حالة «الإخوان المسلمين» في أوروبا

عندما تستخدم الديمقراطية والحرية طريقاً نحو تعزيز التيارات الأصولية

حالة «الإخوان المسلمين» في أوروبا
TT

حالة «الإخوان المسلمين» في أوروبا

حالة «الإخوان المسلمين» في أوروبا

هل بدأت أوروبا تراجع مواقفها من جماعة «الإخوان المسلمين»، بعد أن تبين كثرة ازدواجيتها الأخلاقية، وكيف أنها تستغل أجواء الديمقراطية الأوروبية المتاحة للجميع لتنفيذ أجندتها داخل أوروبا وخارجها دفعة واحدة؟
الشاهد أن الفترة الماضية شهدت أحداثاً ومراجعات عديدة تؤكد ما نقول به. فقد أثبتت الأحداث، وبخاصة في ضوء موقف الجماعة في أوروبا من الانتخابات الرئاسية المصرية، أن الإخوان لم يرتدعوا رغم كل ما لحق بهم من هزائم على الأرض، ومن رفض شعبوي ونخبوي لمشروعهم، بدا ذلك في صورة الملايين التي خرجت إلى الميادين مطالبة بعزلهم وإقصائهم، ولاحقاً تصنيف الجماعة كونها «فصيلاً إرهابياً». على أن السؤال الجوهري في هذه القراءة: هل كان موقف «إخوان أوروبا» من مصر وما يجري فيها هو السبب الرئيسي في إعادة قراءة الأجهزة الاستخبارية في بعض الدول الأوروبية حقيقة جماعة الإخوان المسلمين، المعين الأول والأكبر الذي خرج من جوفه كل التيارات الأصولية والجهادية حول العالم العربي، عطفاً على انتشارها وما تسببه من كوارث في أوروبا وأميركا؟
في منتصف شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، وبينما كان المرشحون للانتخابات الرئاسية المصرية يجهزون أوراقهم للترشح، طُرح على المائدة اسم رئيس أركان الجيش المصري الأسبق الفريق سامي عنان، والذي أثيرت حوله شائعات كثيرة حول علاقته بجماعة الإخوان. لم تكن قصة ترشيح الرجل هي القضية أو الإشكالية بل موقف الإخوان المسلمين منه، لا سيما القيادات الهاربة إلى أوروبا، والتي أعطتها دول القارة العجوز حقوقاً تستحق المراجعة اليوم، وبعضها يراجع بالفعل وبدأ في اتخاذ مواقف بعينها. في هذا السياق كان المفوض السابق لـ«الإخوان» المسلمين والمكلف بإدارة ملف العلاقات الدولية للجماعة «يوسف ندا» يوجه رسالة إلى الفريق عنان، أقل ما توصف به أنها «لعب على المتناقضات» و«حلم بالعودة إلى الماضي»، غير أن اللعب والحلم مرتبطان بشروط ستة إخوانية إن أراد «عنان قبل إبطال ترشحه» أن يحصد أصوات الإسلامويين من إخوان وسلفيين وجهاديين وبقية الدائرة المعروفة. في رسالة «ندا» لـ«عنان» قوله: «أقول لك بلا مواربة إن الإخوان المسلمين سيظلون مع التوافق الوطني، وقد يقبلون بانتخابات للرئاسة مراعاةً لعدة أمور». يستوقفنا هنا بداية الحديث الزائف عن فكرة «التوافق الوطني»، ذلك أن الإخوان لم يكونوا يوماً في سياق الفصيل الوطني البنّاء، وإنما جماعة فوقية دوجمائية، تصنف ضمن مَن يُعرفون بـ«ملاّك» الحقيقة المطلقة، وإن كانت حقيقتهم دائماً ملتصقة بالعنف والإرهاب، وموصومة بالكذب والرياء والخداع.
ويبدو السيد «ندا» في حديثه كأن له الباع الطويل في الموافقة على الانتخابات الرئاسية، ولهذا قد يقبل، وربما لا يقبل هو وجماعته بها، إلا مراعاة لتقديراته هو وجماعته. مهما يكن من أمر، فإن «ندا» وضع 6 محددات حتى تقبل جماعة الإخوان بترشح عنان وهي: عودة الجيش لخدمة الشعب وحمايته وحماية الدولة- إعادة الاعتبار لنتائج الانتخابات والطلب من رئيسها المنتخب محمد مرسي التنازل لصالح الأمة- «تطهير القضاء» وإلغاء الأحكام المسيسة التي حكمت في عهده- الإفراج عن المعتقلين وتعويضهم- تطهير الشرطة- إعادة النظر في القرارات المتعلقة بثروة مصر وحدودها.
تحتاج مناقشة هذه المحددات إلى أكثر من قراءة قائمة بذاتها، غير أنه وباختصار غير مخلٍّ نحن أمام طرح انقلابي إخواني يعكس نياتها الحقيقية لا تجاه مصر الكنانة فحسب، بل لجهة مخططهم الأكبر للسيطرة على مقدرات العالم بأسره وأوروبا في البداية، بعد أن تسلقوا هناك سلم الديمقراطية مرة واحدة، ومن ثم يحاولون –إنْ قدّر لهم– إزاحته بعيداً إلى الأبد، كي يتم لهم تنفيذ مخططهم الأوسع.

