إطلاق يد الجيش اللبناني لإعادة الأمن إلى طرابلس

اجتماع ثلاثي برئاسة سليمان حدد ستة أشهر لإعادة الأمن

جنود لبنانيون في نقطة تفتيش عند حي باب التبانة في طرابلس أمس (أ.ف.ب)
جنود لبنانيون في نقطة تفتيش عند حي باب التبانة في طرابلس أمس (أ.ف.ب)
TT

إطلاق يد الجيش اللبناني لإعادة الأمن إلى طرابلس

جنود لبنانيون في نقطة تفتيش عند حي باب التبانة في طرابلس أمس (أ.ف.ب)
جنود لبنانيون في نقطة تفتيش عند حي باب التبانة في طرابلس أمس (أ.ف.ب)

أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، أمس، بعد اجتماع أمني مع الرئيس اللبناني ميشال سليمان وقائد الجيش العماد جان قهوجي، تكليف الجيش اللبناني باتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ تعليمات حفظ الأمن في مدينة طرابلس، شمال لبنان، لمدة ستة أشهر، ووضع القوى العسكرية والقوى السيارة بإمرته.
وينطلق هذا الاتفاق من المادة الرابعة من قانون الدفاع، والتي تنص على تكليف الجيش بالحفاظ على الأمن في المنطقة المعرضة للخطر. وفور صدور المرسوم، يتولى الجيش صلاحية المحافظة على الأمن وحماية الدولة ضد أي عمل ضار بسلامتها أو مصالحها. وتوضع جميع القوى المسلحة التي تقوم بمهماتها وفقا لقوانينها وأنظمتها الخاصة تحت إمرة قائد الجيش بمعاونة المجلس العسكري وبإشراف المجلس الأعلى للدفاع، وهي قوى الأمن الداخلي والأمن العام وسائر العاملين في القطاع العام الذين يحملون السلاح بحكم وظيفتهم.
وتأتي هذه القرارات الاستثنائية، بعد ثلاثة أيام على اندلاع الجولة الثامنة عشرة من المواجهات بين منطقتي باب التبانة ذات الغالبية السنية، وجبل محسن ذات الغالبية العلوية، ووقوع اشتباكات دامية، وتصاعد حدة التهديدات بين المنطقتين الواقعتين في الضاحية الشمالية لطرابلس، مع غياب أي أفق لتهدئة ولو مؤقتة تنقذ السكان من جحيم الاقتتال الدائر الذي نشب على خلفية الأزمة السورية.
وأوقعت الاشتباكات خلال ثلاثة أيام 15 قتيلا ومائة جريح بينهم عسكريون، أصيب اثنان منهم بعد ظهر أمس برصاص القنص، فقتل واحد وجرح آخر. ومع استمرار أعمال القنص طيلة أمس وكثافة القصف الذي استخدمت فيه قذائف الهاون والـ«ب 7» و«ب 10» في الليل، تخوف الأهالي من سقوط المزيد من الضحايا في الساعات المقبلة، خصوصا مع رفع الفريقين المتحاربين سقف شروطهما للقبول بوقف المعارك.
وأكد الشيخ نبيل رحيم، عضو هيئة العلماء المسلمين لـ«الشرق الأوسط» أمس أن «المساعي كانت متواصلة، بين الحكومة والجيش والقوى على الأرض، وكذلك المشايخ والسياسيين، لكنها جميعها لم تكلل بالنجاح». وأوضح أن «ما هو مطروح من قبل باب التبانة لإيجاد حل مؤقت، أن تسرع التحقيقات في تفجيرات مسجدي طرابلس (في أغسطس/ آب الماضي)، وجلب كل متورط مهما كان كبيرا أو صغيرا إلى العدالة، مقابل ضبط الوضع في باب التبانة. فلا يجوز أن يوجه اتهام بالتفجيرات إلى علي عيد (نائب علوي سابق زعيم جبل محسن) من دون التحقيق معه، بينما يلاحق الإسلاميون على تهم أقل من ذلك بكثير».
ويحاصر مقاتلو باب التبانة منطقة جبل محسن المحاذية، منذ أكثر من 20 يوما، بعد رفض عيد المثول أمام القضاء للتحقيق معه حول دوره بنقل متهمين بتفجيري طرابلس إلى خارج لبنان. ومنع الحصار أهالي جبل محسن من مغادرته، وتعرض نحو 35 شخصا من سكان الجبل لإطلاق نار على أرجلهم، خلال الأيام العشرين الماضية، أثناء تنقلهم في مدينة طرابلس، من قبل مجموعة أطلقت على نفسها تسمية «أولياء الدم» في باب التبانة، مما مهد لاندلاع الجولة الحالية من الاشتباكات. وظهرت مجموعة ملثمة أعلنت أنها «ستستكمل المهمة، وهذه المرة لن تطلق النار على أرجل أهالي الجبل حين يخرجون من منطقتهم وإنما على رؤوسهم».
