هل من نموذج ديكارتي عربي؟

في ذكرى فيلسوف الشك

ديكارت
ديكارت
TT

هل من نموذج ديكارتي عربي؟

ديكارت
ديكارت

مرت الذكرى السنوية لوفاة الفيلسوف الفرنسي العظيم رينيه ديكارت منذ أيام قليلة، إذ رحل في 11 فبراير (شباط) 1650، وعلى الفور عدت بالذاكرة إلى ما يقرب من ثلاثين عاماً عندما قرأت كتابه الأول «التأملات»، وكان وقعه عليّ شديد القوة، فلقد غير بشكل محوري طريقة تفكيري وأنا شاب، إلى الحد الذي لم أستطع معه أن أفصل بين منهجيته في الحياة الفكرية وبين الحياة الاجتماعية من شدة تأثري به، وهو الداء الذي هذبته مع مرور العمر، ولكن انبهاري به لا يزال قائماً إلى اليوم رغم أن أعماله تراكمت عليها الأفكار والمنهجيات المحدثة وتخطت كثيراً من أركانها، ولكن تقديري أن أهم تركة لهذا الرجل العظيم هو أنه غيّر دفة الفكر تماماً، كاسراً الأنماط السائدة، موجهاً الفكر نحو طريق جديدة، فأخرجه من المنهج الأرسطي المعروف باسم «المنهج المدرسي» المهيمن على أغلبية الفلاسفة؛ سواء المسلمون أو الغربيون أو غيرهم، إلى منهج عقلي - ميكانيكي مختلف، فالرجل كان في الأساس عالم رياضيات وهندسة، وبعد تجوله في أوروبا وانضمامه إلى كثير من الجيوش، استقرت به الحال في فرنسا وبدأ في كتابة كثير من الكتب؛ على رأسها «رسائل حول المنهج»، (Discourse de la methode)، وهو كتاب مهم للغاية حاول من خلاله رأب الصدع الموروث أو التناقض المختلق بين الفكر والعقيدة، وهو ما دفعه لتسخير الفكر للوصول إلى الإيمان على أسس خلفيته في مدرسة «الجيزويت» وهو صغير.
لقد ارتكنت فلسفة ديكارت على ما هو معروف بمنهج الشك؛ أي الشك في كل شيء نلمسه أو نشعر به حتى وصل إلى الشك في كينونته بوصفه كائناً حياً، وهنا أطلق الرجل مع نظريته المعروفة باسم «Cogito Ergo»، فبدأ بالتشكك حتى في وجوده، ومن الشك استنبط فرضية أنه يفكر، لأن «الشك نوع من التفكير»، فإذا كان يفكر؛ إذن فهو موجود وكيان قائم بذاته، وبالتالي فإذا فقد الإنسان القدرة على التفكير، فإنه يفقد الارتباط بوجوده الذاتي، ومن ثم وصف وجوده بأنه «المؤكد الأول» الذي لا خلاف حوله، ثم انطلق ليؤكد وجود البارئ عز وجل وصفاته، من خلال الإشارة إلى أن الشك نوع من عدم اليقين الناتج عن خداع الشيطان للإنسان، مما يمثل ضعفاً في حد ذاته، أي عدم الكمال، وهو ما يستوجب بالضرورة وجود الكمال، والكمال لله عز وجل، ومن خلال هذه الجزئية توصل ديكارت إلى وجود الله الذي لا يمكن أن يتصف بالصفات الخداعة، فهو الكمال والعظمة سبحانه وتعالى، بالتالي فلا يمكن أن يكون سبباً في الخطأ البشري؛ بل العكس هو الصحيح، فسبحانه وتعالي صفاته دائماً أعظم من هذا، فالله الخير كله والرحمة كلها. ويشير إلى أن الإنسان عندما يقع في الخطأ، فذلك يكون عندما لا يستخدم النعمة التي أنعم بها الله سبحانه وتعالى عليه؛ وهي عقله، بالتالي فقد دفع بضرورة القبول بفكرة أن الإنسان مخيرٌ.
وانطلاقاً من هذه الثوابت، أكد ديكارت أن العقل والجسد أمران مختلفان تمام الاختلاف، ولديهما خواصهما المختلفة، بالتالي فهما يختلفان في الجوهر، وهو ما عُرف بـ«الثنائية» في فلسفته؛ حيث فصل بين العقل من ناحية؛ والمادة أو الجسد من ناحية أخرى. وهنا يتعامل ديكارت مع العقل بمفهوم واسع للغاية، ليس فقط للتفكير، بل للشعور والتذوق وكل شيء، بينما الجسد يختلف، بالتالي فلم يكن من المستغرب أن يؤكد على أن العقل هو الأساس وأعلى مرتبة من الجسد، وهنا وضع الرجل تقييمه بأن الكون يتكون من الله سبحانه وتعالى الخالق القدير وجوهر الكون، وهو خالق العقل والذي يضعه في مرتبة أعلى من الجسد.
وقد وضع «ديكارت» منهجية مبنية على العقلانية (Rationalism) فأخرج بمنطقيته التوجه الفكري من منظوره الأرسطي المحدود، الذي تأثر أيضاً بالتسلط الديني للكنيسة الكاثوليكية، إلى آفاق جديدة مبنية على أسس المنهجين الاستنباطي والاستقرائي، واصلاً الفكر الحديث بالقواعد الفكرية السابقة، كما أنه خلق مفهوم الوئام بين المنهجية العقلية والعالم الروحي، أو الميتافيزيقي والأخلاقي، فالرجل له فصول كاملة عن مفهوم الأخلاق الذي ربطه بالعقل، مؤكداً عدم وجود تناقض بين الاثنين، عادّاً الإيمان ثالثهما، كما أنه رسخ منهجية فكرية كانت كفيلة بمنحه لقب «أبو الفلسفة الغربية الحديثة» وذلك رغم ظهور تيار المنهج التجريبي من بعده الذي لفظ التمركز حول التوجه العقلي الصرف.
أمام نموذج هذا الفيلسوف أقف متفكراً، فهل نحن بزخمنا الحضاري وتراثنا الفكري في حاجة لإيجاد رمز لـ«نموذج ديكارتي» حديث؟ وهنا لا أقصد فسلفته ومنهجيته التي تقادمت في أجزاء كبيرة منها مع الزمن، ولكنني أقصد نموذج تحويل دفة الفكر العربي الحديث للخروج من دائرة الصدام المتعمد الذي يضعه كثيرون على فرضية تناقض العقل والإيمان، فهل من ديكارت عربي يخرجنا من محنة أراها مختلقة؟



