الصين تسعى إلى تنويع استثماراتها في أميركا اللاتينية

منحت قروضا بـ102.2 مليار دولار لدول المنطقة بين عامي 2005 و2013

الصين لم تعد تهدف فقط إلى شراء المواد الأولية بل تريد الدخول في استثمارات من أجل التصنيع (رويترز)
الصين لم تعد تهدف فقط إلى شراء المواد الأولية بل تريد الدخول في استثمارات من أجل التصنيع (رويترز)
TT

الصين تسعى إلى تنويع استثماراتها في أميركا اللاتينية

الصين لم تعد تهدف فقط إلى شراء المواد الأولية بل تريد الدخول في استثمارات من أجل التصنيع (رويترز)
الصين لم تعد تهدف فقط إلى شراء المواد الأولية بل تريد الدخول في استثمارات من أجل التصنيع (رويترز)

يرى محللون أن الصين التي تنامى حضورها في أميركا اللاتينية بسبب نهمها للمواد الأولية والمشاركة في قمة مجموعة الـ77 في سانتا كروز، تسعى إلى تنويع استثماراتها من خلال تمويل قطاعات أساسية للتنمية مثل البنى التحتية التي تفتقر إليها كثيرا هذه المنطقة من العالم.
وتهدف قمة مجموعة الـ77 للدول النامية، التي افتتحت أعمالها أول من أمس في سانتا كروز بمشاركة الصين إلى جانب وفود من 133 دولة عضو في عدادهم نحو 30 من رؤساء الدول والحكومات، إلى تشجيع التنمية الاقتصادية خصوصا من خلال التعاون بين دول الجنوب.
وبحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، تشارك الصين غير العضو في المجموعة لعدة غايات، بينها توسيع علاقاتها التجارية مع أميركا اللاتينية. ويصادف عقد هذه القمة الذكرى الخمسين لقيام هذه المجموعة التي تأسست في 1964 في جنيف من 77 دولة وباتت تضم اليوم 134 دولة، أي نحو ثلثي أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ولفت غابرييل دبدوب، رئيس اتحاد أرباب العمل النافذ في سانتا كروز الذي يعد المحرك الاقتصادي لبوليفيا، في تصريح لوكالة وكالة الصحافة الفرنسية، إلى أن «الصين تعمل الآن بصورة مختلفة مع بلدان أميركا الجنوبية، فهي لم تعد تهدف فقط إلى شراء المواد الأولية، بل تريد الدخول في استثمارات من أجل التصنيع».
وفي السنوات الأخيرة سجلت بوليفيا التي تعد أفقر بلدان أميركا الجنوبية نموا زاد معدله على سنة في المائة وتنوي القيام بأشغال كبيرة في البنية التحتية.
وأوضح دبدوب أن «الصين تنجذب بشكل خاص إلى مشاريع تصنيع تحتاج إليها البلاد في السنوات العشر المقبلة وتقدر تكلفتها بـ42 مليار دولار». وأشار خاصة إلى شركات صينية أبدت اهتمامها ببناء خط سكة حديد ينطلق من بوليفيا إلى البرازيل ليربط المحيط الأطلسي بالمحيط الهادي، وكذلك بمد طرقات ومشاريع مواصلات نهرية.
وعبر وزير الخارجية الصيني وانغ يي أخيرا في برازيليا عن اهتمام الصين، الشريك التجاري الأول للبرازيل، بزيادة استثماراتها وتوطيد علاقاتها مع أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي.
وسيشارك الرئيس الصيني شي جينبينغ الغائب الأكبر عن قمة سانتا كروز، في منتصف يوليو (تموز) في البرازيل بقمة مجموعة «بريكس» التي تضم الدول الناشئة الكبرى (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا).
وفي البرازيل، التي تعد القوة الاقتصادية الأولى في المنطقة، يتمحور اهتمام الصين حول استدراجات العروض الكبرى المتعلقة بالسكك الحديدية والطرقات وإنتاج الكهرباء.
ومع شراء المواد الأولية بشكل كثيف من أميركا اللاتينية وبيع منتجاتها المصنعة أصبحت الصين في السنوات الأخيرة الشريك التجاري الثاني لدول عديدة في المنطقة والشريك الأول للبرازيل في 2009، متقدمة على الولايات المتحدة. وأشار دبدوب إلى أن «بوليفيا لم تكن تعد حتى وقت قريب الصين شريكا وكانت تشعر بارتياب كبير» حيالها، مضيفا: «لكن الآن هناك مزيد من المبادلات، وقد اشترينا في الواقع للتو قمرا صناعيا».
وبحسب تقرير أخير لجامعيين أميركيين، فقد منحت الصين قروضا بقيمة 102.2 مليار دولار إلى دول أميركية لاتينية بين 2005 و2013، بشكل أولوي إلى فنزويلا والأرجنتين.
وأوضحت مبادرة حوكمة الاقتصاد الشامل في جامعة بوسطن: «بين 2005 و2013 بلغ التمويل العام للمصارف الصينية الكبرى، البنك الصيني للتنمية ومصرف (اكسيم بنك) للاستيراد والتصدير، 102.2 مليار دولار».
والعام الماضي بلغت قيمة القروض الصينية التي منحت للحكومات والمؤسسات العامة والشركات الخاصة في أميركا اللاتينية 20.1 مليار دولار. وفي عام 2012 لم يكن هذا الرقم يتجاوز 3.5 مليارات دولار، وكان الأدنى منذ أن بدأت بكين الاهتمام بهذه المنطقة في عام 2005.
وقال غاري رودريغيز، رئيس المعهد البوليفي للتجارة الخارجية، مقره في سانتا كروز، لوكالة الصحافة الفرنسية: «اليوم في ما يتعلق بالتجارة والاستثمارات، تخطت الصين الشركاء التقليديين للمنطقة مثل أوروبا والولايات المتحدة».
من جهته، أوضح أرماندو لويازا، المحلل ووزير الخارجية السابق في بوليفيا (2005) لوكالة وكالة الصحافة الفرنسية، أن «الصين تلعب بالتأكيد دورا أكبر في هذه الألفية الجديدة، وسترسخ توسعها التجاري بالتقارب مع أميركا اللاتينية».
وفي البيرو المجاورة التي تعد من الاقتصادات الأكثر دينامية في المنطقة، حققت الصين أكبر استثمار لصناعتها المنجمية في الخارج مع مناجم النحاس في لاس بامباس؛ إذ بلغت قيمته 4.22 مليارات يورو.
وتعد الصين السوق الثانية وراء الولايات المتحدة بالنسبة لفنزويلا البلد الذي يملك أكبر احتياطات مؤكدة للنفط في العالم، وقد بحث البلدان في استثمارات ترمي إلى زيادة الإنتاج في حزام أورينوكو (وسط) النفطي الضخم، وهو استثمار تقدر قيمته بـ28 مليار دولار.