ولمواجهة «أولياء الدم» في التبانة وحرب التصويب على الأرجل، أعلن منذ يومين عن تشكيل مجموعة تحمل التسمية ذاتها «أولياء الدم» في جبل محسن تطالب بدورها بالاقتصاص لذويهم ممن جرى استهدافهم.
وأنذر هذا التصعيد غير المسبوق بأن جولة القتال الحالية لن تكون كسابقاتها، وأعلن المسؤول الإعلامي في «الحزب العربي الديمقراطي» في جبل محسن، عبد اللطيف صالح، أمس أن «الحزب أجرى اجتماعا مع عدد من (أولياء الدم)، ولديهم ثلاثة شروط لوقف المعركة وهي (عدم التعرض لأهالي جبل محسن بأي اعتداء، وعدم التعرض لباصات المدارس وسائقي الأجرة وبائعي الخضار، وفك الحصار عن جبل محسن)». وأكد صالح، في تصريحات لموقع «النشرة» الإلكتروني، أن «المطلوب من أي جهة سياسية أو أمنية أخذ هذه الضمانات على محمل الجد لإيقاف المعركة». وكان «الحزب العربي» في جبل محسن هدد قبلها بحصار طرابلس مقابل حصار جبل محسن، وذلك بمنع سكانها من التحرك وشلها بالقصف المستمر.
وفي ظل الشروط والشروط المضادة، تبقى ساحة الموت في طرابلس مفتوحة، حيث يبتكر المسلحون أساليب جديدة، من بينها تفخيخ المباني لهدمها بالكامل، وهو ما لم يسبق لطرابلس أن عاشت مثيلا له.
وما لا يحب مقاتلو باب التبانة الإفصاح عنه هو خشيتهم من توقيفات قد تطالهم في حال هدأت المعارك أو مع إعلان طرابلس منطقة بإمرة الجيش اللبناني، ولا سيما بعد توقيف الجيش أحد قادة المجموعات المسلحة ويدعى حاتم الجنزرلي، أول من أمس. وهو ما يفسر ربما عدم مشاركة العديد من المجموعات المسلحة في التبانة إلى اللحظة في المعارك، تحسبا من الآتي، بحسب ما يؤكد بعض المشايخ. وازدادت المخاوف في باب التبانة أمس بعد أن أمر مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر بتوقيف ثمانية أشخاص في أحداث طرابلس الأخيرة بينهم حاتم الجنزرلي، وطلب معرفة كامل هوية نحو ستين آخرين لاتخاذ الإجراء القانوني في حقهم. كما طلب سوق الموقوفين إلى دائرته لاتخاذ الإجراءات في حقهم. وقال مصدر مطلع في باب التبانة، رفض الكشف عن اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، إن «المفاوضات والاتصالات تركز على تجميد مذكرات التوقيف الصادرة بحق المسلحين في باب التبانة، على غرار ما حدث منذ أشهر في حق المعتدين على الوزير فيصل كرامي».
وفي ظل غياب أي أفق للحل، بعد أن ربطت أحداث طرابلس الدامية بما يجري في سوريا، وتحديدا القلمون ومعاركها، واصل الجيش اللبناني أمس تعزيز إجراءاته الأمنية في طرابلس، ولا سيما في مناطق جبل محسن، وباب التبانة، والقبة، وحي الأميركان، والبقار، وشارع سوريا، لإعادة الاستقرار إلى المدينة. وأفادت قيادة الجيش بأن «هذه الإجراءات شملت تسيير دوريات وإقامة حواجز تفتيش، والرد على مصادر القنص، وإزالة الدشم المستحدثة، كذلك تنفيذ عمليات دهم لأماكن تجمع المسلحين، أسفرت عن ضبط أسلحة حربية خفيفة ومتوسطة وذخائر وأعتدة عسكرية متنوعة، إضافة إلى عدد من أجهزة الاتصال اللاسلكية». وبقيت أصوات مضادات الجيش الثقيلة تسمع تردداتها الهادرة في المدينة ردا على مطلقي النار، بينما اشتعلت منازل ومحلات، وشلت الحركة في المدينة، وأقفلت المؤسسات التعليمية أبوابها بالكامل.



