«طباخ بوتين» زار حميميم ووعد بـ«مفاجأة سارة»... فقصفت واشنطن «مرتزقته»

{الشرق الأوسط} تنشر الاتفاق بين دمشق وشركة روسية حول الثروة الطبيعية

حقل غاز قرب تدمر (أ.ف.ب)
حقل غاز قرب تدمر (أ.ف.ب)
TT

«طباخ بوتين» زار حميميم ووعد بـ«مفاجأة سارة»... فقصفت واشنطن «مرتزقته»

حقل غاز قرب تدمر (أ.ف.ب)
حقل غاز قرب تدمر (أ.ف.ب)

عدد «المرتزقة» الروس الذين قتلوا في غارة أميركية في دير الزور قبل أسبوعين تجاوز كثيراً ما أعلن رسمياً في موسكو، وسط أنباء عن مقتل 150 منهم، يعملون ضمن «مجموعة فاغنر» المرتبطة برجل الأعمال يفغيني بريغوجين المقرب من الرئيس فلاديمير بوتين ويعرف بأنه «طباخ بوتين».
وكان لافتا أن بريغوجين أبدى اهتماماً بحقول النفط والغاز شرق نهر الفرات قبل أشهر من سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية - العربية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة أميركا، ذلك بموجب اتفاق وقعته إحدى شركات بريغوجين مع الحكومة السورية لاستعادة حقوق النفط والغاز مقابل الحصول على ربع عائداتها.
وبحسب مسودة الاتفاق وشهادات ووثائق حصلت عليها «الشرق الأوسط»، فإن بريغوجين زار قاعدة حميميم وفاوض مسؤولين في وزارة النفط في دمشق لتوقيع عقد تعاون، حيث أبدى اهتماماً بمصادر الطاقة وخصوصاً النفط والغاز والمصانع والأنابيب والمنشآت المخصصة لذلك.
وبعد الغارة الأميركية ليل 7 - 8 فبراير (شباط) الحالي، نقلت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية عن تقارير استخباراتية أن هجوم «مجموعة فاغنر» جاء بعد حصول بريغوجين على «ضوء أخضر» من مقربين من الكرملين في 24 الشهر الماضي وقوله لمقرب من الرئيس بشار الأسد نهاية الشهر إن «مفاجأة طيبة» ستحصل، ربما في إشارة إلى هجوم كان يعد له «المرتزقة الروس» ضد حلفاء واشنطن شرق سوريا بين6 و 9 الشهر الحالي.


