ملف «الوحدات» الكردية يهيمن على لقاء تيلرسون وإردوغان

أنقرة فتحت «ملف غولن»

الرئيس التركي مستقبلا وزير الخارجية الأميركي في أنقرة أمس (رويترز)
الرئيس التركي مستقبلا وزير الخارجية الأميركي في أنقرة أمس (رويترز)
TT

ملف «الوحدات» الكردية يهيمن على لقاء تيلرسون وإردوغان

الرئيس التركي مستقبلا وزير الخارجية الأميركي في أنقرة أمس (رويترز)
الرئيس التركي مستقبلا وزير الخارجية الأميركي في أنقرة أمس (رويترز)

استهل وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، زيارته «الحرجة» لأنقرة أمس، بلقاء الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، بينما سبقت الزيارة أجواء متوترة وتصريحات متبادلة تعكس عمق الخلاف بشأن الملف السوري، لا سيما قضية الدعم الأميركي لتحالف قوات سوريا الديمقراطية الذي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية قوامه الرئيسي وتحاربها تركيا من خلال عملية «غصن الزيتون» العسكرية منذ ما يقرب من شهر في عفرين.
وتعد زيارة أنقرة هي المحطة الأخيرة في جولة ريكس تيلرسون الشرق أوسطية التي انطلقت من القاهرة الأحد الماضي، وهي المحطة الأكثر صعوبة، كما وصفتها الخارجية الأميركية، بسبب التوتر مع أنقرة حول دعم الميليشيات الكردية.
وقالت مصادر تركية لـ«الشرق الأوسط»، إن أنقرة أعدت ملفا من 76 صفحة حول العلاقات التركية الأميركية ونقاط الخلاف فيها، وإن فصلا كاملا من فصول الملف الثلاثة خصصت لعلاقة واشنطن مع وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني المصنف لديها ولدى واشنطن والاتحاد الأوروبي «تنظيما إرهابيا».
وأضافت المصادر أن الملف سيبحث بالتفصيل خلال لقاء تيلرسون ونظيره التركي مولود جاويش أوغلو اليوم الجمعة، وأن اللقاء مع إردوغان تناول إطار العلاقات التركية الأميركية ونقاط الخلافات فيها، سواء فيما يتعلق بدعم القوات الكردية التي تعتبرها تركيا خطرا عليها أو بملف حركة الخدمة التابعة للداعية فتح الله غولن المتهمة بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا منتصف يوليو (تموز) 2017.
وفي بيان حول الزيارة، قالت الخارجية التركية إنه سيجري بحث القضايا التي تتصدر جدول الأعمال المشتركة للعلاقات الثنائية، فضلا عن تبادل وجهات النظر حول القضايا الدولية، ومن المتوقع أن يتصدر الملف السوري، والدعم الأميركي للوحدات الكردية، أجندة المباحثات التي قال مسؤولون أميركيون إنها ستكون «صعبة»، وقالت تركيا إنها ستكون «حاسمة» في تحديد مسار العلاقات بين البلدين.
وقبل يومين من الزيارة، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن زيارة تيلرسون سوف تتناول قضايا حساسة في سجل العلاقات التركية الأميركية، وإن العلاقات وصلت إلى نقطة حرجة وإن الفترة المقبلة إما أن تشهد تحسن العلاقات بين البلدين وإما أن تشهد مزيدا من التراجع والتصعيد.
وقبل ساعات من وصول تيلرسون طالب نائب رئيس الوزراء المتحدث باسم الحكومة التركية بكير بوزداغ، أمس، في مقابلة تلفزيونية، المسؤولين الأميركيين بالتخلي عن الاعتقاد بأن «العالم أعمى»، مشددا على أن بلاده ترفض تشكيل ممر إرهابي في الشمال السوري، وتأسيس «دولة» لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري وذراعه العسكرية وحدات حماية الشعب الكردية. وحث الولايات المتحدة على وقف تزويد الوحدات الكردية بالسلاح، وسحب الأسلحة الموجودة في يد عناصره، معتبرا أن هذا الدعم يعتبر من أكبر الأخطاء التي ترتكبها واشنطن بحق أنقرة.
وعن احتمال شن القوات التركية حملة على منطقة منبج بريف محافظة حلب السورية، قال بوزداغ إن «على الجنود الأميركيين عدم الانخراط داخل صفوف الوحدات الكردية في منبج، فعندما نكافح التنظيم لن نسأل عن هويات أحد، فالكفاح سيكون ضد (تنظيم إرهابي)».
