كتاب «نجمات الغناء في الأربعينات» يكشف عن حقائق مخبأة

يتناول مشوار 12 فنانة في بدايات ولادة الأغنية اللبنانية

كتاب «نجمات الغناء في الأربعينات اللبنانية»
كتاب «نجمات الغناء في الأربعينات اللبنانية»
TT

كتاب «نجمات الغناء في الأربعينات» يكشف عن حقائق مخبأة

كتاب «نجمات الغناء في الأربعينات اللبنانية»
كتاب «نجمات الغناء في الأربعينات اللبنانية»

نور الهدى وصباح وسهام رفقي ونورهان ونهوند وسعاد محمد ونجاح سلام، إضافة إلى نازك وزكية حمدان وحنان وأوديت كعدو وبهية وهبي (وداد)، هنّ بطلات كتاب «نجمات الغناء في الأربعينات اللبنانية» لمحمود الزيباوي وأسعد مخول.
هؤلاء الفنانات الـ12 اللاتي واكبن بداية ولادة الأغنية اللبنانية قبل انطلاق النهضة الموسيقية والغنائية في منتصف الخمسينات، يشرّح الكتاب المذكور مسيرتهن بتفاصيلها الدقيقة كاشفا عن حقائق مخبأة عنهن تتعلق بمسيرتهن الفنية والشخصية لم يسبق أن أُعلن عنها حتى من قبل صاحباتها. ولم يتوان الكاتب الزيباوي وخلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» بوصفهن بـ«المنافقات» إذ كنّ يصرّحن بعكسها، وحتى أنّ منهن من كانت تحاول أن تصدق كذبتها عندما كانت تختلق تواريخ ولادتها حينا وتخفي أسماء أزواج سابقين حينا آخر، كما كانت تخترع حرب داحس والغبراء بينها وبين فنانة أخرى مدعية بأنّها تزاحمها على مكانتها. ولعل الراحلة صباح ودائما حسب ما يقوله الكاتب، كانت تشكّل الحالة الاستثنائية بين هؤلاء إذ شذّت عن هذه القاعدة من خلال وضوحها وصراحتها وشخصيتها القوية. «إنّها الوحيدة التي استطاعت أن تشق طريقها في الفن بقوة فكانت الأذكى بينهن». ويضيف الكاتب محمود الزيباوي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «كانت تشكل عقدة لكثيرات منهن حتى أنّ الملحنين في تلك الفترة الذين كانوا يُعدّون على أصابع اليد الواحدة، ذاع صيتهم من خلالها، على الرّغم من أنّهم كانوا يعطون ألحانهم أيضا للفنانات الأخريات». ويذكر الكاتب في مدونته التي شاركه فيها العميد أسعد مخول متوليا مهمة التحدث عن الملحنين في تلك الحقبة، بأن صباح ذهبت إلى مصر في عام 1944 حيث مثّلت أول فيلم لها ولتلحقه بأربعة أفلام أخرى مرة واحدة للنجاح الذي حققته. وفي العام الثاني (1945) قدمت 6 أفلام سينمائية، لتكر السبحة بعدها، ويصبح عددها في مجمل مشوارها الفني 86 فيلما. «لقد كانت سيدة قراراتها وواثقة من نفسها، حتى أنّ الصحافي الراحل فايق خوري الذي ترأس تحرير «مجلة الإذاعة» في إذاعة لبنان الرسمية، ذكر في واحدة من مقالاته بأنّ صباح تقدّمت لامتحانات الدخول إلى الإذاعة المذكورة ثلاث مرات ولم تُقبل وأنّها كانت في كل مرة تخرج من تجاربها تلك وهي تضحك». ومن الأخطاء الشائعة التي تصحّحها محتويات كتاب «نجمات الغناء في الأربعينات»، تلك التي تتعلق مثلا بالمغنية وداد. «إنّ اسمها الحقيقي بهية وهبي. تزوجت لأول مرة من أحد العازفين المعروفين في الفرقة الموسيقية لأم كلثوم، إلّا أنّ هذا الزواج لم يسجّل رسميا باعتبارها كانت قاصرا وقد استعيدت يومها من قبل ذويها. ثم عادت وتزوجت وتطلقت من عبد الجليل وهبي 4 مرات ولم تعترف بذلك يوما. حتى أنّها عندما تزوجت من الموسيقي توفيق الباشا حصل جدال ما بين المحكمتين السنية والشيعية كون وضعها العائلي لم يكن واضحا». أمّا الفنانة نازك فهي لم تعتزل الفن في أواخر الخمسينات كما يشاع عنها، إذ تبين أنّها بقيت تغني حتى عام 1977. وكان آخرها أغنية لحنها لها حليم الرومي. ويطول الحديث مع الكاتب الزيباوي عن الراحلة نور الهدى فيقول: «حاولت جاهدة أن تشق نور الهدى طريقها إلى الشهرة من مصر أسوة بصباح، ولكنّها لم تفلح». ولكن يتردد بأنّ والدها كان يقف حجر عثرة في طريقها؟ يرد: «هذا الأمر ليس صحيحا إذ حتى بعد وفاته لم تحقق أي نجاحات تذكر».
ويستعرض الكتاب الذي دعت جمعيّة «عِرب» و«دار النمر» للفن والثقافة إلى حضور محاضرة موسيقيّة بمناسبة صدوره بدعم من الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق)، وضمن تفاصيل سيرة كل واحدة من هذه النجمات، المواقع التي كانت تشكّل مسرحا لظهورهن الفني، مثل المسارح وإذاعات الشرق الأدنى في بيروت ودمشق بشكل خاص. كما يلاحق أخبار من ظهرت منهن في أفلام سينمائية سواء أُنتجت في لبنان أو في مصر، مع نشر عدد وافر من ملصقات تلك الأفلام اللبنانية والمصرية. وعن الفرق بين نجمات تلك الحقبة واليوم يوضح: «لا مجال للمقارنة بين الحقبتين فلقد كانت تلك الفترة غنية بالأصوات الجميلة وكانت الإذاعات أهم منبر تطل منه تلك النجمات على جمهورها وتتواصل معه (ما بين دمشق وحلب وبيروت وفلسطين والعراق)، في ظل عدم وجود التلفزيونات يومها. كما كانت الإذاعات تلعب دور شركة الإنتاج من خلال عدد من الملحنين والشعراء الذين تتعاون معهم من دون غيرهم، فتوزع أعمالهم على هؤلاء الفنانات».
ويذكر الكاتب في المقدمة القصيرة لكتابه، أسماء بعض النجمات الأقل أهمية من غيرهن في تلك الحقبة مثل تغريد الصغيرة وكهرمان وعفاف. ويشدّد على أهمية الكتاب من ناحية توثيقه المعلومات التي يحتويها ويقول: «سيكون بمثابة مرجع موثق يحكي عن هذا الجيل من الفنانات، وهو أمر لا يمكن أن نجده على الصفحات الإلكترونية ولا سيما (غوغل)». ويستطرد: «اكتشفت أنّ مجمل المعلومات الموجودة في هذا الإطار هي خاطئة ولا يجب الاستعانة بها بتاتا، وهو ما أوصي به طلابي في الجامعة حيث أدرس مادة (تاريخ الفن وآثاره)». ورصد محمود الزيباوي مجمل معلومات الكتاب من مجلات قديمة وفي مقدمهم «مجلة الإذاعة» اللبنانية (كانت تصدر عن إذاعة