البعثة الأممية في ليبيا تنجح في تذويب خلافات قبائل الجنوب

المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة وأعيان قبيلتي التبو والزوي بعد المصالحة
المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة وأعيان قبيلتي التبو والزوي بعد المصالحة
TT

البعثة الأممية في ليبيا تنجح في تذويب خلافات قبائل الجنوب

المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة وأعيان قبيلتي التبو والزوي بعد المصالحة
المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة وأعيان قبيلتي التبو والزوي بعد المصالحة

بات على المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة بذل جهود إضافية لإذابة جليد خلافات قديمة بين القبائل المتناحرة، إلى جانب مساعيه لجمع الأفرقاء على طاولات الحوار. ويرى سلامة أنه «من غير الممكن إجراء انتخابات في البلاد قبل الاتفاق على مسار واضح بين جميع الأطراف للمصالحة»، لذا يتجه دوماً «لتصفية الأجواء بين الخصوم»، ومحاصرة ما يستجد من خلافات.
وعلى مدار يومين، أسفرت الجهود التي ترعاها البعثة الأممية عن توقيع اتفاق بين ممثلي قبيلتي التبو والزوي، في الكفرة (جنوب شرقي البلاد)، بعد مناقشات محتدمة بمقر البعثة في تونس، فيما تنتظر قبائل أخرى دورها في المصالحة، في وقت اتهم فيه عضو مجلس النواب مصباح أوحيدة، أطرافاً لم يسمها، بـ«التصارع على وظيفة القائد الأعلى للجيش، ما جعل الجنوب وكأنه بقعة خارج البلاد».
واجتمع سلامة قبل 3 أيام مع حراك «نعم ليبيا» بمقر البعثة في طرابلس، واستمع إلى آرائهم حول المصالحة الوطنية والانتخابات والجماعات المسلحة، وتمكين المرأة والقطاع الصحي ودور الأمم المتحدة في البلاد.
واتفقت قبيلتا التبو والزوي، وفقاً لبيان البعثة الأممية على «تويتر»، مساء أول من أمس، على تشكيل لجنة عليا للسلام والمصالحة في الكفرة في غضون شهر، ابتداءً من أمس، على أن تكون جميع المكونات الاجتماعية في المنطقة ممثلة بها، ولفتتا إلى أن اختيار الممثلين سيتم عبر عملية تشاورية وبطريقة تتسم بالشفافية. ودعا المشاركون في توقيع الاتفاق إلى إنشاء قوة أمنية محايدة في الكفرة لحماية المؤسسات، كما طالبوا بتوفير الخدمات الاجتماعية ومشاريع التنمية للمنطقة، مشيرين إلى أن منطقة الكفرة، عانت لسنوات من التهميش السياسي والاقتصادي، فضلاً عن النزاعات المتكررة بين القبيلتين، ما تسبب في وقوع قتلى وجرحى، وتضرر في ممتلكاتهما.
وبدأ الاقتتال بين القبيلتين، منذ فبراير (شباط) 2014 بمدينة الكفرة القريبة من الحدود مع تشاد والسودان ومصر، وخلف أكثر من 136 قتيلاً، بحسب وزارة الصحة. غير أن جهود المصالحة في الجنوب أيضاً امتدت لتقريب المسافة بين قبيلتي أولاد سليمان والتبو، بعد اشتباكات نشبت بينهما، رغم توافق مصالحة في العاصمة الإيطالية روما في مارس (آذار) الماضي، بحضور أعيان القبلتين برعاية المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، ممثلاً عن الدولة الليبية ووزارة الداخلية الإيطالية، لكن جهود بعض القوى سعت إلى تطويق الخلاف.
وقال إسماعيل بازنكة، أحد نشطاء قبيلة التبو، إن الجنوب الليبي «يعاني من أزمات اقتصادية وسياسية منذ سنوات، وهذا ينعكس بالطبع على الأوضاع المعيشية للقبائل».
ورسم بازنكة، في حديثه إلى «الشرق الأوسط»، صورة لجانب من الأوضاع هناك، وقال إن «ضعاف النفوس يتوجهون إلى طرق غير مشروعة لتأمين مصادر دخلهم، ومنها الحرابة والسرقة، التي تنتهي غالباً بقتل الضحية... وهذه الاعتداءات تدفع أسرة المجني عليه للقصاص بأنفسهم، مستغلين غياب أجهزة الدولة... فيبدأ مسلسل الثأر».
وأرجع عضو مجلس النواب مصباح أوحيدة تردي الأوضاع الأمنية والمعيشية في الجنوب إلى «الغياب غير المبرر للدولة»، محذراً مما سماه «غزو تنظيمي داعش والقاعدة للجنوب في ظل حالة الانقسام السياسي في البلاد».
وصعّد أوحيدة من اتهاماته للدولة، وقال في مداخلة لفضائية «218» الليبية، إنه «لا أحد يلتفِت إلى الجنوب، إلا في حال وجود خلل في مصادر النفط والمياه»، لافتاً إلى «أن الجماعات الإرهابية تسرح وتتمدد في الجنوب، إضافة لمجموعات المعارضة الأفريقية من دول الجوار تشاد والسودان».
وحمّل أوحيدة مسؤولية تردي الأوضاع في الجنوب «للمجلس الرئاسي ووزارة دفاعه، ومجلس النواب، والقيادة العامة للجيش». غير أن بازنكة ذهب إلى أن وجود قوات المعارضة الأفريقية على الأراضي الليبية، ليست أمراً جديداً، وقال إن «معمر القذافي كان يأويهم لأهداف خاصة، منها زعزعة استقرار بعض الدول والضغط عليها، كما استعان بهم في قمع المتظاهرين أثناء اندلاع ثورة 17 فبراير، ثم بدأوا ينخرطون في الصراعات الليبية بعدها»، مضيفاً أنه «بعد الانقسام السياسي في 2014 فإن غالبية الأطراف السياسية استعانت بهم كمرتزقة لتقوية موقفها العسكري، لكن عندما بدأ المجتمع الدولي في ملاحقة الأطراف التي تأوي المعارضة الأفريقية، بدأ التنصل منهم وإلصاقهم بالتبو».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.