب الأصوات، مع إمكانية تشكيل لوائح غير مكتملة».
ولفتت «لادي» إلى أنّ عدد المقاعد في مختلف الدوائر، بموجب القانون، يتراوح بين 5 مقاعد و13 مقعداً، مع «كوتا» (حصص) مذهبيّة ومناطقيّة وفقاً لتوزيع المقاعد في البرلمان الحالي؛ الأمر الذي يضعف كثيراً من مفعول النسبيّة ويحوّلها إلى نظام أكثري مبطّن. إلى ذلك، فإنّ الصوت التفضيلي في القضاء وليس الدائرة الانتخابية «يعيد المنافسة إلى المربع الطائفي المناطقي، كما يزيد من حدّة الزبائنيّة السياسيّة ويرفع حدة الخطاب الطائفي».
كذلك، أشارت «لادي» إلى أنّ العتبة الانتخابية في القانون الانتخابي، التي تختلف من دائرة إلى أخرى، موازية للحاصل الانتخابي وهي مرتفعة جداً (تتراوح بين 7 في المائة و20 في المائة بحسب عدد مقاعد الدائرة). ونبّهت إلى أنّ اعتماد اللوائح غير المكتملة (40 في المائة) من شأنه أن يؤدي إلى دفع الأحزاب المسيطرة في الدائرة الانتخابية إلى تشكيل عدد من اللوائح المختلفة؛ وذلك لإلغاء أي فرصة للمرشحين الآخرين في الفوز في الانتخابات. ثم إن طريقة احتساب الأصوات عبر دمج اللوائح وترتيب المرشحين من خلال عدد الأصوات التفضيلية التي حصلوا عليها تساهم في تحويل الانتخابات إلى معارك فردية بين المرشحين عوضاً عن معركة على البرنامج الانتخابي للّوائح المتنافسة، وتعطي الأولوية للمرشح على حساب لائحته.
ويتوقف المتابعون أيضاً عند الإنفاق الانتخابي المرتفع الذي يفوق الـ200 ألف دولار أميركي للمرشح الواحد، إضافة إلى رسم الترشّح المحدّد بثمانية ملايين ليرة (أكثر من 5 آلاف دولار أميركي)، وهو الأمر الذي يجعل الترشيح مقتصراً على المتموّلين.

«الثنائي الشيعي»... المستفيد
يؤكّد محمد شمس الدين، الباحث في «الدولية للمعلومات»، أن القانون الانتخابي بصيغته الجديدة - التي وإن كانت نسبية فهي موزّعة على الدوائر - يأتي لمصلحة «الثنائي الشيعي» (حزب الله وحركة أمل) بالدرجة الأولى و«القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» بالدرجة الثانية، بينما تنعكس سلباً على «تيار المستقبل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي».
وفي حين يشدّد شمس الدين على أن الكلمة الفصل بنسبة كبيرة هي للتحالفات التي يفترض أن تُحسَم نهائياً خلال الشهر الحالي، فهو يرجّح أن عدد المقاعد التي سيحصل عليها الثنائي الشيعي ستصل إلى 33 مقعداً حداً أدنى. وانطلاقاً من تقسيم لبنان إلى 15 دائرة انتخابية وحصر الصوت التفضيلي الواحد بالقضاء، يرجّح وصول 58 نائباً مسيحياً من أصل 64 بأصوات مقترعين مسيحيين.
في هذه الأثناء، رئيس الحكومة سعد الحريري رفض القول إن القانون الجديد سيقلّص حجم كتلة تيار «المستقبل»، وصرح بأن «البعض يعتقد أنه عبر قانون الانتخاب الجديد سيتمكن في مكان ما من أن يصغّر أو يقلّل من أهمية (تيار المستقبل)، لكن ليس هناك سوى صناديق الاقتراع التي يمكنها أن تثبت ذلك». على أي حال، وفق التوقعات قد يخسر «المستقبل»، الذي تضم كتلته اليوم 38 نائباً، ما لا يقل عن 12 مقعداً موزّعة على دوائر بيروت الثانية وطرابلس والبقاع الغربي وراشيا وصيدا. وتمثل الأولى والثانية أبرز المعارك الانتخابية أيضاً بالنسبة إلى «المستقبل». في المقابل، يخوض «الثنائي الشيعي» المعركة مرتاحاً لوضعه في معظم الدوائر، ربما باستثناء بعلبك – الهرمل، حيث قد يخسر فيها بين مقعد أو مقعدين؛ وهو الأمر الذي قد ينسحب على دائرة حاصبيا – مرجعيون - النبطية.