فيديو وزعته وزارة الدفاع الاميركية لغارة دير الزور
زائر في حميميم
وقال لـ«الشرق الأوسط» رجل أعمال سوري التقى بريغوجين في قاعدة حميميم مرتين على الأقل، إن رجل الأعمال الروسي جاء إلى القاعدة بطائرة خاصة كان يرتدي لباساً مدنياً وسترة عسكرية وأنه بدا وكأنه «يعامل الضباط الروس بفوقية لافتة، فجميعهم كانوا يخافون منه وينفذون تعليماته بدقة عالية». وأشار إلى أن اللقاءين اللذين حصلا قبل أشهر أظهرا «عزمه ونيته السيطرة على حقول النفط والغاز في سوريا وأنه مستعدة للتعاقد لتشغيل حقول النفط والغاز». وقال آخر إن بريغوجين «عرض توقيع اتفاقات تعاون مع فصائل وميلشيات للعمل سوية بغية السيطرة على حقول نفط وغاز وطرد المعارضة أو (داعش) منها». وكانت سوريا تنتج 360 ألف برميل يومياً وانخفض الإنتاج إلى 50 ألف برميل كانت خاضعة لسيطرة «داعش» مع تعاون أمر واقع مع دمشق وأطراف أخرى. لكن صراعاً ظهر مع بعض القوى الخارجية والمحلية للسيطرة على مصادر الثروة بعد طرد «داعش» منها.
وبموجب تفاهم بين واشنطن وموسكو في مايو (أيار) الماضي، ذهبت مناطق شرق نهر الفرات إلى أميركا وحلفائها وغرب النهر إلى روسيا وحلفائها. وباعتبار أن الجانب الروسي كان حذرا من تكرار تجربة أفغانستان قرر عدم إرسال قوات برية واعتمد على ميليشيات تابعة لإيران وقوات الحكومة السورية وشرطة عسكرية من الشيشان، إضافة إلى شركات خاصة من المرترقة.
وهنا برز دور شركة أمنية خاصة تعمل في سوريا بموجب عقد مع وزارة الدفاع الروسية تحمل اسم «فاغنر» شبيهة بشركة «بلاك ووتر» الأميركية التي ذاع صيتها بعد حرب العراق عام 2003. و«فاغنر» تأسست على يد العميد السابق في الجيش الروسي ديمتري أوتكين الذي يخضع لعقوبات أميركية لدور الشركة في تجنيد الجنود الروس السابقين للقتال في شرق أوكرانيا. وقائد «مجموعة فاغنر» من المقاتلين السابقين في الدونباس شرق أوكرانيا، كان يعرف باسم «فاغنر» وكانت أولى مشاركاته في المعارك السورية في 2013. بحسب «رويترز». وسجل مقتل مكسيم كولغانوف في فبراير 2016 خلال معارك قرب حلب وبعدها بفترة قصيرة مات سيرغي موروزوف في المستشفى بعد إصابته خلال المعارك قرب مدينة تدمر. وقالت «رويترز» إنه «تم منح موروزوف وكولغانوف الأوسمة التي يتم منحها لجنود الجيش الروسي وشهادات موقعة من الرئيس بوتين تقديرا لتضحياتهم في سبيل وطنهم».
بعد ذلك، عاد إلى شرق أوكرانيا ليقود مجموعة من المقاتلين الروس، لكن سرعان ما عاد إلى سوريا بعد التدخل العسكري الروسي في سبتمبر (أيلول) 2015، وأصبحت شركة كبيرة وصل عدد عناصرها إلى 1500 عنصر. وهناك من يتحدث بأن عدد المقاتلين فيها بين 2500 و3000 عنصر. وشوهد أوتكين خلال مأدبة عشاء أقامها بوتين في 9 ديسمبر (كانون الأول) 2016 لقدماء و«أبطال» الجنود الروس.
وليس للمجموعة أي وجود قانوني خصوصا أن الشركات الأمنية الخاصة محظورة في روسيا، لكن موقع «فونتانكا» أفاد بأنه حتى صيف 2016 كان معسكر تدريب «فاغنر» يقع في مولكينو قرب كرازنودار جنوب روسيا، في الموقع ذاته حيث تتمركز كتيبة للقوات الخاصة والاستخبارات العسكرية الروسية.وبحسب وسائل إعلام روسية، فإن «مجموعة فاغنر» ممولة من يفغيني بريغوجين وهو رجل أعمال من سان بطرسبورغ ويلقب بـ«طباخ بوتين» بعد أن جمع ثروة من نشاط في المطاعم وحصل على عدة عقود من الجيش الروسي. ونقل رجل أعمال سوري أن بريغوجين أبلغه بأنه يعرف الرئيس بوتين من خلال عمل في الاستخبارات.
وبرز دور «فاغنر» في معركة تحرير تدمر في مارس (آذار) 2016، كما كلفت المجموعة بإسناد القوات النظامية السورية ميدانيا. غير أن أسبوعية «سوفيرشينكو سيكريتنو» (سري جدا) قالت إن مهمة «المرتزقة» تغيرت. وباتت مهمتهم تتمثل في «حراسة المنشآت النفطية». وأسس بريغوجين عام 2016 منظمة أخرى أطلق عليها «يورو بوليس» في منتصف عام 2016، وتتمثل مهمتها في استعادة ومراقبة المنشآت النفطية لحساب السلطات السورية.