«الرئاسي اليمني» يُطلق حرباً على الفساد في المؤسسات الحكومية

مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)
مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)
TT

«الرئاسي اليمني» يُطلق حرباً على الفساد في المؤسسات الحكومية

مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)
مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)

في خطوة غير مسبوقة تهدف إلى مواجهة الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية وحماية المال العام، أعلن مجلس القيادة الرئاسي في اليمن حزمة من الإجراءات المنسقة لمكافحة الفساد وغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتعزيز المركز القانوني للدولة، وذلك بعد تلقي المجلس تقارير من الأجهزة الرقابية والقضائية حول قضايا فساد كبرى وقعت في الأعوام الأخيرة.

وأفاد الإعلام الرسمي بأنه، بناءً على توصيات من رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، صدرت توجيهات مستعجلة لاستكمال إجراءات التحقيق في القضايا قيد النظر، مع متابعة الجهات المتخلفة عن التعاون مع الأجهزة الرقابية.

وشدد مجلس الحكم اليمني على إحالة القضايا المتعلقة بالفساد إلى السلطة القضائية، مع توجيهات صريحة بملاحقة المتهمين داخل البلاد وخارجها عبر «الإنتربول» الدولي.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد العليمي (سبأ)

وأمر العليمي -حسب المصادر الرسمية- بتشكيل فريق لتقييم أداء هيئة أراضي الدولة وعقاراتها، التي تواجه اتهامات بتسهيل الاستيلاء على أراضيها من قِبل شخصيات نافذة. كما شدد على إلغاء جميع التصرفات المخالفة للقانون وملاحقة المتورطين.

وبينما تشير هذه الخطوات الجادة من مجلس القيادة الرئاسي إلى التزام الحكومة اليمنية بمكافحة الفساد، وتحسين الأداء المؤسسي، وتعزيز الشفافية، يتطلّع الشارع اليمني إلى رؤية تأثير ملموس لهذه الإجراءات في بناء دولة القانون، وحماية موارد البلاد من العبث والاستغلال.

النيابة تحرّك 20 قضية

ووفقاً لتقرير النائب العام اليمني، تم تحريك الدعوى الجزائية في أكثر من 20 قضية تشمل جرائم الفساد المالي، وغسل الأموال، وتمويل الإرهاب، والتهرب الضريبي. ومن بين القضايا التي أُحيلت إلى محاكم الأموال العامة، هناك قضايا تتعلّق بعدم التزام بنوك وشركات صرافة بالقوانين المالية؛ مما أدى إلى إدانات قضائية وغرامات بملايين الريالات.

