وثيقة روسية تحذِّر من «دولة كردية» وتراجع دمشق عن «التسوية»

أعدها خبراء «منتدى فالداي» المقرب من الكرملين... ومصادر تتحدث عن «تطورات مقلقة» لموسكو في سوريا

مقاتلان من المعارضة السورية شمال حلب امس (رويترز)
مقاتلان من المعارضة السورية شمال حلب امس (رويترز)
TT

وثيقة روسية تحذِّر من «دولة كردية» وتراجع دمشق عن «التسوية»

مقاتلان من المعارضة السورية شمال حلب امس (رويترز)
مقاتلان من المعارضة السورية شمال حلب امس (رويترز)

حذّرت وثيقة روسية، أُعدت كورقة أساسية لـ«منتدى فالداي» المقرب من الكرملين الذي يُعقد في موسكو غداً بمشاركة وزير الخارجية سيرغي لافروف، من أن بعض «النخبة» في دمشق تراهن فقط على «الانتصار العسكري» أكثر من التسوية، إضافة إلى تحذير روسي آخر من أن «نية أميركا البقاء ونشر وحدات خاصة في مناطق الأكراد، ستؤدي إلى تقوية العناصر الناشئة للدولة الكردية التي ستعرقل استعادة الوحدة السورية بموجب القرار الدولي 2254».
في غضون ذلك، كشفت مصادر دبلوماسية غربية لـ«الشرق الأوسط» عن وجود فجوة كبيرة بين موقفي دمشق وموسكو إزاء تشكيل اللجنة الدستورية. وقالت المصادر أمس: «إن السفير السوري بشار الجعفري أبلغ مجلس الأمن الأسبوع الماضي رفض أي رعاية دولية للجنة وتمسكه بتشكيلها في دمشق ووفق آليات البرلمان السوري، في حين أن الجانب الروسي وزع البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني في سوتشي ونص على أن يشكل المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا اللجنة ويحدد مرجعياتها».
لكن المصادر ذاتها لاحظت أن الجانب الروسي «لم يضغط على دمشق لتنفيذ بيان سوتشي»، ما يعني صعوبة استئناف مفاوضات جنيف في المستقبل المنظور، مشيرة إلى أن الفترة الأخيرة شهدت «سلسلة من التطورات دفعت الكرملين إلى الاعتقاد أن التسوية السياسية في سوريا أصعب مما يعتقد، وأن إمكان تحقيق اختراق قبل الانتخابات الرئاسية الروسية في 18 الشهر المقبل غير ممكن». وقالت إن التطورات شملت: «الهجوم بطائرات درون على قاعدة حميميم، وإطلاق تركيا عملية غضن الزيتون في عفرين، وقصف أميركا لمرتزقة روس قرب دير الزور، والتصعيد الإيراني - الإسرائيلي في سوريا، والصدام مع دمشق حول تنفيذ بيان سوتشي، وبحث أنقرة وواشنطن عن تسوية في منبج لإصلاح العلاقات بينهما».
إلى ذلك، استعرضت الورقة، التي أعدها فايسلي كوزنتوف مدير «مركز الدراسات العربية والإسلامية»، وفيتالي نعومكين رئيس «معهد الدراسات الشرقية في الأكاديمية الروسية للعلوم»، وأرينا زفيوغيلسوكايا الباحثة في «مركز الدراسات العربية والإسلامية»، كوثيقة خلفية لمؤتمر «منتدى فالداي» الذي يبدأ في موسكو غداً، «قواعد اللعبة» في منطقة الشرق الأوسط باعتبار أن عام 2017 شكّل «نقطة انعطاف» في المنطقة، ذلك أنه «مع أن أياً من الصراعات الدامية لم ينتهِ بعد وأن بعضها يتصاعد وسط مخاوف من أن جميع الدول محكومة بالانهيار، فإن بعض التغيير الإيجابي حصل» منه أن «اللاعبين المحليين يبحثون عن حلول سياسية».
وأشارت المقدمة إلى أن التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط «أثبتت أهمية الدولة باعتبارها المؤسسة الأساسية» التي يمكن إصلاحها، ما يعني ضرورة الحفاظ على ازدواجية «تقوية الدولة وحل النزاعات، أمران هما في صلب الأولويات للاعبين الدوليين في المنطقة»، قبل أن تستعرض 9 اتجاهات في منطقة الشرق الأوسط.
- الخوف كعامل للإصلاح
وأشارت إلى أنه على العكس من المخاوف السابقة، فإن «أياً من الدول لم تُمحَ من الخريطة، ولم تُزل أي دولة بسبب الصراعات» وأنه مع أن بعض الأمور لا تزال جارية وخلقت تحديات للحكومات فإن «الخوف من الصراع والانهيار بات عاملاً رئيسياً في النفسية العامة في الشرق الأوسط سواء في أوساط النخب أو العموم». وتناول العامل الثاني زيادة «دور المجتمع المدني» في الشرق الأوسط. ومع أن «تقوية المجتمع المدني في المنطقة لم يكن متوقعاً كنتيجة لعملية التحول»، فإن عدد الجمعيات تضاعف مرات عدة، إما بسبب تشجيع الحكومات ضمن عملية الإصلاح وإما بسبب تراجع سلطة الدولة، ما دفع الناس كي تقوم بمبادرات لتقوية دورها وتنظيم نفسها، كما هو الحال في مناطق المعارضة في سوريا.