«حصة الأسد» للروس
وفي مطلع العام الماضي، جرت مفاوضات بين وزارة النفط السورية وشركة «يوروبوليس» الروسية. وحصلت «الشرق الأوسط» على مسودة الاتفاق، التي تقع في نحو 45 صفحة بينها 17 مادة تنفيذية، ضمت التعاون لـ«تحرير مناطق تضم آبار نفط ومنشآت وحمايتها» مقابل الحصول على حصة من الإنتاج خلال فترة خمس سنوات. وذكرت المسودة أن «إنتاج النفط والغاز يذهب بنسبة 25 في المائة إلى يوروبوليس و75 في المائة للحكومة ممثلة بوزارة النفط» وأن الأشخاص المخولين من الحكومة «يمكن لهم الدخول لمناطق العقد والتشغيل، على أن يخصص المشغل مبلغ 50 مليون دولار أميركي سنوياً لـ(التدريب الخارجي)». كما نصت على إعفاء «يوروبوليس» من جميع الضرائب بما فيها المتعلقة بالإنتاج والأرباح والضريبة على الدخل. وزادت: «تدفع الحكومة العمولة في نهاية كل شهر آخذين في الاعتبار كلفة الإنتاج»، إضافة إلى إمكانية «تعاون الطرفين» في مناطق خارج تلك المشمولة في العقد «لكن أي اتفاق بين الشركة السورية للنفط ويوروبوليس يجب أن يحظى بموافقة وزير النفط».
وبحسب معلومات متوفرة، فإن مدير الشركة السورية للنفط علي عباس تحفظ على الاتفاق وإن كانت الحكومة سمحت بعد 2011 بالتعاون مع شركات خاصة لحماية مشتقات النفط والغاز. وبعد السيطرة على حقل الشاعر للغاز قرب حمص، طالبت الشركة بحصتها من الإيرادات. كما أنها سعت للسيطرة على حقول الفوسفات قرب حمص، كانت طهران ودمشق وقعتا اتفاقاً للاستثمار فيها ضمن مذكرات تفاهم بين الطرفين تناولت أيضا الهاتف النقال وإقامة ميناء للنفط غرب البلاد. وأكد قيادي ميداني لـ«الشرق الأوسط» تسجيل مواجهات عدة بين عناصر «فاغنر» التي تنفذ اتفاقات «يوروبوليس» من جهة وموالين للنظام سواء كانوا من عناصر الجيش والاستخبارات أو الميلشيات و«أمراء الحرب» من جهة ثانية.
وإذ لعب التحالف الدولي بقيادة أميركا دوراً في طرد «داعش» نهاية العام الماضي من «كونوكو» أهم معمل لمعالجة الغاز في البلاد كانت تبلغ قدرته 13 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي في اليوم الواحد ومن حقل «العمر» الذي وصل إنتاجه إلى ثلاثين ألف برميل يومياً، فإن بريغوجين الذي كان أبدى اهتمامه بهما عبر التفاوض في منتصف 2017 واصل التعبير عن رغبته بالسيطرة عليهما.
وبحسب مسؤولين في «قوات سوريا الديمقراطية» ودبلوماسيين غربيين، فإن قافلة ضمت عربات ونحو 300 عنصر بينهم عشرات «المرتزقة» الروس تقدمت في 6 فبراير نحو موقع «قوات سوريا الديمقراطية» في معمل غاز «كونوكو» الذي يبعد 8 كيلومترات فقط عن خط التماس - نهر الفرات. بين الطرفين. وقال مسؤول رفيع إن ضابط الارتباط في الجيش الأميركي أبلغ نظيره الروسي عبر الخط المفتوح بموجب اتفاق منع الصدام ضرورة وقف تقدم الميلشيات، لكن الجانب الروسي أبلغه بأن لا معلومات لديه عنه. وقتذاك، استهدفت قاذفة أميركية القافلة ودمرت دبابة وعشرات العناصر وقتذاك عاد الضابط الروسي وطلب من الجانب الأميركي إجلاء الجرحى وجثث القتلى.
أعلنت واشنطن عن الغارة وسقوط عشرات القتلى. موسكو نفت حصول ذلك بداية، لكنها أكدت لاحقاً مقتل «خمسة روس»، مؤكدة أنهم لا ينتمون إلى الجيش الروسي. وكان بين القتلى فلاديمير لوغينوف الذي أعلن مقتله في 12 فبراير وكيريل أنانييف الذي ينتمي إلى منظمة «دروغايا روسيا» (روسيا أخرى) التي كان أسسها الكاتب القومي المتشدد إدوار ليمونوف.
يشار إلى أن بريغوجين أدرج على قائمة العقوبات الأميركية لعلاقته بشركة مقرها سان بطرسبرغ متهمة بإعداد «المتصيدين» عبر الإنترنت و«التدخل في النظام السياسي الأميركي». وتحدثت صحف روسية عام 2014 عن «مصنع المتصيدين»، مؤكدة أنه يملك آلاف الحسابات الوهمية على شبكات التواصل التي استحدثت في الأساس للتأثير على السياسة الداخلية ثم وُجهت عام 2015 لاستهداف الرأي العام الأميركي.
وقدرت المجموعة الإعلامية الروسية (آر بي كي) في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أن نحو تسعين شخصا يعملون في «القسم المكلف الولايات المتحدة» داخل ذاك «المصنع». وشركة «يفرو بوليس» أو «أفرو بوليس» على قائمة العقوبات الأميركية منذ يناير (كانون الثاني). وأكدت واشنطن أنها عاقبت هذه الشركة لأن بريغوجين «يملكها ويسيطر عليها».
وبحسب خبراء، فإن الغارة التي قتل فيه روس هي أول مواجهة مباشرة بين الطرفين منذ عقود. واختلفت تقديرات القتلى الروس، ففي حين قال مصدر روسي إن القتلى بين 150 و160 شخصا، قال قيادي عسكري: «شاهدت الغارة على شاشة مباشرة من غرفة العمليات بين التحالف وقوات السورية الديمقراطية، كان هناك أكثر من 260 قتيلاً يمكن القول إن 90 في المائة منهم كانوا من المرتزقة الروس».
وربط مراقبون بين قرار الرئيس بوتين إرسال مقاتلين من طراز «إس يو - 57» إحدى طائرات الجيل الخامس إلى قاعدة حميميم الاثنين الماضي والتصعيد الثنائي بعد المواجهة العسكرية المباشرة بين الأميركيين والروس من عقود، إضافة إلى أن القرار الروسي جاء بعد قصف طائرات إسرائيلية مواقع إيرانية وسوريا قرب حمص وسط البلاد.