نحو «الثلث المعطل»
من جهة ثانية، يبدو واضحاً سعي الطرفين السياسيين الأساسيين اللذين كانا يمثلان ما عُرف بفريقي «14 آذار» و«8 آذار» للحصول على «الثلث المعطِّل»، وهذا رغم كل التغيرات التي طرأت على هذه الاصطفافات، انطلاقاً من أن الفُرقة السياسية التي ظهرت في السنوات الأخيرة لا بد أن تتوّحد في القضايا الاستراتيجية، بحيث يكون «الثلث المعطِّل» السلاح الذي يواجه به كل طرف الطرف الآخر.
ومما لا شك فيه أن حصول أي فريق على «الثلث» - أي 43 نائباً من أصل 128 - يضمن التحكّم بمسار عمل مجلس النواب، وبخاصة في القضايا المهمة التي تحتاج إلى نصاب وأكثرية الثلثين، وأبرزها الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ومع تأكيد مسؤول الإعلام والتواصل في «حزب القوات اللبنانية» شارل جبور «بأن ما يُطلق عليه وصف الفريق السيادي قادر على الحصول على نحو 50 مقعداً»، يشكّك المحلّل السياسي الشيعي قاسم قصير في حتمية نتائج الانتخابات، بينما يساوي شمس الدين بحظوظ الفريقين بالحصول على «الثلث المعطل». وفي حين يؤكد جبور أن «الثنائي الشيعي» وحلفاءه لا يمكن أن يحصلوا على أكثر من 40 مقعداً يرى شمس الدين، أن مقاعد «الثنائي الشيعي» المضمونة تقدر بـ33، وقد تصل مع الحلفاء إلى 43، مع الأخذ بعين الاعتبار التحالفات النهائية، بينما قد يصل رصيد «فريق 14 آذار» إلى هذا العدد إذا توسّعت دائرة التحالفات وشملت الحزب التقدمي الاشتراكي ورئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي وحزب الكتائب اللبنانية.
في مناطق «الثنائي الشيعي»، يرى قصير في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن المعركة ستأخذ طابعاً جدياً، والنتائج ترتبط بقدرة المعارضة على التوّحد، وبالتالي مواجهة «حزب الله» وحركة أمل. ويضيف «ستكون معارك حقيقية ومرتبطة بشكل أساسي بتوحيد صفوف المعارضة الشيعية، وهي على مستويين: الأول يرتبط بالحاصل الانتخابي الذي يتطلب تجميع قوى لتأهل اللائحة إلى المرحلة الثانية، والمستوى الآخر يرتبط بحصول المرشح على أعلى نسبة من الأصوات في الصوت التفضيلي، وهذا يتطلب اختيار شخصيات لها ثقل شعبي».
ورغم الحديث عن وجود تململ شيعي في قاعدة «حزب الله» وحركة أمل تجاه الأسماء التي اعتمد ترشيحها، يقول شمس الدين: «هذه الحالة تنتهي بمجرد خطاب واحد... وهو ما انعكس بشكل واضح في كلام أمين عام (حزب الله) حسن نصر الله، عندما دعاهم إلى محاسبة الحزب وليس النواب»، مؤكداً أن «الاقتراع هو لصالح الحزب وليس للمرشحين، كما أن الدليل على ارتياح الثنائي هو ترشيحه حزبيين وليس مناصرين».

