الحلوى في إسبانيا جزء من تقاليد البلاد العريقة

«تشورو» أشهرها ويباع أكثر من 6 آلاف قطعة منها في المقهى يومياً

{تشورو} حلوى اسبانيا الأولى
{تشورو} حلوى اسبانيا الأولى
TT

الحلوى في إسبانيا جزء من تقاليد البلاد العريقة

{تشورو} حلوى اسبانيا الأولى
{تشورو} حلوى اسبانيا الأولى

من المستحيل السير في شوارع أي بلدة أو مدينة في إسبانيا دون الاستسلام للألوان الأخّاذة، والأشكال البديعة، والروائح الفريدة التي تميز أصناف الحلوى الإسبانية، التي تبدو كأنها تدعو المارة لتذوقها في أي وقت من أوقات اليوم أو من أشهر العام. تمثل الحلوى جزءاً من ثروة هذا المطبخ الشهير الذي يعود تاريخه إلى قرون مضت وتم توارثه عبر الأجيال في المنازل المنتشرة في أنحاء البلاد.
من أشهر أصناف الحلوى، التي تعد رمزاً لإسبانيا على مستوى العالم، هو الـ«تشورو» بالشوكولاته. الشكل التقليدي لهذه الحلوى هو الشكل الطويل الذي يصل إلى 15 سم. ويعد هذ النوع من الحلوى، حسب ديلفي أرتينانو، من «تشوكلتيريا سان جينز»، المقهى الأعرق والأقدم في البلاد الذي يعود إلى عام 1890 وقد تم تحويله رسمياً إلى مقهى للـ«تشورو» Churro عام 1894. هناك اعتقاد بأن هذا التقليد قد ظهر في بداية القرن التاسع عشر في احتفالات الشوارع بالقرب من البلدات، وساعد انخفاض تكلفة تلك الحلوى في انتشارها على الفور. إلى جانب رخص ثمنها، الذي يبدأ من 1.40 يورو، حسب المدينة والمقهى الذي يقدمها، يعد تناول الـ«تشورو» من الطقوس المهمة في إسبانيا إذا كنت سائحاً، رغم أنه يعد جزءاً من الحياة اليومية للمواطنين. لذا لا يوجد حرج في محاكاة السكان المحليين في الاستمتاع بتناول الـ«تشورو» كجزء من وجبة الإفطار، أو بعد أي وجبة من وجبات اليوم.
عادةً ما يحتوي طبق الـ«تشورو» على 5 أو 6 قطع. وقطعة الـ«تشورو» رفيعة وأسطوانية الشكل معدّة من دقيق القمح، ويتم قليها إلى أن تصبح مقرمشة، ثم يتم رشّ السكر عليها. ويتم تقديم شوكولاته غليظة القوام معها ليتم غمس قطع الـ«تشورو» فيها. حين تلامس القطعة اللسان يدرك المخ التناقض بين المذاقين الحلو والمالح. يشرب الكثير من السكان المحليين ما يتبقى من الشوكولاته، لكن ليس هذا ضرورياً لأنها تكون غليظة.
يوضح ديلفي أنه في اليوم العادي يبيع أي مقهى يقع في قلب مدريد 6 آلاف قطعة من الـ«تشورو» على الأقل، ويصل العدد إلى 25 ألفاً خلال أعياد الميلاد، حيث تعد حلوى الشتاء التقليدية. رغم أن الـ«تشورو» من أصناف الحلوى التقليدية، هناك وصفة أخرى تنقلت بين ملايين الأيادي لأسر إسبانية حافظت على تفردها، وبساطة إعدادها في الوقت نفسه وهي الـ«ميلهوخاس» Milhojas.
تعمل سميرة في «هورنو سان أونوفري» المملوك لأسرة تعمل في مجال الحلويات والمعجنات منذ 46 عاماً، وتؤكد أن مذاق الخليط الذي ينتج عن مزج بعض المكونات القليلة مذهل، وتتم إضافة الكثير من الحب وخبرة الأجداد إلى الوصفة. لا يكون من السهل التمييز بين أنواع الـ«ميلهوخاس» منذ الوهلة الأولى، لكن ينبغي عليك تجربة النوعين منها، رغم أنه قد يكون من الصعب تفضيل أحدهما على الآخر. للمارنج طبقة علوية منتفخة من العجين، وقاعدة محشوة بالمارنج المكون بالأساس من البيض، مع نثر قليل من القرفة، في حين يكون للدنش حشوة لذيذة مصنوعة من الكريمة المكرملة التي تعطي لمسة بسيطة تُحدث فارقاً كبيراً. يتم تزيين الطبقة العليا من هذه الحلوى ببعض اللوز المقطع المحمص. لا يتجاوز سعر القطعة الواحدة من هذه الحلوى 4 يورو في أكثر الحالات، لذا يمكنكم تجربة أنواع عديدة من تلك الحلوى لأنه من المؤكد أنك ستعثر على أنواع جذابة تدغدغ حواسك في مختلف المقاهي أو المطاعم.
كذلك هناك صنف آخر من الحلوى التقليدية هو «كعك سانتياغو» الشهير، وينتشر بشكل خاص في منطقة غاليسيا في شمال غربي البلاد. ويتكون هذا الكعك من كريمة اللوز الفريدة ذات اللون الأصفر الفاتح أو البيج، حسب المكان الذي تشتريها منه، وحين يتم تقديمه بارداً قليلاً يكون رائعاً. مع ذلك بعد تناول غداء إسباني تقليدي من الـ«بايلا»، وهو صنف من الأرز، إضافة إلى مجموعة متنوعة من المأكولات البحرية الطازجة، قرأت على قائمة الطعام صنفاً من الحلوى جذب انتباهي، وهو الأرز باللبن المحروق. تبين أن هذا الطبق من أطباق الأرز بلبن التقليدية، التي يتم إعدادها في بعض بلدان أميركا اللاتينية، مثل كولومبيا، لكن مع لمسة مغايرة تجعله لذيذاً بدرجة أكبر. يتم إعداد الكريمة بصفار البيض، والزبد، ويتم حرق السكر بشكل دقيق للحصول على لون أصفر داكن مع نكهة القرفة التي تظل في الفم بينما تذوب الكريمة على اللسان. الكمية، التي يتم تقديمها على طبق من الخزف الأزرق الملكي، وفيرة، لكنني مع ذلك طلبت طبقاً آخر فهو لذيذ وله نكهة السعادة الفريدة.


