سباق بين تجار ورجال أعمال على الأرقام الانتخابية في العراق

TT

سباق بين تجار ورجال أعمال على الأرقام الانتخابية في العراق

ما إن أنهت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق القرعة بين الكيانات السياسية التي ستخوض الانتخابات المقبلة في 12 مايو (أيار) المقبل، حتى بدأت تتكشف أسرار وخفايا تقف خلف كثير مما يجري تداوله في الغرف المغلقة.
طرحت الكيانات والأحزاب مرشحين يبلغ عددهم 6904، يمثلون 25 تحالفاً و63 كياناً انتخابياً، ويتنافسون على 329 مقعداً، وهو أقل مما كان في انتخابات 2014 التي تنافس فيها أكثر من 8 آلاف مرشح. وبينما لا تبدو ثمة مشكلة حيال التسلسلات الانتخابية التي بدأت من الرقم 100، فإن الإشكالية الأكبر تكمن في التسلسل داخل القائمة أو الكيان السياسي، إذ لا يخضع للقرعة بقدر ما يخضع للمساومات في كثير من الأحيان أو عمليات بيع وشراء تقف خلفها بورصة تجار ومقاولين ورجال أعمال.
وجاءت الأرقام التي حصل عليها كل كيان بموجب قرعة أجرتها المفوضية بحضور ممثلي الكيانات السياسية وتكمن أهميتها في طبيعة الرقم من حيث سهولة حفظه أو حمله مفارقة معينة. غير أن رقمين استحوذا على أكبر قدر من الاهتمام، أحدهما الرقم 111، وهو رقم متميز بسبب تشابه مكوناته، وكان من حصة كيان يمثله شخص منفرد قرر خوض الانتخابات بصفة شخصية واسمه سلام منعم، وهو غير معروف بالقياس إلى عشرات الزعامات السياسية.
أما الرقم الثاني الذي حظي بأكبر قدر من الاهتمام وتداولته على مدى اليومين الماضيين وسائل التواصل الاجتماعي فهو الرقم 156 الذي كان من نصيب تحالف «سائرون» المدعوم من زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر. ويضم التحالف مجموعة أحزاب ذات صبغة مدنية، وهي «الحزب الشيوعي العراقي» بزعامة رائد فهمي، و«التجمع الجمهوري العراقي» بزعامة سعد الجنابي، وحزب «الدولة العادلة» بزعامة وزير السياحة الأسبق قحطان الجبوري، وحزب «الترقي والإصلاح» بزعامة مضر شوكت، إضافة إلى «حزب الاستقامة» الذي يتزعمه حسن العاقولي.
وتنبع قصة الاهتمام بهذا الرقم من كونه مرتبطاً بالمادة 56 من قانون العقوبات العراقي التي تتعلق بالنصب والاحتيال. ولما كان الجو العام في العراق هو محاربة الفساد مع توجيه تهم واضحة للطبقة السياسية، إما بالضلوع في عمليات الفساد أو التستر عليها فإن من يحمل هذا الرقم سيكون مثار اهتمام جماهيري.
غير أن المفارقة اللافتة أن هذا الرقم حمله تحالف مجموعة من أكثر القوى المطالبة بمحاربة للفساد. وقال قيادي في «التيار الصدري» طلب عدم ذكر اسمه، إن «الناس تميز بين الفاسدين الذين أهدروا مئات مليارات الدولارات خلال السنوات الماضية ومن يحارب الفساد بقوة... هناك من يحاول عبر فيديوهات وأساليب النيل من تحالفنا بوصفه حمل هذا الرقم، غير أنه يقدم أكبر خدمة مجانية لنا لسببين؛ الأول أن الناس تعرفنا جيداً ولن ينطلي ذلك عليها، والثاني هو أن هذا الرقم ومن خلال تداوله بكثرة سيكون أكثر الأرقام تأثيراً في الرأي العام».
لكن القصة الأخطر تبقى هي قصة التسلسل داخل القائمة، التي تبدأ بالرقم واحد الذي «قد يصل سعره إلى بضعة ملايين من الدولارات من أجل ضمان الفوز لأكثر من سبب»، بحسب وزير الزراعة السابق النائب عز الدين الدولة.
ويقول الدولة، وهو نائب سني عن نينوى مرشح حالياً ضمن «قائمة الوطنية» التي يتزعمها رئيس الوزراء الأسبق نائب الرئيس الحالي إياد علاوي في محافظة نينوى ويحمل الرقم 9، إن «السبب الرئيسي للركض خلف الرقم واحد هو أن صاحب الحظ السعيد الذي يحصل عليه يحصل على كل أصوات القائمة الانتخابية، ولذلك فإن الجميع يلهثون خلف هذا الرقم السحري رغم أنه يكلف ملايين الدولارات أحياناً». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «المسألة في الواقع لا تقتصر على السنَّة، بل تشمل الكتل والكيانات الأخرى الشيعية والكردية». وتساءل عن «كيفية حصول هؤلاء على كل هذه الأموال».
لكن النائب الشيعي السابق القيادي في «التيار الصدري» أمير الكناني قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأمر ليس غريباً في ظل وجود شركات ورجال أعمال ومقاولين هم من يحدد في الغالب التسلسلات أو يموِّل الحملات الانتخابية».
لكن قبل المضي مع الكناني في سرده لهذه القصة، فإن رئيس الدائرة الانتخابية السابق في مفوضية الانتخابات مقداد الشريفي يرى أن «الأمر من الناحية الفنية ليس كذلك لأن الأصوات في النهاية تذهب إلى القائمة في أول حساب ومن بعدها تذهب إلى أعلى المرشحين في ثاني حساب». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك مَن لا يملك ثقة بنفسه وقد يشتري الرقم واحد وقد يدفع أموالاً، وأحياناً من أجل الكشخة (المظاهر) فقط، وكي ينظر إليه الناس بوصفه صاحب كاريزما».
غير أن الكناني يختلف مع الشريفي في تقييم وقع التأثير الذي يحظى به الرقم واحد، إذ يقول إن «المشكلة تقع في الغالب عند الناخب العراقي الذي كثيراً ما يقع في خطأ غير مقصود، وهو أنه حين ينتخب قائمة يرغب فيها فإنه يؤشر على القائمة وعلى التسلسل رقم واحد عندما لا تكون لديه الرغبة في انتخاب أحد المرشحين، وبالتالي فهذه واحدة من المشكلات التي تتعلق بوعي الناخب».