تموضع «عوني» وسطي
خارج الاصطفافات السياسية يأتي «التيار الوطني الحر» (التيار العوني) على رأس ما يمكن اعتباره اليوم الفريق الثالث؛ نظراً إلى قربه السياسي من «حزب الله» من جهة ومن «تيار المستقبل» (أخيراً) و«القوات اللبنانية» من جهة أخرى.
الافتراق الانتخابي لـ«التيار» - الذي أسسه رئيس الجمهورية ميشال عون - مع «حزب الله» بات محسوماً بعدما أعلن «الثنائي الشيعي» توحيد صفوفهما في كل الدوائر، وبالتالي، استحالة وجود تحالف ثلاثي مع «التيار»، الخصم اللدود لحركة أمل.
من هنا يميّز كل من جبور وقصير بين موقع «التيار» العوني داخلياً وخارجياً. إذ يضع جبور «التيار» ضمن الفريق الوسطي إلى جانب الحزب التقدمي الاشتراكي وعدد من الشخصيات التي تقترب في مواقفها مما يسميه «الفريق السيادي»، كرئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، بينما يعتبر قصير «تيار» عون «بيضة القبان» لقربه في السياسة الداخلية من «المستقبل»، وفي السياسة الخارجية من «الثنائي الشيعي».
جبور يقول: «لا نتوهّم في احتساب (الوطني الحر) إلى جانب فريقنا، لكن بالتأكيد لا نرى أنه في صف الثنائي الشيعي. وخير دليل على ذلك المواقف الأخيرة لوزير الخارجية جبران باسيل، وكذلك مقاربة رئيس الجمهورية لموضوع النزاع الحدودي البحري الذي كان مخالفاً لموقفي (حزب الله) وحركة أمل في إصراره على اللجوء إلى التحكيم الدولي». ويوضح «تمايز (الوطني الحر) المحسوب على رئيس الجمهورية ينطلق من أسباب داخلية وخارجية، الأول منعاً للتصادم بين الأفرقاء، والثاني أن أي انحياز باتجاه فريق (8 آذار)، سيضع الرئاسة في مرمى المواقف الدولية».
وفي ضفة الفريق الثالث أيضاً، يرى شمس الدين أن «على المجتمع المدني كي يتمكن من الفوز بعدد من النواب في هذه الانتخابات، أن يتّحد، وأن يحوّل أصوات اقتراع الناس المحتجّة في الكلام إلى أصوات في صناديق الاقتراع. وهو إذا بقي مشتتاً ستكون مهمته صعبة في الانتخابات وسيخسر أمل الناس بقدرته على إحداث التغيير المطلوب»، مشيرا في الوقت عينه إلى الصعوبة المتمثلة في الإنفاق الانتخابي التي أتت على قياس الأثرياء والمتموّلين.

باب مفتوح للإنفاق
يشرح علي سليم، الباحث في «الجمعية اللبنانية لديمقراطية الانتخابات»، في حديث لـ«الشرق الأوسط» الثغرات الأساسية في القانون الجديد حول الإنفاق الانتخابي، موضحاً «لقد حدد القانون سقفاً ثابتاً لكل مرشح هو 150 مليون ليرة لبنانية (نحو مائة ألف دولار أميركي)، إضافة إلى 150 مليون أخرى لكل مرشّح في اللائحة... أي ما مجموعه 300 مليون ليرة للمرشح الواحد، إضافة إلى سقف متحرك يرتبط بعدد الناخبين في كل دائرة على حدة، وهو ما حدّد بخمسة آلاف ليرة (نحو ثلاثة دولارات) عن كل مرشّح». من هنا، يصف سليم المبالغ التي يمكن لكل طامح إلى النيابة أن يصرفها في حملته بـ«الخيالية»، بجانب طبعاً المبلغ المطلوب من كل مرشّح أن يدفعه عند تقديمه الترشيح وهو 8 ملايين ليرة (أكثر من خمسة آلاف دولار)؛ وهو الأمر الذي يؤثر على تكافؤ الفرص ويقلّص من حظوظ المجموعات الصغيرة والمرشحين غير المدعومين مادياً وسياسياً وحزبياً.
وفي حين يلفت سليم إلى ما يصفه بـ«الثغرات في سياق مراقبة الإنفاق الانتخابي»، فإنه يشير إلى أن الجمعيات تواجه صعوبة في التواصل مع «هيئة الإشراف على الانتخابات». ويقول: «طلبنا من الهيئة عقد جلسة حوار حول آلية الإنفاق، لكننا لم نتلق تجاوبا». ويتابع: «المشكلة ليست فقط في السقف الانتخابي المرتفع، إنما أيضاً في غياب أو غموض آلية المراقبة الواضحة، أيضاً».
في المقابل، يردّ القاضي نديم عبد الملك، رئيس هيئة الإشراف على الانتخابات، على هذه التساؤلات، مشدداً على «انفتاح الهيئة على أي تواصل ومناقشات مع الجمعيات المعنية في هذا الإطار». ويقول لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه: «نحن نتلقى يومياً أسئلة عبر موقعنا الإلكتروني، ونرد عليها بشكل دائم، شرط أن تكون موجهة من أصحاب الصفة». وحول عملية المراقبة، يوضح القاضي عبد الملك «وضعنا تصوراً شاملاً لهذه المهمة التي بدأ العمل عليها أشخاص مدرّبون، ويرتكز عملهم في المرحلة الأولى على مراقبة الإعلام والإعلان الانتخابي، ومن المفترض أن تبدأ التقارير بالصدور تباعاً». ويلفت إلى أن الحملات الفعلية تبدأ في الظهور بشكل أكبر في الأسابيع المقبلة.
هذا، وكانت الهيئة قد أوضحت بعض الأمور المتعلقة بحسابات المرشحين، بحيث يجب على كل مرشح ولائحة فتح حساب في مصرف عامل في لبنان يسمى «حساب الحملة الانتخابية». ولا يخضع «حساب الحملة الانتخابية» للسرية المصرفية، ويعتبر المرشح واللائحة متنازلين حُكماً عن السرية المصرفية لهذا الحساب بمجرد فتحه. ويجب أن تسلّم جميع المساهمات ودفع جميع النفقات الانتخابية عن طريق هذا الحساب حصراَ، وذلك خلال كامل فترة الحملة الانتخابية. كما لا يجوز قبض أو دفع أي مبلغ يفوق المليون ليرة إلا بموجب شك.
وأشارت الهيئة، إلى أنه عند تعذّر فتح حساب مصرفي، وتحريكه لأي مرشح أو لائحة لأسباب خارجة عن إرادة أي منهما، تودَع الأموال المخصصة للحملة الانتخابية للمرشح أو اللائحة في «صندوق عام» ينشأ لدى وزارة المالية، يحل محل الحساب المصرفي في كل مندرجاته. وللعلم، فإن الاقتراح الأخير، كان مخرجاً للعوائق المتعلقة بحسابات «حزب الله» المصرفية نتيجة العقوبات المفروضة عليه.
وهنا، يشدّد سليم على أن ثمة «صعوبة في المراقبة في غياب أمور أساسية من شأنها أن تفلت الإنفاق المالي من عقاله. من هذه الأمور ما يتعلق بحسابات المرشحين؛ إذ يفرض على المرشح أن ينشئ حساباً خاصاً خارج السرية المصرفية، بينما تبقى كل الحسابات المسجلة بأسماء أقربائه في منأى عن المراقبة. وهو ما قد يفتح الباب أمام صرف الأموال للحملات الانتخابية.

