معرض في بيروت يرسم مشاهد قصف الطائرات للمدن السورية

وجوه «داعش» ونساؤه المعذّبات في لوحات بالحبر والفحم

جانب من معرض «المسقط» للرسام السوري عبد اللطيف الجيمو - الرسام السوري عبد اللطيف الجيمو
جانب من معرض «المسقط» للرسام السوري عبد اللطيف الجيمو - الرسام السوري عبد اللطيف الجيمو
TT

معرض في بيروت يرسم مشاهد قصف الطائرات للمدن السورية

جانب من معرض «المسقط» للرسام السوري عبد اللطيف الجيمو - الرسام السوري عبد اللطيف الجيمو
جانب من معرض «المسقط» للرسام السوري عبد اللطيف الجيمو - الرسام السوري عبد اللطيف الجيمو

«أربع سنوات منذ تركت سوريا لم أرسم لوحة، انقطعت بالكامل... كنت قد اضطررت بعد عام ونيف من اندلاع الثورة إلى ترك جرابلس بعد أن دخل عناصر (داعش) إليها. رأيت الكثير ممّا حصل هناك. وفي لحظة، كان لا بد من المغادرة. توجهت إلى تركيا، ثم علمت أنّ أهلي قد هُددوا ولم يعد بمقدوري العودة. هكذا بقيت حيث أنا، والتقيت صدفة في إسطنبول بنزيه ياسين، وهو لبناني شجعني.. قال لي: لماذا لا تقيم معرضاً في بيروت؟ راقت لي الفكرة، فاستأجرت مرسماً في إسطنبول، وعدت إلى ألواني، فاكتشفت أنّني انتقلت إلى مكان آخر في الرسم؛ التجربة تغير وتصقل»، يروي الرسام السوري عبد اللطيف الجيمو الذي بدأ عرض لوحاته في بيروت أمس حتى 17 من الشهر الحالي في صالة في شارع مونو. والمعرض يضم ما يقارب 25 لوحة لم يتمكن صاحبها من أن يرافقها في رحلتها من إسطنبول إلى العاصمة اللبنانية، وهو المعرض الأول لهذا الفنان في لبنان الذي سبق له أن قدّم أعماله في مدن كثيرة في سوريا، وشارك في معرضين جماعيين بإسطنبول.
«للأسف، لم أتمكن من مصاحبة لوحاتي إلى لبنان»، يقول الجيمو خلال مكالمة هاتفية لنا معه، موضحاً: «فأنا لو غادرت تركيا، لما تمكنت من العودة، لعل المعرض المقبل تكون ظروفه أفضل».
وتحت عنوان «المسقط»، تعرض هذه اللوحات، ويلفت الزائر أنّها تنقسم إلى قسمين: لوحات صغيرة الحجم على كرتون، مرسومة بالحبر والفحم، وهي تمثل وجوهاً متداخلة وغريبة الملامح، حتى أنّك تظن أنّها لمسوخ وليس آدميين. وفي بعض هذه اللوحات تظهر نساء في حالات توحي بممارسة العنف عليهن. ولا يخفي الجيمو أنّ الموضوع الرئيس لهذه اللوحات العشر هو عناصر «داعش»، بسحناتهم وانعكاسات ممارساتهم على وجوههم، وضحاياهم من النساء وما أذاقوهن من أذى. لقد أراد الفنان أن يتخلّص من شبحهم الذي يرافقه، فظن أنّ الرّسم قد يكون خلاصاً للذاكرة من كدماتها.
أمّا القسم الثاني المكون من خمس عشرة لوحة، فهو يشكل الجزء الأكبر من المعرض، بل هو الأكثر اكتساحاً، بسبب أحجامها الكبيرة، ما جعلها أشبة بجداريات فعلية، وهناك بينها جدارية تحتل حائطاً بأكمله. ويقول الفنان حول هذا التحول في حجم اللوحة: «حين كنت في سوريا، كنت أرسم لوحات صغيرة، الآن أشعر بأنّني بحاجة إلى مدى واسع، وإلى مساحات تكفي لما أريد أن أقوله. وكأنني، من قبل، كنت أعيش في مكان ضيق محدود لا أستطيع أن أخرج منه، وإذا بي الآن أحلّق في المدى». هذه اللوحات هي التي منها جاء عنوان المعرض: «المسقط»، التي يقول الجيمو إنّها «بالمعنى الهندسي تعني المشهد الذي يراه الطيار من عل، وهو ما يجعله يختلف عني حين كنت أراقب المشهد وأنا أنتقل من عنتاب إلى إسطنبول، واستمتع بالطبيعة والأرض من فوق. الطّيار الحربي الذي يرمي بحممه يراها بعينين مختلفتين تماماً وهو يبحث عن هدفه. كل هذه اللوحات مبنية على هذه المفارقة، لذلك أدخلت الأبيض الذي يمثل شكل البيوت وهي تتشظّى بعد أن يلقي عليها الطيار ناره».