وجاء الاتجاه الثالث تحت عنوان «اللاعبون الإقليميون يحددون الأجندة». وأشارت الورقة إلى أنه في الحرب الباردة كانت الكلمة لأميركا والاتحاد السوفياتي، لكن في الوقت الراهن مع أن الدور الأبرز هو لروسيا وأميركا رغم الصعوبات بينهما، «لا بد لهما أن تأخذا بالاعتبار الوقائع الجديدة التي خلقت بسبب قوة اللاعبين الإقليميين. صحيح أن الدول الكبرى لديها قدرة أكبر» لكن هناك محدودية للتأثير والفرض على المحليين والإقليميين سواء كان هؤلاء اللاعبون تابعين لدول أو غير ذلك، في إشارة إلى الميليشيات.
- نهاية «داعش» كعامل موحد
قالت الورقة إن هزيمة «داعش» في العراق وسوريا كانت عامل توحيد بين اللاعبين، وإن التنظيم خسر معظم الأراضي التي يسيطر عليها «لكن الأسباب الحقيقية للإرهاب لم تُزل خصوصاً في العراق»، قبل أن تشير إلى بدء ظهور اختلاف أولويات بين القوى الكبرى والإقليمية التي أسهمت في هزيمة «داعش». ومهّد هذا للانتقال إلى الاتجاه الخامس المتعلق بظهور بـ«هشاشة في التحالفات» بسبب أن كل دولة باتت تعطي الأولوية لمصالحها المباشرة على حساب مصالح الحلف التي هي فيه. وكانت الورقة تشير إلى التوتر بين تركيا وأميركا العضوتين في «حلف شمال الأطلسي» (ناتو) بسبب دعم واشنطن للأكراد مقابل تعاون أميركي - روسي أو روسي - تركي.
وخصصت فقرة عن سوريا باعتبار أن «الحل السياسي في سوريا بات أولوية عاجلة». وعلى عكس المعلن من أن إدارة دونالد ترمب أوقفت برنامج دعم «الجيش السوري الحر»، فإن الورقة قالت إن «واشنطن زادت الدعم للمعارضة السورية» من دون تقديم دليل على ذلك. لكن الأهم أنها أشارت إلى أن «زيادة العلاقة بين أميركا والقوات الكردية، وأن نية أميركا البقاء ونشر وحدات خاصة في مناطق الأكراد، ستؤدي إلى تقوية العناصر الناشئة للدولة الكردية التي ستعرقل استعادة الوحدة السورية بموجب القرار الدولي 2254». كما لاحظت اتجاه اللاعبين الخارجيين للانتقال من التركيز على البعد العسكري إلى «التسوية السياسية» مع ملاحظة أن «بعض النخبة في الحكومة السورية لديهم آمال أكبر في الانتصار العسكري أكثر من نتائج حل بموجب المفاوضات».
وتناولت الورقة أيضا 3 اتجاهات أخرى في الشرق الأوسط تتعلق بأن «لاعبين ضعفاء يعرقلون السلام في ليبيا»، إضافة إلى وضع اليمن. وكان لافتاً أن الورقة اعتبرت أن «المشكلة الفلسطينية عادت إلى المائدة» الدولية والإقليمية.
- ليس عسكرياً فقط
وخلصت إلى أن «الوجود العسكري الروسي في الشرق الأوسط مهم لكنه ليس الأداة الوحيدة لدى الكرملين لصنع سياسة في المنطقة». وقللت من القول: إن «المحتوى العسكري في السياسة الروسية، قد يدفع اللاعبين الإقليميين والدوليين إلى احترام روسيا الساعية إلى منافسة دول كبرى أخرى في المنطقة»، لكن أشارت إلى أن التجربة أثبتت أنه «ليست هناك دولة قادرة وحدها على الوصول إلى حلول دائمة في الشرق الأوسط».
ومن المقرر أن تبدأ أعمال «منتدى فالداي» غداً، بجلسة يديرها نعومكين عن دور روسيا في الشرق الأوسط بمشاركة لافروف، ونظيره الإيراني جواد ظريف، والمستشارة الرئاسية السورية بثينة شعبان، ووزير الخارجية المصري الأسبق نبيل فهمي، للإجابة عن تساؤلات تتعلق بالوضع الراهن في المنطقة ومصالح روسيا، باعتبار أن «المحتوى الرئيسي للأجندة الإقليمية، وأن أفعال روسيا في سوريا، هي جزء من آليات تقوم بها روسيا في المنطقة وتسهم في الوصول إلى تسوية».
ويضم برنامج المنتدى جلسة عن سوريا بمشاركة شخصيات بينهم رمزي عز الدين رمزي نائب المبعوث الدولي إلى سوريا، للإجابة عن أسئلة، هي: «ما آليات المجتمع الدولي لتسريع الحل السياسية؟ كيف ترى الدول الفاعلة دورها في الإعمار؟ كيف يمكن تسهيل عودة اللاجئين؟ ما دور اللاعبين الخارجيين في الحفاظ على استقرار الدولة السورية ما بعد الحرب؟».