الإعلان والإعلام
وعلى صعيد الإعلام والإعلان الانتخابي، الذي بدأت حملاته تظهر وإن بشكل محدود، بات من الواضح مدى الإنفاق المالي في هذا الإطار. وهنا يميّز سليم بين الإعلام والإعلان، موضحاً «الإعلام هو الأخبار المتعلقة بالمرشحين وتغطية نشاطاتهم. ويفترض بكل وسيلة إعلامية أن تكون عادلة في معاملة جميع المرشحين... وهو جانب لا يتقيد به عدد كبير من الوسائل الإعلامية. أما الإعلان فهو الذي يرتبط بالمقابلات والترويج للمرشح»، ويلفت سليم في هذا المجال إلى أن وسائل الإعلام «تقدم رزماً من العروض للمرشحين، وهي تفوق الـ250 ألف دولار، وتتضمن مقابلات وتقارير خاصة في نشرات الأخبار وقت الذروة. وهذه أيضاً ستكون صعبة المنال بالنسبة إلى مرشحي المجتمع المدني على سبيل المثال أو المرشحين المستقلين». وهنا يشير سليم إلى إمكانية عقد «اتفاقات سرية» بين المرشحين ووسائل الإعلام؛ ما يجعلها خارج إمكانية المراقبة.
وتجدر الإشارة في هذا الإطار، أن هناك نقطة إيجابية لصالح من لا يملك المال من المرشحين، متعلقة بإمكانية الظهور على تلفزيون لبنان الرسمي، وهذا ما أكد عليه أخيراً وزير الإعلام ملحم رياشي. ومع أن علي سليم أشاد بهذه الخطوة، فإنه يشير إلى أن المشكلة تكمن في قدرة التلفزيون الرسمي المحدودة بالوصول إلى أكبر عدد من المشاهدين.



تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
TT

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد الخريجي، وترأس الجانب الصيني نظيره نائب الوزير دنغ لي. وبحث الجانبان تطوير العلاقات الثنائية، مع مناقشة المستجدات التي تهم الرياض وبكين. يذكر أن العلاقات السعودية الصينية شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، إذ تعززت الشراكة بين البلدين على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية. وتعود العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية إلى عام 1990، عندما افتتحت سفارتا البلدين رسمياً في العاصمتين بكين والرياض. مع أن علاقات التعاون والتبادل التجاري بين البلدين بدأت قبل عقود. وعام 1979، وقّع أول اتفاق تجاري بينهما، واضعاً الأساس لعلاقات قوية مستمرة حتى يومنا هذا.