من حلم البنا إلى حاضرات أيامنا
قبل أن يحلم الخميني في نهاية سبعينات القرن الماضي، بأن يرفرف علم الثورة الإيرانية على العواصم العربية، مصدِّراً ثورته، سبقه حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان، في حلم يخص أوروبا الجار الأقرب جغرافياً، والأكثر تشابكاً ديموغرافياً، والأوثق علاقة تاريخياً مع العرب والمسلمين، حلم أن يرى علم جماعة الإخوان يرفرف على كل أنحاء العالم بدءاً من أوروبا.
ولعل مساقات الأحداث وما جرى من خلافات عميقة بين عبد الناصر والإخوان، قد فتح الباب واسعاً لهجرة هؤلاء في خمسينات وستينات القرن الماضي إلى أوروبا، كان في مقدمهم زوج ابنته «سعيد رمضان» والد «طارق رمضان» الذي تم توقيفه الأيام الماضية بتهمة مخلة بالأخلاق، ما يؤكد الازدواجية الروحية والأدبية التي تحكم الجماعة ونظرتها إلى أوروبا والأوروبيين.
عبر 7 عقود وفي مناخات أوروبية توفر مظلة واسعة للحريات الدينية استغل الإخوان تلك الأجواء في تأسيس مئات الجماعات والجمعيات تحت عناوين المؤسسات الشبابية والخيرية والإرشادية، ناهيك بالأنشطة المرافقة لها، الأمر الذي وفّر لـ«الإخوان» عبر 3 أجيال، جيشاً من «الاحتياطيين» المستعدين للمضي قدماً في تنفيذ سيناريوهات البنا لتحويل الحلم إلى حقيقة.
وفي هذا الإطار كذلك كانت تلك الجماعات ولا تزال -وأغلب الظن أنها ستظل طويلاً- منصة للانطلاق في مسارين:
المسار الأول، يتصل بالدول العربية سواء في منطقة الخليج العربي أو المشاطئة للبحر الأبيض المتوسط، ومحاولة استنساخ سيناريوهات الربيع المغشوش قبل 7 سنوات.
بينما يتصل المسار الثاني بتلك الجمعيات والمؤسسات التي أضحت حاضنات للفكر المتشدد والأصولي، ومن هنا عرف العديد من شباب تلك المجتمعات الأوروبية طريقه إلى التطرف، ما تم ترجمته في الانضمام إلى «داعش»، وباتت عودة هؤلاء إلى بلادهم بعد القضاء على «داعش» لوجيستياً في سوريا والعراق، خطراً جسيماً ماثلاً أمام أعين الأوروبيين، وباتوا غير قادرين على مداراة أو مواراة مخاوفهم من تعاظم مدهم، فيما الكارثة الكبرى لا تتمثل في الحوادث الإرهابية التي يمكن أن يقوموا بها على فداحتها، بل في تصاعد الفكر الداعشي، وتوالده ضمن صفوف جماعات أوروبية في طول البلاد وعرضها، ما يعرض أوروبا ومن جديد لمخاطر التوتاليتاريات التي عرفتها في النصف الثاني من القرن العشرين عبر النازية والفاشية.