البازعي: «جائزة القلم الذهبي» متفردة... وتربط بين الرواية والسينما

د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)
د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)
TT

البازعي: «جائزة القلم الذهبي» متفردة... وتربط بين الرواية والسينما

د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)
د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)

أعلنت «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» انتهاء المرحلة الأولى من عملية التحكيم للقائمة الطويلة التي شارك فيها 1967 مشاركاً من 49 دولة حول العالم، وبدء المرحلة الثانية للجائزة لتحديد القائمة القصيرة بحلول 30 ديسمبر (كانون الأول) قبل إعلان الفائزين في فبراير (شباط) المقبل.

وأكد الدكتور سعد البازعي، رئيس الجائزة خلال مؤتمر صحافي عقده الاثنين في الرياض، أن أرقام المشاركات التي تلقتها اللجنة مبشّرة وتعطي سمة عالمية من حيث عدد الدول التي جاءت منها المشاركات، مبيناً أن «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» تربط بين الرواية والسينما، وهو أمر لم نعتد على رؤيته من قبل، على حد تعبيره.

د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)

وكانت هيئة الترفيه السعودية أطلقت في سبتمبر (أيلول) الماضي «جائزة القلم الذهبي» للأدب الأكثر تأثيراً»، التي تركز على الأعمال الروائية الأكثر قابلية للتّحويل أعمالاً سينمائية، بمجموع جوائز يصل لـ740 ألف دولار، وإنتاجات سينمائية لعدد من الأعمال الفائزة.

وعدّ المستشار تركي آل الشيخ، حينها، الجائزة فرصة لظهور جيل جديد من الكتاب باللغة العربية، والمساهمة في الوصول إلى بنك متكامل من الروايات والمحتوى العربي، الذي يتواكب مع الإنتاجات السعودية والعربية الضّخمة.