كما تناولت النيابة العامة ملفات فساد في عقود تنفيذ مشروعات حيوية، وعقود إيجار لتوليد الطاقة، والتعدي على أراضي الدولة، وقضايا تتعلق بمحاولة الاستيلاء على مشتقات نفطية بطرق غير مشروعة.

مبنى المجمع القضائي في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن (سبأ)

ومع ذلك، اشتكت النيابة من عدم تجاوب بعض الجهات الحكومية مع طلبات توفير الأدلة والوثائق، مما أدى إلى تعثر التصرف في قضايا مهمة.

وأوردت النيابة العامة مثالاً على ذلك بقضية الإضرار بمصلحة الدولة والتهرب الجمركي من قبل محافظ سابق قالت إنه لا يزال يرفض المثول أمام القضاء حتى اليوم، بعد أن تمّ تجميد نحو 27 مليار ريال يمني من أرصدته مع استمرار ملاحقته لتوريد عشرات المليارات المختلسة من الأموال العامة. (الدولار يساوي نحو 2000 ريال في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية).

وعلى صعيد التعاون الدولي، أوضحت النيابة العامة أنها تلقت طلبات لتجميد أرصدة أشخاص وكيانات متورطين في غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وبينما أصدرت النيابة قرارات تجميد لبعض الحسابات المرتبطة بميليشيات الحوثي، طلبت أدلة إضافية من وزارة الخزانة الأميركية لتعزيز قراراتها.

تجاوزات مالية وإدارية

وكشف الجهاز المركزي اليمني للرقابة والمحاسبة، في تقريره المقدم إلى مجلس القيادة الرئاسي، عن خروقات جسيمة في أداء البنك المركزي منذ نقله إلى عدن في 2016 وحتى نهاية 2021. وتضمنت التجاوزات التلاعب في الموارد المالية، والتحصيل غير القانوني للرسوم القنصلية، وتوريد إيرادات غير مكتملة في القنصلية العامة بجدة وسفارتي اليمن في مصر والأردن.

وأفاد الجهاز الرقابي بأن التجاوزات في القنصلية اليمنية في جدة بلغت 156 مليون ريال سعودي، تم توريد 12 مليون ريال فقط منها إيرادات عامة، في حين استولت جهات أخرى على الفارق. أما في مصر فتم الكشف عن استيلاء موظفين في السفارة على 268 ألف دولار من إيرادات الدخل القنصلي باستخدام وثائق مزورة.

وفي قطاع الكهرباء، كشف تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة عن مخالفات جسيمة في عقود توفير المشتقات النفطية، تضمّنت تضخيم تكلفة التعاقدات وإهدار المال العام بقيمة تزيد على 285 مليون دولار. كما أشار التقرير إلى اختلالات في عقود السفينة العائمة لتوليد الطاقة التي تضمنت بنوداً مجحفة وإعفاءات ضريبية وجمركية للشركة المتعاقد معها.

وتحدّث الجهاز الرقابي اليمني عن اعتداءات ممنهجة على أراضي الدولة، تشمل مساحة تزيد على 476 مليون متر مربع، وقال إن هذه الاعتداءات نُفّذت بواسطة مجاميع مسلحة وشخصيات نافذة استغلّت ظروف الحرب لنهب ممتلكات الدولة. كما تم تسليم أراضٍ لمستثمرين غير جادين تحت ذرائع قانونية؛ مما تسبّب في إهدار أصول حكومية ضخمة.

وحسب التقارير الرقابية، تواجه شركة «بترومسيلة» التي أُنشئت لتشغيل قطاع 14 النفطي في حضرموت (شرق اليمن)، اتهامات بتجاوز نطاق عملها الأساسي نحو مشروعات أخرى دون شفافية، إلى جانب اتهامها بتحويل أكثر من مليار دولار إلى حساباتها الخارجية، مع غياب الرقابة من وزارة النفط والجهاز المركزي.