فيديو وزعه ناشط لوصول طائرتي “ اس يو-٥٧”الروسيتين الى قاعدة حميميم 
عقد في المياه الإقليمية
إضافة إلى اهتمام موسكو بالنفط والغاز في وسط سوريا وشرقها، أفيد قبل أيام بتوقيع اتفاق ضخم بين دمشق وشركة «سويوز نفتا غاز» الروسية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية غطى مساحة 2190 كيلومترا مربعا. ويمتد العقد، وهو الأول من نوعه للتنقيب عن النفط والغاز في المياه السورية، على مدى 25 عاما حيث إن كلفة التنقيب والاستكشاف تبلغ مائة مليون دولار. وقال مسؤولون في وزارة الدفاع إن الشركة «ستباشر فورا تنفيذ العقد، متجاوزة العقوبات الاقتصادية الجائرة ضد قطاع النفط». وباشرت الشركة الروسية العملاقة للتنقيب عن النفط والغاز بحفر منطقة الآبار مقابل شاطئ اللاذقية، وكانت تركيا تعترض على الأمر سابقا لكن روسيا أقنعت تركيا بالابتعاد وعدم طلب أي شيء من الغاز والنفط في المياه الإقليمية السورية قرب القاعدتين الروسيتين في اللاذقية وطرطوس غرب سوريا.
وستنال الشركات الروسية 20 في المائة من مدخول ربح النفط والغاز فيما ستحصل سوريا على 75 في المائة من أرباح النفط والغاز. وقال خبراء في مجال النفط إن الاستثمار في هذا العقد «له بعد سياسي أكثر من البعد الاقتصادي، وإن الإفادة تتطلب استثمارات كبيرة و10 سنوات».


بوتين ورجل الأعمال يفغيني بريغوجين (يسار) في مصنع مدينة سانت بطرسبورغ عام 2010



ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
TT

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)

عندما بدأت عملية «طوفان الأقصى» ونشوب الحرب في غزة، كانت إيران تواجه تداعيات الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة إثر وفاة الشابة مهسا أميني، التي جعلت خريف 2022 الأكثر دموية في الداخل الإيراني.