مقالات ذات صلة

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

مذاقات «الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

إيمان مبروك (القاهرة)
مذاقات الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

تقدم فعاليات «موسم الرياض» التي يقودها الشيف العالمي ولفغانغ باك، لمحبي الطعام تجارب استثنائية وفريدة لتذوق الطعام.

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)
مذاقات فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

تحقق الفواكه والخضراوات المجففة والمقرمشة نجاحاً في انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدّر بالتالي الـ«ترند» عبر صفحات «إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك»

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

الفول المصري... حلو وحار

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك

محمد عجم (القاهرة)
مذاقات الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)

أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

بعد دخولي مطابخ مطاعم عالمية كثيرة، ومقابلة الطهاة من شتى أصقاع الأرض، يمكنني أن أضم مهنة الطهي إلى لائحة مهن المتاعب والأشغال التي تتطلب جهداً جهيداً

جوسلين إيليا (لندن)

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين
TT

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

هذه الأرغفة البيضاء الصغيرة، التي يصف مصريون مذاقها بأنها «أطيب من الكيك»، في إشارة لطيب المذاق، تعد مثالاً يعكس مدى الانسجام الثقافي الذي تجاوز الحدود.

مع تداعيات الحرب التي شهدها السودان، والتي أدت إلى عمليات نزوح كبيرة إلى مصر، لم يتوقف الأمر عند مرحلة سرد الآلام والمآسي، بل تحول سريعاً إلى اندماج السودانيين في سوق الطعام المصري، وخلال أقل من عامين أثبت المطبخ السوداني وجوداً نسبياً في مصر.

بمجرد أن تطأ قدمك شارع فيصل (أحد أشهر شوارع محافظة الجيزة) يمكنك الاستدلال على الوجود السوداني من رائحة التوابل العميقة الصادرة من مطاعم أسسها سودانيون، يستهدفون بها زبوناً مصرياً يتوق إلى مذاق شعبي في وصفات، مثل صينية البطاطس، ويختلف تماماً ليقدم هويته في طبق آخر مثل أسياخ «الأقاشي»، المصنوعة من اللحم الطري الغارق في توابل مثل الزنجبيل والقرفة، مع طبقات البقسماط المقرمش، التي تغازل المصريين.

تقول السودانية، فداء محمود أنور، خريجة إدارة أعمال من جامعة الخرطوم ومؤسسة مطعم «بنت السودان» في حي مدينة نصر، شرق القاهرة، إن المصريين «احتضنوا المطبخ السوداني بسبب وجود أواصر اجتماعية وثقافية بين البلدين».

وأوضحت، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من داخل مطعمها البسيط: «نقدم أكلات سودانية أصيلة، مثل الفول بزيت السمسم، والفلافل السودانية المصنوعة من الكبكبي (الحمص بلغة المصريين)، والأقاشي، وهو طبق شهير في السودان، إضافةً إلى الفسيخ السوداني والملوخية المفروكة وملاح الروب الأحمر».

