ياسمينة خضرا لـ«الشرق الأوسط»: في رواياتي نفح بدوي ورائحة الصحراء

الكاتب الجزائري بالفرنسية ترجمت أعماله إلى 45 لغة

TT

ياسمينة خضرا لـ«الشرق الأوسط»: في رواياتي نفح بدوي ورائحة الصحراء

«حتى سن الرابعة عشرة بقي حلمي أن أصبح شاعراً عربياً كبيراً كالمتنبي. لكن كلما كنت أعرض قصيدة على أستاذي يشتمني ويقول لي: أنت تخرّب لغة أحمد شوقي. حتى وجدت نفسي أكتب بالفرنسية»، يقول ياسمينة خضرا في حوار له مع «الشرق الأوسط». حلم الأديب الجزائري الذي أصبح عالمياً، تحقق مع بعض التعديل، من خلال روايات كثيرة نشرها وتُرجمت إلى 45 لغة من بينها العربية، حيث كانت آخرها رواية «ليس لهافانا رب يحميها» الصادرة عن «دار هاشيت_أنطوان» في بيروت.
يعلق الأديب «لم أصبح شاعراً، لأننا نحن العرب لا نعرف كلمة موهبة. ولا كيف نشجع تلامذتنا أو نعتني بإمكانات أطفالنا».
في روايته «ليس لهافانا رب يحميها» يذهب ياسمينة خضرا إلى حيث لم نكن نتوقع. بعد الجزائر، والصومال، وفرنسا، وفلسطين، وليبيا وأفغانستان، حيث تدور أحداث روايات سابقة له، ها هو يجتاز المحيط مبحراً إلى كوبا في اللحظة الحاسمة التي يحلّ فيها على رأس الدولة راؤول مكان أخيه فيدل كاسترو، وتشرع الأبواب على شيء من الانفتاح، بعد شيوعية فولاذية. هي قصة المغني خوان دون فويغو، ملهب الصالات، وعاشق الموسيقى، الذي يجد نفسه فجأة على قارعة الطريق، بعد أن أُغلق ملهى ومقهى «بوينا فيستا» الذي كان يلتقي جمهوره فيه كل مساء. إنها الخصخصة وانتهاء عهد الدولة التي تحتضن كل شيء، وبدء عصر المبادرات الخاصة التي يعجز عنها رجل تقدم به العمر، وضحّى بكل ما يملك، من أجل أن يعطي نفسه لذاك الشغف الذي يتلبسه حين يقابل جمهوره.
نوع من مونولوغ داخلي، صوت واحد، هو الخارج من روح خوان الذي يروي تلك الحياة الشقية المغامرة من خروجه الأخير من «بوينا فيستا» مستعيداً حياته منذ كان صغيراً، مروراً بترك زوجته له، وابتعاده عن ابنته ولجوئه هو وابنه إلى منزل أخته المحتشد بالأقرباء، حتى نومه في الشارع ولقائه المرأة التي ستعيد إليه الأمل ونكهة الحياة.
تظن أن ياسمينة خضرا أقام في كوبا، لكن الحقيقة أنه زارها لخمسة عشر يوماً ليتأكد أن السيناريو الذي كتبه لفيلم أميركي تدور أحداثه هناك، تفاصيله مطابقة لما هو في الواقع، ولاختيار مواقع التصوير. ويقول خضرا: «استغربت أنني تخيلت الأماكن كما هي». ويضيف «فاجأني هذا الشعب بحبه للحياة وقوته، وهو الذي كان يعيش تحت وطأة الفقر». يُخيَّل إليك أيضاً أن الأمر احتاج إلى بحث كثير مثلاً، لكن الكاتب يؤكد أيضاً «لا لم أقم بأبحاث كثيرة مضنية. كنت قد زرت المكسيك أيضاً، وتعرفت على أدباء من أميركا اللاتينية، وهذا ساعدني على فهم الأجواء. لعلها بركة من الله أن أتمكن من الكتابة عن أماكن لم أعش فيها مدة طويلة، وربما لم أزرها أبداً. كتبت عن أفغانستان دون أن أذهب إليها، كذلك كتبت (الصدمة) عن فلسطين دون أن أكون هناك»، ويضيف ممازحاً: «لعلي أقوم بنوع من الانتقال غير المرئي، ليلاً في هذه الأماكن». وماذا عن أنواع الموسيقى وإيقاعاتها التي تنضح بها أجواء الرواية الخارجة من كل مشهد في روايته التي تدور أحداثها في هافانا؟ «أنا أعشق الموسيقى. معظم رواياتي كتبتها وأنا أستمع لما أحب منها».