اندلعت الحرب في قطاع غزة، في لحظة محورية بالنسبة لمؤسسة المرشد الإيراني؛ حيث زادت الضغوط الدولية عليه بسبب قمع الاحتجاجات الداخلية، وإرسال الطائرات المسيّرة إلى روسيا، مع وصول المفاوضات النووية إلى طريق مسدود.

ومنذ الموقف الرسمي الأول، رأت طهران أن هجوم حركة «حماس» هو «رد فعل طبيعي وحركة عفوية على السياسات الحربية والاستفزازية والإشعال المتعمّد للصراعات من قبل رئيس الوزراء المتطرف والمغامر لإسرائيل».

دأب المسؤولون الإيرانيون على نفي أي دور في اتخاذ قرار عملية «طوفان الأقصى»، لكن الحراك الدبلوماسي والسياسي أوحى بأن أركان الدولة، بما في ذلك الجهاز الدبلوماسي، كان على أهبة الاستعداد للتطور الكبير الذي يهز المنطقة.

بعد أقل من أسبوع على هجوم «طوفان الأقصى» بدأ وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان، أول جولاته الخمس على دول المنطقة قبل وفاته في 19 مايو (أيار)؛ بهدف عقد مشاورات مع مسؤولي دول الجوار ولقاءات تنسيقية قادة جماعات «محور المقاومة» وتوجيه رسائل إقليمية، وتوجه إلى العراق وواصل زيارته إلى دمشق، ومنها إلى بيروت، وانتهى المطاف في الدوحة.

وحينها وجهت إيران رسالة لإسرائيل، بأنها قد تواجه عدة جبهات إذا لم تتوقف عملياتها العسكرية في غزة.

ودفعت طهران باتجاه تعزيز صورة الجماعات المسلحة في المنطقة، والعمل على إضفاء الشرعية على دورها في دعم تلك الجماعات، مستغلة الأوضاع السياسية والاضطرابات الإقليمية.

اجتماع ثلاثي بين عبداللهيان وزياد النخالة أمين عام «الجهاد الإسلامي» وصالح العاروري رئيس مكتب حركة «حماس» في بيروت مطلع سبتمبر 2023 (الخارجية الإيرانية)

وشكل هذا الموقف المحطة الأولى لإيران. وترى طهران أنها نقلت جماعات «محور المقاومة» من نطاق محصور إلى نطاق «عالمي»، أو ما يسميه الدبلوماسيون الإيرانيون من «عالم المقاومة» إلى «المقاومة العالمية».

بذلك، انتقلت إيران، التي حاولت الحفاظ على مرحلة التهدئة مع جيرانها الإقليميين، إلى وضع هجومي فيما يتعلق بالجماعات المرتبطة بها، وهو ما يراه البعض انعكاساً لاستراتيجيتها على توسيع نفوذها ودورها في المنطقة.

على المستوى الرسمي، بعثت إيران برسالة للأوساط الدولية بأن تلك الجماعات مستقلة، وتملك قرارها بنفسها، وتصنع أسلحتها، لكن عدة مسؤولين وقادة عسكريين إيرانيين أشاروا في تصريحاتهم إلى دور الجنرال قاسم سليماني وقوات الوحدة الخارجية في «الحرس الثوري» بتسليح تلك الجماعات وتزويدها بتقنيات صناعة الأسلحة.

أما ثاني محطة لإيران بعد «طوفان الأقصى»، فقد بدأت بعد شهر من اندلاع الحرب في غزة؛ حيث دعا المرشد الإيراني علي خامنئي إلى ما وصفه بـ«قطع الشرايين الاقتصادية» لإسرائيل، خصوصاً ممرات النفط والطاقة. ومنها دخلت الجماعات المرتبطة بطهران، وجماعة «الحوثي» تحديداً على خط الأزمة، وشنّت هجمات على سفن تجارية على مدى أشهر، أثرت على حركة الملاحة في البحر الأحمر.

كما باشرت الميليشيات والفصائل العراقية الموالية لإيران، هجمات بالطائرات المسيّرة على إسرائيل والقواعد الأميركية على حد سواء.

وبدأ الجيش الأميركي رده بعدما تعرضت له قاعدة في الحدود السورية بالرد على هجمات طالت قواته، مستهدفاً مواقع للفصائل المسلحة.