وأوضح البازعي في رده على سؤال لـ«الشرق الأوسط» بأن الجائزة قد تدعم مستقبلاً ترجمة أعمال عربية إلى لغات أخرى، دعماً للأدب العربي، وقال: «إذا كان هناك حضور للأدب العربي عالمياً لا يمكن أن يكون إلا من خلال الترجمة، وتحويله عملاً سينمائياً وترجمته، الأعمال السينمائية والروائية التي حققت قدراً من العالمية كانت مترجمة، نحن في حاجة إلى دعم الأدب العربي بالتأكيد، وأعتقد أن الترجمة مهمة ويُحمَد للجائزة أنها تدعم الترجمة، وربما في المستقبل ندعم ترجمة الأعمال العربية إلى لغات أخرى، هذا قد يكون من التطورات المطلوبة التي أتمنى أن تحصل».

المستشار تركي آل الشيخ يتحدث خلال المؤتمر الصحافي للجائزة سبتمبر الماضي (هيئة الترفيه)

انتهاء المرحلة الأولى

استهل الدكتور سعد حديثه بإعطاء لمحة عن مراحل الجائزة الأساسية التي بدأت في 15 سبتمبر (أيلول) الماضي، وأضاف: «الجائزة أنهت المرحلة الأولى من التحكيم التي انتهت من القائمة الطويلة كما هو معلن، وبدأت المرحلة الثانية والعمل على القائمة الطويلة للخروج بالقائمة القصيرة بحلول 30 ديسمبر، ومن ثم إعلان الفائزين في فبراير المقبل».

انتهت المرحلة الأولى للتحكيم على أن تبدأ مرحلة اختيار القائمة القصيرة قبل إعلان الفائزين فبراير المقبل (جائزة القلم الذهبي)

جائزة متفردة

ذكر رئيس جائزة القلم الذهبي مزايا عدة للجائزة تجعل منها متفردة وتصل للعالمية، من أبرزها التأكيد على الشفافية، وتوخي الحياد في التحكيم، إلى جانب السماح للأفراد بالمشاركة، ودعم العلاقة بين الرواية والسينما.

وفنَّد ذلك بقوله: «الأعمال تُرسَل رقمياً لكل المحكمين ولا يعرفون مَن هو مؤلف العمل، كذلك من المسائل التي اختلفت بها الجائزة عن غيرها أنها تسمح للأفراد بتقديم أعمالهم، والأكثر تفرداً للجائزة أنها تدعم العلاقة بين الرواية والسينما، حيث تكافئ الأعمال الكبرى بأربع جوائز تحولها أفلاماً سينمائية، اثنتان رواية واثنتان سيناريو».

د. سعد البازعي رئيس الجائزة يستعرض تفاصيلها خلال إطلاق الجائزة سبتمبر الماضي (هيئة الترفيه)

وعدّ البازعي قيمة الجائزة الكبيرة المقدرة بـ740 ألف دولار بأنه ليس الرقم النهائي، حيث يتطلب تحويل الأعمال الفائزة أفلاماً سينمائية إلى ملايين، وقال: «الهيئة العامة للترفية التزمت بتحويل هذه الأعمال أفلاماً سينمائية، بما في ذلك من تكلفة إضافية ستجعل من الجائزة الأعلى من نوعها بالمطلق». وتابع: «نحن أمام تكريم نوعين بينهما علاقة وثيقة لم نعتد رؤية جائزة تربط بينهما الرواية والسينما، وهذا فيه خدمة كبيرة لصناعة السينما السعودية، التي ظل صناعها يشتكون من قلة النصوص لسنوات طويلة، الآن نتمنى أن تتوفر لأن من شروط قبول الرواية أن تكون صالحة لتحويلها فيلماً».

1969 مشاركة من 49 دولة

الأرقام التي وصلت للجائزة - بحسب الدكتور سعد البازعي - بلغت 1967 مشاركة من 49 دولة، يضيف بقوله: «هذه سمة عالمية للجائزة، نحن أمام جائزة عالمية بمعنى الكلمة، هناك مشاركات من أميركا، أستراليا، الأردن، السعودية وغيرها». تصنيفات الجائزة تشير إلى أن عدد المشاركين الذكور بلغ 69.7 في المائة، في حين حظيت مشاركة الإناث بنحو 30 في المائة، وشاركت 1347 رواية أصلية، 508 روايات مترجمة، إلى جانب 93 عمل سيناريو. وأشار البازعي كذلك إلى أن هنالك جوائز أخرى لم تفز بالجوائز الكبرى، لكنها تفوز بالتصنيف، مثل الكوميديا، الرعب، التشويق، الروايات التاريخية، الرومانسية، الغموض والجريمة، التشويق والإثارة، الفنتازيا، والواقعية.

