عمال اليومية في مصر... لقمة عيش آيلة للسقوط

في منطقة حلوان التي كانت أيام الملكية مشفى، ومقر متعة وراحة واستجمام أمراء وباشاوات مصر، وفي شارع منصور بالتحديد، يجلس مجموعة من العمال والصنايعية، في مقهى معروف باسمهم، يقع في منتصف الشارع تقريبا، يتفرقون على الكراسي بانتظار زبائنهم الذين يطلبون هدم منازلهم القديمة، أو إزالة حوائط داخل بيوتهم لتوسعتها أو تجديدها.
هناك، التقيت عم ريان، ملامح وجهه المتعبة تشي بأنّه تجاوز الستين من عمره، أخبرني أنّه جاء من محافظة المنيا، جنوب مصر، منذ 9 سنوات، استقر في حلوان بعد ما تعب من ركوب الطريق، وميزانيته لم تعد تتحمل مشقة السفر لبلدته والعودة منها، كان يذهب كل شهر إلى هناك ليطمئن على أسرته وأولاده، لكنّه قرر أن يعيشوا معه حتى يكونوا تحت عينيه، ويوفر ثمن تذكرة القطار ومتاعب ركوبه.
سألته هل كان لديك قطعة أرض تزرعها في بلدك؟ قال نعم كنت مستأجراً، لكنّني قرّرت المجيء إلى هنا للعمل، بعدما رأيت أنّه لا جدوى اقتصادية منها، فهناك فلاحون كثيرون يهاجرون إلى القاهرة بحثاً عن لقمة العيش، بعد ما ندرت فرص العمل في بلادهم.
وحسب إحصائية أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2017، عن الهجرة الداخلية، من الريف إلى الحضر، فإنّ محافظات الصعيد من أكثر المناطق الطاردة للسكان، وبلغ معدل البطالة 11.98 في المائة من إجمالي قوة العمل في 2017، بينما كان 12.0 في المائة في الربع الأول من العام نفسه».
كان عم ريان يضع أمامه أزاميله ومعوله وفأسه، وهي آلاته التي يستخدمها للحفر والهدم والنحت في الحائط، كانت مربوطة بحزام من الجلد الأسود، أشار إليها وقال، منذ أسبوع تقريبا لم أفك رباطها، أحيانا يكون الشعل كثيراً جداً، وأحياناً لا نعمل في الشهر إلا أسبوعاً واحداً، وبالمال الذي نجنيه، نقضي حاجاتنا من مأكل ومشرب، ولكن لا يمكن أن أوفر في مصروفات مدرسة البنت أو الولد، هناك كتب وكراسات ودروس وخلافه، وهذه لا يمكن الاقتراب منها، أو تقليلها.
طلب عم ريان كوباً من الشاي، وراح يسند قدمه على الأخرى، وقال: «حين كان شراء مواد البناء، من طوب ورمل وإسمنت وحديد تسليح بأسعار معقولة، كنا نعمل كثيراً، لكنّها شهدت ارتفاعاً كبيراً بعد تحرير سعر الصرف عام 2016، وصار سعر طن الإسمنت ألف جنيه أي ما يقارب 50 دولاراً، فيما بلغ طن الحديد 12 ألف جنيه أي ما يعادل 600 دولار، زادت الأسعار إلى الضعف عن عام 2015، لذلك ترانا نجلس هنا ساعات طويلة من دون عمل يذكر.
قلت له لكن لماذا يستعينون بكم على الرّغم من وجود «لوادر»، يمكنها أن تنجز العمل بسهولة، وخلال ساعات قليلة، فأشار إلى أن بعض البيوت قديمة جداً، وبها كثير من الأخشاب التي يعاد استخدامها، كما أن بعضها موجود في شوارع ودروب ضيقة لا يمكن أن تدخلها آلات الحفر الكبيرة، مضيفاً: «لذا يستعينون بنا في عمليات الهدم للحفاظ على سلامة البيوت المجاورة، وإخراج الأخشاب ودعامات الأسقف سليمة من دون أن تتعرض للتلف أو التدمير».
قاطعته، هل تقصد أن عمل عامل اليومية أو «الفاعل»، يحتاج إلى مهارة ما، قال: «نعم، بالتأكيد، لا بد من الحرص الشديد في التعامل مع الأسقف، والحوائط، لأن أي إهمال يكون معناه، التعرض لخطر داهم، قد يصل إلى حد الموت تحت الأنقاض، حين نذهب، مثلا، للمنازل لإزالة سيراميك مطابخها، نسأل عن خطوط الكهرباء، حتى لا نتعرض لصعقاتها، ثم يبدأ العامل الطرق بحرص شديد على البلاط بعيداً عن التوصيلات الكهربائية، لا بد من التعامل بخفة وحرص شديدين، في مثل هذه الأمور».
كان عم ريان قد انتهى من احتساء كوب شاي، ولمح أحدهم يدخل إلى المكان، تقدم ناحيته، بعد دقائق كان يخرج بصحبة الرجل ومعه ثلاثة من زملائه، ليودّعني على عجل، فيما كانت ابتسامة عريضة تكسو وجهه، وسط تهليل باقي رواد المقهى من العمال.