مقتل عنصر من «الدفاع» السورية بإطلاق نار في حلب

أشخاص يسيرون على طول طريق في حلب بعد موافقة «قسد» على خفض التصعيد الأسبوع الماضي (رويترز)
أشخاص يسيرون على طول طريق في حلب بعد موافقة «قسد» على خفض التصعيد الأسبوع الماضي (رويترز)
TT

مقتل عنصر من «الدفاع» السورية بإطلاق نار في حلب

أشخاص يسيرون على طول طريق في حلب بعد موافقة «قسد» على خفض التصعيد الأسبوع الماضي (رويترز)
أشخاص يسيرون على طول طريق في حلب بعد موافقة «قسد» على خفض التصعيد الأسبوع الماضي (رويترز)

أفادت قناة «الإخبارية» السورية، السبت، بمقتل عنصر من وزارة الدفاع إثر إطلاق نار من قبل مجهولين في حلب.

يأتي ذلك غداة إصابة عنصر من قوى الأمن الداخلي السوري جراء هجوم لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) استهدف حاجزا لوزارة الداخلية السورية في محيط حيي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب.

وأعلن قائد الأمن الداخلي في محافظة حلب، العقيد محمد عبد الغني، عن وقوع خرق جديد من قبل قوات "قسد" للاتفاقات المبرمة، مؤكدا أن الاستهدف وقع أثناء قيام عناصر الحاجز بمهامهم في تنظيم حركة المدنيين بمنطقتي الشيخ مقصود والأشرفية، مما أسفر عن إصابة أحد العناصر بجروح. بحسب ما أورده موقع «تلفزيون سوريا» على الإنترنت اليوم.

وأشار عبد الغني إلى أنه تم التعامل مع مصادر النيران وفق القواعد العسكرية المعتمدة، فيما جرى إسعاف الجريح ونقله لتلقي العلاج.

