بين الدين والعلمانية والحاجة إلى إعادة الاكتشاف

الحركات الدينية استطاعت أن تكون هاجساً يومياً لدى رجال السياسة والحكم

الأزهر رفع شعار أن الدين الإسلامي هو دين التسامح والوسطية ونبذ العنف إلا أننا نعيش فترة تستر فيها الإرهاب بكل صوره تحت قناع الدين («الشرق الأوسط»)
الأزهر رفع شعار أن الدين الإسلامي هو دين التسامح والوسطية ونبذ العنف إلا أننا نعيش فترة تستر فيها الإرهاب بكل صوره تحت قناع الدين («الشرق الأوسط»)
TT

بين الدين والعلمانية والحاجة إلى إعادة الاكتشاف

الأزهر رفع شعار أن الدين الإسلامي هو دين التسامح والوسطية ونبذ العنف إلا أننا نعيش فترة تستر فيها الإرهاب بكل صوره تحت قناع الدين («الشرق الأوسط»)
الأزهر رفع شعار أن الدين الإسلامي هو دين التسامح والوسطية ونبذ العنف إلا أننا نعيش فترة تستر فيها الإرهاب بكل صوره تحت قناع الدين («الشرق الأوسط»)

أصبح الجدل المستمر في المدارس الاجتماعية والفلسفية الغربية المعاصرة بخصوص الدين والحداثة والعلمانية، واحداً من أبرز المواضيع التي يناقشها اليوم كبار المفكرين وعلماء السياسة والاجتماع المعاصرين.
نظرا لطبيعة العلاقة الدائمة والملتبسة بين الدين والسياسة في الدولة الحديثة؛ فإن الأسئلة التي تطرحها عودة الدين، للنقاش السياسي، والانشغال المتزايد للرأي العام بقضايا الانتماء الديني وحقوقه السياسية، دفعت بعالم الاجتماع السياسي وفيلسوف العلمانية الفرنسي جون بيبيرو، للقول: «إن ضبط مفهوم الدين هو من شأن السلطة ويجب أن يستبطنه كل لاعب ليتم القبول به، وإن تخصيص الدين بواسطة لائكيته لا تعني بتاتا زوال التعبيرات الدينية من الفضاء العام».
وإذا كان مرسيل غوشي، وزميله فيليب بيرو، يقتربان في أطروحتهما فيما يخص صعوبة تجاوز الدين للحداثة والعلمنة؛ فإن عالم اجتماع التربية الفرنسي روجيه مونجو، يرد على هذه الأطروحة في مقالته الشهيرة التي نشرها سنة 2012 بعنوان «اللائكية والمجتمع ما بعد العلماني» مؤكدا، أن العلمنة تعيش في مأزق تاريخي. ويقترح الاستناد إلى المقترب العلمي الجديد الذي تبناه المفكر الألماني الشهير يورغن هابرماس، ونحته لمصطلح «المجتمع ما بعد علماني»، لتجاوز هذا المأزق. كما أن مونجو يضيف ردا على الفيلسوف جون بيبيرو، أن التأثيرات التي صنعتها العلمانية، وقدرتها على إزاحة الدين، أو ضبطه بطرق سلطوية قانونية، تحولت مع الوقت في ظل السيرورة الاجتماعية «لعودة الديني»، وليس انمحائه في الفضاء العام.
في هذا السياق يدافع عالم الاجتماع ستافو ديبوج، في كتابه الصادر سنة 2013 «الذئب في المرعى. الأصولية المسيحية تغزو المجال العام»، عن وجهة نظر جدلية، حول المدرسة الخلقية الأميركية، ومناقشتها لعودة الدين للسياسة في أميركا، داعيا إلى رفض أطروحات من يسميهم بمنارات ما بعد العلمانية من أمثال، المسيحيين الإنجيليين، نيكولاس والترستورف، وكريستوف أبريل، وستيفين كارتر؛ إضافة إلى هابرماس، وتشارلز تايلور، وجان مارك فيري. في كتابه هذا، يهاجم ديبوج أطروحة هابرماس، ويتهمها بشكل لا يستند إلى أدلة