ديسالين... عدّاء إثيوبي غادر المضمار قبل نهاية السباق

استقالته حل ومشكلة... وخليفته المحتمل أحد ثلاثة

ديسالين... عدّاء إثيوبي غادر المضمار قبل نهاية السباق
TT

ديسالين... عدّاء إثيوبي غادر المضمار قبل نهاية السباق

ديسالين... عدّاء إثيوبي غادر المضمار قبل نهاية السباق

استقال في الأسبوع المنصرم هايلي مريام ديسالين، رئيس وزراء إثيوبيا، وذلك في أعقاب تجدّد الاحتجاجات خلال الأسبوعين الماضيين، بعدما انطلقت شرارتها في إقليم أوروميا المحيط بالعاصمة أديس أبابا، وهو أيضاً موطن شعب الأورومو الذي يشكّل نحو 35 في المائة من سكان البلاد. وبرّر ديسالين استقالته في خطاب قال فيه بأنه يريد أن يكون «جزءاً من الحل»، غير أن الرجل ترك منصبه، وترك إثيوبيا تواجه صيفاً لافحا سياسيا، على الرغم من اعتدال الصيف في أديس أبابا ومنحدرات الهضبة الإثيوبية وسفوحها.
يكسب العداءون الإثيوبيون عادة سباقات المسافات الطويلة، وعبر تاريخ الرياضة العديد من الأرقام القياسية العالمية والأولمبية، والسر أن سكان المرتفعات – حيث يقل الأكسجين – معروفون بطول النفَس. وحقاً، مكّنت سياسة «النفَس الطويل» رئيس الوزراء الإثيوبي المستقيل هايلي مريام ديسالين من قيادة بلاده طوال ست سنوات، خلفاً لـ«معلمه» الراحل و«رجل إثيوبيا القوي» الرئيس السابق مِلِس زِناوي (من شعب التيغراي). لكن، يبدو أن «ثوار» شعبي الأورومو والأمهرا قطعوا «نفَس الرجل» في منتصف دورته الرئاسية الثانية، فاضطر للانسحاب من المضمار بهدوء مخالفاً تقاليد «القادة الأفارقة الراسخة» في البقاء رئيساً حتى الموت أو «الانقلاب».
لقد انسحب ديسالين قبل أن يكمل المضمار إلى نهايته، لأنه عرف أن مخزونه من «الأكسجين الشعبي» الذي أمده بالقوة والنفوذ قد نفد. وقال مبرّراً «إنه يريد أن يكون جزءًا من الجهود الرامية إلى إيجاد حل دائم للوضع الحالي»، وذلك على خلفية احتجاجات كبيرة في معاقل الأورومو حول العاصمة، والتي تعدّ أكبر المجموعات العرقية الإثيوبية.

من هو ديسالين؟
عاش هايلي مريام ديسالين حياة هادئة و«ناعمة»، لم يشارك في الكفاح المسلح الذي قاده معلمه الراحل مِلِس زِناوي، وأطاح عبره ثوار «جبهة تحرير التيغراي» بـ«ديكتاتور» إثيوبيا اليساري السابق وزعيم قوات «الديرغ» (اللجنة العسكرية) منغيستو هايلي مريام في 1991.
أثناء الحرب بين منغيستو والثوار، كان ديسالين ينهي دراسته العليا في جامعة تمبيري التكنولوجية في فنلندا حيث حصل على درجة ماجستير من قسم الهندسة المائية، وكان قبلاً كان قد تخرج مهندساً مدنياً في جامعة أديس أبابا. وبعد فنلندا، قرّبه زِناوي وتولاه برعايته، فارتقى المناصب في عهده بسرعة، إلى خلفه في زعامة البلاد بعد وفاة زِناوي المفاجئة في 20 أغسطس (آب) 2012، التي أنهت حكماً استمر 21 سنة. ويذكر أن ديسالين خلال هذه الفترة أيضاً على ماجستير ثانية في القيادة التنظيمية في جامعة أزوسا باسيفيك الأميركية.
عمل ديسالين مستشارا لزِناوي لمدة 5 سنوات، ثم حصل على ترقية في العام 2010 رفعته إلى منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية. وفي العام ذاته انتخب نائباً لرئيس التحالف الحاكم «الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية» التي قادت الحرب الشعبية ضد منغيستو وأطاحت بحكمه. ووفقاً للدستور الإثيوبي، خلف زِناوي المتوفى في رئاسة الوزارة بحكم منصبه كنائب للرئيس. ثم انتخب خلال بضعة أشهر رئيساً أصيلاً للوزراء، وأعيد انتخابه في 2015 رئيساً لدورة رئاسية جديدة، وهي الدورة التي لم يكملها بل سارع بالاستقالة قبل نهايتها.