لبنان الرسمية)، وكذلك عن برامجها المسجلة وجداول حفلاتها الغنائية المباشرة وغيرها. كما سافر إلى مصر وبحث في أرشيف مجلات فنية قديمة مثل «أخبار الشرق» و«روز اليوسف»، ووقف على مقالات لعدد من كتاب صحافة الفن في تلك الفترة أمثال محمد علي فتوح (تزوجته الفنانة نجاح سلام لاحقا)، وفايق خوري الذي وجد بعض أعداد المجلة التي كان يترأس تحريرها (مجلة الإذاعة) في إحدى الأسواق الشعبية في بيروت (سوق الأحد). وكذلك استعان بالـ«المكتبة الوطنية» بعد موافقة مسبقة من وزير الثقافة في لبنان يومها. «تخيلي أنّ هناك بعض النجمات اللاتي اشتهرن من دون إجراء أي مقابلات إذاعية معهن في تلك الفترة أمثال نور الهدى من جيل الأربعينات وأسمهان من الجيل الأسبق (في الثلاثينات). فهذه الأخيرة كان مشوارها الفني قصيراً جداً ولا يتجاوز عدد أغانيها الـ15، فيما مثلت فقط في فيلمين سينمائيين. حتى أنّها تعاونت مع ملحنين قلائل وفي مقدمهم شقيقها فريد الأطرش ورياض السنباطي ومدحت عاصم. واللافت أنّ شهرتها الكبيرة حصدتها إثر وفاتها في عام 1944. عندما تحولت إلى أسطورة فنية حقيقية».
ويؤكد الكاتب أنّ غالبية تلك الفنانات لم تعتزلن الغناء في وقت باكر كما يدّعين بل إن بريقهن انطفأ بسرعة كما ذكية حمدان التي عانت من قلة الطلب عليها وكذلك سعاد محمد التي لم تتفرغ لفنها بل لعائلتها وكانت تلقب بـ«المطربة الحامل» (أنجبت 10 أولاد)، على الرغم من أنّها نصّبت نفسها خليفة أم كلثوم. «نورهان وأحلام وسهام رفقي انطفأ نجمهن أيضا بعدما تزوجن. أمّا نازك وعلى الرّغم من أنّ ملحنين كثرا قدموا لها ألحانا جميلة إلّا أنّها لم تنجح فانكفأت وحدها عن الغناء، فيما نور الهدى الذي قال عنها الكاتب الراحل إحسان عبد القدوس في أحد كتبه بأنّها كانت سجينة والدها حارسها الصارم نقولا بدران، فهي وردا على سؤال أحد الصحافيين في مجلة «الفن» عما إذا كانت متزوجة قالت «إني متزوجة أبي»، فقد انتهى زمنها بسرعة البرق. وبالنسبة لنجاح سلام ورغم محاولاتها المتكررة إلّا أنّها لم تستطع إطالة عمرها الفني». وعما إذا كانت الحقائق التي ذكرها تسببت له بمشاكل معينة مع أقرباء تلك الفنانات أجاب محمود الزيباوي: «أبدا لأنّ كل ما كتبته من معلومات جاء موثقا لا غبار عليه، خصوصا أنه استغرق منّي عملاً طويلاً، بدأته في عام 2011».
وأرفق مع كتاب «نجمات الغناء في الأربعينات»، 4 أسطوانات مدمجة تحمل اثنتان منها أغاني من الطابع اللبناني لحنها فيلمون وهبي ونقولا المني وسامي صيداوي. فيما تتضمن الثالثة ألحانا لخالد أبو النصر قدمتها فنانات ذلك الجيل أمثال نور الهدى ونازك وزكية حمدان، إضافة إلى الأسطوانة الرابعة التي تحتوي على أغنيات بالمصرية للملحن محمد محسن بأصوات بعض هؤلاء الفنانات كبهية وهبي ونورهان.