مقنعة، بكونها هي التي سمحت للدين بالعودة للمجال العام، مشيرا لما يشكله ذلك - حسب رأيه - من خطر يجب التعامل معه. وعليه يقترح ستافو ديبوج، في كتابه المشار إليه أعلاه خطوتين مركزيتين، الأولى: «ألا نهاجم بتهور كبير علمانية المجال العام السياسي، حتى ولو لم نرفض الفروق بين الإيمان والمعرفة؛ وبين العقول الدينية والعقل العام، وبين الأخلاق الدينية والقوانين الوضعية» (ص10). أما الثانية فتتعلق، بما يعتبره المنزلق الخطير الذي تطرحه مقاربة، حرية الدين في الفضاء العام؛ وعليه يتبنى ديبوج طرحا تسلطيا قريبا جدا من المذهبية الفلسفية العلمانية الفرنسية.
بل إنه يحاجج بشكل آيديولوجي، نظرية الفضاء العام، وما بعد العلمانية، ويعتبر هذه الأخيرة «تقوم على الرغبة في رفع جميع القيود عن التعبير على المعتقدات الدينية في المجال العام، فإنها - ما بعد العلمانية - مفيدة جدا لنظرية الخلق ولحركات رجعية أخرى مسوقة باسم العقائد الدينية. فهذه أمثلة على ما تقصده ما بعد العلمانية بانفتاح المجال العام بشكل تام على المعتقدات الدينية، التي يقول كثير من الكتاب بشرعيتها الكاملة للتعبير من غير تحفظ، وأن لها الحق في أن تؤسس بنفسها قرارات سياسية ملائمة للجميع، ومؤثرة على كل فرد أي كان».
من جهته يرى عالم الإنتربولوجيا طلال أسد، أستاذ علم الاجتماع في جامعة كولومبيا الأميركية، في كتابه «تشكلات العلمانية في المسيحية والإسلام والحداثة»، أن إشكالية عودة الدين للفضاء العام، رغم ما يثيره من مخاوف ناتجة أساسا عن الطابع الآيديولوجي للفكر الغربي العلماني المتلبس بالأنسنة والعقلنة المتحيزة. فإن ما يهمنا في الحقل الإنتربولوجي، هو كون العلاقة بين البحث في الدين والعلمانية، في حاجة لإعادة الاكتشاف وتجاوز المآزق الكثيرة التي هيمنت على العقل العلماني العلمي؛ والمرتبط بالخصوص بالنظرة الإبيستمولوجية للدين. «فنادرا ما أبدى الإنثروبولوجيون اهتماما بفكرة العلماني، على الرغم من أن دراسة الدين كانت في صلب اهتمامات الحقل منذ القرن التاسع عشر. وتظهر مجموعة من مقررات الدراسة في عدد من الكليات والجامعات حول إنثروبولوجيا الدين المعدة مؤخراً من أجل الجمعية الإنثروبولوجية الأميركية اتكالاً كبيراً على موضوعات مثل الأسطورة والسحر والعرافة واستخدام المهلوسات والطقوس كعلاج نفسي... توحي هذه الموضوعات المألوفة معاً بأن «الدين»، والذي موضوعه المقدس، يقع في نطاق اللاعقلاني. أما العلماني، حيث تقع السياسة والعلم الحديثان، فلا يظهر في هذه التوليفة. كما أنه لم يعالج في أي من النصوص التقديمية المعروفة جيداً. على أنه من شائع المعرفة أن الديني والعلماني مرتبطان بشدة، سواء في فكرنا أو في الطريقة التي ظهرا بها تاريخيّاً. فينبغي لأي علم يسعى إلى فهم الدين أن يفهم أيضا العلماني. وتحتاج الإنثروبولوجيا، وهي العلم الذي سعى إلى فهم غرابة العالم غير الأوروبي إلى أن تدرك كليّاً ما دلالة أن تكون في آن واحد حديثةً وعلمانية».
