الملك محمد السادس يشدد على الطابع الاستعجالي لإصلاح الإدارة

برسالة وجهها في انطلاق ملتقى إصلاح الوظائف العليا في المغرب

العاهل المغربي الملك محمد السادس (إ.ف.ب)
العاهل المغربي الملك محمد السادس (إ.ف.ب)
TT

الملك محمد السادس يشدد على الطابع الاستعجالي لإصلاح الإدارة

العاهل المغربي الملك محمد السادس (إ.ف.ب)
العاهل المغربي الملك محمد السادس (إ.ف.ب)

قال العاهل المغربي الملك محمد السادس، إن الإصلاح الشامل والمندمج للإدارة العمومية بات يكتسي طابعا استعجاليا، داعيا إلى وضع مفهوم الخدمة العمومية في صلب النموذج التنموي.
ونوه العاهل المغربي، في رسالة وجهها أمس، إلى «الملتقى الوطني حول الوظيفة العمومية العليا» بمنتجع الصخيرات (جنوب الرباط) بضرورة تسريع إخراج مجموعة من الإصلاحات المهيكلة للإدارة المغربية، ومن بينها على الخصوص ميثاق المرافق العمومية، الذي شدد العاهل المغربي على أن يكون تجسيدا «للمفهوم الجديد للسلطة»، وعلى ضرورة «إعطائه صبغة الإلزامية».
وتتوخى الحكومة من تنظيم هذا الملتقى إطلاق الجيل الجديد من الإصلاحات الإدارية بالمغرب، انطلاقا من الوظائف العليا على أساس مبادئ «التعاقد والتقييم وربط المسؤولية بالمحاسبة»، طبقا لتوجيهات العاهل المغربي في هذه المجال.
وشارك في الملتقى، الذي خصص لمناقشة جميع جوانب إصلاح منظومة الوظائف العليا بالمغرب، 600 من الموظفين السامين، بينهم وكلاء وزارات ومديرون مركزيون، ومفتشون عامون من مختلف القطاعات الوزارية في الحكومة المغربية.
وقال العاهل المغربي، في رسالته للمشاركين، إن «الإدارة المغربية المركزية والمحلية على السواء، تمر اليوم بمنعطف جديد وحاسم، يتطلب من القائمين عليها الانخراط الحازم في عملية التحول الاقتصادي والاجتماعي، ومواكبة السياسات العمومية والورشات التنموية، التي تشهدها بلادنا»، مشيرا إلى أنه «ورغم المكتسبات المهمة التي حققناها على مستوى المشاريع المهيكلة الكبرى، خصوصا في مجالات الصناعة والفلاحة والبنيات التحتية والطاقات المتجددة وغيرها، فإن النموذج التنموي الذي رسمناه قد بلغ مداه، ولم يعد قادرا على تحقيق التنمية الشاملة، والاستجابة لانتظارات المواطنين، بسبب صعوبات كثيرة، من بينها ضعف أداء الإدارة، وقلة الكفاءة والابتكار، وافتقادها قواعد الحكامة العمومية الجيدة».
وجدد العاهل المغربي الدعوة «لبلورة وإرساء نموذج تنموي جديد لمواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية»، مع التأكيد على ضرورة «وضع مفهوم الخدمة العمومية في صلب هذا النموذج، من خلال إصلاح شامل وعميق للإدارة العمومية».
وأوضح الملك محمد السادس، أن «وظيفة الإدارة العمومية ومهمتها الأساسية التي حددها الدستور، هي خدمة المواطنين في إطار مبادئ المساواة، والإنصاف في تغطية التراب الوطني، والاستمرارية في أداء الخدمات»، مضيفا أنه «إذا كانت المرافق العمومية تابعة قانونيا لمسؤولية الوزراء الذين يشرفون عليها، لكون الإدارة موضوعة تحت تصرف الحكومة، فإن الدستور كرس أيضا ضرورة التزام موظفيها بمعايير الجودة والشفافية والمسؤولية والمحاسبة لضمان القرب من المواطنين، والإصغاء لمطالبهم، والعمل على تلبية حاجياتهم المشروعة».
كما شدد العاهل المغربي على أهمية إشكالية التدبير الفعال للموارد ومستلزمات النهوض بالتنمية الشاملة، مع ما يقتضيه الأمر من مراجعة أساليب عمل الإدارة، في اتجاه التوظيف الأمثل للإمكانات المتاحة. وقال في هذا السياق: «ولا يخفى عليكم أن تحدي النجاعة مرتبط بشكل وثيق بتحدي التنافسية. فقيمة وفعالية الإدارات اليوم تقاس بمدى إسهامها في تعزيز تنافسية بلدانها لخوض المعركة الشرسة لاستقطاب الاستثمارات والكفاءات ورؤوس الأموال، وبما تفتحه من آفاق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير فرص الشغل، خصوصا للشباب».
وخلص العاهل المغربي إلى أن الإصلاح الشامل والمندمج للإدارة العمومية «يكتسي طابعا استعجاليا، بحكم الرهانات المطروحة عليه، ضمانا للرعاية المستمرة للمرفق العام، وجودة الخدمات العمومية، مع ما يقتضيه ذلك من دعم للبعد الجهوي واعتماد اللاتمركز الإداري، واعتماد للكفاءة والفعالية في تدبير الموارد البشرية»، داعيا الجميع إلى الانخراط الفاعل في الإصلاحات، ومشيرا على الخصوص إلى أهمية «الجهوية المتقدمة» في هذا المجال.
وجدد العاهل المغربي التأكيد على ضرورة إخراج «ميثاق اللاتمركز الإداري»، باعتباره وسيلة «لإعادة ترتيب وتوزيع الاختصاصات والموارد البشرية والمالية بين المركز ومختلف المستويات الترابية». كما أعلى من أهمية «التكوين والتأهيل المستمر للأطر والموظفين، ومراعاة الحاجيات الحقيقية والمؤهلات المطلوبة خلال عملية التوظيف، مع الحرص على الالتزام الصارم بمعايير الكفاءة والاستحقاق وتكافؤ الفرص، فضلا عن ضرورة توفير الظروف والفضاءات الملائمة للعمل وللرفع من المردودية، واستعمال آليات التحفيز والتأديب». وأكد ضرورة «العمل على إعداد أجيال جديدة من القيادات الإدارية بمختلف الإدارات والمرافق العمومية، وذلك عبر استقطاب الكفاءات ذات التكوين العالي، وضرورة التحلي بروح المسؤولية العالية، ومؤهلات التواصل الفعال والتخطيط الاستراتيجي، والقدرة على تدبير المشاريع. وكلها معايير جوهرية يجب أن تحكم مساطر التعيين في الوظائف السامية».
كما شدد العاهل المغربي على أن نجاح الإصلاح المنشود يظل «رهينا بمدى توافر الإرادة الجماعية والقدرة على تجاوز تلك الإكراهات والمعيقات، التي تقف أمام تطور نموذجنا الإداري والتنموي، والمتمثلة على الخصوص في استمرار بعض التصرفات المقاومة للتغيير والإصلاح، بسبب الخوف من فقدان الامتيازات، فضلا عن قلة الكفاءة والجرأة أحيانا، لدى بعض المسؤولين، مما يجعلهم يترددون في مباشرة العملية الإصلاحية».
وأضاف العاهل المغربي، موجها كلامه للمشاركين في الملتقى «إنكم تعلمون مدى حرصنا على قيام الإدارة بمهامها في خدمة المواطن، والإسهام البناء والمنتج في التنمية. غير أن إصلاح الإدارة وإعادة النظر في منظومة الوظيفة العمومية، لا يعني إصلاح مرافق القطاع العام فقط، وإنما يتضمن البحث عن أفضل السبل لمساهمة القطاع الخاص في هذا الورشات الإصلاحية، في إطار من التوازن والتكامل، بين ما هو إداري وما هو تنموي، لما فيه مصلحة البلاد. وإننا لنتطلع لأن يشكل هذا الملتقى الوطني للوظيفة العمومية العليا لحظة قوية لاستحضار مبادئ الحكامة العمومية الجديدة، ولبلورة أفكار متقدمة بشأن التدبير العمومي الناجع، المتشبع بثقافة التعاقد المؤسس على الالتزام بالأهداف، والاحتكام إلى المردودية والنتائج، مع الأخذ بعين الاعتبار منطق الخدمة العمومية القائم على مبادئ المصلحة العامة، والنزاهة، والعدالة المجالية، والتماسك الاجتماعي».