على المستوى السياسي، أصرت طهران على وضع شروط الجماعات الحليفة معها أولاً لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومنها أبدت معارضتها لأي تسويات دولية، خصوصاً إحياء مقترح «حل الدولتين». وفي ديسمبر (كانون الأول)، قال وزير الخارجية الإيراني إن رفض «حل الدولتين» نقطة مشتركة بين إيران وإسرائيل.

المحطة الثالثة: بموازاتها باشرت إسرائيل بشن هجمات هادفة ضد القوات الإيرانية في سوريا، واستهدفت رضي موسوي مسؤول إمدادات «الحرس الثوري» في سوريا في ديسمبر، وبعد شهر، أعلن «الحرس الثوري» مقتل مسؤول استخباراته هناك، حجت الله أميدوار، لكن أقوى الضربات جاءت في مطلع أبريل (نيسان) عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية اجتماعاً لقادة «الحرس» في مقر القنصلية الإيرانية، وقتلت أرفع مسؤول عسكري إيراني في سوريا ولبنان، الجنرال محمد رضا زاهدي.

المرشد الإيراني علي خامنئي يؤم صلاة الجنازة على جثامين زاهدي وجنوده في حسينية مكتبه 4 أبريل 2024 (أ.ف.ب - موقع المرشد)

أما المحطة الإيرانية الرابعة، فقد وصلت إيران فيها إلى حافة الحرب مع إسرائيل، عندما ردت على قصف قنصليتها، بشن أول هجوم مباشر من أراضيها على الأراضي الإسرائيلية بمئات الصواريخ والمسيّرات.

ورغم تأكيد الجانب الإسرائيلي على صد الهجوم الإيراني، فقد وجهت ضربة محدودة لإيران باستهداف منظومة رادار مطار عسكري في مدينة أصفهان، قرب منشأة نووية حساسة.

وزادت المواجهة من احتمال تغيير مسار البرنامج النووي الإيراني، مع تكاثر الحديث في طهران عن ضرورة التوصل لأسلحة رادعة، وأيضاً التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.

امرأة غير محجبة تمر أمام لافتة دعائية للصواريخ الإيرانية في ساحة «ولي عصر» وسط طهران 15 أبريل الماضي (رويترز)

المحطة الإيرانية الخامسة، جاءت بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في حادث تحطم مروحية قرب الحدود الأذربيجانية. وسارعت السلطات الإيرانية لنفي نظرية المؤامرة، مستبعدة بذلك أي احتمالات لتعرض أرفع مسؤول تنفيذي في البلاد لضربة إسرائيلية. وأصدرت هيئة الأركان بعد نحو 3 أشهر على مقتل رئيسي، تأكيداً بأن مروحيته سقطت نتيجة ظروف مناخية، رغم أنها لم تُجِب عن كل الأسئلة.

عبداللهيان خلال اللقاء الذي جمعه بنصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية فبراير الماضي (إعلام «حزب الله»)

وفي هذه المرحلة، توسعت الحملة الإيرانية، مع دخول الموقف السياسي الإيراني مرحلة السبات فيما يخص تطورات الحرب في غزة، نظراً لانشغال السلطات بالانتخابات الرئاسية، والسعي لتشكيل حكومة جديدة.

وخلال حملة الانتخابات الرئاسية، تجنب المرشحون للانتخابات إثارة القضايا المتعلقة بحرب غزة والدعم الإيراني. على الرغم من الانتقادات الداخلية لتأجيل القضايا الإيرانية الملحة مثل رفع العقوبات وتعطل المسار الدبلوماسي لإحياء الاتفاق النووي.

وكان لافتاً أن تصريحات المرشحين بمختلف توجهاتهم لم تذهب أبعد من الإشادة بالبرنامج الصاروخي، وتوجيه الضربة لإسرائيل، والتعهد بتعزيز معادلات الردع.

المحطة السادسة: بمراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في 30 يوليو (تموز)؛ إذ شهدت طهران أكبر تحول في حرب غزة، ألا وهو اغتيال رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنية، في مقر تابع لـ«فيلق القدس» في شمال طهران.