{إخوان} أوروبا... شهادة من القلب
عادةً ما نعلم أدق أسرار جماعة الإخوان المسلمين من الأعضاء المنشقين عنها، هؤلاء غالباً وعند نقطة معينة يكتشفون كارثية المشهد الذي ينتمون إليه، وعليه يغادر بعضهم السفينة لسبب أو لآخر، والشهادات هنا عن «إخوان أوروبا» أكثر من أن نضمّنها المسطح المتاح للكتابة.
خذ إليك على سبيل المثال ما اختطّه الكاتب والباحث المغربي «محمد لويزي» الناشط السابق في حركات إسلامية تابعة لتنظيم الإخوان المسلمين، عبر كتابه المعنون «لهذه الأسباب غادرت الإخوان المسلمين».
في حوار له مع محطة «دويتشه فيلله» الألمانية حول استغلال الإخوان أجواء الحرية، يعود بنا إلى مايو (أيار) من عام 2001، حين اجتمعت قيادات الإخوان المسلمين الأوروبيين في جنيف بسويسرا لتدارس موضوع «كيف نربي أبناءنا في أوروبا؟»، وكان من بين الحاضرين القيادي الإخواني «أحمد جاب الله» وهو رئيس سابق للتنظيم الإخواني في فرنسا، ويومها قال: «إن حرية التعبير مكفولة في أوروبا في حدود واسعة، ولو أن هذا الأمر يُستخدم كذلك لترويج الأفكار الإباحية، لكنه يتيح فرصاً للتعبير عن الرأي، وهذا يمنح الفرد مجالاً للإفصاح عن آرائه، فيخلصه من عقدة الكبت والخوف»... ماذا يعني هذا الرأي؟
بلا شك هذا مثال واحد فقط للتدليل على استغلال فضاء الحرية والديمقراطية للدعوة والتوسع والانتشار مع الحرص الدائم على سلوك «التقية» والالتواء وعدم الإفصاح عن حقيقة تصوراتهم ونياتهم لكل ما يعتبرونه مخالفاً للدين كما يتصورونه، وهم لا يعدون ذلك تناقضاً بل يرونه تكتيكاً ذكياً يقع في شباكه بعض «السذج» من أنصارهم من غير المسلمين.