هل استهدفت إسرائيل إقصاء الوسطاء عن مفاوضات «هدنة غزة»؟

فلسطينيون يبكون على جثة أحد ضحايا القصف الإسرائيلي في النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يبكون على جثة أحد ضحايا القصف الإسرائيلي في النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

هل استهدفت إسرائيل إقصاء الوسطاء عن مفاوضات «هدنة غزة»؟

فلسطينيون يبكون على جثة أحد ضحايا القصف الإسرائيلي في النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يبكون على جثة أحد ضحايا القصف الإسرائيلي في النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

مساعٍ وجولات كثيرة قادتها مصر وقطر والولايات المتحدة للوساطة، بهدف إنهاء أطول حرب شهدها قطاع غزة، أسفرت عن هدنة نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، استمرت أسبوعاً واحداً؛ غير أن الجهود المتواصلة منذ ذلك الحين واجهتها إسرائيل تارة بفرض شروط أو خطط جديدة، أو توجيه اتهامات للوسيطين المصري والقطري، أو بتكذيب الحليف والوسيط الثالث الأميركي بعد لوم نادر وجهه الرئيس جو بايدن.

ويبدو أن تلك الاتهامات، التي نفتها القاهرة والدوحة وتجاهلتها واشنطن، جزء من «استراتيجية إسرائيلية» وفق ما يقدر خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، عدّوا كذلك أن تل أبيب تستهدف «تجحيم جهود الوسطاء وكبح مساعيهم لوقف إطلاق النار».

وفي حين يتوقع الخبراء أن «تستمر تلك الاستراتيجية في إطالة أمد المفاوضات لما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية»؛ فإنهم يرجحون ألا تنجح «في دفع الوسطاء؛ لا سيما المصري والقطري لأي انسحابات».

وعقب لقاء في لندن، جمع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بنظيره البريطاني ديفيد لامي، أكد البلدان الأحد، «دعم جهود الوساطة الجارية من جانب الولايات المتحدة ومصر وقطر؛ لإبرام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الأسرى».

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (يسار) مع نظيره البريطاني ديفيد لامي في لندن 10 سبتمبر الحالي (أ.ف.ب)

التأكيد الأميركي - البريطاني جاء بعد يومين من بيان عربي - إسلامي - أوروبي في مدريد، الجمعة، أعلن «الدعم الكامل لجهود الوسطاء، ورفض جميع الإجراءات التي تهدف إلى عرقلتها»، بالتزامن؛ أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، خلال اتصال هاتفي أجراه مع وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، عن «تقديره لدور وجهود الوسطاء»، معرباً عن «تطلعه للتوصل إلى هذا الاتفاق في أقرب وقت ممكن»، وفق إفادة لـ«الخارجية» المصرية.

وجاء الدعم اللافت لجهود الوسطاء ومطالبهم، لا سيما الوسيطين المصري والقطري، بعد حديث القناة 12 الإسرائيلية في 10 سبتمبر (أيلول) الحالي، عن أن «مصر وقطر تدرسان إصدار إعلان يحمل إسرائيل مسؤولية فشل المفاوضات».

وكان نتنياهو صعّد انتقاداته للقاهرة منذ أوائل سبتمبر الحالي، وزعم أنها مسؤولة عن تهريب السلاح لغزة عن طريق الأنفاق، قبل أن ترد وزارة الخارجية المصرية في 3 من الشهر ذاته، وترفض تلك الاتهامات وتعدّها «عرقلة لجهود الوساطة واتفاق الهدنة».

وجدد بدر عبد العاطي، وزير الخارجية، خلال اجتماع مدريد، رفض مصر الوجود العسكري الإسرائيلي في محور فيلادلفيا والجانب الفلسطيني من معبر رفح، وما يفرضه من انخفاض في وتيرة دخول المساعدات لقطاع غزة، مؤكداً أن «إسرائيل تقوم بتقويض جهود الوساطة».

البيان الوزاري الصادر عن اجتماع مدريد طالب المجتمع الدولي باتخاذ خطوات نشطة لتنفيذ حل الدولتين (واس)

وسبق أن نفى مصدر مصري رفيع المستوى لقناة «القاهرة الإخبارية» في 29 مايو (أيار)، تلك «الاتهامات الإسرائيلية»، ووصفها بأنها «أكاذيب» وبعدها في 13 يوليو (تموز)، دعا مصدر مصري «إسرائيل إلى عدم عرقلة المفاوضات، وطرح مبادئ جديدة تخالف ما تم الاتفاق عليه بهذا الصدد».