توازن سياسي قلق
على غير حال القادة الإثيوبيين الذين جاء معظمهم من مجموعات إثنية وثقافية كبيرة، فإن ديسالين ينتمي إلى أقلية الوالايتا في جنوب إثيوبيا. وهناك قاد تحالفاً من 9 مجموعات ثقافية وإثنية. ثم إنه ينتمي إلى إحدى الطوائف البروتستانت المسيحية الصغيرة أيضاً، بينما يُدين معظم مسيحيي إثيوبيا بالأرثوذكسية. ويرى البعض أن انتماءه الديني والعرقي لمجموعات صغيرة، كان مصدر قوته والسبب الذي دفع زِناوي للإتيان به، ولكن في الوقت نفسه نقطة ضعفه الذي دفعه للاستقالة، بعد تفجّر صراعات المجموعات الإثنية الكبرى. وفي هذا السياق كتبت عنه «مجموعة الأزمات الدولية» محللة وضعه «انتماء ديسالين للأقلية في بلد متعدّد الإثنيات ميزة، فهو لا يتحدر من المجموعتين الكبيرتين – أي الأورومو والأمهرا – ما جعله عنصر حفظ توازن» وقالت إن زِناوي أتى به للتمويه عن واقع الحكم الذي يسيطر عليه شعب التيغراي (الذي ينتمي إليه زِناوي)، ليخلق وجوده توازناً سياسيا قلقاً.

نشأته وحياته العائلية
عاش ديسالين، المولود عام 1965 في عائلة كبيرة نسبياً تضم 11 أخاً، طفولة عادية، أمضاها في لعب كرة القدم ومساعدة والده في أعماله، ويصفه أقران طفولته بـ«القصير الخجول». في حين يقول عارفوه بأن خلف ديسالين تقف زوجته رومان تيسفاي، وهي عالمة اقتصاد كان تعرف عليها في الجامعة، ثم تزوج منها بعد قصة حب كبيرة وصداقة طويلة. ويرجع المحللون نجاحه إلى جهودها، ويقولون «تقف خلف أي قائد زوجة محبة» ورومان هي التي وقفت خلف ديسالين. وتنتمي رومان مثل زوجها، إلى منطقة والايتا جنوب إثيوبيا، وتدين مثله بالبروتستانتية. ورزق الزوجان الرئاسيان بثلاثة أبناء، أكبرهم ابنته الأثيرة جوهانا.
ومن سماته الشخصية، أن ديسالين، التكنوقراطي المعتق، يرغب في ارتداء ملابس داكنة في العادة، ويحرص على نظارة طبية أنيقة. ويعرف عنه أنه يقابل ضيوفه برحابة وهدوء مثير، يسمع أكثر مما يتحدّث بلغاته الثلاث الأمهرية والوالايتية والإنجليزية. في مقابلاته الرسمية يحيط الرجل نفسه بفريق حماية قوي ومدرب جيداً، ولا يفرط في الترتيبات الأمنية التي يتطلبها منصبه، بل ربما الأخطار المحدقة به، بل إن البعض يرى أنها مشددة أكثر من اللازم. وعلى غير طبيعة قادة النظام الإثيوبي المتحفظين دوماً تجاه الصحافة والصحافيين، فإن ديسالين عادة ما يتبسط مع ضيوفه من الصحافيين الذين يوافق لماماً على استضافتهم، فيجيب عن الأسئلة الصعبة مباشرة، ويرد السؤال إلى من يطرحه بتحدٍ، محاولا رسم صورة «الزعيم الواثق من كل شيء»، ويحاول اكتشاف تأثيره على مضيفيه.