اليمن بين إمكانية التعافي واستمرار اقتصاد الحرب

استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
TT

اليمن بين إمكانية التعافي واستمرار اقتصاد الحرب

استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)

تتوالى التأثيرات السلبية على الاقتصاد اليمني، إذ يرجح غالبية المراقبين أن استمرار الصراع سيظل عائقاً أمام إمكانية السماح بالتعافي واستعادة نمو الأنشطة الاقتصادية واستقرار الأسعار وثبات سعر صرف العملة المحلية وتحسين مستوى معيشة السكان.

وتشهد العملة المحلية (الريال اليمني) انهياراً غير مسبوق بعد أن وصل سعر الدولار الواحد خلال الأيام الأخيرة إلى 1890 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، في حين لا تزال أسعار العملات الأجنبية ثابتة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بقرار انقلابي، كما يقول خبراء الاقتصاد الذين يصفون تلك الأسعار بالوهمية.

الانقسام المصرفي في اليمن يفاقم الأعباء الاقتصادية على المجتمع (رويترز)

وتتواصل معاناة اليمنيين في مختلف المناطق من أزمات معيشية متتالية؛ حيث ترتفع أسعار المواد الأساسية، وتهدد التطورات العسكرية والسياسية، وآخرها الضربات الإسرائيلية لميناء الحديدة، بالمزيد من تفاقم الأوضاع، في حين يتم التعويل على أن يؤدي خفض التصعيد الاقتصادي، الذي جرى الاتفاق حوله أخيراً، إلى التخفيف من تلك المعاناة وتحسين المعيشة.

ويعدّد يوسف المقطري، الأكاديمي والباحث في اقتصاد الحرب، أربعة أسباب أدت إلى اندلاع الحرب في اليمن من منظور اقتصادي، وهي ضعف مستوى دخل الفرد، وضعف هيكل نمو دخل الفرد، وهشاشة الدولة وعدم احتكارها العنف، وعندما تفقد الدولة القدرة على الردع، تبدأ الأطراف المسلحة بالصعود للحصول على الموارد الاقتصادية.

ويوضح المقطري لـ«الشرق الأوسط» أنه عندما لا يتم تداول السلطة من جميع القوى الاجتماعية والسياسية في البلد، تنشأ جهات انقلابية ومتمردة للحصول على السلطة والثروة والحماية، وإذا غابت الدولة المؤسساتية الواضحة، ينشأ الصراع على السلطة والثروة، والحرب تنشأ عادة في الدول الفقيرة.

طلاب يمنيون يتلقون التعليم في مدرسة دمرتها الحرب (البنك الدولي)

ويضيف أن اقتصاد الحرب يتمثل باستمرار الاقتصاد بوسائل بديلة لوسائل الدولة، وهو اقتصاد يتم باستخدام العنف في تسيير الاقتصاد وتعبئة الموارد وتخصيصها لصالح المجهود الحربي الذي يعني غياب التوزيع الذي تستمر الدولة في الحفاظ على استمراريته، بينما يعتاش المتمردون على إيقافه.

إمكانات بلا استقرار

أجمع باحثون اقتصاديون يمنيون في ندوة انعقدت أخيراً على أن استمرار الصراع وعدم التوصل إلى اتفاق سلام أو تحييد المؤسسات والأنشطة الاقتصادية سيجر الاقتصاد إلى مآلات خطيرة على معيشة السكان واستقرار البلاد.

وفي الندوة التي عقدها المركز اليمني المستقل للدراسات الاستراتيجية، عدّت الباحثة الاقتصادية رائدة الذبحاني اليمن بلداً يتمتع بالكثير من الإمكانات والمقدرات الاقتصادية التي تتمثل بالثروات النفطية والغاز والمعادن الثمينة والأحياء البحرية والزراعة وموقعها الاستراتيجي على ممرات طرق الملاحة الدولية، غير أن إمكانية حدوث الاستقرار مرهون بعوامل عدة، على رأسها الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني.