هنية ونائب الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني ورئيس حركة «الجهاد الإسلامي» والمتحدث باسم الحوثيين في مراسم القسم الدستوري للرئيس الإيراني بطهران 30 يوليو الماضي (رويترز)

وتعهد المرشد الإيراني علي خامنئي حينها بالرد على «انتهاك السيادة الإيرانية» واغتيال «ضيف إيران»، وتنوعت نبرة ومفردات التهديد بين مسؤولين سياسيين وقادة عسكريين. وشدد المسؤولون الإيرانيون على حتمية الرد مع تقدم الوقت وتراكم الشكوك بشأن رد إيران.

وأثار اغتيال هنية في طهران الكثير من التساؤلات حول طبيعة العملية، خصوصاً مع وجود الاختراقات.

موكب تشييع إسماعيل هنية في طهران يوم 1 أغسطس الماضي (أ.ب)

المحطة السابعة: كان عنوانها تفجيرات أجهزة «البيجر»، بالتزامن مع رسالة تهدئة من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خصوصاً مع الولايات المتحدة، وشملت إسرائيل.

وقبل أن يتوجه إلى نيويورك، قال بزشكيان في مؤتمر صحافي إن بلاده لا تريد أن تكون عاملاً لزعزعة الاستقرار في المنطقة، ولا تريد تصدير الثورة، مبدياً استعداده للانفتاح على واشنطن، إذا أثبتت أنها ليست معادية لطهران، وذهب أبعد من ذلك عندما استخدم وصف «الأخوة الأميركية».

واصل بزشكيان هذه النبرة في لقاءات على هامش حضوره أعمال الجمعية العامة في نيويورك، وقال: «إيران مستعدّة لوضع أسلحتها جانباً إذا وضعت إسرائيل أسلحتها جانباً»، حسب تسجيل صوتي انتشر من اللقاء نفسه. وقال إن تأخير الرد الإيراني على اغتيال هنية هو تلقي بلاده رسائل بأن اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» سيُبرم خلال أسبوع، مبدياً انزعاجه من عدم التوصل للاتفاق واستمرار الهجمات الإسرائيلية.

خامنئي يلقي خطاباً أمام مجموعة من أنصاره وفي الخلفية صورة نصر الله (موقع المرشد)

وقلل بزشكيان من قدرة «حزب الله» على مواجهة إسرائيل وحده، وهو ما مزق الصورة التي رسمها مسؤولون مقربون من المرشد علي خامنئي.

وزاد موقف بزشكيان وكذلك الفرضيات بوجود اختراق في هجمات «البيجر»، واستهداف قادة «حزب الله»؛ من الشكوك في طهران بوجود اختراقات للجبهة الإيرانية، وعززت أيضاً مخاوف داخلية من وجود اختراقات.

المحطة الثامنة والخطيرة، بدأت باغتيال الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، ثاني أهم لاعب للاستراتيجية الإقليمية الإيرانية، بعد الجنرال قاسم سليماني، خلال 35 سنة من حكم المرشد علي خامنئي. كما أدت الغارة الجوية الإسرائيلية على مقر نصر الله، إلى تسجيل ثاني خسائر «الحرس الثوري» الكبيرة منذ «طوفان الأقصى»، وهو نائب قائد غرفة العمليات، الجنرال عباس نيلفروشان.

ويحظى نصر الله بأهمية كبيرة لدى حكام إيران وخصوصاً الأوساط المحافظة، لدرجة تداول اسمه في بعض الفترات لتولي منصب المرشد الإيراني بعد خامنئي بوصفه «ولي الفقيه»، ولو أن الترشيح بدا مثالياً لأنه ليس مسؤولاً إيرانياً، فسيكون مرفوضاً من غالبية الأطراف السياسية.

نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض الصواريخ الآتية من إيران (رويترز)

ورداً على اغتيال هنية في عمق الأراضي الإيرانية، ونصر الله، ونيلفروشان، وجهت إيران هجومها الصاروخي الثاني المباشر على إسرائيل، في خطوة هدّدت إسرائيل بالرد عليها مع التلويح ببنك أهداف غير محدودة تشمل مصافي النفط ومحطات الوقود وأيضاً المنشآت النووية والعسكرية، ما يجعل الأزمة بين إسرائيل وإيران مفتوحة على كل الاحتمالات.