مدنيو الغوطة يرفضون الخروج عبر «المعبر الانساني»... وتحذير أممي من الموت جوعاً

600 قتيل شرق دمشق خلال 10 أيام.... وجثث تُسحب من تحت الانقاض

سيارات تابعة لـ«منظمة الهلال الأحمر السوري» قرب المعبر في غوطة دمشق أمس (إ..ب.أ)
سيارات تابعة لـ«منظمة الهلال الأحمر السوري» قرب المعبر في غوطة دمشق أمس (إ..ب.أ)
TT

مدنيو الغوطة يرفضون الخروج عبر «المعبر الانساني»... وتحذير أممي من الموت جوعاً

سيارات تابعة لـ«منظمة الهلال الأحمر السوري» قرب المعبر في غوطة دمشق أمس (إ..ب.أ)
سيارات تابعة لـ«منظمة الهلال الأحمر السوري» قرب المعبر في غوطة دمشق أمس (إ..ب.أ)

حذرت الأمم المتحدة من الموت بسبب المجاعة في سوريا، في ظل تبادل الاتهامات بين النظام وروسيا من جهة، والمعارضة من جهة أخرى، حول أسباب إحجام المدنيين عن الخروج من الغوطة الشرقية في الممر الذي أنشأته موسكو، في حين وصل عدد المدنيين القتلى إلى 600 شخص خلال عشرة أيام من القصف على المنطقة المحاصرة.
وأعلن مارك لوكوك، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة الطارئة، أمس، أنه إذا لم يتم تطبيق وقف إطلاق النار في سوريا «سنرى قريباً المزيد من الأشخاص يموتون بسبب المجاعة أكثر ممن يموتون بسبب القصف». وقال لوكوك في تقرير لمجلس الأمن الدولي في نيويورك، إنه لم يحدث تحسن فعلي في الوضع الإنساني، منذ أن أصدر المجلس قراراً السبت يدعو إلى وقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً. وأكد لوكوك مجدداً، أن وقف القتال لمدة خمس ساعات يومياً الذي اقترحته روسيا، لا يعد وقتاً كافياً لإدخال قوافل المساعدات.
في اليوم الثاني من الهدنة الروسية القصيرة، امتنع المدنيون عن الخروج من الغوطة الشرقية المحاصرة قرب دمشق عبر ممر حددته موسكو، وسط تبادل للاتهامات بين الفصائل المعارضة من جهة وقوات النظام وروسيا من جهة ثانية عمن يتحمل مسؤولية استمرار الأزمة الإنسانية.
ورغم تبني مجلس الأمن الدولي السبت قراراً يطالب بوقف شامل لإطلاق النار في سوريا «من دون تأخير»، أعلنت روسيا هدنة «إنسانية» يومية في الغوطة الشرقية بدأت الثلاثاء، وتستمر فقط بين الساعة التاسعة صباحاً (07.00 ت غ) والثانية من بعد الظهر. ويُفتح خلالها «ممر إنساني» عند معبر الوافدين، الواقع شمال شرقي مدينة دوما لخروج المدنيين.
ولليوم الثاني، لم يخرج الأربعاء مدنيون عبر المعبر، وفق مراسلة «وكالة الصحافة الفرنسية» في المكان. واتهمت السلطات السورية وموسكو الفصائل المعارضة بمنع خروج المدنيين.
وعند معبر الوافدين، قال مصدر عسكري للوكالة الفرنسية: «الممر الإنساني مفتوح، لكن حتى الآن ونحن في اليوم الثاني لم يأتِ أحد»، مضيفاً: «الإرهابيون يحاولون إعاقة من يحاول التقدم سواء من الداخل، وذلك بالضغط عليهم أو باستهداف الممرات الإنسانية». وأوضح المصدر العسكري، أن «الهدنة لثلاثة أيام قابلة للتمديد في حال خروج المدنيين (...) لكن إن لم يكن هناك نتائج كيف يمكننا الاستمرار؟».
ونفى المتحدث باسم «جيش الإسلام»، أبرز فصائل الغوطة الشرقية، حمزة بيرقدار، استهداف المعبر، معتبراً أن «أهالي الغوطة يرفضون هذه المسألة (الخروج) جملة وتفصيلاً». ورفضت الفصائل المعارضة في الغوطة الشرقية، وبينها «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن»، ما أسمته «تهجير المدنيين أو ترحيلهم».
ومنذ بدء التصعيد العسكري في الغوطة الشرقية في 18 فبراير (شباط) الماضي، وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل نحو 600 مدني. ووثق المرصد، الأربعاء، مقتل ثلاثة مدنيين في دوما قبل الهدنة وشخص واحد في أوتايا بعد انتهائها أمس.
ورصد «المرصد» استمرار الغارات الجوية على الغوطة الشرقية عقب إنهاء الهدنة المحددة للتطبيق من يومها الثاني على التوالي، حيث نفذت طائرات حربية 6 غارات على مناطق في بلدة حوش الضواهرة بمنطقة المرج، وغارات أخرى على أماكن في مدينتي حرستا وعربين وبلدتي زملكا وبيت سوا، كما قصفت قوات النظام بـ15 صاروخاً من نوع أرض – أرض مناطق في مدينة حرستا، بالتزامن مع قصفها بـ5 قذائف لأماكن في مدينة دوما. ووثق مقتل عنصر من الدفاع المدني جراء القصف الجوي الذي استهدف مناطق في بلدة أوتايا عقب انتهاء توقيت الهدنة، في حين ارتفع إلى 3 عدد القتلى في دوما.
وفي بلدة حزة في الغوطة الشرقية، واصل عمال الإغاثة إخراج الجثث من قبو ظنّ السكان أنه سبيلهم الوحيد إلى النجاة، إلا أن غارة جوية كانت كفيلة بتدمير المبنى فوق رؤوسهم. وكانت انهارت مبان عدة، وعلقت عائلات كاملة تحت الأنقاض، من دون أن تتمكن كوادر الدفاع المدني من انتشال الجميع بسبب القصف العنيف وطائرات الاستطلاع». بالقرب من المكان المستهدف في حزة، يقول علي بكر (29 عاماً) من سكان البلدة «الناس لجأت إلى الأقبية لتحتمي من القصف، لكنها حتى في الأقبية لم تجد الأمان». وأضاف: «مجازر كثيرة حصلت في الأقبية، هناك أشخاص احتجزوا تحت الردم والركام ولم نتمكن من انتشالهم» في أماكن عدة.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.