ياسمينة خضرا الذي استعار اسم زوجته، بسبب ما كانت تتعرض له كتاباته من رقابة، حين كان ضابطاً في الجيش الجزائري، يكتب بفرنسية فيها شاعرية وبراعة، يعزوها لخلفيته الشعرية في الصحراء الجزائرية التي نشأ فيها: «نعم هي لغة تختلف عن تلك التي يكتبها أي فرنسي، لأنني جزائري وفي كتابتي نفح بدوي، ورائحة الصحراء. وقد تطلب مني الأمر جهداً كبيراً كي أنحت هذا الأسلوب الذي يخصني. لقد خضت كفاحاً لغوياً يومياً، كي أصل إلى هنا. من الصعب جداً على شخص غير فرنسي أن يفرض نفسه أديباً في هذه الأجواء».
ثمة مرارة عند صاحب «بما تحلم الذئاب» و«سنونوات كابل»، و«ابنة العم ك»، و«الصدمة»، و«حصة الموت»، و«الاعتداء»، و«صفارات إنذار بغداد». «أنا اليوم كاتب جزائري أكتب بالفرنسية مترجَم إلى 45 لغة وأُقرأ في 50 بلداً، وعندي 10 ملايين قارئ في العالم، لكنني غير معروف لا في لبنان ولا مصر ولا السودان. لست معروفاً إلا في المغرب العربي. نعم الإنسان يحب أن يكون معروفاً بين قومه. لكن أن لا يعرفونني هي إهانة لقومي وليس لي. نحن لا نعتبر الأديب ونعامله بما يليق».
بدأ حياته الأدبية في الجزائر باللغة العربية باسمه الحقيقي محمد مولسهول، كتب عدة مؤلفات، لكن التضييق الرقابي لم يكن سهلاً. «فرضت عليَّ القيادة في الجيش أن تمر كتاباتي قبل طبعها على لجنة لمراقبتها، وحاولت أن أتجنب هذه اللجنة فغيَّرت اسمي. بالطبع كانت معاناة ومشكلات كثيرة، لكن لا تشبه الحقد الذي عرفته في فرنسا بعد ذلك». كان والده ضابطاً في الجيش الجزائري في الستينات، وأدخله وهو لا يزال في التاسعة من العمر، في ما عُرف باسم «أشبال الثورة» والتحق بالأكاديمية العسكرية وتخرج فيها، وبقي في الخدمة العسكرية حتى بلغ رتبة رائد، ووصل إلى نهاية الخدمة عام 2000، وانتقل إلى فرنسا مع عائلته. عند وصوله أعلن عن هويته الحقيقية، وصدر له مؤلفه «الكاتب»، ثم «دجل الكلمات» الذي دافع فيه عن الجيش الجزائري. هل يحنّ ياسمينة خضرا إلى الكتابة بالعربية، وهل يمكن أن يعود إليها؟ «حاولت أن أترجم كتابي (الكاتب) إلى العربية، لكنني حين بلغت الصفحة العشرين، أدركت أنني أكذب على نفسي. أعتقد أنني اليوم أمتلك قوة بالفرنسية ليس لي مثلها بالعربية».
