قمة لدعم القوة المشتركة لبلدان الساحل الأفريقي

وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي (يمين) تلقي كلمتها خلال اجتماع بداية الشهر الحالي في النيجر لرؤساء دول الساحل الخمسة (أ.ف.ب)
وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي (يمين) تلقي كلمتها خلال اجتماع بداية الشهر الحالي في النيجر لرؤساء دول الساحل الخمسة (أ.ف.ب)
TT

قمة لدعم القوة المشتركة لبلدان الساحل الأفريقي

وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي (يمين) تلقي كلمتها خلال اجتماع بداية الشهر الحالي في النيجر لرؤساء دول الساحل الخمسة (أ.ف.ب)
وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي (يمين) تلقي كلمتها خلال اجتماع بداية الشهر الحالي في النيجر لرؤساء دول الساحل الخمسة (أ.ف.ب)

تستضيف بروكسل، اليوم الخميس، قمة موسعة من المنتظر أن تضم 18 رئيس دولة وحكومة أوروبية ورؤساء دول الساحل الخمس والعديد من وزراء الخارجية لدول عربية وأفريقية للبحث في تمويل القوة الأفريقية المشتركة المسماة «جي 5 ساحل» من أجل محاربة الإرهاب في هذه المنطقة التي تعد من بين الأفقر في العالم. ويأتي اللقاء، وفق مصادر القصر الرئاسي الفرنسي، «استكمالاً» للقمم والاجتماعات السابقة التي خصصت جميعها لهذه المسألة، وكان أهمها الاجتماع الذي استضافته فرنسا العام الماضي. ورغم أن القوة المشتركة (المشكلة مبدئيا من دول الساحل: مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد وموريتانيا) قد أرست هرميتها وأوجدت لها مقرا للقيادة وقامت بعدد محدود من العمليات في شمال مالي، إلا أن مسألة تمويلها لم تحسم بعد. وبحسب باريس التي كان لها الدور الأكبر في الحث على إطلاقها بسبب مصالحها الاقتصادية والسياسية الكبرى في هذه المنطقة وانتشار قواتها في إطار ما يسمى «عملية بركان»، فإن المنتظر أن ينجح المجتمعون في بروكسل في تخطي عتبة الـ300 مليون يورو. وقالت المصادر الرئاسية الفرنسية إن المتوافر حالياً مبلغ 250 مليون يورو، ما يمثل الكلفة الضرورية لإطلاق القوة وتمويلها لعام كامل. وجاء هذا المبلغ بشكل رئيس من المملكة السعودية التي أعلنت في اجتماع سيل سان كلو بفرنسا عن تبرعها بـ100 مليون دولار، ما يشكل أكبر مساهمة مالية للقوة. كذلك تبرعت الإمارات بمبلغ 30 مليون دولار، فيما وعدت الولايات المتحدة الأميركية بتقديم 60 مليون دولار كمساعدات ثنائية للدول الخمس. أما الاتحاد الأوروبي فقد حل في المرتبة الثالثة ورصد 50 مليون يورو للمهمة. بيد أن هذه المساهمات، رغم أهميتها، لا تزال «ناقصة». وبحسب باريس، فإن المطلوب التوصل إلى «آليات تمويلية» دائمة تكفل للقوة الاستمرار. وينتظر أن يصل عددها، أواسط العام الجاري، إلى 5000 رجل وتكون مهمتها القيام بعمليات عسكرية لمحاربة الإرهاب عابرة للحدود وفي أراضي البلدان الخمسة. لكن من الناحية العملية وحدها مالي والنيجر وبوركينا فاسو عمدت حتى الآن إلى تقديم وحدات عسكرية لتشكيل القوة التي وجدت مقر قيادة لها في مدينة «سيفاري» في مالي. ويراد لهذه القوة أن تكون رأس الحربة في محاربة التنظيمات الإرهابية التي أعادت تنظيم صفوفها بعد الهزيمة التي ألحقتها بها القوات الفرنسية في عام 2013.
إلى ذلك، قتل جنديان فرنسيان وأصيب ثالث في مالي في انفجار لغم يدوي الصنع عند مرور مركبتهم العسكرية المدرعة، على ما أفاد الأربعاء مصدر عسكري. وتنشر فرنسا نحو أربعة آلاف جندي فرنسي في دول الساحل الأفريقي في إطار عملية بركان لمكافحة الجماعات الإرهابية في المنطقة.
ورغم وجود قوة من القبعات الزرقاء مؤلفة من 12 ألف رجل في مالي والقوة الفرنسية المرابطة في المنطقة والمشكلة من أربعة آلاف رجل، فإن هذه التنظيمات نجحت في القيام بعمليات عسكرية شمال ووسط مالي، وصولا إلى جنوب البلاد ضد وحدات الجيش المالي، فضلا عن استهداف منطقة تلاقي الحدود بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو. وفي الأشهر الأخيرة قامت القوة الناشئة التي تحظى بدعم القوات الفرنسية المرابطة في المنطقة بعمليتين عسكريتين في منطقة الحدود المشتركة.
حقيقة الوضع أن الرؤساء الأفارقة الخمسة الذين سيحضرون إلى العاصمة البلجيكية يعون أهمية الخطر الإرهابي المحدق وضعف إمكانياتهم الخاصة لمواجهته؛ إذ إن كل بلد من البلدان الخمسة قدم فقط عشرة ملايين يورو للقوة المشتركة. لذا، فقد أطلقوا نداء في قمتهم الأخيرة في نيامي للمساعدة، وجاء فيه أنه «بالنظر للضغوط التي تمارسها التهديدات الأمنية على مالية بلدن الساحل، فإن الرؤساء الخمسة يدعون المؤسسات المالية الدولية لتوفير مصادر مالية إضافية لمواجهة هذه التحديات».
تقول المصادر الرئاسية الفرنسية إن لقمة بروكسل ثلاثة أهداف رئيسية أولها بالطبع توفير الدعم وإبراز التقدم الذي حققته القوة تنظيميا وميدانيا، وثانيها التشديد على الحاجة لاستمرار المسار السلمي في مالي، وثالثها تدعيم العمل الأمني بمشاريع تنموية في البلدان الخمسة، حيث لم يعد مستطاعا الفصل بين العملين. ولذا، تنتظر باريس أن يتم عرض ما لا يقل عن 400 مشروع تنموي بقيمة إجمالية تصل إلى 6 مليارات يورو للسنوات 2018 و2022. وخلاصة المصادر الفرنسية أنه من الضروري المحافظة على «دينامية» جماعية تعكسها المشاركة الموسعة في قمة بروكسل التي ستحضرها دول مثل النرويج وتركيا وجنوب أفريقيا والمغرب. إلا أن الجزائر ستتميز بغيابها، علما بأنها المعنية بالدرجة الأولى بما يحصل في مالي الواقعة على حدودها الجنوبية، وللدور الذي لعبته في السابق في الدفع باتجاه مصالحات داخلية. وأفادت المصادر الرئاسية أن الجزائر دعيت إلى المؤتمر، وأن الرئيس الفرنسي ماكرون تواصل هاتفياً مع نظيره الجزائري للبحث في هذا الأمر. وشددت باريس على أنها «تتشاور باستمرار وعلى أعلى المستويات» مع الطرف الجزائري في كل المراحل الخاصة بمالي والساحل.



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.