القرضاوي... دولة «الإخوان الأوروبية»
واحدة من أهم الدراسات التي قدمت عن إخوان أوروبا تلك التي قدمها الدكتور طارق دحروج «عن الجغرافيا السياسية لجماعة الإخوان في أوروبا» والمنشورة في صحيفة «الأهرام» المصرية أغسطس (آب) الماضي، ولعل ما يهمنا بنوع خاص فيها أنه يلفت نظرنا ومن جديد إلى «يوسف القرضاوي» الإخواني الطبع والتطبع عبر عقود طوال، والدور الذي لعبه خلال العقود الثلاثة الماضية في خلق الدولة الإخوانية داخل أوروبا... ماذا عن ذلك؟
أولاً، نذكِّر بأن قطر لا تزال هي المتهم الأول بتمويل كل تلك الجماعات في الداخل الأوروبي، وهو الأمر الذي يدركه كثير جداً من الباحثين والدارسين، فضلاً عن الأمنيين ورجالات الاستخبارات في أوروبا، غير أن «رنين ذهب المعز القطري» لا يزال يعمي كثيراً من عيون الأوروبيين بفضل التبرعات والمنح والهبات الآتية من الدوحة.
يعد القرضاوي «خميني الإخوان» إن جاز التعبير، وكان الرجل قد أصدر عام 1990 كتابه المعروف باسم «أولويات الحركة الإسلامية خلال المرحلة المقبلة»، ويبدو أن دالته على الفكر اليهودي والصهيوني بنوع خاص، قد مهدت له الطريق الفكري لاقتباس طرح «الجيتو اليهودي» التاريخي ليضحى حاضراً إسلامياً في أوروبا، ذلك أنه روّج لفكرة إنشاء مجتمع منفصل لمسلمي الغرب، أطلق عليه مصطلح «الجيتو المسلم في الغرب».
واعتُبر كتاب القرضاوي «الدستور الإخواني الجديد في الغرب»، وقد بلوره الشيخ الإخواني النافذ، للبناء على الرصيد الذي راكمته الأجيال الإخوانية السابقة وبخاصة في بريطانيا وألمانيا وفرنسا، ما مكّن للجميع العمل بشكل أفقي في القارة الأوروبية من خلال إنشاء اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا الذي اتخذ من بريطانيا مقراً مؤقتاً له.
ولم يتوقف هذا الاتحاد عند حدود الدول الأوروبية القديمة التي وُجد بها تاريخياً، بل تمدد إلى أكثر من 18 دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي، وعند البروفسور «دحروج» النشاط الأكثر خطورة في أداء اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا إقدامه على تأميم فضاء الفتوى في القارة من خلال إنشاء المجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء الذي يرأسه القرضاوي وتأسس عام 1996 في العاصمة الآيرلندية دبلن، ويعد إحدى الأذرع الرئيسية للتوسع الأفقي لجماعة الإخوان في أوروبا.
السؤال الفصل: كيف تركت أوروبا مثل هذه القوى تنمو على أراضيها، وخبراؤها يدركون الأبعاد الظلامية الحقيقية لمحتواها الآيديولوجي... وهل حان أوان انكشاف المستور؟
ومع السنوات السبع الماضية وما عاشته دول الشرق الأوسط من اضطرابات وقلاقل من جراء فصيل «الإخوان» ومن لفّ لفهم، ناهيك بالطامة الكبرى التي تمثلت في ظهور «داعش»، بات جلياً أن الأوروبيين يراجعون أوراقهم ويعيدون تقييم أحوال الإخوان على أراضيهم وفي مقدمتهم الألمان والبريطانيون بنوع خاص.
إحدى أهم آليات المراجعة الألمانية وجدنا أخبارها في الفترة الأخيرة لدى مشروع «كلاريون» الأميركي، المتخصص في شؤون مكافحة التطرف، ورغم أنه أميركي، فإنه قد أخضع إخوان أوروبا لدراسة تمحيصية عالية الجدوى، وذلك بالتعاطي مع وكالة الاستخبارات الألمانية، والنتيجة التي توصل إليها الألمان هي أن «الإخوان المسلمين تنظيم مخادع ومتطرف، يُظهر ما لا يبطن، ويقول علناً ما يخالف إيمانه وعقيدته السرية».
لدى الألمان «رجال» من المفكرين المهرة عميقي البحث والتنقيب في تاريخ الإخوان المسلمين منذ البدايات، ولديهم «المرجعيات» المتمثلة في المعاهد البحثية والدراسية المتخصصة، ولذلك كان من اليسير على مكتب حماية الدستور في ألمانيا (الاستخبارات الداخلية) أن يرصد بقلق تزايداً ملحوظاً في نفوذ جماعة «الإخوان المسلمين» داخل ولاية ساكسونيا شرقي ألمانيا، وأن يعلن رئيس الهيئة المحلي بالولاية «جورديان ماير - بلات» أن جماعة «الإخوان المسلمين» استغلت عبر منظمات مثل الجمعية الثقافية (ملتقى ساكسونيا) نقص دور العبارة للمسلمين الذين قدموا إلى ساكسونيا كلاجئين، لتوسيع هياكلها، ونشر تصورها عن الإسلام السياسي.
وتخلْص الاستخبارات الألمانية إلى أن المؤسسات العاملة على أرضيها والتابعة للجماعة الإسلامية ليست إلا واجهة لـ«الإخوان» المسلمين في ألمانيا، وأنها وإن كانت تقوّم نفسها كمنظمات وجمعيات معتدلة تشجع على الحوار، إلا أنها تخفي أهدافها الحقيقية في ألمانيا والغرب، إذ هي ترفض قيماً رئيسية في النظام الديمقراطي الحر مثل الحرية الدينية أو المساواة بين الجنسين.