من جانبه، قال وزير الدفاع التركي نور الدين جانيكلي إنه أبلغ نظيره الأميركي جيمس ماتيس خلال لقائهما في بروكسل، أمس، بضرورة استبعاد وحدات حماية الشعب الكردية من تحالف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الذي تدعمه واشنطن في المعركة ضد تنظيم داعش.
وأضاف أنه فند تصنيف ماتيس لقوات سوريا الديمقراطية بأنها تحالف يهيمن عليه العرب، قائلا إن هذه القوات تخضع بالكامل لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية. ولفت إلى أنه طلب من ماتيس وقف جميع أشكال الدعم للوحدات الكردية وتطهير قوات سوريا الديمقراطية منها، مشددا على أن تقديم واشنطن السلاح لها يساهم في تقوية حزب العمال الكردستاني، وأن هذا الأمر يشكل تهديدا للأمن القومي التركي.
ونقل جانيكلي عن ماتيس قوله إن واشنطن لم تقدم أسلحة أو ذخائر إلى الوحدات الكردية التي تقاتل ضد تركيا في عفرين حالياً، وإن الأسلحة المستخدمة هناك ليست عائدة للولايات المتحدة، مشير إلى أن أنقرة تواصل إجراءاتها للكشف عن الأطراف والدول التي زودت «الإرهابيين» في عفرين بالأسلحة، وستجري الاتصالات اللازمة عند التوصل إلى نتيجة ما في هذا الصدد، متوقعا انتهاء تلك الإجراءات قريباً.
وأكّد أنه لم يتلقَّ خلال مباحثاته في بروكسل أي مطالب تتعلق بوقف عملية «غصن الزيتون»، مشدّدا على أن تركيا استطاعت أن توضح للعالم بأنها محقة في تنفيذ العملية.
في السياق ذاته، أدلى ماتيس بتصريحات عقب لقائه مع نظيره التركي تتسم بالتضارب فيما يتعلق بالوحدات الكردية، حيث أكد خلال اللقاء مع جانيكلي في بروكسل، أن «واشنطن ستواصل الوقوف بجانب تركيا في حربها ضد (العمال الكردستاني) والمنظمات الإرهابية الأخرى»، رغم استمرار الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة للوحدات الكردية.
وأضاف ماتيس أن حلف شمال الأطلسي (ناتو)، والولايات المتحدة يعملان على إزالة المخاوف الأمنية المشروعة لتركيا، مشيرا إلى أن بلاده ستشارك وتدعم بشكل أكثر فعالية مكافحة العمال الكردستاني بالعراق، وأنّ هذا الدعم سيكون على وجه الخصوص في المجال الاستخباراتي.
وذكرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في بيان، أمس، أن ماتيس ونظيره التركي نور الدين جانيكلي، التقيا على هامش اجتماع وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي (ناتو) ببروكسل، لإعادة تأكيد العلاقات الدفاعية طويلة الأمد بين الولايات المتحدة وتركيا، وخلال اللقاء، أعرب ماتيس عن شكره لتركيا بسبب مساهمتها في محاربة تنظيم داعش الإرهابي والأمن العالمي.
وأشار البيان إلى أن ماتيس أكد أن أميركا تدرك التهديدات الموجهة ضد تركيا، وستواصل الوقوف إلى جانبها في حربها على التنظيمات الإرهابية. وأضاف أن ماتيس دعا في تصريحات عقب اللقاء تركيا إلى التركيز على قتال تنظيم داعش الإرهابي في سوريا، لمنعه من إعادة بناء نفسه.
ميدانيا، واصلت القوات التركية وفصائل الجيش السوري الحر، أمس، عملية «غصن الزيتون» في عفرين التي دخلت يومها السابع والعشرين، واستهدفت المدفعية التركية من مناطق تمركزها في ولاية هطاي جنوب تركيا مواقع الوحدات الكردية في الريف الغربي لعفرين، وسط إرسال مزيد من التعزيزات العسكرية إلى القوات التركية على الحدود السورية.
وسيطرت القوات التركية والجيش السوري الحر على 4 قرى في عفرين شمال؛ هي «كري»، و«شربانلي»، و«شديا» التابعة لناحية «راجو» مع الجيب الآمن التابع لبلدة «الشيخ حديد» وقرية «دوراكلي» التابعة لناحية «بلبل». وبالسيطرة على هذه القرى يرتفع عدد النقاط التي تمت السيطرة عليها منذ انطلاق عملية «غصن الزيتون» إلى 58. تشمل مركز ناحية، و40 قرية، و3 مزارع، و14 تلا وجبلا استراتيجيا.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.