وترى الذبحاني ضرورة تكثيف الاستثمارات الاقتصادية وتشجيع القطاع الخاص بالدعم والتسهيلات لتشجيعه على الاستثمار في مشاريع صديقة للبيئة، مشددة على مشاركة المرأة في السياسات الاقتصادية لتحقيق التنمية الاقتصادية، وعدم إهدار طاقاتها الفاعلة في صنع القرار وإيجاد الحلول المبتكرة، وزيادة أعداد القوى العاملة، إذ يمكن أن تضيف المرأة ما نسبته 26 في المائة من الإنتاج المحلي.

سوق شعبية قديمة وبوابة أثرية في مدينة تعز اليمنية المحاصرة من الحوثيين طوال سنوات الحرب (رويترز)

وفي جانب الإصلاح المصرفي يشترط الباحث رشيد الآنسي إعادة هيكلة البنك المركزي ودعم إدارة السياسة النقدية، وتطوير أنظمة المدفوعات وأنظمة البنك المركزي والربط الشبكي بين البنوك باستثمارات بنكية وتحديث القوانين واللوائح والتعليمات المصرفية، وفقاً لمتطلبات المرحلة، وتقليص أعداد منشآت وشركات الصرافة وتشجيع تحويلها إلى بنوك عبر دمجها.

وركز الآنسي، في ورقته حول إعادة ھندسة البیئة المصرفیة الیمنیة بوصفها ركيزة حیویة لبناء اقتصاد حديث، على ضرورة إلزام شركات الصرافة بإيداع كامل أموال المودعين لديها والحوالات غير المطالب بها كوسيلة للتحكم بالعرض النقدي، ورفع الحد الأدنى من رأسمال البنوك إلى مستويات عالية بما لا يقل عن 100 مليون دولار، وعلى فترات قصيرة لتشجيع وإجبار البنوك على الدمج.

كما دعا إلى إلزام البنوك بتخصيص جزء من أسهمها للاكتتاب العام وإنشاء سوق أوراق مالية خاصة لبيع وشراء أسهم البنوك والحوكمة الحقيقية لها.

انكماش شامل

توقّع البنك الدولي، أواخر الشهر الماضي، انكماش إجمالي الناتج المحلي في اليمن بنسبة واحد في المائة خلال العام الحالي 2024، بعد أن شهد انكماشاً بنسبة 2 في المائة في العام الماضي، ونمواً متواضعاً بواقع 1.5 في المائة في العام الذي يسبقه.

يمنيون ينقلون المياه على ظهور الحمير إذ أدى الصراع إلى تدهور سبل المعيشة (أ.ف.ب)

وبيّن البنك أنه في الفترة ما بين عامي 2015 و2023، شهد اليمن انخفاضاً بنسبة 54 في المائة في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، ما يترك أغلب اليمنيين في دائرة الفقر، بينما يؤثر انعدام الأمن الغذائي على نصف السكان.

ويذهب الباحث الاقتصادي عبد الحميد المساجدي إلى أن السياسة والفعل السياسي لم يخدما الاقتصاد اليمني أو يعملا على تحييده لتجنيب السكان الكوارث الإنسانية، بل بالعكس من ذلك، سعى الحوثيون إلى ترسيخ نظام اقتصادي قائم على الاختلال في توزيع الثروة وتركزها بيد قلة من قياداتهم، مقابل تجويع القاعدة العريضة من المجتمع.

وأشار المساجدي، في مداخلته خلال الندوة، إلى أن هناك ملفات أخرى تؤكد استغلال الحوثيين الملف الاقتصادي لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية، كإنشاء منافذ جمركية مستحدثة، ووقف استيراد الغاز من المناطق المحررة، وإجبار التجار على استيراد بضائعهم عبر ميناء الحديدة، وغير ذلك الكثير.

منشأة نفطية يمنية حيث يعد إنتاج وتصدير النفط أحد أهم موارد الاقتصاد الهش (أرشيفية - غيتي)

وتحدث الباحث الاقتصادي فارس النجار حول القطاع الخدمي الذي يعاني بسبب الحرب وآثارها، مشيراً إلى تضرر شبكة الطرق والنقل، وتراجع إجمالي المسافة التي تنبسط عليها من أكثر من 70 ألف كيلومتر قبل الانقلاب، إلى أقل من 40 ألف كيلومتر حالياً، بعد تعرض الكثير منها للإغلاق والتخريب، وتحولها إلى مواقع عسكرية.

وتعرض النجار إلى ما أصاب قطاع النقل من أضرار كبيرة بفعل الحرب، تضاعفت أخيراً بسبب الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، وهو ما ألحق أضراراً بالغة بمعيشة السكان، في حين وضعت الجماعة الحوثية يدها، عبر ما يعرف بالحارس القضائي، على شركات الاتصالات، لتتسبب في تراجع أعداد مستخدمي الهواتف المحمولة من 14 مليوناً إلى 8 ملايين، بحسب إحصائيات البنك الدولي.