ولم تكن مصر وحدها المستهدفة إسرائيلياً، ففي فبراير (شباط) الماضي، رفض متحدث «الخارجية» القطري، ماجد الأنصاري، اتهامات نتنياهو للدوحة بتمويل «حماس»، ودعاه إلى «الانضباط في مسار التفاوض لإبرام صفقة، بدلاً من التركيز على إطالة أمد الصراع».

ولم يسلم الوسيط الأميركي الحليف لإسرائيل، من انتقادات نتنياهو، الذي وصف قبل أيام في مداخلة مع برنامج «فوكس نيوز»، تصريحات البيت الأبيض حول قرب التوصل إلى اتفاق هدنة بـ«الكاذبة وغير الصحيحة»، معرباً عن رفضه «الاتهامات الأميركية بعدم القيام بجهدٍ كافٍ» لاستعادة الرهائن، في إشارة إلى تصريحات في هذا الصدد من الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي طرح في 31 مايو الماضي، مقترحاً لوقف إطلاق النار من 3 مراحل.

آنذاك، عقّب منسق الاتصالات بالبيت الأبيض، جون كيربي، في مؤتمر صحافي، على ما قاله نتنياهو. ورفض الدخول في جدال علني معه، مضيفاً: «الاتصالات الأميركية مع الإسرائيليين مستمرة ونحاول حل الخلافات والتوصل إلى حل وسط».

وبرأي مستشار «مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية»، الدكتور عمرو الشوبكي، فإن «إسرائيل لا تستطيع إقصاء الوسطاء، لكن تسعى لتحجيم أدوراهم بصور مختلفة، باتهامات زائفة؛ منها تعطيل المفاوضات والقرب من (حماس)، وتهريب أسلحة لها»، لافتاً إلى أن إسرائيل لا تريد للوسطاء أن يسمعوا لكلا الطرفين وتريد أن يستمعوا لها فقط.

وباعتقاد الشوبكي، فإن البيانات في الآونة الأخيرة سواء عربياً أو دولياً بدعم مصر وقطر، رسالة لإسرائيل بأن المجتمع الدولي والدول الكبرى؛ الكل راغب في استمرار جهود الوسطاء ووقف تلك الاتهامات.

تلك الاتهامات الإسرائيلية ضمن الضغوط المتواصلة تجاه مصر وقطر، تحديداً لـ«تجحيم أدوراهما وتهرب نتنياهو من استحقاقات التوصل إلى اتفاق»، وفق تقدير الأكاديمي المصري، في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور.

ويصف السفير الفلسطيني، السابق، بركات الفرا، تلك الضغوط الإسرائيلية، بأنها ضمن «استراتيجية تهدف لتحجيم الأدوار التي تقوم بها مصر وقطر، بهدف إطالة نتنياهو أمد المفاوضات أملاً في وصول حليفه ودعمه دونالد ترمب للبيت الأبيض».

ترمب مستقبلاً نتنياهو في «بالم بيتش» يوليو الماضي (د.ب.أ)

بالمقابل، ترى الخبيرة الأميركية المختصة في الشؤون الاستراتيجية، إيرينا تسوكرمان، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «الحكومة الإسرائيلية لم تبذل أي جهد لاستبعاد مصر أو الولايات المتحدة، لكنّ هناك جهوداً مستمرة لإقصاء مصر من الوساطة من قبل مجموعة من أصحاب المصالح؛ بعضهم من الإسرائيليين اليمينيين بخلاف المعادين لمصر».

وتضيف أن «الحكومة الإسرائيلية غير راضية عن قطر بدعوى مساعدتها (حماس)، لكنها لا تستطيع إجبارها على الانسحاب دون موافقة الولايات المتحدة، التي تشيد بالدوحة، لكن إسرائيل ترى أن واشنطن هي أفضل طرف ممكن للوساطة وأقل تحيزاً ضدها، مع امتلاكها أكبر قدر من النفوذ الدولي».