«الفيدرالي» يواجه ضغوطاً من سياسات ترمب في اجتماعه الأسبوع المقبل

مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)
مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)
TT

«الفيدرالي» يواجه ضغوطاً من سياسات ترمب في اجتماعه الأسبوع المقبل

مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)
مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)

من المتوقع أن يحافظ صانعو السياسات في الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على أسعار الفائدة دون تغيير في الاجتماع المقبل، لكن التحدي الأكبر يكمن في كيفية تعامل البنك المركزي مع التحركات المبكرة التي قام بها الرئيس دونالد ترمب، والتي من المرجح أن تترك تأثيرات كبيرة على الاقتصاد في العام الحالي، بما في ذلك مطالبه المستمرة بخفض تكاليف الاقتراض.

وقد بدأ ترمب في تعقيد مهمة «الفيدرالي» من خلال سياساته للحد من الهجرة، وزيادة الضرائب على الواردات، وفي يوم الخميس، أبلغ قادة الأعمال العالميين في منتدى الاقتصاد العالمي في دافوس أنه سيطلب من «الفيدرالي» خفض أسعار الفائدة، قائلاً: «سأطالب بخفض أسعار الفائدة فوراً، كما يجب أن تنخفض في جميع أنحاء العالم». هذا النوع من الضغط الذي مارسه ترمب خلال فترته الرئاسية الأولى لم يكن له تأثير كبير، ولكن يبدو أنه يواصل تطبيقه بشكل ملحوظ، وفق «رويترز».

وفي الأيام الأولى من ولايته الجديدة، شدد ترمب قواعد الهجرة، ما أدى إلى زيادة متوقعة في عمليات الترحيل، كما هدد بزيادة الضرائب على الواردات بداية من 1 فبراير (شباط)، في خطوة تعد بداية لسلسلة من الإجراءات التي قد تؤثر في مسار الاقتصاد بطرق غير واضحة تماماً حتى الآن.

ويتمثل التحدي الكبير الذي يواجهه رئيس «الفيدرالي» جيروم باول وزملاؤه في تحديد مدى تأثير هذه السياسات على قرارات السياسة النقدية في المستقبل، والقدرة على توجيه التوقعات بشكل سليم وسط هذه المتغيرات السياسية.

وقال فينسنت رينهارت، الموظف السابق الرفيع في «الفيدرالي» ورئيس قسم الاقتصاد في «بي إن واي» للاستثمار: «إذا تمت المبالغة في التوجيه فإن الأمر ربما يبدو سياسياً، ولكن إذا تم التراجع عنه، فقد يؤدي ذلك إلى تضليل الجمهور بشأن التوقعات المستقبلية، خصوصاً إذا أصبحت السلع المستوردة أكثر تكلفة، أو إذا كانت سوق العمل تعاني من نقص في العمالة».