ووجه قائد الأمن الداخلي تحذيرا لقوات «قسد» في الحيين، مؤكدا أن استمرارها في خرق الهدن والاعتداء على النقاط الأمنية «سيقابل باتخاذ الإجراءات اللازمة»، مع تحميلها المسؤولية الكاملة عن أي تصعيد أو تداعيات تنتج عن هذه الانتهاكات.

وأكد عبد الغني أن الدولة السورية تواصل جهودها للحفاظ على التهدئة وحماية المدنيين، في إطار مسؤولياتها عن حفظ الأمن في المحافظة.


أنفاق ومنصات صواريخ… استحداثات حوثية تحاصر سكان إب

غبار تسببت به أعمال حفر وتفجيرات حوثية في مديرية السياني بمحافظة إب (إكس)
غبار تسببت به أعمال حفر وتفجيرات حوثية في مديرية السياني بمحافظة إب (إكس)
TT

أنفاق ومنصات صواريخ… استحداثات حوثية تحاصر سكان إب

غبار تسببت به أعمال حفر وتفجيرات حوثية في مديرية السياني بمحافظة إب (إكس)
غبار تسببت به أعمال حفر وتفجيرات حوثية في مديرية السياني بمحافظة إب (إكس)

تشهد محافظة إب اليمنية استحداثات عسكرية حوثية متواصلة منذ أسابيع، بحفر أنفاق وخنادق عميقة وشق طرقات جديدة، وتحويل عدد من المرتفعات إلى مواقع عسكرية معززة بأسلحة متنوعة، وسط العزلة التي تعيشها، في حين يحذّر خبراء عسكريون من أن تكون هذه التحركات وسيلة للتمويه على نشاط عسكري آخر.

وواصلت الجماعة الحوثية استحداثاتها العسكرية في عدد من مرتفعات محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء)، منذ أكثر من شهر، في جبال مديريات السياني وذي السفال والسبرة، وأرفقت ذلك بإجراءات أمنية مشددة في الطرقات، ومنعت السكان من الاقتراب، وإيقاف واختطاف عددٍ غير معروف منهم، بتهمة التصوير أو مراقبة تلك الأعمال.

وذكر سكان في المنطقة أن الجماعة الحوثية استحدثت، خلال الأيام الماضية، منصة صواريخ في معسكر لها في جبل المهلالة في منطقة النقيلين ضمن مديرية السياني، جنوب المحافظة، في حين استنكر الأهالي خداع القادة والمشرفين الحوثيين لهم، بادعاء أن تلك الإنشاءات تهدف إلى تقوية شبكات الاتصالات، في حين أدت إلى الإضرار بشبكات المياه الريفية وانقطاعها عن قرى في مناطق واسعة.

وتمنع الجماعة السكان من التنقل عبر الطرق القريبة من المعسكر، أو رعي المواشي جواره، وفي مناطق أخرى أوقفت عدداً ممن حاولوا الاقتراب من الإنشاءات دون علمهم بإجراءاتها، قبل أن تفرج عنهم، وأغلقت جميع الطرق المؤدية القريبة من مواقع أنشطتها.

القيادات الحوثية في إب أوهمت السكان أن الاستحداثات العسكرية لتقوية شبكات الاتصالات (إعلام حوثي)

ويتوقع عبد الرحمن الربيعي، الباحث العسكري والسياسي اليمني، أن يكون أحد أهداف الأنشطة العسكرية الحوثية في محافظة إب هو التمويه، في حين لم تتوقف عن الحشد والتجهيز في مختلف الجبهات القابلة للاشتعال في أي وقت.

احتمالية التمويه

يقول الربيعي لـ«الشرق الأوسط» إن هناك حاجة ملحة لدى الجماعة الحوثية للأنشطة العسكرية الميدانية مثل بناء التحصينات والمناورة بالقوات وحشد المقاتلين لتلبية احتياجات طارئة وعملياتية، وهو ما يشمل مختلف الجبهات والمناطق الخاضعة لسيطرتها التي تطوقها القوات الموالية للحكومة الشرعية من كل الاتجاهات.