وعن الأطباق شديدة الخصوصية، يقدم مطعم الشابة السودانية فداء طبقاً حبشياً، قالت عنه: «هناك أيضاً طبق ذو أصل حبشي أصبح جزءاً من المائدة السودانية يسمى (زغني)، وهو عبارة عن قطع الدجاج المبهرة بالقرفة والثوم والبصل والحبهان، كما يضاف له المذاق الحار بالشطة السودانية، وكذلك مذاق الحادق من خلال رشة السماق، ويقدم مع البيض المسلوق». فضلاً عن طبق الحلو السوداني الشهير «الباسطة»، أو ما يعرف بالبقلاوة في مصر.

وبحسب تجربتها، قالت فداء إن تفضيلات المصريين من المطبخ السوداني تميل إلى بعض الأطباق الأساسية التي ربما لا يختلف عليها السودانيون أيضاً، مثل: الخبز السوداني، والأقاشي، والفلافل، وأطباق الفول بالخلطات السودانية. أما باقي الأطباق، فالإقبال عليها محدود.

طعمية (فلافل) سودانية (الشرق الاوسط)

والبعد الجغرافي بين مصر والسودان انعكس في تقارب ثقافي، ظهر في المذاق المميز للمطبخين. ترى منة جمال، مصرية تعيش في حي السادس من أكتوبر، الذي يضم عدداً من المطاعم السودانية، أن المطبخ السوداني قريب من نظيره المصري، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «الخبز السوداني شبيه ببعض أنواع الخبز في الريف المصري، ربما يختلف في السُمك والحجم فقط ».

وعن الاختلاف بين المطبخين، قالت: «السودانيون يميلون إلى المذاق العميق والحار، بإضافة كميات كبيرة من التوابل، كما أن الفلفل الحار أساسي في عدد كبير من الأطباق السودانية، بينما يميل المصريون إلى إضافة التوابل الأساسية فقط، مثل الملح والفلفل والكمون».

الباسطا حلوى سودانية (الشرق الاوسط)

وبالعودة إلى فداء، فإنها أيضاً كسودانية وقعت في حب المطبخ المصري، وتروي تجربتها بالقول: «أنا من عشاق محشي ورق العنب، والكرنب، والباذنجان بالدقة، أحب تناوله مع الفلافل السودانية. أيضاً معظم السودانيين يحبون المحشي والملوخية المصرية».

الأطباق السودانية لم تعرف طريقها إلى المصريين من خلال المطاعم التجارية فحسب، بينما ساهم في رواجها نساء سودانيات كنّ قبل النزوح ربات منزل، إلا أنهن، مثل كثير من نساء الشرق، يعتبرن الطهي مهارة أساسية. ومع وصولهن إلى مصر وبحثهن عن سبل لكسب العيش، تحول الطهي إلى مهنة تحت شعار «أكل بيتي سوداني».

التقت «الشرق الأوسط» بفاطمة (اسم مستعار)، التي نزحت بعد الحرب وجاءت إلى القاهرة بصحبة عدد من الأسر السودانية، وتقيم حالياً في مدينة «الرحاب» التي تعد من المناطق ذات الإيجارات المرتفعة، حيث تشارك السكن مع 4 أسر سودانية أخرى. منذ عام، بدأت فاطمة بتقديم خدمات «الأكل البيتي» من منزلها بمساعدة بعض السيدات المقيمات معها.

تقول «فاطمة»: «جاءت الفكرة عندما لاحظت انتشار مشروعات الأكل البيتي في مصر، خاصة في الأحياء الراقية. فأنشأت حساباً على (فيسبوك)، بدأت من خلاله تقديم خدمات الأكل السوداني». وأردفت: «المصريون يحبون المطبخ السوداني، خاصة تلك الوصفات القريبة من مطبخهم، على شاكلة المحشي، كذلك تحظى أصناف اللحم المبهر بإعجاب كبير».

وأوضحت فاطمة أنها سعت إلى تقديم مزيج من الأكلات السودانية والمصرية، قائلة: «أستهدف زبونات مصريات عاملات يبحثن عن بدائل للطهي المنزلي. لذلك، لم أكتفِ بالوصفات السودانية فقط، بل تعلمت إعداد الأكلات المصرية، وهو أمر لم يكن صعباً على سودانية تربطها بمصر أواصر ثقافية واجتماعية، إذ كانت مصر والسودان في مرحلة ما من التاريخ بلداً واحداً».

تمكنت فاطمة من تقديم تجربة طعام بيتي فريدة، تجمع بين نكهات المطبخين السوداني والمصري، مستقطبةً كثيراً من الأسر المصرية التي تبحث عن طعام منزلي بطابع خاص. ومن خلال تجربتها، كشفت فاطمة عن مدى التداخل الثقافي بين المطبخين، ما يمهد الطريق لمزيد من الاندماج وابتكار وصفات جديدة قد تظهر في المستقبل القريب.