 

تُعدّ الصين اليوم الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، وانعكست العلاقات المتنامية بين البلدين بشكل كبير على التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما؛ إذ أسهمت في وصول حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 100 مليار دولار أميركي في عام 2023. تستورد الصين النفط الخام من السعودية بشكل رئيسي، وتعدّ المملكة أكبر مورد للنفط إلى الصين، إذ تصدر ما يقرب من 1.7 مليون برميل يومياً. ولقد تجاوزت الاستثمارات الصينية في المملكة حاجز الـ55 مليار دولار. وبحسب تقرير لـ«edgemiddleeast»، ضخّت الصين 16.8 مليار دولار في المملكة في 2023 مقابل 1.5 مليار دولار ضختها خلال عام 2022، استناداً إلى بيانات بنك الإمارات دبي الوطني، وهي تغطي مشاريع في البنية التحتية والطاقة والصناعات البتروكيماوية. وفي المقابل، استثمرت المملكة في عدد من المشاريع داخل الصين، منها الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا والنقل. واستضافت الرياض أيضاً في شهر يونيو (حزيران) من هذا العام «مؤتمر الأعمال العربي الصيني» الذي استقطب أكثر من 3600 مشارك. وبعد أسبوعين فقط، أرسلت السعودية وفداً كبيراً بقيادة وزير الاقتصاد السعودي إلى مؤتمر «دافوس الصيفي» في الصين. وبالإضافة إلى هذا الزخم الحاصل، دعت الصين المملكة العربية السعودية كضيف شرف إلى «معرض لانتشو الصيني للاستثمار والتجارة» الذي أقيم من 7 إلى 10 يوليو (تموز) من هذا العام. وكانت وزارة الاستثمار السعودية حثّت الشركات على المشاركة بفاعلية في المعرض، والجناح السعودي المعنون «استثمر في السعودية». كذلك وقّعت السعودية والصين اتفاقيات متعددة لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة، بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة. وتسعى المملكة لتحقيق «رؤية 2030» التي تهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، في حين تسعى الصين إلى تأمين إمدادات الطاقة اللازمة لتنميتها الاقتصادية. وبالفعل، جرى أخيراً توقيع اتفاقية بين شركة «تي سي إل تشونغ هوان» لتكنولوجيا الطاقة المتجددة الصينية، وشركة توطين للطاقة المتجددة، وشركة «رؤية للصناعة» السعوديتين، لتأسيس شركة باستثمار مشترك، من شأنها دفع توطين إنتاج الرقائق الكهروضوئية في المملكة العربية السعودية. ووفقاً للاتفاقية، يبلغ إجمالي حجم الاستثمار في المشروع المشترك نحو 2.08 مليار دولار. التعاون السياسي والدبلوماسي تتعاون المملكة والصين على مستوى عالٍ في القضايا الدولية والإقليمية. وتستند العلاقات السياسية بين البلدين إلى احترام السيادة الوطنية والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية. كذلك تتبادل الدولتان الدعم في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، ولقد لعبت الصين دوراً محوَرياً في الوساطة بين السعودية وإيران، ما أدى إلى تحقيق نوع من التوافق بين البلدين، أسهم في توطيد الاستقرار، وقلّل من حدة التوترات، وعزّز من الأمن الإقليمي. الزيارات الرسمية والقمم المعروف أنه في مارس (آذار) 2017، قام الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة رسمية للصين حيث التقى الرئيس الصيني شي جينبينغ. وخلال الزيارة، وُقّعت 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم، تضمنت التعاون في مجالات الطاقة والاستثمارات والعلوم والتكنولوجيا. وفي وقت سابق، كان خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز قد زار الصين رسمياً عام 2006، كانت تلك الزيارة بمثابة نقطة تحوّل في تعزيز العلاقات الثنائية، وشملت مباحثات مع القيادة الصينية وشهدت توقيع اتفاقيات عدة في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار. كما زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الصين في فبراير (شباط) 2019 كجزء من جولته الآسيوية. خلال هذه الزيارة، وقّعت 35 اتفاقية تعاون بين البلدين بقيمة تجاوزت 28 مليار دولار، وشملت مجالات النفط والطاقة المتجددة والبتروكيماويات والنقل. بعدها، في ديسمبر (كانون الأول) 2022، قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بزيارة تاريخية إلى الرياض، حيث شارك في «قمة الرياض»، التي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي والصين. وتركّزت هذه القمة على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين الجانبين، وخلالها وقّع العديد من الاتفاقيات في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا. من الزيارات البارزة الأخرى، زيارة وزير الخارجية الصيني إلى السعودية في مارس (آذار) 2021، حيث نوقش التعاون في مكافحة جائحة «كوفيد 19» وتعزيز العلاقات الاقتصادية،