إغلاق كنيسة القيامة في القدس يجبر إسرائيل على مراجعة موقفها

TT

إغلاق كنيسة القيامة في القدس يجبر إسرائيل على مراجعة موقفها

أرسلت السلطات الإسرائيلية رسائل «تهدئة» لرؤساء الكنائس في القدس، بعد إغلاقهم كنيسة القيامة احتجاجا على مشروعات قرارات بشأن الأراضي والضرائب، وذلك عبر تأجيل مناقشة المشروعات، ووقف اتخاذ قرارات فورية.
وصرح القائم بأعمال رئيس بلدية الاحتلال في القدس، مئير تورجمان، بأن «البلدية لم تحسم قرارها بعد بشأن جباية ضريبة الأملاك (الأرنونا) من الكنائس». مضيفا للإذاعة الإسرائيلية: «إن البلدية لا ترغب في مخاصمة أي طرف». وأكد تورجمان أن «رئيس البلدية نير بركات يعمل على حل الأزمة الحالية».
وجاءت تصريحات بلدية القدس بعدما أجلت لجنة حكومية لمدة أسبوع، اجتماعا لبحث مشروع قانون يسمح للحكومة الإسرائيلية بمصادرة أراض في القدس، باعتها الكنائس لشركات عقارية خاصة في السنوات الماضية.
والهدف المعلن لمشروع القانون هذا، هو حماية أصحاب المنازل من احتمال عدم تمديد الكنائس عقود إيجار لشركات إسرائيلية، وبيعها لملاك جدد.
وكانت الكنيسة الأرثوذكسية قد أجّرت معظم أراضيها لإسرائيليين، بموجب عقود لمدة 99 عاما، تم التوقيع عليها في سنوات الخمسينات بين الكنيسة والدولة، عبر الصندوق القومي اليهودي.
وتنص هذه العقود على أنه عند انتهاء فترة الإيجار، فإن أي مبان على هذه الأراضي ستعود إلى الكنيسة. ويقول السكان الإسرائيليون إنهم توقعوا أن يجري تمديد العقود، ولكن في السنوات الأخيرة قامت الكنيسة ببيع مساحات واسعة من العقارات لمستثمرين من القطاع الخاص.
وتخطط إسرائيل لإبقاء المستأجرين في أماكنهم حتى مع بيع الأراضي أو مصادرتها؛ لكن الكنائس تقول إن المشروع يهدف إلى إحباط بيع الأراضي، ما سيسبب نقصا هائلا في التمويل، وسيسمح لإسرائيل بمصادرة الأراضي لاحقا.
وتريثت إسرائيل في قراراتها بعدما أغلق رؤساء الكنائس أبواب كنيسة القيامة، احتجاجا على التشريع المحتمل، وعلى قرار بلدية القدس فرض ضرائب على ممتلكات الكنيسة.
وصلى مسيحيون أمس أمام أبواب الكنيسة المغلقة في مشهد نادر الحدوث. وقال بطريرك الروم الأرثوذكس ثيوفيلوس الثالث: «نحن سنقرر متى وكيف سيُعاد افتتاح الكنيسة»، منددا بالتمييز «المنهجي» الذي يواجهه المجتمع المسيحي في إسرائيل.
ولاقت الكنائس دعما فلسطينيا وأردنيا رسميا، وكذلك من أوروبا. وقال رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله: «إن على إسرائيل أن تدرك أننا لن نقايض على هوية ومكانة القدس، أو على وضع المقدسات فيها، وستبقى عاصمتنا الأبدية والتاريخية».
وحيا الحمد الله، بطاركة ورؤساء الكنائس على موقفهم الوطني الشجاع، متهما إسرائيل بانتهاك الوضع القائم في القدس، والوضع الذي يحكم الكنائس المسيحية فيها.
وطالب الحمد الله، دول العالم بالتحرك الفوري والجاد لإبقاء القدس منارة للانفتاح ورمزا للتعايش والتسامح، ولجم الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة لكافة الاتفاقيات والقوانين والأعراف الدولية، التي تحترم حق وحرية ممارسة الشعائر الدينية وتصون الأماكن المقدسة.
كما عبر وزير الدولة لشؤون الإعلام، الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني، عن إدانة الأردن و«رفض المملكة المطلق للإجراءات الممنهجة التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية لتغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم في الأماكن المقدسة في القدس الشرقية، بما في ذلك الأملاك والأوقاف الإسلامية والمسيحية».
وأكد المومني أن «هذه الإجراءات تضرب عرض الحائط بالقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، وترتيبات الوضع التاريخي القائم منذ سنوات طويلة».
وطالب المومني إسرائيل «بالتراجع الفوري عن القرارات التي تم اتخاذها ضد الكنائس، واحترام التزاماتها بموجب القانون الدولي، كقوة قائمة بالاحتلال في القدس الشرقية».
ومن جهتها، أكدت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية، نائبة رئيس المفوضية الأوروبية، فيديريكا موغيريني، أهمية الحفاظ على مكانة القدس بصفتها «مدينة مقدسة» للديانات السماوية الثلاث.



فيروس «HMPV»... ما هو؟ وهل يتحوّل إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

فيروس «HMPV»... ما هو؟ وهل يتحوّل إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.