مخالفاً لرأيي تسوكرمان، يعتقد المحلل المختص بالشأن الأميركي، مايكل مورغان، أن حكومة نتنياهو «عملت على إقصاء أي وساطة لوقف إطلاق النار»، مؤكداً أن دعم جهود الوسيطين مصر وقطر، مهم، خصوصاً لأهمية القاهرة الجيوستراتيجية للسلام بالمنطقة وقرب «حماس» من قطر في تسهيل أي اتفاق.

وإزاء ضغوط إسرائيلية كثيرة، لوح الوسيطان المصري والقطري، بإمكانية الانسحاب، في شهور سابقة، قبل أن تطرح التسريبات الإسرائيلية للقناة الـ12 ذلك المسار من جديد.

وكان رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، قال في أبريل (نيسان) الماضي، إن الدوحة «تقوم بعملية تقييم شامل لدور الوساطة الذي تقوم به»، إزاء استمرار الانتقادات الإسرائيلية.

ولوحت مصر أيضاً بذلك في 22 مايو 2024، عقب رفضها تقريراً نشرته «سي إن إن» الأميركية نقلاً عن مصادر أميركية وإسرائيلية، يدعي أنها غيّرت شروط صفقة وقف إطلاق النار في غزة، مؤكدة أن استمرار التشكيك «قد يدفع الجانب المصري لاتخاذ قرار بالانسحاب الكامل من الوساطة»، وفق ما ذكرته هيئة الاستعلامات المصرية آنذاك.

وقالت الهيئة إن «القاهرة لاحظت خلال الفترات الأخيرة قيام أطراف بعينها بممارسة لعبة توالي توجيه الاتهامات للوسيطين، القطري تارة ثم المصري تارة أخرى، واتهامهما بالانحياز لأحد الأطراف وإلقاء اللوم عليهما، للتسويف والتهرب من اتخاذ قرارات حاسمة بشأن صفقة وقف إطلاق النار».

بينما قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بمؤتمر صحافي الاثنين، في روسيا: «لن نتوقف عن جهودنا الدؤوبة لسرعة التوصل إلى وقف إطلاق النار بقطاع غزة، وسنواصل جهودنا بالتعاون مع الشركاء لتحقيق ذلك».

وأكدت صحيفة «الشرق» القطرية، الأحد، في افتتاحية عددها، أن «جهود قطر المكثفة لإنهاء حرب غزة خلال الوساطة المشتركة التي تقودها مع مصر والولايات المتحدة، جهود مستمرة لن تثنيها عقبات ولا عراقيل».

ولا يتوقع الشوبكي أن تغادر مصر وقطر جهود الوسطاء، باعتبارها التزاماً تجاه فلسطين لرفع المعاناة عنها، وتأكيداً لحضور إقليمي دولي مهم للبلدين، واضعاً تلك التسريبات الحديثة في إطار السجال الإعلامي، مستبعداً أن تقترب المفاوضات من اتفاق إلا بعد الانتخابات الأميركية الرئاسية «إذا استمر تعنت نتنياهو».

ويتفق كل من الفرا وأنور في أن مصر مستمرة بالوساطة، ولديها وسائل أخرى ترسل بها رسائل «تكشر بها عن أنيابها حماية لأمنها القومي»، سواء بتأجيل استقبال السفير الإسرائيلي الجديد، أو كما حدث من زيارة رئيس الأركان المصري للحدود مع غزة الفريق أحمد خليفة، في 5 سبتمبر الحالي، أو إبقاء الاتصالات على المستوى الأمني فقط.

وأيضاً لا تعتقد إيرينا تسوكرمان أن مصر أو قطر ستنسحبان من المفاوضات رغم الصعوبات، لأسباب كثيرة؛ منها النفوذ الدبلوماسي المزداد مع وجودهما بتلك الوساطة، وعدم الانسحاب أيضاً خيار يتوقعه مايكل مورغان، لاعتبارات أهمها تسهيل إتمام الاتفاق.