ويوضح أن الحالة المعقّدة التي تعيشها الجماعة بعد مصادرة كميات كبيرة من الأسلحة المهرّبة إليها واستهداف المنشآت الحيوية التي كانت تدر عليها الأموال وعزلتها السياسية، قد تدفعها إلى التمويه والإيحاء بتنفيذ عمليات عسكرية في اتجاه محدد، فيما هي تنشط سراً في اتجاه آخر مختلف تماماً، وتسعى لتنفيذ هجمات على جبهات بعيدة عن مواقع هذه الاستحداثات.

الجماعة الحوثية تعاني تراجعاً في الإيرادات بعد الضربات الأميركية والإسرائيلية على مواقعها (أ.ف.ب)

وتأتي هذه الإنشاءات ضمن حركة تحصينات واسعة لجأت إليها الجماعة في عدة مرتفعات وسلاسل جبلية وتكوينات جغرافية مختلفة، وتركزت، أخيراً، في محافظة إب والمناطق التي تسيطر عليها من محافظة تعز (جنوب غرب).

وأكّدت المصادر أن الجماعة كلّفت القيادي علي النوعة الذي عيّنته وكيلاً للمحافظة، بالإشراف على إنشاء طريق جديد يربط بين مديريتي السياني وذي السفال، مرجحة أن يكون خطاً لإمداد مواقع الجماعة ويسهّل تحركاتها في المنطقة المعقدة جغرافياً.

واقتحم قياديون ميدانيون في الجماعة، خلال الأسبوع الماضي، مسجد ومركز الفرقان للقرآن الكريم في منطقة محطب في المديرية، وطردوا الطلاب والطالبات منه، تمهيداً لتحويله إلى ثكنة عسكرية، ومركز لتحركات عناصرهم في المنطقة طبقاً لإفادات السكان.

قيادات حوثية تزور مركزاً لتحفيظ القرآن في إب للاستيلاء عليه وتحويله إلى ثكنة عسكرية (إعلام محلي)

ومنذ أشهر تنقل الجماعة أسلحتها إلى مخازن جديدة داخل أنفاق في تضاريس جبلية شديدة الوعورة، بعد استهداف مخابئها ومواقعها بهجمات جوية أميركية، رداً على هجماتها على الملاحة في البحر الأحمر.

اختناق وحصار

أدت الهجمات الأميركية التي استمرت قرابة شهرَين، منذ مارس (آذار)، وحتى مايو (أيار) الماضيين، إلى تدمير مواقع وأسلحة ومخازن ومنشآت تستخدمها الجماعة لإطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة، وسقوط قيادات عسكرية، تكتمت الجماعة على مقتل العديد منهم، قبل أن تعلن تشييعهم أواخر الأسبوع الماضي.

وحسب الباحث العسكري الربيعي، فإن الجماعة تعيش حالة من القلق والترصد، وتتوقع حدوث عمليات عسكرية ضدها في أي لحظة، خصوصاً بعد ما تكبدته من خسائر بسبب الهجمات الأميركية والإسرائيلية على مواقعها، إلى جانب الاختناق السياسي والعزلة التي تعيش فيها، وفشل مساعيها للعودة إلى خوض مسار سياسي.

الخبراء العسكريون يحذّرون من أن تكون الأنشطة الحوثية في إب تمويهاً لتصعيد في جبهة بعيدة (أ.ف.ب)

من جهته، يبدي الكاتب باسم منصور خشيته من أن تكون هذه الاستحداثات مقدمة لمزيد من الانتهاكات التي تطول سكان محافظة إب، خصوصاً أنها بدأت بإجراءات مشددة ضدهم، ومنعتهم من ممارسة أنشطتهم المعتادة.

ويحذّر منصور، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، من أن تستخدم الجماعة تحركاتها العسكرية في إب مبرراً للتوسع في نهب الأراضي ذات الملكية العامة أو الخاصة، خصوصاً أنها قد جعلت المحافظة ساحة لنفوذ وثراء العديد من قياداتها من خلال السطو على الممتلكات، وأشاعت الانفلات الأمني فيها لإحكام سيطرتها عليها.