وبالمقارنة بين لوحات الجيمو قبل بدء الثورة التي كان يرسم فيها أشكالاً طفولية ووجوهاً بسيطة وكائنات كالتي نراها في لوحات الأولاد، وما نراه في أعماله اليوم من ضربات الألوان العنيفة، نشعر أنّ ثمة جامعاً مشتركاً هي الألوان الصاخبة، لكن هناك انتقالاً أيضاً إلى تجريدية متزايدة ورمزية أكبر من ذي قبل بكثير. يقول الجيمو: «لا أنكر أنّنا في ظل النظام كنّا نحتال على الفكرة، نرسم ونحاول ألا يكون ما نقوله واضحاً ومفهوماً. أنا من ناحيتي رسمت سمكاً كثيراً، سمكاً محتجزاً يسبح كالسجين في لوحات صغيرة». نسأل: لكن من الغريب أن الانتقال إلى ما تعتبره حرية أكبر في تركيا يجعلك تلجأ إلى التجريد، وهو نوع من الترميز أيضاً! فيجيب: «هذا لأنّنا كنّا نخاف الجرأة. المعاناة ليست فقط من النظام، وإنما من مجتمع لا يتقبل الطروحات المعاصرة. وبالتالي، فإنّ الفنان يحاول أيضاً أن يقترب من ذائقة المتفرج قدر الممكن».
عبد اللطيف الجيمو من مواليد مدينة جرابلس، التي تقع على بعد 125 كم شمال شرقي مدينة حلب في أقصى شمال سوريا، وهو اليوم في الرابعة والثلاثين، يحمل إجازة جامعية في الفلسفة وأخرى في الفنون، ومع ذلك يقول: «في سوريا، معرفتنا بالفن والمدارس الحديثة كانت محدودة.
يبقى التركيز على المدارس الكلاسيكية والفن الانطباعي، ولم تفتح لنا النوافذ للتعرف على التيارات المعاصرة. فهمت ذلك حين صرت في إسطنبول، واطّلعت على ما يحدث في العالم، ولم أكن على دراية بذلك، حتى مكتبة الجامعة الكتب فيها لا تساعد على اكتشاف الجديد. وأعتقد أنّ ذلك مقصود، فنحن حين نقيم معرضاً كنا بحاجة دائماً إلى رخصة أمنية، وأن يجاز لنا عرض اللوحات بعد الاطلاع على مضمونها وعنوانها».
ويعتبر الفنان السوري أنّ وعيه تغير، بحكم التجربة التي عاشها خارج سوريا، وأنّ التجريد في لوحاته الجديدة هو نوع من التمرد على الكلاسيكية التي أغرق فيها، والواقعية التي فرضت عليه. ويرى أنّ أسلوبه يتغير بسرعة، وإدراكه يتحول تبعاً لما يختبره من حوله.
لوحات «المسقط» المرسومة على القماش التي تعرض الآن في بيروت رغم العنف والدمار، وانمحاء الملامح للمكان الذي تصوره، فإن الأزرق والتوركواز اللذين يتكرّران يجعلانها قريبة من السماحة. «إنّه تأثير نهر الفرات الذي يسكن في ذاكرتي. هذا النهر بألوانه الرائعة يدخل سوريا من جرابلس.
من هناك يبدأ، وصورته البديعة لا تفارق مخيلتي». وفي اللوحات المعروضة، نرى أثر قصف الطائرات على بقع من حلب وإدلب والرقة وجرابلس، وحتى هيروشيما التي بحث عنها الفنان على غوغل، مستكشفاً جغرافيتها والحياة فيها، متصوراً ما أصاب أصحابها حين قرّرت القوة أن تغتصب حياتهم، وتلقي القنبلة الذرية عليهم.
ويعمل عبد اللطيف الجيمو على مشروع جديد، على أمل أن يقيم في وقت قريب أول معرض فردي له في تركيا، بمعونة فنانين أتراك يرى أنّ الكثير يجمعه بهم، حيث يقول: «أعمل على مفهوم الحركة والسكون، من خلال الرقص الصوفي. فالصوفي يظن أنّه هو الثابت ومن حوله يتحركون، فيما يظنّ من حوله أنّهم هم الثابتون وهو الذي يتحرك».
والفن بقدر ما له هوية، يكون عالمياً أيضاً، لذلك يتمنى الجيمو أن يتمكن الفنانون العرب من طرح أعمالهم بوعي معاصر، وكمجموعة لها كيانها وهويتها، ويضيف: «كل الحروب أنتجت مدارس مثل السوريالية والدادائية، ثم المدرسة المستقبلية. نحن في هذه المنطقة لنا ما يجمعنا، من حيث الظروف التي مررنا بها، والثقافة، وأتمنى أن نقدّم ما يشبهنا في صورة معاصرة لهذا العالم. الغاية من الفن أن يسهم في تطوير الفكر البشري، وحاجة الفنانين العرب اليوم لمؤسسة تجمعهم وتؤطر عملهم».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».