هل تحل «المساكن البديلة» أزمة العقارات المتهالكة في مصر؟

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي خلال مؤتمر صحافي في الإسكندرية (مجلس الوزراء)
رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي خلال مؤتمر صحافي في الإسكندرية (مجلس الوزراء)
TT

هل تحل «المساكن البديلة» أزمة العقارات المتهالكة في مصر؟

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي خلال مؤتمر صحافي في الإسكندرية (مجلس الوزراء)
رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي خلال مؤتمر صحافي في الإسكندرية (مجلس الوزراء)

أعاد وعد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، بتوفير مساكن بديلة لأصحاب المنازل الآيلة للسقوط في الإسكندرية، طرح التساؤلات حول سُبل إنهاء أزمة هذه المباني ومعالجة مشكلاتها المتراكمة، في ظل تكرار حوادث الانهيار بين الحين والآخر.

وخلال جولته الميدانية في محافظة الإسكندرية المطلة على ساحل البحر المتوسط، الاثنين، قال رئيس الوزراء إنه سيتم حصر العقارات الآيلة للسقوط، التي صدر قرار بإزالتها حتى يتم تنفيذ مشروع إحلال كامل لهذه الوحدات على غرار مبادرة توفير منازل بديلة للمتضررين من تعديلات قانون الإيجار القديم.