أداء بلا «كاريزما»
كما سبقت الإشارة، تدرّج ديسالين في مناصب مهمة بعون سلفه مِلِس زِناوي وتشجيعه ورعايته. وكانت «الشرق الأوسط» قد نقلت في وقت سابق، أن البروز الحقيقي لديسالين كسياسي لامع ومؤثر جاء نهاية القرن العشرين ومطلع القرن الحالي، إذ ترقّى في الحزب الحاكم «حزب الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا» الحاكمة، من نائب لرئيس إقليم «منطقة الأمم الجنوبية»، ثم رئيساً له.
وبدعم من زِناوي انتخب نائباً في البرلمان حيث لا يزال يحتفظ بمقعده فيه. وبسرعة أكبر بلغ منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية في أكتوبر (تشرين الأول) 2010. أيضاً برعاية زِناوي، وخلفه في رئاسة الوزارة بعد وفاته، ثم انتخب عام 2013 رئيسا للاتحاد الأفريقي الذي تستضيف أديس أبابا مقره الدائم. بيد أن ديسالين لا يتمتع بـ«الكاريزما» التي كان يتمتع بها سلفه، لكنه – مع ذلك – أفلح في إدارة التناقضات الإثيوبية خلال فترة قيادته البلاد.
لقد نجح في مهمته إلى أن فجّرت الوضع الاحتجاجات الشعبية التي ظلت تشهدها إثيوبيا منذ العام 2015، وبلغت ذروتها في العام 2016. وعند ذلك اضطر ديسالين والحزب الحاكم لتكوين وزارة جديدة أعطى فيها شعبي الأورومو والأمهرا نصيب الأسد من الوزراء، 9 وزراء للأورومو وحدهم، أي ما يعادل 40 في المائة من مجلس الوزراء تقريباً. في المقابل، يقول قادة الأورومو الذين يتزعّمون الاحتجاجات، إن حزب الجبهة الثورية الديمقراطية الحاكم بقيادة ديسالين يسيطر فعلياً على البرلمان بنسبة 100 في المائة.... إذ فاز الائتلاف الحاكم وحلفاؤه على 546 مقعداً من مقاعد البرلمان الإثيوبي البالغة 547 مقعداً، ولم تفلح المعارضة في الحصول على أي مقعد.
احتجاجات الأسبوعين الماضيين، عبر خلالها حركيّو شعبي الأورومو والأمهرا عن سخطهم على ما يرونه هيمنة أقلية التيغراي على السلطة كاملة رغم أنها لا تشكل أكثر من 6 في المائة من سكان البلاد البالغ عددهم زهاء 100 مليون. ويزعم المعارضون الأورومو، بالذات، أن حكومة ديسالين تسلب حقوقهم السياسية والاقتصادية وتهمش إقليمهم، وتمارس ضدهم اضطهادا منهجياً يتضمن القتل والتنكيل والإخفاء القسري ومصادرة الأراضي. كما يقولون إنها تسعى لطمس هويتهم وخصوصيتهم، بفرض اللغة الأمهرية على التدريس، وتقتطع أراضيهم بحجة معلنة هي تحديث العاصمة أديس أبابا، لكني تخفي رغبة غير معلنة لإضافة الأراضي المقتطعة لصالح التيغراي.
وبعدما اعترفت الحكومة الإثيوبية عقب احتجاجات العام 2016 بخطأ طريقة تعاملها مع المحتجين، سارعت إلى تكوين وزارة جديدة، ونقلت «الشرق الأوسط» في حينه عن مسؤول إثيوبي بارز من الخرطوم قوله «التشكيل الوزاري الجديد جعل الحكومة تشبه الشعب الإثيوبي»، وأن للمحتجين مطالباً عادلة، بعدما كانت قد قمعتها بشدة ما أدى لمقتل المئات واعتقال العشرات، ثم أعلنت حالة الطوارئ في البلاد.