ويؤكّد أهالي المحافظة أن أعمال الحفر توسعت، خلال الأيام الماضية، لتشمل مواقع حاكمة في جبل الحيزم وجبل عميد الداخل في مديرية السياني، إلى جانب تلّ في منطقة السبرة.


العليمي يطلب تدخل تحالف دعم الشرعية عسكرياً لحماية حضرموت

العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
TT

العليمي يطلب تدخل تحالف دعم الشرعية عسكرياً لحماية حضرموت

العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)

توالت التطورات الميدانية والسياسية في المحافظات الشرقية من اليمن، على وقع التصعيد العسكري الذي ينفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، ما دفع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى طلب تحالف دعم الشرعية في اليمن للتدخل عسكرياً لحماية حضرموت.

وتقول مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط» إن المجلس الانتقالي الداعي للانفصال عن شمال اليمن يستغل الظروف الناجمة عن وساطة التهدئة السعودية - الإماراتية للتوسع عسكرياً، على الرغم من أن الوساطة مستمرة، وهدفها إنهاء الصراع سلماً من خلال انسحاب قوات المجلس الانتقالي من حضرموت والمهرة، وعودتها إلى معسكراتها خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطة المحلية.

وفي هذا السياق، صرّح مصدر مسؤول في الحكومة اليمنية أن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، القائد الأعلى للقوات المسلحة، رشاد العليمي، أُطلع، إلى جانب عدد من أعضاء المجلس وأعضاء مجلس الدفاع الوطني، على مجمل الأوضاع في محافظة حضرموت، بما في ذلك العمليات العسكرية التي وصفها بـ«العدائية» التي نفذها المجلس الانتقالي خلال الساعات الأخيرة، وما رافقتها من انتهاكات جسيمة بحق المدنيين.

العليمي طلب تدخلاً عسكرياً من تحالف دعم الشرعية لحماية حضرموت (سبأ)

واعتبر المصدر أن هذا التصعيد، المستمر منذ مطلع الشهر الحالي، يمثل خرقاً صريحاً لمرجعيات المرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض، فضلاً عن كونه تقويضاً مباشراً لجهود الوساطة التي تقودها السعودية والإمارات، بالتنسيق مع المجتمع الدولي، بهدف خفض التصعيد وانسحاب قوات المجلس الانتقالي من محافظتي حضرموت والمهرة.

وبناءً على هذه التطورات، تقدم العليمي - وفق المصدر الحكومي - بطلب رسمي إلى قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن، لاتخاذ كافة التدابير العسكرية اللازمة لحماية المدنيين في محافظة حضرموت، ومساندة القوات المسلحة اليمنية في فرض التهدئة، وحماية جهود الوساطة السعودية - الإماراتية، مجدداً دعوته لقيادة المجلس الانتقالي إلى تغليب المصلحة العامة ووحدة الصف، والامتناع عن مزيد من التصعيد غير المبرر.

المجلس الانتقالي الجنوبي اتخذ إجراءات عسكرية أحادية في حضرموت والمهرة (إ.ب.أ)

وفي السياق ذاته، قالت المصادر الرسمية اليمنية إن العليمي رأس اجتماعاً طارئاً لمجلس الدفاع الوطني، بحضور 3 من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، ورئيسي مجلسي النواب والشورى، ورئيس الحكومة، وقيادات عسكرية وأمنية، إلى جانب محافظ حضرموت، لمناقشة تداعيات الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي، وانعكاساتها الخطيرة على الأمن الوطني والإقليمي.

واطلع الاجتماع - بحسب الإعلام الرسمي - على تقارير ميدانية بشأن الانتهاكات التي طالت المدنيين في حضرموت والمهرة، وصولاً إلى الهجمات الأخيرة في وادي نحب، التي عدّها المجلس «مخالفة صريحة» لجهود التهدئة، وتمرداً على مؤسسات الدولة الشرعية.

وأكّد مجلس الدفاع الوطني دعمه الكامل للوساطة التي تقودها السعودية، مشدداً على ضرورة عودة قوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطات المحلية، وفق ترتيبات منظمة وتحت إشراف التحالف.