وأكد أن المبادرة الجديدة ستتضمن إنشاء وحدات سكنية بديلة على أراضي المحافظة بدلاً من المنازل المعرضة للهدم أو الإزالة التي صدر لها قرارات من المحافظة نتيجة عدم السلامة الإنشائية، متوقعاً أن يصل عدد الوحدات المطلوبة في إطار هذه المبادرة إلى 55 ألف وحدة سكنية لاستيعاب سكان نحو 7500 عقار.

تعهد مدبولي بتوفير مساكن بديلة لشاغلي العقارات الآيلة للسقوط (مجلس الوزراء)

وتكررت بين الحين والآخر حوادث انهيار العقارات في الإسكندرية، كان آخرها بداية الأسبوع الحالي مع انهيار عقار صادر بحقه قرار إزالة جزئية قبل أكثر من 30 عاماً، وهو الحادث الذي أدى لوفاة شخصين وإصابة 5 آخرين بجروح متفاوتة.

ووفق التعداد الرسمي للمنشآت الصادر عام 2017 من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يبلغ عدد العقارات الآيلة للسقوط التي لم يتم اتخاذ إجراءات بشأنها 97.535 ألف عقار على مستوى الجمهورية، تتصدرها العقارات في محافظة الشرقية، وهو التعداد الذي يصدر كل 10 سنوات عن الجهاز.

وقال أمين سر لجنة الإسكان في مجلس النواب (البرلمان)، أمين مسعود، لـ«الشرق الأوسط»، إن خطوة الحكومة في هذا السياق تعكس إدراك حجم المشكلة المتراكمة منذ عقود، لافتاً إلى ضرورة وجودة خطة بجدول زمني لتنفيذ هذا التصور، على غرار مخطط تطوير المناطق العشوائية الذي نفذته الدولة.

وأوضح مسعود أن بدء التنفيذ من محافظة الإسكندرية لا يعني استثناء باقي المحافظات، مُرجحاً وضع جدول زمني حسب الأولويات والمناطق الأكثر خطورة، وذلك بهدف تجنّب وقوع كوارث قد تُهدد أرواح المصريين غير القادرين على الانتقال إلى مساكن أكثر أماناً.

ويُرجع خبراء تكرار حوادث انهيار العقارات في الإسكندرية إلى الطبيعة الساحلية للمدينة وتأثير العوامل البيئية، مثل الرطوبة والملوحة، على المباني التي تفتقر إلى الصيانة الدورية. ويُضاف إلى ذلك وجود مشكلات في بعض العقارات، بما فيها التي شُيّدت خلال العقود الثلاثة الماضية، والتي لم تلتزم بالقواعد والمعايير الهندسية المطلوبة.

وكانت النائبة في البرلمان إيرين سعيد قد قدمت الصيف الماضي سؤالاً لرئيس الوزراء ووزيري «التنمية المحلية» و«الإسكان» حول الخطط المتبعة للتعامل مع العقارات الآيلة للسقوط، وما الحلول البديلة، لكنها لم تتلقَّ رداً حتى الآن، حسبما أكدته لـ«الشرق الأوسط».

تنفذ الحكومة أعمال تطوير لواجهات العقارات المطلة على البحر في الإسكندرية (مجلس الوزراء)

وقالت سعيد إن تحرّك الحكومة، وإن جاء متأخراً، يبقى أفضل من عدم التحرك على الإطلاق، مشيرة إلى أن عدداً كبيراً من هذه الوحدات يخضع لقانون «الإيجار القديم»، الذي تم تعديل مواده مؤخراً. وأضافت أن بعض الوحدات التي سيُعاد توطين سكان العقارات الآيلة للسقوط فيها، قد تُخصص أيضاً لسكان سيتم إخلاؤهم بموجب التعديلات الجديدة على هذا القانون.

وأضافت أن غالبية العقارات الآيلة للسقوط، أو التي صدر بحقها قرارات إزالة ولم تنفذ، تخضع للقانون المعدل، ومن ثم فإن تحرك الحكومة بمسار توفير الوحدات السكنية لشاغليها سيجعل هناك فرصة، سواء لترميم هذه العقارات أو هدمها وإعادة بنائها وفق اشتراطات السلامة.

وأشاد رئيس «الجمعية المصرية للتخطيط العمراني»، محمود غيث، لـ«الشرق الأوسط»، بالتحرك الحكومي الذي يستهدف القضاء على مشكلة متراكمة، لافتاً إلى أن الدولة لديها القدرة على تنفيذ الوحدات السكنية المطلوبة بالفعل لأسباب عدة، في مقدمتها وجود الخبرة السابقة بتنفيذ مشروعات سكنية ضخمة، وإعادة تأهيل مناطق بالكامل، بالإضافة إلى الرغبة في الحفاظ على حياة المواطنين وعدم تعريضهم للخطر.