انتُقد في فرنسا العام الماضي، عند صدور روايته «ليس لهافانا رب يحميها»، واعتُبرت أنها دون الروايات التي سبقتها مستوى، باعتبار أن الكاتب لم يتمكن من الغوص في أعماق الشخصية الرئيسية، رغم أنه عُرف عنه باستمرار مهارته في هذا التشريح الإنساني الماهر. خضرا لا يلقي بالاًً إلى هذا الكلام، معتبراً أن «هناك من ينتقد دون أن يقرأ. عدا أن في فرنسا حرباً مستعرة ضدي، فليس مسموحاً لكاتب عربي أن يكون ضميرياً أو ناجحاً». ويتساءل: «لماذا تأتي دائماً المقالات بالإيطالية والروسية وكل اللغات الأخرى مشجعة، بينما لا نقرأ مثل هذا النقد إلا في فرنسا. لن أدخل في التفاصيل لكنني أتعرض لهجوم مستمر من حركة ليست سهلة، وهي حركة لا يقدر عليها شيطان».
لا يريد الكاتب أن يتنازل كما يفعل أدباء فرانكفونيون آخرون من أجل تسلق سلالم المجد الأدبي، أو إرضاء جهات يقدم لها أوراق اعتماده. «أنا مسلم وحاج أيضاً وعسكري وجزائري، ومن المستحيل أن لا تحمل المناخات السائدة كراهية ضدي». ويستطرد شارحاً: «الجيش الجزائري، دافع ويدافع عن الشرف وعن الشعب الجزائري، وأدى دوراً جباراً، وأنا دافعت عنه باستمرار. كانت هناك مناورات لتدمير الجزائر، والطريقة الوحيدة لذلك هي تدمير الجيش، لكنهم لم يتمكنوا من تحطيم بلد المليون ونصف المليون شهيد، وانتصرنا على المجرمين، ومن خططوا للجحيم». يحمل الأديب إرثه وماضيه وتجاربه السابقة في الجيش حين يكتب «فخلال 36 عاماً من الحياة العسكرية، أُتيح لي أن أختلط بكل الشخصيات والنماذج البشرية. ففي الجيش يتعرف الإنسان على البخيل والشجاع والمخلص كما المخادع والجبان. وهذه فرصة خارقة لأديب أن يختبر كل هذه النماذج عن قرب».
لا يريد الكاتب أن يتحدث عن أدباء عرب يقدمون تنازلات في الغرب لحيازة الرضا، والوصول إلى مراتب، ويكتفي بالقول: «كلٌّ له دور معروف ومرسوم، ولست معنياً إلا بنفسي، أنا أكتب ملء حريتي، وفخور بأعمالي، وعندي ثقة كبيرة بما أفعل. أكتب عن أماكن جغرافية مختلفة، ومناخات متباعد بعضها عن بعض، أتقمص شخصيات متباينة، لأقول: إن الأديب العربي قادر على أن يفهم العالم، ويتجول بمخيلته، وهذا يدل على عبقرية الأدب العربي».
هو أديب منخرط في ما يدور في المنطقة، رواياته غالباً ما تأتي متفاعلة مع التحولات وبعض اللحظات المفصلية مثل روايته «ليلة الرئيس الأخيرة» التي تقمص من خلالها شخصية معمر القذافي. فأي دور يلعبه الأديب في الفترات الحرجة التي تعيشها أمته؟ «أفكر بالأفضل. أنتظر الشيء الجميل. لقد تورطنا في أمور معقدة، ودخلنا في كابوس لا يصدَّق ولا يُطاق، وبات من الصعب الخروج من هذه الظلمات. والمشكلة أن الأدباء والمفكرين لا يتلاحمون. النخبة لا تستشعر، كما ينبغي، أن لها مهام كبرى تجاه شعوبها، وكلٌّ يتغنّى بأسياده».
قريباً سيصدر كتاب جديد لياسمينة خضرا هو عبارة عن حوارات أجرتها معه صحافية فرنسية، يحمل عنواناً ظريفاً هو «القبلة والعضّ». ويعكف حالياً على إنهاء رواية، يقول إنه فخور جداً بها، ويتحفظ على عنوانها وموضوعها، لكنه يعلمنا أن أحداثها تدور بين فرنسا وبلجيكا، ستصدر في شهر أغسطس (آب) المقبل.