تحذير من العواقب

على وقع هذه التطورات، كانت السعودية أعادت رسم خطوط التهدئة شرق اليمن، عبر بيان واضح صادر عن وزارة الخارجية، شدّد على رفض التحركات العسكرية الأحادية، والمطالبة بعودة قوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة.

وأكدت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الموقف تُرجم ميدانياً بتوجيه ضربة جوية تحذيرية في حضرموت، حملت رسالة مباشرة بعدم السماح بفرض وقائع جديدة بالقوة.

وأوضحت المصادر أن الضربة جاءت في إطار الردع الوقائي، محذرة من أن أي تصعيد إضافي سيقابل بإجراءات أكثر صرامة، في مؤشر على انتقال الرياض من سياسة الاحتواء السياسي إلى ضبط ميداني حاسم لحماية الاستقرار.

من جهته، أصدر المجلس الانتقالي بياناً حاول فيه تبرير تحركاته، معتبراً أنها جاءت استجابة لـ«دعوات شعبية»، ومعلناً انفتاحه على التنسيق مع السعودية، رغم وصفه الضربة الجوية بأنها «مستغربة».

ويرى مراقبون أن أي تنسيق محتمل لن يكون مقبولاً إقليمياً ما لم يبدأ بإنهاء التصعيد، وخروج القوات، وتسليم المعسكرات، والعودة إلى طاولة الحوار، دون فرض الأمر الواقع بالقوة.

منطق الوهم

يحذر سياسيون يمنيون من أن تعنت المجلس الانتقالي وإصراره على عسكرة حضرموت، رغم الجهود الصادقة التي تبذلها السعودية والإمارات، يلحق ضرراً فادحاً بالقضية الجنوبية العادلة نفسها، عبر اختزالها في المدرعات والنقاط العسكرية، بدل تحويلها إلى مشروع سياسي قابل للحياة.

ويستدعي هذا السلوك مقارنات إقليمية مؤلمة، أبرزها تجربة حميدتي وميليشيات الجنجويد في السودان، التي اعتمدت السلاح والإرهاب لتنفيذ أجندات خارجية، وكانت النتيجة خراب المدن وانهيار الدولة. كما يستحضر نموذج جنوب السودان، الذي وُلد من رحم الصراع المسلح، لينتهي إلى دولة منهارة وصراعات داخلية مفتوحة.

رغم إقرار اليمنيين بعدالة القضية الجنوبية فإن المجلس الانتقالي يحاول أن يستغلها للتصعيد شرقاً (أ.ب)

ويؤكد خبراء أن المجتمع الدولي لا يعترف إلا بالدول والمؤسسات، لا بالميليشيات، وأن تجربة «أرض الصومال» مثال واضح على عزلة المشاريع التي تُفرض بالقوة، مهما طال أمدها. كما أن فشل محاولات انفصال كتالونيا عن إسبانيا يبرهن أن العالم لا يشرعن الانفصال الأحادي خارج الدولة والدستور.

ويجمع محللون على أن حضرموت أكبر من أن تكون غنيمة لميليشيا مناطقية (إشارة إلى هيمنة مناطق بعينها على قرار المجلس الانتقالي)، وأعمق من أن تُدار بالعنف والسلاح، وأن أي محاولة لجرّها إلى الفوضى تمثل جريمة بحق مكاسب الجنوب وفرصه السياسية.

ويرى مراقبون أن عسكرة حضرموت خطوة غير عقلانية، تعكس إصراراً على فرض الأمر الواقع بأدوات الترهيب ذاتها، التي يدّعي المجلس الانتقالي محاربتها، في تحدٍّ صريح لرغبات المجتمع الدولي الداعية إلى ضبط النفس، والحفاظ على استقرار الجنوب واليمن عموماً.

وكان البيان السعودي شدّد على أن معالجة القضية الجنوبية العادلة لا تكون عبر القوة، بل من خلال حوار سياسي شامل، ضمن المرجعيات المتفق عليها، وفي مقدمتها اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة، بما يحفظ وحدة اليمن ومركزه القانوني، ويمنع انزلاق المحافظات الشرقية إلى مسار يهدد جهود السلام.