بريطانيا و{الإخوان}... فراق أم اتفاق؟
وأخيراً، تبقى العلاقة بين بريطانيا والإخوان المسلمين واحدة من أكثر العلاقات غموضاً بين دولة كبرى كانت إمبراطورية وبين جماعة سرية، وليس سراً أن البريطانيين دعموا الإخوان في نشأتهم وربما كانوا هم المنشئ الأصلي، وهذا حديث يطول... لكن ماذا عن اللحظة الآنيّة، وهل تغير موقف بريطانيا من الإخوان أم أن الأمر يدخل في باب المناورة والمداورة؟ ومع الوحشية التي اتسم بها «داعش» بنوع خاص، والتي هي وليدة «القاعدة» التي بدورها نتاج لفكر الإخوان، أمر رئيس الوزراء البريطاني وقتها (2014) «ديفيد كاميرون» بإجراء تحقيق حول علاقة جماعة الإخوان المسلمين بحركات الإرهاب حول العالم عامة، وفي أوروبا بنوع خاص، وبعد نحو 20 شهراً من البحث والتحري والمتابعة المحققة والمدققة خلص القائمون على التحقيق إلى أن «الانتماء إلى الإخوان المسلمين بداية الطريق نحو التطرف». لكن العمليات الإرهابية التي شهدتها بريطانيا منذ ذلك الوقت و4 منها جرت عام 2017، وراح ضحيتها نحو 40 مواطناً ومقيماً، جعلت العيون والعقول تنفتح من جديد على حقيقة المشهد الإخواني في الداخل البريطاني.
وفي الأسبوع الأول من شهر سبتمبر (أيلول) الماضي كان وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط، «أليستر بيرت»، يكتب عن نية الحكومة البريطانية تغيير سياستها في مكافحة الإرهاب والتضييق على الجماعات المتطرفة ومنها «الإخوان المسلمين».
ولاحقاً رأينا أصواتاً بريطانية نافذة توجه نصالاً حادة إلى قلب الإخوان في بريطانيا، أصوات مثل «الكولونيل تيم كولنز» مؤسس منظمة «نيوسينشرى» لمكافحة الإرهاب، والذي أشار إلى أن أفراد الإخوان في بلاده «يستخدمون جمعيات ومؤسسات تعطيهم نفوذاً وحجماً أكبر من حقيقتهم، وأنهم تنظيم يستغل الدين لأغراض سياسية ويسعى لإقامة دولتهم دون احترام للمكونات الأخرى»، كما فجر «كولنز» الحقائق الخطيرة بالنسبة إلى الأوروبيين، والمتمثلة في أن تنظيم الإخوان يستطيع أن يلعب بعقول بعض المواطنين المسلمين المقيمين في الغرب، ويقوم بتحويلهم إلى أشخاص خطيرين ومستعدين للقيام بأعمال خطيرة ضد أوطانهم الجديدة في الغرب.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.