القائمة الطويلة

أوضح رئيس لجنة القلم الذهبي أن اللجان فرزت نحو 2000 عمل للقائمة الطويلة، حيث تم اختيار 30 رواية، 7 روايات مترجمة، 10 أعمال سيناريو، بالإجمالي 47 عملاً. وأضاف: «معظم النصوص التي أُرسِلت لا علاقة لها بالسرد أو الرواية، وكان على اللجنة الاحتفاظ بالأعمال الجديرة، وأن يكون لها ترقيم دولي، وحقوق نشر، وإذا كانت مترجمة فحقوق ترجمة، كذلك كان على اللجنة مواجهة احتمالات التلاعب، سواء إدخال عمل لا يستحق أو الرقم الدولي غير صحيح، وعملية التأكد هذه أخذت وقتاً وجهداً».

القائمة الطويلة شملت 47 عملاً بين رواية ورواية مترجمة وسيناريو (جائزة القلم الذهبي)

القائمة القصيرة

سيتعين على لجنة التحكيم خلال الفترة المقبلة العمل على تحديد القائمة القصيرة من الأعمال التي تم اختيارها وعدد 47 عملاً، وفقاً للدكتور البازعي، الذي أوضح أن العدد لم يحدد بعد، ويعتمد ذلك على متغيرات كثيرة، منها عدد الأعمال الجيدة التي سيتم اختيارها، على حد تعبيره. وقال: «لو كان عدد الأعمال الجيدة 20 عملاً مثلاً، سنرفع عدد القائمة وتصبح قائمة طويلة، هناك مرونة». وتضم لجنة تحكيم «جائزة القلم الذهبي» روائيين ونقاداً ومخرجين وكتاب سينما، إلى جانب منتجين؛ وهو ما يجعلها قادرة على التعامل مع مختلف الأعمال المشاركة بشكل احترافي وشفاف، وفقاً للدكتور سعد البازعي. وفي رده على سؤال بشأن أبرز التحديات التي واجهت اللجان، أشار البازعي إلى أن ورود أعمال لا علاقة لها بالجائزة، وحدوث ازدواجية بين دور النشر والكتاب عبر إرسال العمل مرتين كانت من أبرز الصعوبات.

جائزة رقمية

وأكد الدكتور سعد البازعي أن «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» تعدّ رقمية وغير ورقية، وهي الفكرة التي ابتكرها المستشار تركي آل الشيخ، رئيس الهيئة العامة للترفيه، وقال: «الأعمال تصل بنسخة (PDF)، وتصنف بأرقام دون ذكر اسم المؤلف ويقرأها أكثر من شخص، وفي النهاية يظهر من حصل على أكبر عدد من الترشيحات».

لأول مرة تتيح «جائزة القلم الذهبي» مشاركة الأفراد بأعمال أدبية (جائزة القلم الذهبي)

دعم صناعة السينما السعودية

ومن المتوقع أن يكون لـ«جائزة القلم الذهبي» تأثير إيجابي على المشهد الثقافي السعودي، لا سيما صناعة السينما، وفقاً للبازعي الذي أردف بقوله: «هذه الجائزة سيكون لها تأثير نوعي؛ لأنها تدعم الأدب الروائي، والأدب السينمائي، تدعم صناعة السينما، تأثيرها سيكون كبيراً، إذا أنتجت محلياً 4 أفلام رئيسة من روايات عربية معروفة هذا إنجاز كبير، الجوائز بصفة عامة تشجع الإنتاج وتحفّز الآخرين عليه».

وفي الختام، كشف الدكتور سعد، عن أن هنالك جائزةً ستكون مخصصة للجمهور ضمن القائمة الطويلة، حيث سيُفتح المجال للجمهور للتصويت، مشيراً إلى أن ذلك «فرصة للجمهور لكي يقول رأيه وجائزة مرصودة لعمل يفوز نتيجة التصويت الجمهور».

اقرأ أيضاً