مسؤول أميركي لـ«الشرق الأوسط»: نطالب بوقف الصراع في سوريا... وتسليح الأكراد محدد

هيثر نويرت، المتحدثة باسم الخارجية الأميركية.
هيثر نويرت، المتحدثة باسم الخارجية الأميركية.
TT

مسؤول أميركي لـ«الشرق الأوسط»: نطالب بوقف الصراع في سوريا... وتسليح الأكراد محدد

هيثر نويرت، المتحدثة باسم الخارجية الأميركية.
هيثر نويرت، المتحدثة باسم الخارجية الأميركية.

أكد مصدر مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة الأميركية تدعم الحل السياسي والعملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار في الغوطة، فيما شدد على أن الأسلحة المقدمة لقوات سوريا الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية محدودة ويهدف مشترك مع تركيا، وهو محاربة «داعش».
وقال المصدر في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، إن الولايات المتحدة الأميركية ترى أن هزيمة «داعش» هدف مهم لها، إضافة إلى استقرار البلاد، وخلق مناطق الاستقرار حتى يتمكن النازحون والمشردون داخلياً في نهاية المطاف من العودة إلى ديارهم.
وأضاف: «لا تزال أهداف الولايات المتحدة وحلفائها بالمنطقة ومن بينهم تركيا واضحة، وهي دعم الحل السياسي لسوريا الذي سينتج عنه سوريا ديمقراطية مستقلة وموحدة، ومع أن الشعب السوري يختار قيادته من خلال انتخابات حرة ونزيهة».
وفيما يخص الصدام بين قوات الحماية الشعبية الكردية والقوات التركية في عفرين، أكد المصدر الأميركي أن واشنطن كانت واضحة منذ البداية «وكنّا شفافين مع تركيا فيما يتعلق بأهدافنا في سوريا، وعلاقتنا مع حليفنا تركيا في (الناتو) مستمرة واستراتيجية، وهذا ما نقله ريكس تيليرسون وزير الخارجية إلى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الأسبوع الماضي، في أنقرة».
واعتبر المصدر أن الأسلحة المقدمة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» ذات الأغلبية الكردية، محدودة، وهذا واضح دائماً مع تركيا، كما أن الولايات المتحدة تقدمها على أساس تدريجي لتحقيق الأهداف المشتركة، التي تتمثل في هزيمة «داعش». وفيما يخص تحذيرات سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسية لأميركا من عدم «اللعب بالنار»، بسبب مقتل عدد من الجنود الروس في سوريا بعد ضربات لقوات التحالف، قال المصدر: «لن أتكهن بتعليقات وزير الخارجية لافروف»، وأكد على الجهود المبذولة بين الطرفين فيما يخص العمليات العسكرية وعدم حدوث صدام على الأرض، إذ سيستمر الجانبان بالعمل كلما كان ذلك ممكناً».
وأضاف: «سنعمل مع روسيا على الجهود الرامية إلى ضمان استمرار تركيزنا على هزيمة (داعش)، وعدم تصعيد الانتهاكات، ودعم العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة».
في السياق، دعا البيت الأبيض الحكومة الروسية الالتزام بمسؤولياتها تجاه مناطق عدم التصعيد في سوريا، لا سيما في منطقة الغوطة الشرقية، ووقف أي هجمات ضد المدنيين.
وطالب البيت الأبيض في بيان صحافي، أمس، بضرورة توقف نظام الأسد عن ارتكاب أي أعمال شائنة تجاه الشعب السوري، وضرورة أن تتوقف روسيا وطهران عن مساعدة الأسد. وأضاف البيان أن الهجمات المروعة التي يقوم بها النظام السوري تؤكد الحاجة الملحّة للالتزام بعملية جنيف، برعاية الأمم المتحدة، للوصول إلى حل سياسي يحترم إرادة الشعب السوري، وذلك بالتطابق مع الالتزام بقرار مجلس الأمن رقم «2254»، والبيان المشترك للرئيسين الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وعبر من البيت الأبيض عن قلقه من استهداف المنشآت الطبية في شرق الغوطة والاستمرار في استخدام أساليب الحصار من قبل نظام الأسد لتجويع الشعب السوري ومنع وصول المساعدات الإنسانية. وأكد أن الولايات المتحدة تدعم طلب منظمة الأمم المتحدة في التوقف عن العنف وتطبيق هدنة لمدة شهر حتى يمكن تقديم الخدمات الطبية والمساعدات الإنسانية للمدنيين في شرق الغوطة.
وكانت هيثر نويرت، المتحدثة باسم الخارجية الأميركية قد قالت إن ما يحدث في شرق الغوطة حالياً هو تكرار للفظائع التي حدثت في شرق حلب.
وأضافت، خلال مؤتمر صحافي، أول من أمس (الأربعاء)، أن الولايات المتحدة تدعو جميع الأطراف للوقف غير المشروط للعنف في سوريا، وتدعو روسيا إلى وقف دعمها لقوات الأسد وحلفائه، مشيرة إلى أن النظام السوري هو المسؤول عن الكارثة الإنسانية في شرق الغوطة وعن الخسائر البشرية للمدنيين هناك.
وقالت نويرت إنه لا يمكن التكهن بما قد تقوم به الإدارة الأميركية في ذلك الشأن، مشيرة إلى أن دعم روسيا للأسد لا يثير قلق الولايات المتحدة وحدها، ولكن الكثير من الدول الأخرى في العالم.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.