كبش فداء
اليوم يرى المراقبون أن ديسالين تعرض لضغوط قوية داخل التحالف الحاكم دفعته لتقديم استقالة، وأن المعلن من أسباب ليس هو الفعلي. ويقول محلل سياسي - طلب التكتم على اسمه - إن التحالف الحاكم اتهم ديسالين بالفشل في مواجهة التوترات العرقية، وطلب منه مستنداً على تقليد «النقد والنقد الذاتي» انتقاد أدائه وتقديم استقالته، فكان بالتالي «كبش فداء». مع هذا، اختار ديسالين الاستقالة منتصف الشهر الجاري من منطلق أنها خطوة ضرورية «من أجل السعي لتنفيذ إصلاحات من شأنها أن تؤدي للسلام الدائم والديمقراطية».
وهكذا ترك ديسالين منصبه بهدوء، لكنه ترك أيضاً «ناراً مخبوءة تحت الرماد». فالمحتجون لا يرون أن الحل يكمن في منصب رئيس الوزراء، بل في سيطرة التحالف الحاكم على البلاد واقتصادها، وذلك وفقاً للصحافي السوداني المختص بشؤون القرن الأفريقي عبد المنعم أبو إدريس، الذي يقول إن «السيناريوهات المقترحة لمواجهة الأزمة لن تفلح في حلها ما لم تتجه إلى جذورها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فخروج الرجل عن سلطة الدولة التي جعل منها واحدة من بين الدول الأعلى نمواً في العالم، يتركها في مهب الريح، فهي تواجه عدة قضايا في وقت واحد، من بينها قضية من يخلفه على الرئاسة». وفي هذا المجال، ترى مجلة «الإيكونوميست» البريطانية، أن هناك ثلاثة مرشحين محتملين لخلافته، هم: ليما ميجيرسا رئيس منطقة أورومو، وديميكي ميكونين المنتمي إلى الأمهرا، ثم وزير الخارجية ورغيني غيبوا الذي يعد أول وزير خارجية من الأورومو.
أما المعارضة، فمن جهتها، أرسلت رسائل حذرت فيها من أنها غير متفائلة بـ«تغيير حقيقي»، ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المعارض البارز رئيس المجلس الفيدرالي للأورومو ميريرا غودينا، قوله إن التحالف الحاكم يسيطر على كل مقاعد البرلمان، وتساءل «ما هو الفرق الذي ستحدثه استقالة ديسالين، في ظل هذه السيطرة»، ومن ثم، اعتبر الاستقالة قضية حزبية داخلية، لا تمثل تغييراً جوهرياً يطالب به الشعب.

زهد غير مشهود
أخيراً، رغم كل التحليلات فإن ديسالين «استقال» مخالفاً «تقليداً عند القادة الأفارقة»، هو البقاء في السلطة حتى الموت، أو حين تدوي مارشات العسكر، معلنة انقلاباً ضده. لقد استقال بعدما حقق نجاحات اقتصادية لافتة جعلت من اقتصاد بلاده من بين الاقتصادات الأسرع نمواً في العالم، بينما تتهمه جهات معارضة وحكومية بالفشل في احتواء النزاعات الإثنية في بلد تقوم فيه السلطة منذ القِدم على تحالفات أو تقاطعات إثنية، بين أكبر مجموعاته السكانية. وبديهي أنه بهذه الاستقالة تفقد المجموعات العرقية «الصغيرة» امتيازاً تمتعت به لأنها «صغيرة» ولا ينتظر أن تستعيده قريباً.



إردوغان يعرض وساطة لحل الخلاف بين السودان والإمارات

من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
TT

إردوغان يعرض وساطة لحل الخلاف بين السودان والإمارات

من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)

عرض الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وساطة بلاده لحل الخلاف بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة على غرار ما قامت به لتسوية الأزمة بين الصومال وإثيوبيا حول اتفاق الأخيرة مع إقليم أرض الصومال على استخدام ساحلها على البحر الأحمر.