معرض «الذهب والمجوهرات» المصري يستلهم الفنون الفرعونية

خبراء يعتقدون أن المصريين القدماء عرفوا الحلي منذ عصر ما قبل التاريخ (الشرق الأوسط)
خبراء يعتقدون أن المصريين القدماء عرفوا الحلي منذ عصر ما قبل التاريخ (الشرق الأوسط)
TT

معرض «الذهب والمجوهرات» المصري يستلهم الفنون الفرعونية

خبراء يعتقدون أن المصريين القدماء عرفوا الحلي منذ عصر ما قبل التاريخ (الشرق الأوسط)
خبراء يعتقدون أن المصريين القدماء عرفوا الحلي منذ عصر ما قبل التاريخ (الشرق الأوسط)

افتتح وزير التموين والتجارة الداخلية المصري الدكتور شريف فاروق، الأحد، فعاليات معرض «نبيو» للذهب والمجوهرات 2024، بالعاصمة المصرية القاهرة، الذي «يعد أكبر حدث سنوي في صناعة الذهب والمجوهرات بمصر، ويعكس تميز القاهرة في هذا المجال على المستويين الإقليمي والدولي»، بحسب بيان صحافي للوزارة.

ويستمر معرض «نبيو»، الذي يقام بقاعة المعارض الدولية بالقاهرة، حتى الثلاثاء المقبل، بمشاركة 80 عارضاً محلياً ودولياً، من بينهم 49 علامة تجارية مصرية، و31 عارضاً دولياً، بالإضافة إلى جناحين مخصصين لكل من تركيا وإيطاليا للمرة الأولى، بهدف «تعزيز البعد الدولي».

جانب من افتتاح المعرض (مجلس الوزراء المصري)

وتتضمن فعاليات «نبيو» معرضاً فنياً بعنوان «المجوهرات كانعكاس للهوية المصرية عبر التاريخ - الحقبة الفرعونية». وقال وزير التموين المصري، خلال الافتتاح، إن «المعرض يعكس الإرث الحضاري العريق لمصر في مجال الذهب والمجوهرات، ويمثل فرصة حقيقية لتعزيز الصناعات الوطنية وزيادة تنافسيتها في الأسواق العالمية».

وقال مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، الدكتور حسين عبد البصير: «الحلي والمجوهرات في مصر القديمة لم تكن مجرد زينة تجميلية، بل هي لغة معقدة مليئة بالرموز تعبر عن المكانة الاجتماعية، الروحانية، والصلات العميقة بالطبيعة والإلهية».

قطعة حلي فرعونية بالمتحف القومي للحضارة المصرية (الشرق الأوسط)

وأضاف عبد البصير لـ«الشرق الأوسط»: «المصريون القدماء استطاعوا بفضل مهارتهم الفنية وابتكارهم، صنع مجوهرات تحمل معاني وقيماً تفوق بكثير وظيفتها الجمالية»، مشيراً إلى أنهم «استخدموا الذهب في صناعة الحلي باعتباره رمزاً للخلود والنقاء، كما استخدموا أيضاً الفضة والنحاس وأحياناً البرونز، وزينوا المجوهرات بأحجار كريمة وشبه كريمة مثل اللازورد، والفيروز، والجمشت، والكارنيليان، والعقيق، والزجاج الملون».

ولفت عبد البصير إلى أن «المجوهرات كانت مؤشراً على الثراء والنفوذ، حيث اقتصر استخدام الذهب والأحجار الكريمة على الطبقة الحاكمة والنبلاء، بينما استخدمت الطبقات الأقل المواد البديلة مثل الزجاج».

وأشار إلى أن «هناك مجوهرات صنعت خصيصاً للموتى وكانت توضع بين الأثاث الجنائزي»، ضارباً المثل بالحلي التي اكتشفت في مقبرة الفرعون الذهبي «توت عنخ آمون».

وأردف: «كانت المجوهرات جزءاً لا يتجزأ من حياة المصري القديم، حيث تعكس فلسفته وتصوره عن العالم، كما كانت رمزاً لفنون ذلك العصر».

المصريون القدماء أبدوا اهتماماً لافتاً بالحلي (الشرق الأوسط)

ويشير الخبراء إلى أن المصريين القدماء عرفوا الحلي منذ عصر ما قبل التاريخ، وكانوا يرتدونها للزينة ولأغراض دينية أيضاً، حيث كانت تستخدم مثل تميمة لحماية جسد المتوفى.

ويستضيف معرض «نبيو» أيضاً 166 مشاركاً من 19 دولة لـ«تعزيز التعاون التجاري وزيادة الصادرات»، إضافة إلى مسابقة لتصميم المجوهرات بمشاركة 13 دولة. وقال وزير التموين المصري إن «المعرض يجسد التعاون المثمر بين الدولة والقطاع الخاص، ويعكس رؤية القاهرة لأن تكون مركزاً عالمياً لصناعة الذهب والمجوهرات».