يمكن لامتلاك هذا الجهاز الخاص أن يسهل حركة الأعمال التجارية، أو أن يجلب الاهتمام الكبير لأحد الساسة، أو ربما قد يثير الإلهام والمحبة في قلب المحبوب.
هذا المفتاح الذي يفتح الكثير من الأبواب المغلقة، هو بطاقة الهاتف المحمول؛ ولكن ليست أي بطاقة، فلا بدّ أن تكون أرقامها مميزة وترتبط برقم الهاتف الذي يعدّ مرموقا لأنه يحتوي على سلسلة مميزة وجميلة من الأرقام، مثلاً، سلسلة من السبعات أو الأصفار، أو نمط متكرر من الأرقام.
سوق هذه القطع البلاستيكية المتواضعة التي تأخذ مكانها الخفي داخل الهواتف المحمولة والتي تعدّ أساسية في ربط الهاتف بالشبكة، يمكن أن يُنافس أسواق الذهب والأحجار الكريمة في العاصمة العراقية، مع الصفقات التي تُبرم بالآلاف وربما عشرات الآلاف من الدولارات.
وفي حين أنّ هذه السوق قد بدأت بالعمل قبل 10 سنوات، فإنّ حال التفاؤل الجديدة التي تستشرف آفاق مستقبل العراق، ولا سيما بعد هزيمة تنظيم داعش الإرهابي في البلاد أخيراً، تزيد من الطّلب على الشرائح المميزة، خصوصاً بين جموع رجال الأعمال الجّدد والطموحين، ورجال السياسة، والشباب الذين يتطلعون أيّما تطلع إلى التمتع بمعاملات خاصة لأنفسهم. ولقد أصبحت شعبية ومنتشرة للغاية، حتى اضطرت كبار شركات الاتصالات العراقية إلى إضفاء الطابع الرسمي على التجارة، واستحدثت العروض الجديدة مع فئات شرائح الهواتف التي تتحرك من الشرائح «الفضية» وحتى «الألماس». ويبلغ سعر شريحة الهاتف المحمول العادية نحو ثلاثة دولارات، وتبلغ الفضية التي تحمل رقماً مكوناً من مزيج خاص من الأزواج المتتالية، مثل 4455، سعراً قد يصل إلى 30 دولاراً. أمّا شريحة «دياموند بلس» التي تعرض رقما هاتفيا، تكون آخر خمسة أرقام منه متماثلة تماما، فإنّ سعرها قد يصل إلى 1300 أو 1500 دولار.
التداول الحقيقي لتلك الشرائح لا يكون إلّا في الشوارع وداخل غرف الدردشة، حيث بزغ ذلك التوجه للمرة الأولى، وحيث يجري تداولها لقاء مبالغ مالية هائلة لتلك التي تحمل اسم «الأرقام الرئاسية».
ولا تشتق قيمة الشرائح من أرقامها أو التواريخ السعيدة التي تمثلها، وإنما ممّا ينقله الرقم نفسه للآخرين عن شخصية مالك الرقم.
يقول حيدر محمد (45 سنة)، أحد تجار الهواتف المحمولة المتخصص بالأرقام المميزة: «إنّها عبارة عن لغة. هي عالم كامل من التميز»، متجره يقع في سوق تجارية ضيقة وسط العاصمة بغداد، هناك يعلن عن التباديل الخاصية المتاحة للبيع عبر قوائم مطولة من الأرقام المعروضة عبر نافذة متجره. ويضيف: «يحسب المرء ما سوف يجعله ناجحا في الحياة أو في التجارة. ومن بين تلك العوامل ما سيقوله رقم هاتفه عن شخصيته أمام الناس».
ولكن، ما الذي يقوله رقم الهاتف المكون من المزيج الصحيح من الأصفار المتتالية؟
يجيب محمد: «أنّ صاحب الرقم رجل من أصحاب الذوق الرفيع الراقي. وذلك الرقم يمنحه التفاؤل. كما يمنحه المكانة الاجتماعية المرموقة». ويفيد أيضا، بأنّه باع ذات مرة رقماً خاصاً وجميلاً للغاية، لأحد رجال الأعمال، مقابل سيارة من طراز «ليكزس اليابانية»، يبلغ سعرها 60 ألف دولار، وهو الزعم الذي أكده زميله ومنافسه في تجارة الأرقام المميزة في السوق.
ويتّفق أصحاب الأرقام المميزة والتجار الذين يعملون في بيعها وتوزيعها، على أنّ هذا الاتجاه بدأ بالظهور في وقت ما من عام 2007، وكان نتيجة للإطاحة بنظام حكم الرئيس الأسبق صدام حسين في عام 2003، خلال حرب العراق. ولقد انقطعت صلة العالم به إثر العقوبات الاقتصادية عليه، ثم بدأ في الانفتاح على العالم من جديد، وبدأت التكنولوجيات الحديثة بالورود إليه إلى جانب مختلف المنتجات الأجنبية التي بدأت بالظهور هناك. وكانت الهواتف المحمولة من بين أكثرها طلبا لدى الناس، ولا سيما في البلاد التي يستخدم عدد قليل للغاية من سكانها، خطوط الاتصالات الأرضية.
وأصبح المواطن العراقي مهتماً للغاية بالعلامة التجارية لكل شيء من حوله، بما في ذلك الملابس وحتى السيارات. وصارت المنتجات الفاخرة التي كانت فيما مضى بمتناول النخبة الحاكمة فقط، تغمر الأسواق ومتاحة أمام الجميع. وإن توفرت لديك الأموال، يمكنك التعبير عن تفردك وتميزك الشخصي من خلال الملبس الذي ترتديه، والسيارة التي تقودها، والهاتف الذي تستعمله.
وأسفرت الإطاحة بنظام صدام حسين، عن تمزق الطبقة السياسية والتجارية الضيقة في المجتمع العراقي والتي كانت ملتفة، ممّا أتاح مختلف الفرص لرواد الأعمال الحاذقين والأذكياء فضلا عن الوسطاء الطامحين في مزيد من السلطة والجاه. وللتعبير عن الوضعية الاجتماعية المرموقة والتميز الطبقي الجديد، احتاج الجميع إلى الأدوات والمنتجات المناسبة لذلك. ومن ثم أصبح لا غنى عن وجود أرقام الهواتف المميزة.
وفي حين أنّ أسواق أرقام الهواتف المحمولة منتشرة في غير دولة من بلدان منطقة الشرق الأوسط، إلا أنها لم تبلغ الحد الذي بلغته تلك الأسواق في العراق. ونادراً ما يصل سعر أرقام الهواتف في الأسواق العربية الأخرى إلى 100 دولار للرقم الواحد. ويرجع ذلك إلى أنّه، بالنسبة للمواطن العراقي، يتوقف الأمر على ما هو أكثر من مجرد الزهو، بل إنّه يتعداه للإعراب عن المكانة والوضعية داخل المجتمع الذي فتحت الاضطرابات السياسية الأبواب أمام ظهور طبقة نخبوية جديدة تماما داخل المجتمع العراقي بأسره.
* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ{الشرق الأوسط}