وقال إردوغان، في اتصال هاتفي، الجمعة، مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، إن «بإمكان تركيا التوسط لحل الخلاف بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة». وبحسب بيان للرئاسة التركية، تناول إردوغان مع البرهان، خلال الاتصال الهاتفي، العلاقات بين تركيا والسودان، وقضايا إقليمية وعالمية، وأكد أن تحقيق السلام والاستقرار في السودان والحفاظ على وحدة أراضيه وسيادته ومنع تحوله إلى ساحة للتدخلات الخارجية، من المبادئ الأساسية لتركيا.

ولفت إردوغان، بحسب البيان، إلى أن تركيا توسطت لحل الخلاف بين الصومال وإثيوبيا، وأن الاتفاق بين البلدين سيساهم في السلام بالمنطقة.

اتهامات متبادلة

ودأب قادة الجيش السوداني على اتهام دولة الإمارات العربية المتحدة، بدعم قوات «الدعم السريع» وتزويدها بالأسلحة والمعدات. وتقدم مندوب السودان في الأمم المتحدة الحارث إدريس الحارث، بشكوى رسمية ضدها، واتهمها بالتخطيط لإشعال الحرب ودعم «قوات الدعم السريع» بمساعدة من تشاد، طالباً إدانتها، بيد أن أبوظبي فندت تلك الاتهامات ووصفتها بأنها "ادعاءات لا أساس لها من الصحة، وتفتقر للأدلة الموثوقة.

وفي المقابل وجهت دولة الإمارات رسالة إلى مجلس الأمن في 21 أبريل (نيسان)، شددت خلالها على أن نشر المعلومات المضللة والروايات الزائفة، يرمي إلى التهرب من المسؤولية، وتقويض الجهود الدولية الرامية إلى معالجة الأزمة الإنسانية في السودان بعد عام من الصراع بين الجيش و«قوات الدعم السريع». وأكدت أنها «ستظل ملتزمة بدعم الحل السلمي للصراع في السودان، ودعم أي عملية تهدف إلى وضع السودان على المسار السياسي للتوصل إلى تسوية دائمة، وتحقيق توافق وطني لتشكيل حكومة بقيادة مدنية».

الشيخ محمد بن زايد وعبد الفتاح البرهان في أبو ظبي 14 فبراير (أ.ف.ب)

وفي يوليو (تموز) الماضي، بحث رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في اتصال هاتفي، مع رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، «سبل دعم السودان للخروج من الأزمة التي يمر بها»، وأكد حرص دولة الإمارات على دعم جميع الحلول والمبادرات الرامية إلى وقف التصعيد وإنهاء الأزمة في السودان.

تعهدات تركية للبرهان

ووفقاً لنشرة صحافية صادرة عن مجلس السيادة السوداني، فإن الرئيس إردوغان تعهد للبرهان باستمرار تدفق المساعدات الإنسانية التركية للسودان، وباستئناف عمل الخطوط الجوية التركية قريباً، وباستعداد بلاده لتعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتعاون في الزراعة والتعدين.

وذكر السيادي أن البرهان أشاد بمواقف تركيا «الداعمة للسودان»، وجهودها من أجل السلام والاستقرار في المنطقة والإقليم، ودورها في معالجة الكثير من القضايا الإقليمية والدولية، ودورها في الملف السوري، مبدياً ترحيبه بأي دور تركي لوقف الحرب «التي تسببت فيها ميليشيا الدعم السريع المتمردة». ودعا البرهان لتعزيز الاستثمارات التركية في مختلف المجالات، مؤكداً ثقته في مواقف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحكومته الداعمة للشعب السوداني وخياراته.

ويرى مراقبون أن الاتصال الهاتفي بين إردوغان والبرهان في هذا التوقيت يأتي في ظل متغيرات وترتيبات جديدة في المنطقة تشمل السودان، بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا.

ومنذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، يخوض الجيش السوداني البرهان، و«قوات الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حرباً خلفت أكثر من 20 ألف قتيل، وما يزيد على 14 مليون نازح ولاجئ، وفق تقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية.

حضور تركي في القرن الأفريقي

وقطعت تركيا، الأربعاء الماضي، خطوة كبيرة على طريق حل النزاع بين الصومال وإثيوبيا، بعد جولات من المباحثات بين الطرفين في إطار ما عرف بـ«عملية أنقرة»، يراها مراقبون ترسيخاً للحضور التركي القوي في منطقة القرن الأفريقي.

إردوغان يتوسط الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي خلال مؤتمر صحافي في أنقرة مساء الأربعاء الماضي (الرئاسة التركية)

وأعلن الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، ورئيس الوزراء الصومالي، آبي أحمد، في مؤتمر صحافي مع إردوغان مساء الأربعاء، أعقب 8 ساعات من المفاوضات الماراثونية سبقتها جولتان من المفاوضات في أنقرة في الأشهر الماضية، أنهما قررا بدء المفاوضات الفنية بحسن نية بحلول نهاية فبراير (شباط) 2025 على أبعد تقدير، والتوصل إلى نتيجة منها والتوقيع على اتفاق في غضون 4 أشهر، بحسب ما ورد في «إعلان أنقرة». وقبل الطرفان العمل معاً على حل نزاع حول خطة أديس أبابا لبناء ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية، التي تسببت في زيادة زعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي.

وقال إردوغان إن البلدين الجارين توصلا، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة، إلى اتفاق «تاريخي» ينهي التوترات بينهما.

وبحسب نص إعلان أنقرة، الذي نشرته تركيا، اتفق البلدان على «التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك، والعمل باتجاه إقرار إبرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولاً إلى البحر «موثوقاً به وآمناً ومستداماً تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفيدرالية».

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر، قائلاً: «أعتقد أنه من خلال الاجتماع الذي عقدناه سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر لإثيوبيا».

إردوغان مع الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي عقب توقيع إعلان أنقرة (الرئاسة التركية)

وتدخلت تركيا في النزاع بطلب من إثيوبيا، التي وقعت في الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي اتفاقية مع منطقة «أرض الصومال»، التي أعلنت انفصالها عن الصومال عام 1991، لكن لم تحظ باعتراف المجتمع الدولي، وتشمل النقل البحري واستخدام ميناء بربرة على البحر الأحمر، واستغلال 20 كيلومتراً من ساحل أرض الصومال لمدة 50 عاماً مقابل الاعتراف باستقلالها عن الصومال، مع منحها حصة من شركة الخطوط الجوية الإثيوبية.

ترحيب دولي

ورحب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال لقائه إردوغان في أنقرة، ليل الخميس – الجمعة، بنجاح تركيا في التوصل إلى اتفاق بين الصومال وإثيوبيا. كما رحب الاتحاد الأوروبي بالاتفاق، وأشاد بدور الوساطة الذي لعبته تركيا بهذا الخصوص.

وترتبط تركيا بعلاقات قوية بإثيوبيا، كما أصبحت حليفاً وثيقاً للحكومة الصومالية في السنوات القليلة الماضية. وافتتحت عام 2017 أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج في مقديشو، وتقدم تدريباً للجيش والشرطة الصوماليين.

وبدأت في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أنشطة المسح الزلزالي للنفط والغاز الطبيعي في 3 مناطق مرخصة في الصومال تمثل كل منها مساحة 5 آلاف كيلومتر مربع، بموجب مذكرة تفاهم وقعت بين البلدين في مارس (آذار) الماضي، لتطوير التعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي.

وجاء توقيع المذكرة بعد شهر واحد من توقيع اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي، تقدم تركيا بمقتضاها دعماً أمنياً بحرياً للصومال، لمساعدته في الدفاع عن مياهه الإقليمية لمدة 10 سنوات.