وأضاف رينهارت: «التوجيه من (الفيدرالي) يتعامل مع التوقعات، وأي توقعات في الوقت الحالي تتعلق بالاقتصاد السياسي. من الصعب تقديم هذه التوقعات لوكالة مستقلة، خصوصاً في ظل التغيرات المتوقعة بسبب الرسوم الجمركية أو التشريعات الضريبية المتوقعة بنهاية هذا العام».

ومن المرجح أن يؤثر مدى سرعة تطبيق سياسات ترمب في الأشهر المقبلة على ما يأمل «الفيدرالي» في أن يكون المرحلة الأخيرة من جهوده لاحتواء التضخم الذي بلغ أعلى مستوياته في 40 عاماً في 2022، ولكن بدأ يتجه نحو هدفه البالغ 2 في المائة.

وبعد أن خفض «الفيدرالي» سعر الفائدة بمقدار نقطة مئوية كاملة العام الماضي، سيعقد «الفيدرالي» اجتماعه يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين، ومن المتوقع أن يبقي سعر الفائدة في النطاق الحالي بين 4.25 و4.50 في المائة. وتبقى التوقعات الأساسية للفيدرالي كما هي، بأن التضخم سيستمر في التوجه تدريجياً نحو الهدف 2 في المائة مع انخفاض معدلات البطالة، واستمرار التوظيف والنمو الاقتصادي.

خيارات المستقبل والتوجهات المتوقعة

يقترب مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي، الذي يستخدمه «الفيدرالي» لتحديد هدف التضخم، من 2 في المائة على أساس 3 و6 أشهر. ويتوقع صناع السياسة أن يواصل التضخم التراجع مع تحسُّن البيانات الاقتصادية.

وقال مارك كابانا، المحلل في «بنك أوف أميركا»: «نرى أن اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي في يناير (كانون الثاني) يمثل نمطاً انتظارياً»، وأضاف أن «كل هذا يشير إلى أننا نتوقع أن يحتفظ بنك الاحتياطي الفيدرالي بأقصى الخيارات، سواء بعودة إلى خفض أسعار الفائدة في مارس (آذار)، أو مواصلة التوقف».

وقد أشار مسؤولو «الفيدرالي» بالفعل إلى تأثيرات محتملة من سياسات ترمب التجارية والهجرة، حيث قام موظفوه في اجتماع ديسمبر (كانون الأول) بإدخال افتراضات بشأن تباطؤ النمو، وزيادة البطالة، وعدم التقدم الكبير في التضخم للعام المقبل.

وأظهر محضر الاجتماع أن عدداً من صناع السياسات أعربوا عن قلقهم من تقدم أبطأ في التضخم، ما قد يبطئ وتيرة خفض أسعار الفائدة حتى عام 2025، مع احتمال خفض نصف نقطة مئوية بدلاً من النقطة الكاملة المتوقعة سابقاً.

الرسوم الجمركية والتأثير غير المؤكد

تظل آثار الرسوم الجمركية غير مؤكدة، على الرغم من أن ترمب يصر على أنها سترفع الإيرادات الفيدرالية، وستوجه الإنتاج إلى الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن تسهم خطوات إزالة القيود التنظيمية في ضبط التضخم.

من جانب آخر، شهد «الفيدرالي» بعض التغييرات الهامة بعد فوز ترمب في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني)، حيث استقال محافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي مايكل بار من منصبه نائباً للرئيس لشؤون الرقابة بداية من 28 فبراير، وانسحب «الفيدرالي» من مجموعة محافظي البنوك المركزية الدولية التي تركز على تغير المناخ.

ومع ذلك، لا تزال خطط ترمب الاقتصادية في بداياتها، ومن المتوقع أن تستغرق تحركاته الأولية وقتاً لتظهر نتائجها على الاقتصاد. وقد ارتفعت مؤشرات عدم اليقين بشأن السياسات الاقتصادية والنقدية بعد الانتخابات، في ظل استمرار ترمب في تنفيذ وعوده الانتخابية بشكل موسع، بما في ذلك فرض ضرائب على الواردات من الصين، وإرسال الجنود الأميركيين إلى الحدود المكسيكية.

وقال برادلي ساونديرز، كبير الاقتصاديين في أميركا الشمالية لشركة «كابيتال إيكونوميكس»: «نتوقع مزيجاً من السياسات الركودية التضخمية من الإدارة الجديدة لترمب»، مع تحذير من أن «الركيزة مائلة إلى تخفيضات أقل حسب توقيت تنفيذ سياسات ترمب».