ومن هنا لا بد من النظر لقضية العلاقة بين الدين والسياسة في الغرب اليوم على أساس اعتبار العلمانية مذهبا سياسيا يستلزم الفصل بين المؤسسات الدينية والحكومية. فالعلمانية كما يراها الفيلسوف الكندي تشارلز تايلور عميد الفلاسفة المعاصرين في مجال الفلسفة السياسية والأخلاقية «ليست مجرد حل فكري لقضية دوام السلام الاجتماعي والتسامح، بل هي بمثابة قانون يقوّم الوسط السياسي، أي تمثيل المواطنة من خلاله، بالسمو على الممارسات الذاتية التي تهدف إلى التفرقة والتمييز عن طريق الطبقة الاجتماعية، والنوع الاجتماعي، والدين».
ما يجب الانتباه إليه، هو أن طلال أسد يسجل أن حصار العلمانية للدين تاريخيا، لم يؤدِ لزواله، وأنه لم يختفِ إطلاقا في الساحة العامة السياسية، رغم الخفوت الذي أصابه إلى حدود ثمانينات القرن العشرين. أما اليوم فالقضايا الدينية السياسية لم تعد قضايا خاصة بأقلية مؤمنة، ولا هي منحبسة في «الغرف المغلقة»؛ بل إن الحركات الدينية استطاعت أن تكون موضوعا يوميا لدى رجال السياسة والحكم والإعلاميين، ورجال الفكر والمعرفة البحثية. وكل هذا لا يدعونا فقط لمراجعة العلمانية وتصوراتها، ولكن للنظر بشكل متجدد لدور كل من الدين والعلمانية في الحياة الفردية والفضاء العام.
ويبدو أننا اليوم نعيش تراجع ما يطلق عليهم عالم الاجتماع الديني، الأميركي رودني ستار بـ«أنبياء العلمانية». فمع بداية القرن العشرين، كان الرأي العلمي السائد هو مزاعم اقتراب موت الدين.
لكن في الواقع، اليوم، تحولت هذه الأطروحة التي تزعم العلمية، لمجرد أسطورة، رسمت مسارا علميا ملتبسا حول الدين، في جانبه الطقوسي والاعتقادي، ودوره في المجال العام السياسي. لقد كان أول رد تلقته هذه «الأطروحة الأسطورة»، من عالم الاجتماع ديفيد مارتن في بحث له عن الدين والعلمنة سنة 1965؛ وخلص فيه أنه لا يوجد أي دليل علمي يؤكد أن العالم ينتقل من مرحلة دينية نحو مرحلة علمانية، أي ما سماه ديفيد «من مرحلة الدينية في الشؤون الإنسانية إلى مرحلة علمانية».
خلاصة
خلافا للفكر السكوني العربي المجتر لأدبيات القرن التاسع عشر، المتعلقة بالحداثة والعلمنة. نلاحظ أن الفكر السياسي الغربي منذ ثمانينات القرن العشرين، وهو يجري كثيرا من المراجعات والنقد لأطروحات الحداثة حول الدين والعلمانية، بما يتناسب والعودة القوية للدين في الفضاء العام. وإذا كان هذا حال المدارس الغربية المختلفة كما بينا بإيجاز أعلاه؛ فقد أصبح لزاما على الباحثين العرب النظر في قضية عودة الدين، وانتشار حركات الإسلام السياسي على ضوء النقاش الحالي الدائر في الغرب، ضمانا للتعايش في مجتمع متعدد، يعتبر فيه الدين مؤثرا على السياسة ونظام الحكم. كما أن مواكبة هذا النقاش المراجع لعلاقة الدين بالحداثة والعلمانية، تجد مبررها في البيئة العربية التي يخلق فيها، الاتصال بين الدين والسياسة نزاعات دموية ومذهبية بالغة الخطورة والتعقيد. مما يشجع على عودة الدين والحركات الدينية للمجال السياسي، وظهور بعضها بمظهر متشدد.

* أستاذ زائر للعلوم السياسية جامعة محمد الخامس ــ الرباط



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».